رسالة (( للمتعصبين لأقوال من يعظمون ))
قال ابن رجب رحمه الله تعالى :
_ ولما كثر اختلاف الناس في مسائل الدين وكثر تفرقهم كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم وكل منهم يظهر أنه يبغض لله وقد يكون في نفس الأمر معذورا وقد لا يكون معذورا بل يكون متبعا لهواه مقصرا في البحث عن معرفة ما يبغض عليه
_ فإن كثيرا من البغض كذلك إنما يقع لمخالفة متبوع يظن أنه لا يقول إلا الحق وهذا الظن خطأ قطعا وإن أريد أنه لا يقول إلا الحق فيما خولف فيه فهذا الظن قد يخطئ ويصيب
_ وقد يكون الحامل على الميل مجرد الهوى أو الإلف أو العادة ، وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله
_ فالواجب على المؤمن أن ينصح لنفسه ويتحرز في هذا غاية التحرز وما أشكل منه فلا يدخل نفسه فيه خشية أن يقع فيما نهى عنه من البغض المحرم
_ ** _ وهاهنا أمر خفي ينبغي التفطن له وهو
أن كثيرا من أئمة الدين قد يقول قولا مرجوحا ويكون مجتهدا فيه مأجورا على اجتهاده فيه ، موضوعا عنه خطؤه فيه ، ولا يكون المنتصر لمقالته تلك بمنزلته في هذه الدرجة ، لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله ، بحيث لو أنه قد قاله غيره من أئمة الدين لما قبله ولا انتصر له ولا والى من يوافقه ولا عادى من خالفه ، ولا هو مع هذا يظن أنه إنما انتصر للحق بمنزلة متبوعه ، وليس كذلك ،
فإن متبوعه إنما كان قصده الانتصار للحق وإن أخطأ في اجتهاده ، وأما هذا التابع فقد شاب انتصاره لما يظنه الحق إرادة علو متبوعه وظهور كلمته وأنه لا ينسب إلى الخطأ ، وهذه دسيسة تقدح في قصد الانتصار للحق فافهم هذا فإنه مهم عظيم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم . ا.هـ
جامع العلوم والحكم
أثناء شرحه للحديث الخامس والثلاثين حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلَّم [ لا تحاسدوا ، ولا تناجشوا ... ] رواه مسلم
==========
وهذه فائدة عن الإمام ابن تيمية رحمه الله
قال في منهاج السنة (4/543 -544)
ومما يتعلق بهذا الباب أن يعلم أن الرجل العظيم في العلم والدين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى يوم القيامة أهل البيت وغيرهم قد يحصل منه نوع من الاجتهاد مقرونا بالظن ونوع من الهوى الخفي فيحصل بسبب ذلك مالا ينبغي اتباعه فيه وإن كان من أولياء الله المتقين
ومثل هذا إذا وقع يصير فتنة لطائفتين :
1) طائفة تعظمه فتريد تصويب ذلك الفعل واتباعه عليه
2) وطائفة تذمه فتجعل ذلك قادحا في ولايته وتقواه بل في بره وكونه من أهل الجنة بل في إيمانه حتى تخرجه عن الإيمان
وكلا هذين الطرفين فاسد
والخوارج والروافض وغيرهم من ذوي الأهواء دخل عليهم الداخل من هذا
ومن سلك طريق الاعتدال عظم من يستحق التعظيم وأحبه ووالاه وأعطى الحق حقه فيعظم الحق ويرحم الخلقويعلم أن الرجل الواحد تكون له حسنات وسيئات فيحمد ويذم ويثاب ويعاقب ويحب من وجه ويبغض من وجههذا هو مذهب أهل السنة والجماعة خلافا للخوارج والمعتزلة ومن وافقهم وقد بسط هذا في موضعه ) انتهى.
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showth...threadid=12137
=============
هذه وصيَّة نافعة من الإمام ابن تيميَّة رحمه الله في الكلام على تفاضل العلماء وغيرهم
وسبب نقلي لها أن كثيرا من المبتدئين في طلب العلم أو العوام الذين يحبُّون بعض المشايخ وطلبة العلم يرفعونهم فوق منزلتهم ويغمطون من هم أكثر منهم علما وأولى بالتَّقديم والاتِّباع ولا أود الإطالة لأنَّ كلام الإمام رحمه الله يغني عن كلماتي وتحليلاتي ، وهذا ليس خاصّا بمن يفضَّل أحدا على أحد في علم بعينه بل هو شامل لكل العلوم ، فرحم الله ابن تيمية ووفقنا لفهم هذه الوصيَّة وامتثال ما جاء فيها .
قال رحمه الله في الجواب الصَّحيح على من بدَّل دين المسيح (5/131)
يمتنع مع العلم والعدل في كل اثنين أحدهما أكمل من الآخر في فن أنْ يُقَرَّ بِمَعْرِفَةِ ذلكَ الفَنِّ للمفضولِ دون الفاضلِ وقولنا مع العلمِ والعدلِ لأنَّ الظالمَ يفضلُ المفضولَ مع علمهِ بأنه مفضولٌ ، والجاهلُ قد يعرفُ المفضولَ ولا يعرفُ الفاضلَ
فإن كثيرا من الناس يعلمون فضيلة متبوعهم إما في العلم أو العبادة ولا يعرفون أخبار غيره حتى يوجد أقوام يعظمون بعض الأتباع دون متبوعه الذي هو أفضل منه عند التابع وغيره لا يعرفونه فهؤلاء ليس عندهم علم ولهذا تجد كثيرا من هؤلاء يرجح المفضول لعدم علمه بأخبار الفاضل وهذا موجود في جميع الأصناف حتى في المدائن يفضل الإنسان مدينة يعرفها على مدينة هي أكمل منها لكونه لا يعرفها والحكم بين الشيئين بالتماثلِ أو التفاضلِ يستدعي معرفة كل منهما ومعرفة ما اتَّصَفَ به من الصِّفاتِ التي يقعُ بها التماثلُ والتفاضلُ كمن يريد أن يعرف أن البخاري أعلم من مسلم وكتابه أصح أو أن سيبويه أعلم من الأخفش ونحو ذلك
وقد فضل الله بعض النبيين على بعض كما قال تعالى ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض
وقال تعالى { تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض }
والكلام في شيئين :
أحدهما في كون المفضول يستحق تلك المنزلة دون الفاضل وهذا غاية الجهل والظلم كقول الرافضة الذين يقولون إن عليا كان إماما عالما عادلا والثلاثة لم يكونوا كذلك
وكذلك اليهود والنصارى الذين يقولون إن موسى كان رسولا ومحمد لم يكن كذلك فإن هذا في غاية الجهل والظلم بخلاف من اعترف باستحقاق الاثنين للمنزلة ولكن فضل المفضول فهذا أقل جهلا وظلما...
وهو ضمن كلام نافع جدا من (5/117 _ 145 )
_____
في كتاب ( خُطْبَةُ الكِتَابِ المُؤَمَّلِ فِي الرَّدِّ إلى الأَمْرِ الأوَّلِ )
لأبي شامة المقدسي رحمه الله
( ص 144 ) (( ومما يتعجَّب منه أيضا من هؤلاء أنَّهم يرون مصنَّفات الشَّيخ أبي إسحاق وغيره مشحونة بتخطئة المزنيِّ وغيره من الأكابر فيما خالفوا فيه مذهبهم ، فلا تراهم ينكرون شيئا من هذا ، فإن اتفق أنَّهم يسمعون أحدا يقول : " أخطأ الشيخ أبو إسحاق في كذا بدليل كذا وكذا " انزعجوا وغضبوا وأنكروا ورأوا أنه قد ارتكب كبيرا من الإثم ، فإن كان الأمر كما ذكروا فالَّذي ارتكبه أبو إسحاق أعظم ، فما لهم لا ينكرون ذلك ولا يغضبون منه ، لولا قلَّة العلم وكثرة جهلهم بمراتب السَّلف رضي الله عنهم ... ))
========________
قال ابن القيِّم رحمه الله تعالى في كتابه القيِّم " الصَّواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة "
السبب الثَّالث : ( من أسباب قبول التَّأويل ) وإن كان كلامه رحمه الله عن أهل التَّجهم والتَّحريف للآيات ، إلا أنَّه ينطبق على كثير من البدع والضَّلالات والأخطاء التي ينشرها البعض ، فيبدأ بعض الجهَّال من المتعصبين بالانتصار لها لأن ذلك الملبِّس أورد اسم الشَّيخ المعظَّم فيها لييبهر به أعينهم .
قال رحمه الله ، السبب الثالث :
أن يعزو المتأول تأويله وبدعته إلى جليل القدر نبيه الذكر من العقلاء أو من آل البيت النبوي أو من حل له في الأمة ثناء جميل ولسان صدق ليحليه بذلك في قلوب الأغمار والجهال فإن من شأن الناس تعظيم كلام من يعظم قدره في نفوسهم وأن يتلقوه بالقبول والميل إليه وكلما كان ذلك القائل أعظم في نفوسهم كان قبولهم لكلامه أتم حتى إنهم ليقدمونه على كلام الله ورسوله ويقولون هو أعلم بالله ورسوله منا
وبهذه الطريق توصل الرافضة والباطنية والإسماعيلية والنصيرية إلى تنفيق باطلهم وتأويلاتهم حتى أضافوها إلى أهل بيت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما علموا أن المسلمين متفقون على محبتهم وتعظيمهم وموالاتهم وإجلالهم فانتموا إليهم وأظهروا من محبتهم وموالاتهم واللهج بذكرهم وذكر مناقبهم ما خيل إلى السامع أنهم أولياؤهم وأولى الناس بهم ثم نفقوا باطلهم وإفكهم بنسبته إليهم فلا إله إلا الله كم من زندقة وإلحاد وبدعة وضلالة قد نفقت في الوجود بنسبتها إليهم وهم براء منها براءة الأنبياء من التجهم والتعطيل وبراءة المسيح من عبادة الصليب والتثليث وبراءة رسول الله من البدع والضلالات
وإذا تأملت هذا السبب رأيته هو الغالب على أكثر النفوس وليس معهم سوى إحسان الظن بالقائل بلا برهان من الله ولا حجة قادتهم إلى ذلك وهذا ميراث بالتعصيب من الذين عارضوا دين الرسل بما كان عليه الآباء والأسلاف فإنهم لحسن ظنهم بهم وتعظيمهم لهم آثروا ما كانوا عليه على ما جاءتهم به الرسل وكانوا أعظم في صدورهم من أن يخالفوهم ويشهدوا عليهم بالكفر والضلال وإنهم كانوا على الباطل وهذا شأن كل مقلد لمن يعظمه فيما خالف فيه الحق إلى يوم القيامة
=====
قال ابن الجوزي رحمه الله في " صيد الخاطر " ، في كلام له عن انحراف الصُّوفيَّة ( ص 54 _ 60 ) ت : الطنطاوي
وقد نقلت مواضع منه
قال - رحمه الله تعالى :
1- فجاء أقوام، فأظهروا التزهد ، وابتكروا طريقة زينها لهم الهوى ، ثم تطلبوا لها الدليل .
وإنما ينبغي للإنسان أن يتبع الدليل لا أن يتبع طريقاً ويطلب دليلها.
ثم انقسموا: فمنهم، متصنع في الظاهر، ليث الشرى في الباطن.
يتناول في خلواته الشهوات، وينعكف على اللذات.
ويري الناس بزيه أنه متصوف متزهد، وما تزهد إلا القميص وإذا نظر إلى أحواله فعنده كبر فرعون.
ومنهم:
سليم الباطن، إلا أنه في الشرع جاهل.
ومنهم:
من تصدر، وصنف، فاقتدى به الجاهلون في هذه الطريقة، وكانوا كعمي اتبعوا أعمى.
ولو أنهم تلمحوا للأمر الأول ، الذي كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة - رضي الله عنهم - لما ذلوا .
ولقد كان جماعة من المحققين ، لا يبالون بمعظم في النفوس إذا حاد عن الشريعة ، بل يوسعونه لوماً.
فنقل عن أحمد أنه قال له المروزي: ما تقول في النكاح ؟
فقال: سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال: فقد قال إبراهيم. قال: فصاح بي وقال: جئتنا ببنيات الطريق ؟
وقيل له: إن سريا السقطي قال: لما خلق الله تعالى الحروف، وقف الألف وسجدت الباء .
فقال: نَفِّرُوا الناسَ عَنْهُ.
واعلم أن المحقق لا يهوله اسم معظم
كما قال رجل لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: أتظن أنا نظن أن طلحة والزبير ، كانا على الباطل ؟
فقال له: إن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله.
ولعمري إنه قد وقر في النفوس تعظيم أقوام ، فإذا نقل عنهم شيء فسمعه جاهل بالشرع قبله ، لتعظيمهم في نفسه.
كما ينقل عن أبي يزيد رضي الله عنه، أنه قال: تراعنت علي نفسي فحلفت لا أشرب الماء سنة.
وهذا إذا صح عنه، كان خطأ قبيحا ً، وزلة فاحشة ، لأن الماء ينفذ الأغذية إلى البدن ، ولا يقوم مقامه شيء ، فإذا لم يشرب فقد سعى في أذى بدنه ، وقد كان يستعذب الماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
أفترى هذا فعل من يعلم أن نفسه ليست له، وأنه لا يجوز التصرف فيها إلا عن إذن مالكها...
2- واسمع مني بلا محاباة ، لا تحتجن علي بأسماء الرجال، فتقول: قال بشر، وقال إبراهيم بن أدهم، فإن من احتج بالرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه - رضوان الله عليهم - أقوى على أن لأفعال أولئك وجوهاً نحملها عليهم بحسن الظن ...
3- ومن تأمل هذه الأشياء، علم أن فقيهاً واحداً - وإن قل أتباعه ، وخفت إذا مات أشياعه - أفضل من ألوف تتمسح العوام بهم تبركاً ، ويشيع جنائزهم ما لا يحصى .
وهل الناس إلا صاحب أثر نتبعه ، أو فقيه يفهم مراد الشرع ويفتي به ؟.
نعوذ بالله من الجهل، وتعظيم الأسلاف تقليداً لهم بغير دليل !.
فإن من ورد المشرب الأول، رأى سائر المشارب كدرة ، والمحنة العظمى مدائح العوام، فكم غرت ... !!.
كما قال علي رضي الله عنه: ما أبقى خفق النعال وراء الحمقى من عقولهم شيئاً.
__________وكتب أبو عبد الرحمن خالد بن عمر الفقيه الغامدي
===
فإن هذه العبارات المذكورة نحو: (واعلم أن المحقق لا يهوله اسم معظم) لا يعيها كثير من الناس، فيتنقص الأكابر، وربما كانوا هم المحقين وهو المخطئ لجهله.
فينبغي أن يبين هذا أشد التبيين، ويكرر التذكير به على الملأ، والأدب عند أهل العلم خير من التحقيق المدعى.
ثم لا يقال إن هذه العبارة تعني الأخذ بما يفهمه الناظر في ظاهر النص دون رجوع لكلام أئمة السلف، فيأتينا بقول جديد بفهم جديد حادث ويدعي أنه من أهل التحقيق.
بل الظلم كل الظلم أن يقال: إن شيخ الإسلام وابن القيم والشوكاني و...و... من أهل العلم الأجلة هم المحققون.. فما بال مالك والشافعي وأحمد والليث؟! بل ما بال الموفق والحافظ والنووي وابن عبدالبر وابن دقيق العيد لا يطلق عليهم مثل هذا الاسم عند كثير من الطلبة؟! (الأمر يحتاج إلى إعادة نظر). وسامحوا أخاكم إن أساء.
=======
والحقيقة أن كثيرا ممن يدَّعي الإنصاف والاحترام لأهل العلم تجده يردُّ الحقَّ أحيانا لأن المخطئ من المعظَّمين عنده ، ويحاول أن يبرر خطأ المعظَّمِ عنده بأي طريقة ، ولا أظن أحدا منَّا إلا قد تعرَّض لبعض هذه العيِّنات التي تدَّعي الإنصاف واتِّباع الحقِّ دون تعصُّب لقول أحد من أهل العلم ، فإذا نقَّبت عن حقيقة دعواه وجدته لا يطبق كلامه مع جميع العلماء المتقدِّمين أو المتأخرين بل يطبِّقه على بعض دون بعض ،فهو ينظر للعماء بعيني أعور ، وهذا من قلِّة العلم والإنصاف .