بسم الله الرحمن الرحيم
الفضل الثابت
لوليّ الله حسّان بن ثابت
رضي الله عنه
الفضل الثابت
لوليّ الله حسّان بن ثابت
رضي الله عنه
مقدمة :
بسم الله و الصلاة و السلام على خير رسل الله , نبينا محمد و على آله و صحابته إلى يوم لقائه و بعد :
إن من عظيم الحسرة, التي تنتاب كل عبد عاقل سنيّ ويحترق لها قلبه غيظا, هي تلكم الحرب الجهلاء التي رُقم على لوائها : العداء لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه و سلم -
أقلام بمداد بغض الصحابة سائلة وعقول بمناقب القوم جاهلة وقلوب عن الصفاء تجاههم مائلة
كلمات نجسات , قد سطّرت على صحائف العداء للصفوة المختارة , التي بني على أساسها صرح الإسلام و قلعة توحيد العلي العلام
ذلكم الأساس الذي قصده أعداء الملة الحنيفية فقاموا عليه بمعاول الهدم حتى ينهار ذلك الصرح الشامخ
ومن تلكم الحروب القذرة التي اشتعلت و شبّ ضرامها على وليّ من أولياء الرحمن , وصحابي من أصحاب النبي العدنان, تلكم التي قام قائمها على عرض المؤيد من السماء الصحابي الجليل حسان بن ثابت - رضي الله عنه - فعمد زمرة الجهل من الكتاب الجهلة إلى طمس فضائله , فظلموا أنفسهم بالقدح في هذا التقيّ الذي نال الدرجات العلى والمقامات الرفيعة - جاء في مقدمة ديوان حسّان بن ثابت الذي طبع سنة 1407 هجرية بدار بيروت ص:
5 ما نصّه :
( على أنه كان مشهورا بجبنه , فلم يناصر الدين الجديد بسيفه ولم يكن يذهب مع المسلمين على القتال, وإنما كان يتخلّف مع النساء في المنازل )
فأي شهرة يتحدث عنها هذا الجاهل الأحمق ؟ أفي صحيح البخاري وجد هذا ؟ أم في
صحيح مسلم ؟ أم في كتاب الله أوّلا ؟
نعم هكذا يأفكون وبالظلم يعتدون , والعجب من ذلك أنك تجد مثل هذه الكلمات
في كتب بعض أهل السنة فأصبحوا عمدة هؤلاء في ما تجرؤوا
و ذلك - والله - من عظيم المطاعن التي ألصقت زورا وبهتانا بهذا الصحابي الجليل
كيف لا وهي من شرّ الخصال التي يأباها كل مسلم بل جميع البشر خلق الجبن عياذا بالله !!
و حتى لا يقول قائل أن هذه الصفة لا تنقص من قيمة الرجل و لا تعتبر قدحا في
صاحبها , نذكر له ما يثبت خلاف ذلك
قال البخاري - رحمه الله - في كتاب الجهاد : (باب ما يتعوّذ من الجبن )
ثم ساق حديث عمرو بن ميمون الأوديّ قال : (كان سعد يعلم بنيه هؤلاء الكلمات كما يعلم المعلم الغلمان الكتابة و يقول : إن رسول الله كان يتعوذ بهن دبر الصلاة : اللهم إني أعوذ بك من الجبن و أعوذ بك من أن أرد إلى أرذل العمر و أعوذ بك من فتنة الدنيا وأعوذ من عذاب القبر )
رقم : 2822
فلا أشرّّ من خلق كان يتعوّذ منه رسول الله - صلى الله عليته و سلم - ؟
والعجب لا ينقضي عندما تجد هذا الوصف في كتب من ترجم لهذا الصحابي في المصادر التي تعتبر مرجعا في تراجم الصحابة
حتى قال الحافظ ابن عبد البرّ - رحمه الله - : ( وقال أكثر أهل الأخبار والسير : إن حسانا كان من أجبن الناس, وذكروا من جبنه أشياء مستبشعة ) الاستيعاب 192
وأما أصل هذه الفرية اللاصقة بحسان بن ثابت - رضي الله عنه - فهي قصة وخبر رواه أهل السير, مخرجه واحد وسأسوقه كما ذكر :
قال ابن إسحاق :
وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عباد قال : كانت صفية بنت عبد المطلب في فارع حصن حسان بن ثابت قالت :
وكان حسان بن ثابت معنا فيه, مع النسوة والصبيان قالت صفية : فمر بنا رجل من يهود فجعل يُطيف بالحصن وقد حاربت بنو قريظة
وقطعت ما بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم و ليس بيننا وبينهم أحد يدفع عنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون في نحور عدوهم لا
يستطيعون أن ينصرفوا عنهم إلينا إن أتانا آت قالت : فقلت : يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطيف بالحصن وإني والله ما
آمنة أن يدل على عوراتنا من وراءنا من يهود وقد شغل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فانزل إليه فاقتله قال : يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب ! والله لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا قالت : فلما قال لي ذلك ولم أر عنده شيئا احتجزت ثم أخذت عمودا ثم نزلت من الحصن إليه فضربته بالعمود حتى قتلته قالت : فلما فرغت منه رجعت إلى الحصن فقلت : يا حسان انزل فاستلبه فإنه لم يمنعني من سلبه إلا أنه رجل قال : ما لي بسلبه حاجة يا بنت عبد المطلب )
سيرة ابن هشام 3 / 239 دار القلم
فكل من تكلم في السيرة النبوية غالبا تجده يروي هذا الخبر !
وبعون الله تُرد هذه الفرية من وجوه عدّة :
الوجه الأول :
أن هذه القصة لا تصحّ بحال, لأن سندها منقطع الأوصال
يقول الإمام السهيلي - رحمه الله - : ( ومحمل هذا الحديث عند الناس على أن حسّانا كان جبانا شديد الجبن , وقد دفع هذا بعض العلماء وأنكره , وذلك أنّه
حديث منقطع الإسناد ) الروض الأنف 3 / 432 - 433
- قال الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله - : ( كرهت ذكرها لنكارتها ) الاستيعاب 192
الوجه الثاني :
أنه لو صحّ ذلك عن هذا التقيّ لما قوي شعره و جهاده ضد كفار العرب و ذلكم أن الشعراء لا تجد واحدا منهم يُغفل مثل هذه الخصال المذمومة حتى يهجو من كان خصما له و خصوصا من شعراء الإسلام
يقول الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله - ناقلا عن بعض من أنكر ذلك :
( وقالوا : لو كان حقا لهجي به, فإنه قد هجا قوما فلم يهجه أحد
منهم بالجبن, ولو كان ذلك لهجي به ) الاستيعاب 192
يقول الإمام السهيلي - رحمه الله - ناقلا عن بعض الأئمة : ( وقال : لو صحّ هذا لهجي به حسّان , فإنّه كان يهاجي الشعراء كضرار وابن الزبعريّ وغيرهما , وكان يناقضونه ويردون عليه , فما عيّره أحد منهم بجبن , ولا وسمه به , فدلّ هذا على ضعف حديث ابن إسحاق ) الروض الأنف 3 / 432 - 433
و أدق من ذلك أن تلكم الفرية لو صح خبرها لهجي حتى ابنه عبد الرحمن فقد كان معروفا بالشعر أيضا
يقول الإمام ابن عبد البر - رحمه الله - : ( و لو صحّ ذلك لهُجي بذلك ابنه عبد الرحمن , فإنه كان كثيرا ما يهاجي الناس من شعراء العرب مثل النجاشي وغيره ) انظر الدرر في المغازي و
السير لابن عبد البر ص : 175 دار المعارف بتصرف يسير
الوجه الثالث :
ولو سلمنا جدلا و قلنا بصحة هذا الخبر تنزلا : لما جاز لأحد أن يصف هذا الصحابي الشجاع والتقيّ المقدام بهذه الصفة المشينة التي تردها الطباع الحسنة ولقد قرر أئمة السنة و انعقد على ذلك إجماعهم أن منزلة الصحابة رفيعة لا تمسّ بحال :
قال الإمام ابن عبد البر - رحمه الله - :
( والكف عن ذكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه و سلم - إلا بخير ما يُذكرون به ,فإنهم أحق الناس أن تُنشر محاسنهم و يُلتمس لهم أفضل المخارج و يُظن بهم أحسن
المذاهب ) الجامع 147
فدونك يا عبد الله حبل السلامة فاعقد نفسك به لعلك تنجوا من أمواج فتن أهل الجهل, الذين لا يرفعون رأسا بكلام الأئمة الجهابذة فاللهم رحماك
وإذا مثّلنا بقضية حسان - رضي الله عنه - على هذه القاعدة النيّرة التي قررها ابن عبد البر - رحمه الله – نخلص إلى أن هذه الفرية لو ثبتت لما جاز
لنا نشرها لأن ذلك حتما يعد من نشر مساوئ الصحابة و قد نهينا عن ذلك
الوجه الرابع :
بناء على تلكم القاعدة الزكية السالفة الذكر , يقال أن حسانا من أحق الناس أن يلتمس له أحسن المخارج لو صح ذلك , ومن المخارج التي التمست :
ما ذكره الإمام السهيلي - رحمه الله – حيث قال :
( وإن صحّ فلعلّ حسّان أن يكون معتلاّ في ذلك اليوم بعلّة من شهود القتال, وهذا أولى ما تأول ) الروض الأنف 3 / 432 - 433
- قال الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله - : ( وقيل : إنما أصابه ذلك الجبن منذ ضربه صفوان بن المعطل بالسيف ) الاستيعاب 192
ولقد كفانا الله عناء التكلف في البحث لمخارج لهذا الصحابي الجليل و ذلك لعدم صحة الخبر والحمد لله أولا وآخرا
الوجه الخامس :
أن حسانا - رضي الله عنه - قد كان من المجاهدين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم بيده وليس بلسانه فقط وبرهانه :
أن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : ( قد جاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه ولسانه ) السير 2 / 518 و تاريخ دمشق 13 / 283
فقعب الإمام الذهبي - رحمه الله - بعد هذا الأثر :
( قلت : هذا دال على أنه غزا ) السير2 / 518
وقالت عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - : ( لا تسبوا حسان فإنه قد أعان نبي الله - صلى الله عليه و سلم بلسانه و يده ) تاريخ دمشق
13 / 282
و مما يدل دلالة واضحة على أن حسانا - رضي الله عنه- كان مشاركا لأصحابه في غزواتهم , هي تلكم الأشعار الصارخة بشجاعته و جرأته في ميادين الجهاد
ومنها :
قوله - رضي الله عنه - :
نصرنا رسول الله و الدين عنوة ............ على رغم عات من معد و حاضر
بضرب كإيزاع المخاض مشاشة ............. و طعن كأفواه اللقاح الصوادر
وسل أحدا يوم استقلت شعابه ............. بضرب لنا مثل الليوث الخوادر
ألسنا نخوض الحوض في حومة الوغى .....إذ طاب ورد الموت بين العساكر
و نضرب هام الدراعين وننتمي .............إلى حسب من حزم غسّان قاهر
ولولا حياء الله قلنا تكرما ................. على الناس بالخيفين هل من
منافر ؟
فأحياؤنا من خير من وطئ الحصى ........ و أمواتنا من خير أهل المقابر
تاريخ دمشق 13 / 28
وقال أيضا :
نصرناه لما حل وسط رحالنا ..... بأسيافنا من كل باغ و ظالم
جعلنا بنينا دونه و بناتنا ........ وطبنا له نفسا بفيئ المغنم
و نحن ضربنا الناس حتى تتابعوا ... على دينه بالمرهفات الصوارم
صفحة : 229 من ديوان دار بيروت
ما زال وقع سيوفنا ورماحنا ..... في كل يوم تجالد و ترانم
حتى تركنا الأرض سهلا حزنها .... منظومة من خيلنا بنظام
صفحة 234 من المرجع السابق
و قال يوم الخندق لعمرو بن عبد ود :
و لقد وجدت سيوفنا مشهورة ...و لقد وجدت جيادنا لم تقصر
المرجع السابق
فهل يخرج هذا الكلام من رجل جبان ؟
الوجه السادس :
أن من عظيم أنواع الجهاد التي تدل دلالة واضحة على شجاعته - رضي الله عنه - هو منافحته عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بشعره
قال الإمام الشوكاني - رحمه الله - :
( فإن الانتصار للحق بالشعر وتزييف الباطل به من أعظم المجاهدة وفاعله من المجاهدين في
سبيل الله المنتصرين لدينه القائمين بما أمر الله بالقيام به ) فتح القدير 4 / 145
ودليل واضح على أن منافحته بالشعر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت من عظيم الجهاد قول أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - : ( والله إني لأرجو أن يدخله الله الجنة بكلمات قالهنّ لأبي سفيان بن الحارث :
هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه **** وعند الله في ذاك الجزاءُ
فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاءُ
أتهجوه ولستَ له بكفء؟**** فشركما لخير كما الفداءُ )
السير ص 515 جزء 2
الوجه السابع :
هو أن نردّ ذاك البهتان بدليل واضح من كتاب الله قد أجمع على القول به أهل الإسلام قاطبة و هو قوله تعالى : ( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ )فنصّت هذه الآية أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قاطبة من أفضل شجعان الأمة وعلى رأسهم ومقدمتهم , فلا يخرج واحد منهم – رضي الله عنهم – عن هذا الثناء العظيم ومن جملتهم الصحابي الكبير حسان بن ثابت , فهل يجتمع جبن وشدّة على الكفار ؟
الوجه الثامن :
أن حسانا - رضي الله عنه - كان يكره الجبن و لذلك كان يهجو من سمع منه ذلكم الخلق السافل ومن ذلك قصته مع الصحابي عبد الله بن الزبعري رضي الله عنه
قال الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله - في ترجمة ابن الزبعري : ( كان يهاجي حسان بن ثابت وكعب بن مالك ثم أسلم عبد الله الزبعري عام الفتح بعد أن هرب يوم الفتح إلى نجران فرماه حسان بن ثابت ببيت واحد فما زاده عليه :
لا تعد من رجلا أحلك بغضه ... نجران في عيش أجد لئيم فلما بلغ ذلك ابن الزبعري قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن
إسلامه واعتذر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقبل عذره ثم شهد ما بعد الفتح من المشاهد )
الإستيعاب صفحة : 451
و قال أيضا يهجو الحارث بن هشام يوم بدر عندما فرّ من القتال :
و القوم خلفك قد تركت قتالهم .... ترجو النجاء فليس حين ذهاب
هلا عطفت على ابن أمك إذ ثوى ... قعص الأسنة ضائع الأسلاب
ديوان حسان بن ثابت طبعة دار بيرت صفحة 26 - 27 بتصرف
و قال أيضا لبعضهم لما فرّ من القتال :
ألقى السلاح وفر عنها مهملا .... كالهبرزي يزلّ فوق المنسج
لما رأى بدرا تسيل جلالها ....... بكتائب ملأوس أو ملخزرج
صفحة : 42 بتصرف من المرجع السابق
وقال مدافعا عن إياس بن عبيد لما تخلف عن خيبر ورمته أمّه بالجبن :
على حين أن قالت لايمن أمه .... جبنت و لم تشهد فوارس خيبر
و أيمن لم يجبن ولكن مُهره ...... أضر به شرب المديد المخمّر
فلولا الذي قد كان من شأن مهره .... لقاتل فيها فارسا غير أعسر
ولكنه قد صده فعل مهره ...... وما كان منه عنده غير أيسر
صفحة 113 - 114 من المرجع السابق
وقال أيضا :
زبانية حول أبياتهم .... و خور لدى الحرب في المعمعه
صفحة : 152 من المرجع السابق
وقال أيضا يهجو المشركين :
ففروا إلى حصن القصور و غلّقوا .... و كائن ترى من مشفق غير وائل
صفحة : 183 من المرجع السابق
فهذه بعض الكلمات في رد هذا الباطل , ويكفي وجه واحد منها لنسفه من أساسه ,
فكيف لو اجتمعت ؟ والله الموفق لمرضاته
وهاكم يا عباد الله فتوى لأئمة أهل السنة في هذا العصر :
السؤال الثالث من الفتوى رقم ( 6581 )
س 3 : يقول البعض : بأن حسان بن ثابت رضي الله عنه (جبان) ويستشهدون بقول ابن حجر ذلك في الإصابة . ما رأيكم في ذلك؟
ج 3 : الذي ينبغي للمسلم نحو الصحابة رضي الله عنهم أن يذكر محاسنهم ، ويثني عليهم بما هم أهل له ، ويكف عن مساوئهم ، وما ذكر عن حسان بن ثابت في كتب التاريخ والتراجم من أنه كان جبانا فعلى تقدير صحته يكون ذكره بذلك غيبة ، ولا خير يستفاد من ذكره بذلك ، وإن كان كذبا كان وصفه بذلك غيبة وزورا ، وكان الكف عن ذلك أوجب ، وصيانة اللسان عنه ألزم .
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
نائب الرئيس : عبد الرزاق عفيفي
عضو : عبد الله بن قعود
إن أقالم بعض من جهل قدر الصحابة قد نالت من هذا الوليّ التقي وتوسعت في التنقيص من قدره الجليل
قال عمر فروخ صاحب كتاب ( تاريخ الأدب العربي ) :
( ولم يكن لحسان في أيام أبي بكر وعمر نشاط سياسيّ فلما جاء عثمان عاد له شيء من العصبية الجاهلية وأصبح عثمانيا يمالئ بني أمية ) 1 / دار القلم325
لست أدري - والله - أهذا طعن في حسان أم في عثمان - رضي الله عنهما -
- قال محقق كتاب ( جمهرة أشعار العرب ) لأبي زيد بن أبي الخطاب الأستاذ
خليل بن شرف الدين معقبا على قول من فضل حسانا على جميع الشعراء :
قال محشيا ومعقبا : ( هذا صحيح إلى حدّ كبير, أما أنه لا يشاكله أحد من الشعراء فقول عاطفي ديني أكثر منه تقيما صحيحا , فهناك من بذّ حسانا في
أبواب شعرية كثيرة , خاصة وأن حسانا كان قد شاخ , أيام الرسول وشاخت معه شاعريته ) 1 / 133 حاشية : 2
نعم بهذه الكلمات الوقحات يُهدهم جهاد حسان ابن ثابت - رضي الله عنه -
وسأذكر الآن شيئا من فضائل هذا الصحابي الجليل حتى نقارن بين المثالب التي سطرتها أيادي الإخباريين و بين المناقب التي أجمع عليها أهل الإسلام و نطق بها كتاب الله و قررها رسول الله صلى الله عليه و سلم و سلف هذه الأمة
ترجمة موجزة
عن حسان بن ثابت - رضي الله عنه -
عن حسان بن ثابت - رضي الله عنه -
- وهو عم شداد بن أوس
هو : ابن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عديّ بن عمرو بن مالك ابن النجار سيّد شعراء المؤمنين المؤيّد بروح القدس , أبو الوليد وقيل : أبو
الحسام وقيل : أبو عبد الرحمن , الأنصاري الخزرجي النجاري المدني , ابن
فريعة شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه السير للذهبي 2 / 512 تاريخ دمشق 13 / 268
- يكنى: أبا الوليد وهي الأشهر, وأبا المضرّب الإصابة ترجمة
رقم : 1709
- وهب له رسول الله - صلى الله عليه و سلم أخت مارية القبطية سيرين فولدت
له عبد الرحمن طبقات ابن سعد 1 / 135
قال ابن الفراء الغساني- رحمه الله -:(ولم يختلف أنه عاش مائة وعشرين سنة,
ستون في الجاهلية وستون في الإسلام) نزهة الأبصار في فضائل
الأنصار صفحة : 315 أضواء السلف
- من روى عنه :
- حدث عنه ابنه عبد الرحمن والبراء بن عازب وسعيد بن المسيب وأبو سلمة بن
عبد الرحمن , وآخرون
قال ابن مندة :حدّث عنه عمر وعائشة وأبو هريرة ص 512 مجلد 2
من السير
- وعروة بن الزبير الإصابة ترجمة رقم : 1709
- وأبو الحسن مولى بني نوفل وخارجة بن زيد بن ثابت ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب
التهذيب رقم 1265
- وفاته :
قال ابن إسحاق : توفي حسان سنة أربع و خمسين السير 2/522
وقال ابن سعد : توفي زمن معاوية السير 2/523
قال الحافظ : والجمهور أنه عاش مائة وعشرين سنة وقيل عاش مائة و أربع سنين
جزم به ابن أبي خيثمة عن المدائني وقال ابن سعد:عاش في الجاهلية ستين
سنة,وفي الإسلام ستين ومات هو ابن عشرين ومائة الإصابة 2 / 56 - 57
فضائل حسان - رضي الله عنه ـ
هو واحد من الصحب الكرام :
وهي منزلة عظيمة الشأن لوحدها , فلو قلنا أن حسانا لم تثبت في حقه فضيلة إلا هذه لكان حقيق بكل أحد من البشر أن يعرف له قدره و مكانته العظيمة
قال القاضي عياض – رحمه الله - : ( إن فضيلة الصحبة و اللقاء و لو لحظة لا يوازيها عمل و لا ينال درجتها شيء , و الفضائل لا تؤخذ بقياس : { ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء )
الذبّ عن النبيّ -عليه السلام- وتأييده بجبريل -
عليه السلام - :
قال الإمام النووي - رحمه الله - ( باب فضائل حسّان بن ثابت )
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - : ( أَنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَسَّانَ وَهُوَ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ فَلَحَظَ إِلَيْهِ فَقَالَ :
قَدْ كُنْتُ أُنْشِدُ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْكَ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ أَسَمِعْتَ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ قَالَ : اللَّهُمَّ نَعَمْ ) صحيح مسلم رقم : 2485
عن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم لحسان : ( اهجهم أو هاجهم وجبريل معك ) صحيح مسلم رقم : 2486
قال العلامة صديق حسن خان - رحمه الله - : ( فيه فضيلة لحسان من حيث معية حبريل - عليه السلام - معه و يالها من شرف و إكرام ) السراج الوهاج 7/204
قالت أم المؤمنين عائشة وهي تدافع عن حسان بن ثابت - رضي الله عنهما- :
(يا ابن أختي دعه فإنه كان ينافح عن رسول الله - صلى الله عليه و سلم - ) صحيح مسلم رقم : 2487
قالت عائشة رضي الله عنها: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اهجوا قريشا فإنه أشد عليها من رشق النبل فأرسل إلى ابن رواحة فقال: اهجهم فهجاهم فلم يُرضِ! فأرسلَ إلى كعب بن مالك ثم أرسلَ إلى حسَّان بن ثابت فلما دخل عليه قال حسَّان: قد آنَ لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلعَ لسانه فجعل يحركه فقال: والذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فري الأديم
" ثم قالت عائشة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: هجاهم حسَّان فشفى واشتفى) رواه مسلم : 2490
فأكرم بها من مثوبة و منقبة عظيمة ! كيف لا وقد شفى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه الكرام
قال الإمام النووي - رحمه الله - : ( أي شفى المؤمنين و اشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار و مزقها و نافح عن الإسلام و المسلمين ) شرح مسلم 16 / 49
هو واحد من الأنصار فتلحقه كل فضائلهم :
قال النبي - صلى الله عليه و سلم - : ( أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم )رواه البخاري برقم 3799
وفي حديث رواه البخاري في صحيحه جاء فيه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال للأنصار : ( و الذي نفسي بيده إنكم أحب الناس إليّ مرتين ) برقم : 3786
عن البراء - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن و لا يبغضهم إلا منافق , فمن أحبهم أحبه الله ومن أبغضهم أبغضه الله ) رواه البخاري برقم : 3784
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليهو سلم قال :
( آية الإيمان حب الأنصار و آية النفاق بغض الأنصار ) البخاري رقم 17 كتاب الإيمان
قال الحافظ - رحمه الله - :
(وخصوا بهذه المنقبة العظمى لما فازوا به دون غيرهم من القبائل من ايواء النبي صلى الله عليه و سلم ومن معه والقيام بأمرهم ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم وايثارهم إياهم في كثيرمن الأمور على أنفسهم فكان صنيعهم لذلك موجبا لمعاداتهم جميع الفرق الموجودين من عرب وعجم والعداوة تجر البغض ثم كان ما اختصوا به مما ذكر موجبا للحسد والحسد يجر البغض فلهذا جاء التحذير من بغضهم والترغيب في حبهم
حتى جعل ذلك آية الإيمان والنفاق تنويها بعظيم فضلهم وتنبيها على كريم فعلهم ) الفتح 1/88
هو من بني النجار و فضلهم ثابت :
قال البخاري - رحمه الله - (باب فضل دور الأنصار )
ثم ساق حديث أبي أسيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه و سلم قال
:( خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل ثم بنو الحارث بن الخزرج ثم بنو ساعدة و في كل دور الأنصار خير ) رقم 3789
- قال الحافظ - رحمه الله - : ( وبنو النجار هم أخوال جد رسول الله صلى الله عليه و سلم لان والدة عبد المطلب منهم وعليهم نزل لما قدم المدينة فلهم مزية على غيرهم ) الفتح 7/147
آية نزلت فيه - رضي الله عنه - :
قال تعالى : {الشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ، أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}
وقد روي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } أنها نزلت في حسان بن ثابت وعبد الله
بن رواحة وكعب بن مالك وكذلك جاء عن قتادة الدرّ المنثور 5/186 - 187
وجاء كذلك عن عطاء بن يسار جامع البيان للطبري 9 / 492 - 491
و هذه خلاصة الفضائل التي تشهد لهذا الولي التقي بالخير و عظيم الأجر
- تصحيح غلط :
- جاء في كتاب ( تاريخ الأدب العربي ) الجزء الأول صفحة : 328 طبعة دار القلم من أشعار حسان بن ثابت - رضي الله عنه - :
إذا ما الأشربات ذكرن يوما ..... فهن لطيّب الراح الفداء
نولّيها الملامة ما ألمنا .............إذا ما كان مغث أو لحاء
ونشربها فتتركنا ملوكا ........... وأُسدا لا ينهنهنا اللقاء
عدمنا خيلنا إن لم تروها ....... تثير النقع موعدها كداء
ينازعن الأعنة مصغيات...... على أكتافها الأسل الظماء
وقد وقع المؤلف في مزج قبيح و تلفيق فاحش بين قصيدتين من قصائد حسان
فالأولى كانت في الجاهلية كما جاء الخبر عنه أنه :
- ( هجم حسان على فتية يشربون الخمر فعيرهم بذلك فقالوا : يا أبا الوليد ما أخذنا هذا إلا منك , و إنا لنهم بتركها ثم يثبطنا عن ذلك
قولك :
و نشربها فتتركنا ملوكا .... و أُسدا لا ينهنهنا اللقاء
قال : هذا شيء قلته في الجاهلية ,والله ما شربتها منذ أسلمت )
نزهة الأبصار في فضائل الأنصار صفحة : 314 - 315 أضواء السلف
و القصيدة الثانية كان في الإسلام و قد رواها مسلم في صحيحه وهي :
هجوت محمدا فأجبت عنه ..... و عند الله في ذاك
الجزاء
هجوت محمدا برا تقيا ........ رسول الله شيمته الوفاء
فإن أبي ووالده وعرضي........ لعرض محمد منكم وقاء
ثكلت بنيّتي إن لم تروها.......... تثير النقع من كنفي كداء
يبارين الأعنة مصعدات......... على أكتافها الأسل الضماء
تظل جيادنا متمطرات ............تلطمهن بالخُمر النساء
فإن أعرضتمو عنا اعتمرنا........وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم .......يعز الله فيه من يشاء
وقال الله قد أرسلت عبدا........يقول الحق ليس به خفاء
و قال الله قد يسرت جندا..........هم الأنصار عُرضتها اللقاء
لنا في كل يوم من معد.............سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول الله منكم........ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول الله فينا ...........وروح القدس ليس له كفاء
رواه مسلم برقم 2490
و بناء على هذا قال أحدهم في مقدمته على ديوان حسان بن ثابت أن حسانا - رضي الله عنه - كان يشرب الخمر فقط الله ألسنا قذرة بالطعن في الصفوة البررة و كسر الله أقلاما سخرت للنيل من أتقياء الصحابة
الخاتمة :
لقد اتضح لكل ذي لبّ و ظهر لمن عرف قدر الصحب الكرام, أن ما قيل في هذا الولي الكبير لا يعدو أن يكون من جملة الأخبار المكذوبة التي استعملت في الطعن في الصحابة الكرام
ومن عجيب صنيع هؤلاء المنتقصين للصفوة المختارة كما ذكر لي الشيخ المحدّث مفلح الرشيدي - عجل الله له الشفاء - أنهم يعمدون إلى الأخبار الواهية المكذوبة فينشرونها , ويتغافلون عن صحيح الأخبار وجيّدها المبثوثه في كتب
الأئمة مثل البخاري و مسلم ولو أننا تعاملنا بمثل طريقتهم لاحتججنا عليهم بخبر عن حسان بن ثابت - رضي
الله عنه - مفاده : عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم:( لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق ) و لكن فضائل هذا الصحابي أعظم من أن
تثبت بمثل هذا الحديث الضعيف فهذا آخر ما أردت بيانه - مكرها - قياما بواجب النصرة لمن انتصر لله و
رسوله - صلى الله عليه و سلم - سائلا المولى تبارك و تعالى أن يجعل هذه الكلمات من عظيم سعادتي يوم الحساب و سببا للحاق بركب المهاجرين و الأنصار في جنات العزيز القهار
و الحمد لله رب العالمين
كتب سطوره و بيّض نصّه
أبو معاذ محمد مرابط
صبيحة يوم الأربعاء
لسبع خلون من شهر جمادى الأولى سنة 1431 هـ
الجزائر العاصمة
أبو معاذ محمد مرابط
صبيحة يوم الأربعاء
لسبع خلون من شهر جمادى الأولى سنة 1431 هـ
الجزائر العاصمة
منقول من سحاب السلفية