[size=25]سلسلة الذب , المقالة الرابعة: تكحيل العينين بثبوت لفظ وبركاته في التسليمتين للشيخ عبد الله عبد الرحيم البخاري
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّد وآله وصحبه وسلَّم.
أمَّا بعد، فهذه المقالة الرَّابعة في سلسلة الذَّبِّ عن سنَّة رسول الله صلَّى الله عليه و آله وسلَّم، وهي متعلِّقة بصفةٍ في صَلاة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.
و مِمَّا لا يخفى على أهل الإسلام مَا للصَّلاة مِنْ أهميَّةٍ بالِغَةٍ، كيفِ لا وَ هِيَ الرُّكن الثَّاني من أركان الدِّين، وأعظم ركنٍ في الإسلام بعد الشَّهادتين، ومعرفة هديه صلَّى الله عليه وسلَّم فيها من الأهمية بمكانٍ، ويظهر لك ذلك جلياً بالتأمِّل فيما رواه الصَّحابة في صفة صلاته صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، حرصاً منهم على اتِّباعه و تطبيق أمرهِ في قوله الثَّابت في (البخاري) (صلُّوا كما رأيتموني أصلي).
قَال الإمامُ شَيخ الإسلام ابن القَيِّم رحمه الله في (زاد المعاد)(1/69-70):" ومنْ هَا هُنَا تَعلم اضِّطرارُ العِبَاد فَوق كُل ضَرورةٍ إلى مَعرفةِ الرَّسولِ، وما جَاء بهِ، وَتصديقهِ فيما أخبرَ بهِ، وطَاعتِهِ فيما أمرَ، فإنَّه لا سبيلَ إلى السَّعادةِ والفَلاحِ لا في الدُّنيا، و لا في الآخرة إلى عَلى يدي الرُّسل، و لا سَبيلَ إلى مِعْرفةِ الطًّيب والخبيث على التَّفصيل إلاَّ مِنْ جِهَتِهِم، لَيس إلاَّ هديهم وما جاؤوا به، فَهُم الميزانُ الرَّاجحُ الَّذي عَلَى أَقْوالهم وَ أَعْمَالهم وأخْلاَقهم تُوزنُ الأقَوال والأَخْلاق والأعمال، وبمتابعتهمِ يَتميَّز أهل الهُدى مِنْ أهْلِ الضَّلال، فالضَّرورة إليهم أَعْظمُ مِنْ ضَرورةِ البَدن إلى رُوحهِ، وَالعين إلى نُورها، والرُّوح إلى حياتها، فأيُّ ضَرُورةٍ وَحَاجةٍ فُرضَتْ، فَضرورةُ العَبْدِ وَحَاجتهُ إلى الرُّسل فَوقَها بِكَثير".
إلى أنْ قال رحمه الله:" وإذا كَانت سَعَادةُ العَبْدِ في الدَّارين مُعَلَّقةً بهدي النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فيجبُ علَى كلِّ مَنْ نَصَحَ نفسهُ، وأحبَّ نجاتها وسَعَادتها، أنْ يَعْرِفَ مِنْ هَدْيه وَسِيرته وشَأْنِهِ مَا يَخْرُج به عن الجاهِلينَ به،، ويَدْخُل به في عِداد أتْباعه وشِيْعتهِ وحِزْبهِ، والنَّاسُ في هَذَا مَا بَيْن مُسْتَقلٍّ ومُسْتَكْثِرٍ، وَمَحْرومٍ، والفضْلُ بيدِ اللهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاء، وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيْم"، انتهى كلامه رحمه الله وغفر له.
و لما كان الأمر بهذهِ المثَابَة والفَضْل، رغبتُ في التَّنْبيهِ إِلَى أمرٍ في صِفَةِ صَلاَتِهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنكرهُ بعضُ طَلَبة الْعِلْمِ، بِنَاءً على كلامٍ للإمام الهُمام المحدِّثُ الألباني- رحمه الله وغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى- حيث قالَ في كتابه النَّافع العظيم (صفة صلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم..)(ص 149) من (الطبعة الرابعة عشر/ 1408هـ/ عن المكتب الإسلامي) في فصل (التسليم):"...وكان أحياناً يزيد في التَّسليمة الأولى (وبركاته)".
و قال معلِّقاً على قول (سيد سابق):" قوله في السَّلام: وعن وائل بن حجر...-فذكر الحديث وفيه زيادة (وبركاته) في التسلمتين- قال الحافظ ابن حجر في (بلوغ المرام): رواه أبوداود بإسناد صحيح". علَّق الشيخ الألباني بقوله في (تمام المنِّة)(ص 171):" قلتُ: هو كما قال الحافظ رحمه الله، لكن ليس في النُّسخ الَّتي وقفتُ عليها من (سنن أبي داود) زيادة (وبركاته) في التسليمة الثانية، وإنما هي في التسليمة الأولى فقط، وكذلك أخرجه الطيالسي من حديث ابن مسعود موقوفاً بسند رجاله ثقات، والطبراني في (الكبير)(10191) مرفوعاً، ولذلك رجحت في (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) أنْ لا تزاد هذه الزيادة في التسليمة الثانية حتى تثبت بطريق تقوم به الحجة".
وينظر: (إرواء الغليل)(2/ص30-32) و (مختصر صحيح مسلم)(ص88).
وجواباً عن هذا النفي، فأقول مستعيناً بالله العظيم:
قد ثبتت زيادة (وبركاته) في التَّسلمتين من حديث وائل بن حجر، وابن مسعود رضي الله عنهما، وبيانه:
الحديث الأول: حديث وائل بن حجر رضي الله عنه أولاً:
لفظه:قال رضي الله عنه: (صلَّيت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فكان يُسلِّم عن يمينه: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
ثانياً: تخريجه باختصار :
أخرجه أبو داود في (السُّنن) (ك الصَّلاة: باب في السَّلام) (ج 1/ ل 198- نسخة مصورة بالجامعة الإسلامية/ مخطوط رقم 4541- مكبر) وهي نسخة يمنية، تملَّكها: عبدالله بن عيسى،كان الفراغ من نسخها في 13/ 1/1222هـ، وهذه النُّسخة لم يتكلَّم عنها عوَّامة في تحقيقه لسنن أبي داود، ولعلَّه لم يقف عليها! مع أنَّها في مكتبة مخطوطات الجامعة، والتَّي أخذ منها عدداً من النُّسخ الَّتي ذكرها في مقدِّمة تحقيقه!! لذا فالحديث في طَبعتهِ لَيست فيه هذه الزِّيادة!.
و حديث الباب هو في المطبوع من (السُّنن) (تحقيق عزَّت عبيد الدعاس)(1/607 رقم 997) عن عبدة بن عبدالله.
و أخرجه أيضاً ابن حجر في (نتائج الأفكار) (2/221) من طريق أسلم بن سهل ثنا علي بن الحسن كلاهما- أعني عبدة وعلي- عن يحيى بن آدم ثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل عن علقمة ابن وائل عن أبيه. الحديث.
الحديث سكت عنه أبو داود.
وقال الحافظ النَّووي عن إسناد أبي داود- بذكر (وبركاته) في التَّسليمتين-:" إسنادٌ صحيحٌ " (المجموع) (3/459).
وقال الحافظ ابن عبد الهادي: " رواه أبو داود بإسناد صحيح"، (المحرر) ( ك الصَّلاة: باب صفة الصَّلاة) (1/207 رقم 271)، وفيه كذلك ذكر (وبركاته) في التَّسليمتين.
وقال الحافظ ابن حجر عقبه في (نتائج الأفكار) (2/222): " حديثٌ حسنٌ، أخرجه أبوداود عن عبدة بن عبدالله والسَّراج عن محمد بن رافع كلاهما عن يحيى بن آدم، ولم أر عندهم (وبركاته) في الثانية".
وقال في (بلوغ المرام)(رقم 316/ 95):" رواه أبو داود بإسنادٍ صَحيحٍ" وفيه ذكر (وبركاته) في التَّسليمتين.
قلتُ: رواية أبي داود التي بين أيدينا هي من طريق عبدة بن عبدالله عن يحيى بن آدم، و فيها ذكر (وبركاته) في التَّسليمتين كما تقدَّم، ولعل ما ذكره الحافظ هو في إحدى روايات السُّنن، فالله أعلم.
ولم أقف على رواية السَّرَّاج- في (المطبوع من مسنده بتحقيق إرشاد الحق)- عن محمد بن رافع عن يحيى بن آدم، والله أعلم.
و الحديثُ صحَّحه العلاَّمة الصَّنعاني في (سبل السلام) (1/395) حيث قال:"حديث التَّسليمتين رواه خمسة عشر من الصحابة بأحاديث مختلفة، ففيها صحيح، وحسن، وضعيف، ومتروك، وكلها بدون زيادة (وبركاته) إلاَّ في رواية وائل هذه، ورواية عن ابن مسعود عند ابن ماجه، وعند ابن حبان، ومع صحَّة إسناد حديث وائل كما قال المصنِّف - يقصد ابن حجر- يتعين قبول زيادته، إذ هي زيادة عدل، وعدم ذكرها في رواية غيره ليست رواية لعدمها".
ثالثاً: تنبيه:
جاء الحديث في بعض نسخ سنن أبي داود بدون زيادة (وبركاته) في التَّسليمة الثَّانية، وهو مثبتٌ في أخرى. والصَّحيح أنَّها ثابتة لما يلي:
1/ أنَّها جاءت مثبتةً في بعض النُّسخ الخطِّيَّة للسُّنن، كما تقدَّم بيانه في التَّخريج.
2/ أنَّ جمعاً من الحفَّاظ المصحِّحين لها اعتمدوا على النُّسخة التي فيها زيادة (وبركاته) في التَّسليمتين، ومن أولئك الحفَّاظ:
أ/ الحافظ ضياء الدِّين المقدسي رحمه الله (ت643هـ) (صاحب المختارة) حيث رمز للحديث بعد أنْ رواه بلفظه المتقدِّم بـ( د) إشارة إلى أنَّ أبا داود رواه كذلك في (السُّنن).
ينظر كتابه العظيم (السُّنن والأحكام عن المصطفى عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام)(2/ رقم1534/120).
ب/ الحافظ النَّووي رحمه الله (ت676هـ)، وتقدَّم قوله من (المجموع)، و يزاد قوله في كتابه (الأذكار) (ص109-110) (باب السلام للتحلل من الصلاة):"..واعلم أنَّ الأكمل في السلام أن يقولَ عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، ولا يُستحبُّ أن يقول معه: وبركاته؛ لأنَّه خلاف المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد جاء في روايةٍ لأبي داود، وقد ذكره جماعة من أصحابنا منهم إمام الحرمين...".
ج/ الحافظ ابن دقيق العيد رحمه الله (ت702هـ) حيث قال في كتابه (الإلمام)(1/ رقم 297/ص179) بعد أنْ ذكر الحديث :" أخرجه أبوداود".
د/ الحافظ ابن عبدالهادي رحمه الله (ت744هـ)، وتقدَّم قوله في المصحِّحين.
هـ/ الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله (ت 852هـ) وتقدَّم النقل عنه قبلُ، و يزاد أيضاً قوله في (التَّلخيص) (1/271):" تنبيه: وقع في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود زيادة (وبركاته) وهي عند ابن ماجه أيضاً، وهي عند أبي داود أيضاًً في حديث وائل بن حجر، فيُتعجب من ابن الصَّلاح حيث يقول: إن هذه الزيادة ليست في شيءٍ من كتب الحديث".
وقال أيضاً في (نتائج الأفكار)(2/219) متعقباً النووي في كلامه المتقدم من كتاب (الأذكار):
" قلتُ: بل جاء في رواية أخرى"؛ قلتُ: يقصد أنَّ الزِّيادة جاءت من غير حديث وائل رضي الله عنه أيضاً، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، كما بيَّنه رحمه الله في المصدر السَّابق، ثم ختم بروايته لحديث وائل رضي الله عنه وفيه (وبركاته) في التَّسليمتين، وحسَّنه.
و/ العلاَّمة الأمير الصَّنعاني رحمه الله (ت 1182هـ) وتقدَّم قوله أيضاً.
و في هذا القدر كفاية في بيان المراد وإثباته، والله أعلم.
الحديث الثَّاني: حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه
أولاً: لفظه: قال رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسلِّم عن يمينه حتى يرى بياض خده،السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وعن شماله حتى يبدو بياض خدِّه، السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
ثانياً: تخريجه باختصار:
أخرجه ابن ماجه في (السُّنن) (ك إقامة الصَّلاة والسُّنَّة فيها: باب التَّسليم) (ل29: ب: نسخة المكتبة الوطنية: باريس/ فرنسا) وابن خزيمة في (الصَّحيح) (ك الصَّلاة: باب صفة السَّلام في الصَّلاة) (1/359-360 رقم 728) واللفظ له، من طريق عمر بن عبيد الطَّنافسي عن أبي إسحاق السَّبيعي عن أبي الأحوص به.
وتوبع الطَّنافسي من: سفيان الثَّوري، وسماع الثَّوري من السبَّيعي قديم.
وأخرجه ابن حبَّان في (الصَّحيح) (موارد الظَّمآن) (ك الصَّلاة: باب التَّسليم من الصَّلاة) (رقم 516/ 138) وأبو العباس السَّراج في (المسند) كما في (نتائج الأفكار) (2/221و222) و- من طريقهِ- ابن حجر في (نتائج الأفكار) (2/222و 223) من طريق الثوري به مثله.
وفيه إثبات لفظ (وبركاته) في الجهتين. والحديثُ صحَّحه ابنُ خزيمة وابن حبَّان.
و توبع أبو إسحاق السَّبيعي عليه متابعة قاصرة من: أبي الضحى مسلم بن صبيح- وهو ثقة فاضل-. أخرجها عند الرزاق الصَّنعاني في (المصنَّف) (ك الصَّلاة: باب التَّسليم) (2/218 رقم 3127) و – من طريقه – الطَّبراني في (المعجم الكبير) (10/153 رقم 10177) و ابن حزم في (المحلَّى) (3/275 مسألة رقم 376) عن سفيان الثوري ومعمر عن حماد بن أبي سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله ابن مسعود قال: ( ما نسيت فيما نسيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يُسلِّم عن يمينه: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حتَّى يُرَىَ بَياض خدِّه، وعن يساره: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حتَّى يُرىَ بَياضُ خدِّه أيضاً).
واللفظ لابن حزم. وعند عبد الرزاق والطبراني مختصراً. وإسناده صحيح.
ثالثاً: تنبيه:
في الطَّبعة المتداولة لسنن ابن ماجه، بتحقيق الشَّيخ محمد فؤاد عبد الباقي، والدًُّكتور محمد مصطفى الأعظمي، وكذا النُّسخة التي بحاشية العلاَّمة السندي، سقطت كلمة (وبركاته)، وجاء اللفظ فيها هكذا: ( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُسلِّم عن يمينه وعن شمالهِ حتى يُرى بياض خدِّه: السَّلام عليكم و رحمة الله).
و الصَّواب ثبوتها في (السُّنن) لابن ماجه، للأدلة التَّالية:1-
ثبوت هذه اللفظة في عِدَّة نسخ خطِّية للسُّنن، منها:
أ) نسخة : المكتبة الوطنية، باريس، فرنسا، محفوظة في مكتبة الجامعة الإسلامية – قسم المخطوطات فلم رقم 1327، في (301) ورقة، تاريخ نسخها (730)، وهي من طريق الحافظ الذَّهبي، وسبق عزو الموضع إليها في التخريج.
ب) نسخة: المكتبة السُّليمانية، تركيا، محفوظة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية، فلم رقم (8770) في (294) ورقة. والموضع فيها، (ل45/أ).
ج) و نسخة تركيَّة ثانية، محفوظة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية، مصورة (مكبر) رقم (4066) في (236) ورقة. وهي نسخة مصحَّحة ومقروءة ومقابلة. والموضع فيها (ل 57/ب).
2- أثبتها الحافظ ابن حجر لابن ماجه في (السُّنن) من الطِّريق نفسه الموجود في النُّسخة المطبوعة، وهو (طريق ابن نمير)، حيث قال في (التَّلخيص الحبير) (1/271):" تنبيه: وقع في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود زيادة (وبركاته) وهي عند ابن ماجه أيضاً، وهي عند أبي داود أيضاً من حديث وائل بن حجر ..".
3- وأثبتها أيضاً في (نتائج الأفكار) (2/219 – وما بعدها) لابن ماجه في (السُّنن) إذ قال متعقباً كلام الحافظ النَّووي في كتابه (الأذكار) المتقدِّم نقله قبلُ.
قال:" قلت- أي ابن حجر-: بل جاء في رواية أخرى … - ثم قال- وهكذا أخرجه ابن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير عن عمر بن عبيد عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص، وفيه (وبركاته)، فهذه عدة طرق ثبت فيها (وبركاته) بخلاف ما يوهمه كلام الشَّيخ أنَّها رواية فردة".
4- ما قاله العلاَّمة الأمير الصَّنعاني في (سبل السَّلام) (1/395 رقم 301):" وحديث التَّسلمتين رواه خمسة عشر من الصحابة … وكلها بدون زيادة (وبركاته) إلا في رواية وائل هذه، ورواية عن ابن مسعود عند ابن ماجه وعند ابن حبِّان … -إلى أنْ قال- قال ابن رسلان في شرح السُّنن: لم نجدها في ابن ماجه. قلت: راجعنا سنن ابن ماجه من نسخة صحيحة مقروءة فوجدنا فيه ما لفظه: باب التسليم: حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا عمر بن عبيد عن [أبي] إسحاق عن [أبي] الأحوص عن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُسلِّم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خدِّه، السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
ما بين المعقوفتين [ ] سقط من (السُّبل) والصَّواب إثباته.
5- أنَّ هذه اللفظة مثبتة في الطَّبعة التي حقَّقها خليل مأمون شيحا لسنن ابن ماجه (1/ 493 رقم 914: 1) من الكتاب والباب السَّابقين. وهي طبعة حديثة، الأولى منها عام 1416هـ، دار المعرفة بيروت، توزيع دار المؤيد بالرياض، واعتمد محقِّقها على النُّسخة الفرنسية آنفة الذِّكر، كما نصَّ على ذلك في مقدِّمة التَّحقيق (1/12-م).
فهذه أدلة كافيه – في نظري – تثبت أنَّ لفظة (وبركاته) في التَّسليمتين، مثبتة في (السُّنَن) لابن ماجه، والعلم عند الله.
وهنا تنبيه آخر:
وهو: أنَّ عزو رواية ابن حبان للموارد، دون (الإحسان) له سببٌ؛ هو سقوط لفظة (وبركاته) أيضاً من التَّسليمة الأولى، وذُكرت في التَّسليمة الثَّانية.
إذْ جاء في (الإحسان) (ك الصَّلاة: فصل في القنوت: ذكر كيفية التَّسليم الذي ينفتل المرء به من صلاته) (5/333 رقم 1993): أخبرنا الفضل بن الحباب قال حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله: ( أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُسلِّم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده: السَّلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
هكذا عنده بإثباتها في الثَّانية دون الأولى، ولعل ذلك من تصرف بعض نُسَّاخ (الإحسان).
ومما يدل على ثبوتها في (صحيح ابن حبان) وسقطها من مطبوعة ترتيبه (الإحسان)، ما يلي:
1- أنَّ الحافظ الهيثمي أَثْبتَها على التَّمام في كتابه (موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان) كما تقدَّم العزو إليه.
2- ما تقدَّم نقله عن الحافظ ابن حجر من كتابه (التَّلخيص الحبير)(1/271) حيث أثبتَ أنَّ هذه اللفظة عندَ ابن حبَّان.
3- ما قاله الحافظ ابن حجر أيضاً في (نتائج الأفكار) (2/221-223) متعقِّباً الحافظ النَّووي في قوله: إنَّ زيادة (وبركاته) خلاف المشهور عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وإن كانت قد وردت عند أبي داود، قَال:" وَ زَادَ ابنُ حبَّان في روايته المشار إليها من طريق سفيان الثوري (وبركاته) وكذا زادها أبو العباس السَّراج من طريق الثَّوري ومن طريق إسرائيل … - ثم قال بعد أن أسندها بزيادة وبركاته- وهكذا أخرجه ابن حبَّان في (صحيحه)، عن أبي خليفة عن محمد بن كثير عن سفيان الثوري وذكر فيه (وبركاته) ..".
4- ما تقدَّم نقله أيضاً عن العلاَّمة الصَّنعاني من كتابه (سبل السَّلام) (1/395) بإثباته لها أيضاً في صحيح ابن حبان.
فهذا ما رغبتُ التَّنبيه عليه والذَّبِّ عنه، مُبيِّناً ذلك كلّه بالأدلة مترسِّماً قول شيخ الإسلام ابن تيمية الحرَّاني رحمه الله (ت 728هـ):" العلمُ شيئان: إمَّا نقلٌ مصدَّقٌ، وإمَّا بحثٌ مُحقَّقٌ، وما سوى ذلك فهذيانٌ مزوَّقٌ" (الرَّد على البكري)(2/729).
فالله أسأل بمنِّه وكرمه وجوده أنْ يوفقنا لما يحبُّه ويرضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
المدينة النَّبويَّة
كان الفراغ منها عام 1419هـ، ثم نظرتُ فيها وزدت بعض الزِّيادات في 21/4/1428هـ
[/size]بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين والصلاة والسَّلام على نبيِّنا محمَّد وآله وصحبه وسلَّم.
أمَّا بعد، فهذه المقالة الرَّابعة في سلسلة الذَّبِّ عن سنَّة رسول الله صلَّى الله عليه و آله وسلَّم، وهي متعلِّقة بصفةٍ في صَلاة النبيِّ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.
و مِمَّا لا يخفى على أهل الإسلام مَا للصَّلاة مِنْ أهميَّةٍ بالِغَةٍ، كيفِ لا وَ هِيَ الرُّكن الثَّاني من أركان الدِّين، وأعظم ركنٍ في الإسلام بعد الشَّهادتين، ومعرفة هديه صلَّى الله عليه وسلَّم فيها من الأهمية بمكانٍ، ويظهر لك ذلك جلياً بالتأمِّل فيما رواه الصَّحابة في صفة صلاته صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، حرصاً منهم على اتِّباعه و تطبيق أمرهِ في قوله الثَّابت في (البخاري) (صلُّوا كما رأيتموني أصلي).
قَال الإمامُ شَيخ الإسلام ابن القَيِّم رحمه الله في (زاد المعاد)(1/69-70):" ومنْ هَا هُنَا تَعلم اضِّطرارُ العِبَاد فَوق كُل ضَرورةٍ إلى مَعرفةِ الرَّسولِ، وما جَاء بهِ، وَتصديقهِ فيما أخبرَ بهِ، وطَاعتِهِ فيما أمرَ، فإنَّه لا سبيلَ إلى السَّعادةِ والفَلاحِ لا في الدُّنيا، و لا في الآخرة إلى عَلى يدي الرُّسل، و لا سَبيلَ إلى مِعْرفةِ الطًّيب والخبيث على التَّفصيل إلاَّ مِنْ جِهَتِهِم، لَيس إلاَّ هديهم وما جاؤوا به، فَهُم الميزانُ الرَّاجحُ الَّذي عَلَى أَقْوالهم وَ أَعْمَالهم وأخْلاَقهم تُوزنُ الأقَوال والأَخْلاق والأعمال، وبمتابعتهمِ يَتميَّز أهل الهُدى مِنْ أهْلِ الضَّلال، فالضَّرورة إليهم أَعْظمُ مِنْ ضَرورةِ البَدن إلى رُوحهِ، وَالعين إلى نُورها، والرُّوح إلى حياتها، فأيُّ ضَرُورةٍ وَحَاجةٍ فُرضَتْ، فَضرورةُ العَبْدِ وَحَاجتهُ إلى الرُّسل فَوقَها بِكَثير".
إلى أنْ قال رحمه الله:" وإذا كَانت سَعَادةُ العَبْدِ في الدَّارين مُعَلَّقةً بهدي النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فيجبُ علَى كلِّ مَنْ نَصَحَ نفسهُ، وأحبَّ نجاتها وسَعَادتها، أنْ يَعْرِفَ مِنْ هَدْيه وَسِيرته وشَأْنِهِ مَا يَخْرُج به عن الجاهِلينَ به،، ويَدْخُل به في عِداد أتْباعه وشِيْعتهِ وحِزْبهِ، والنَّاسُ في هَذَا مَا بَيْن مُسْتَقلٍّ ومُسْتَكْثِرٍ، وَمَحْرومٍ، والفضْلُ بيدِ اللهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشَاء، وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيْم"، انتهى كلامه رحمه الله وغفر له.
و لما كان الأمر بهذهِ المثَابَة والفَضْل، رغبتُ في التَّنْبيهِ إِلَى أمرٍ في صِفَةِ صَلاَتِهِ صَلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنكرهُ بعضُ طَلَبة الْعِلْمِ، بِنَاءً على كلامٍ للإمام الهُمام المحدِّثُ الألباني- رحمه الله وغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى- حيث قالَ في كتابه النَّافع العظيم (صفة صلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم..)(ص 149) من (الطبعة الرابعة عشر/ 1408هـ/ عن المكتب الإسلامي) في فصل (التسليم):"...وكان أحياناً يزيد في التَّسليمة الأولى (وبركاته)".
و قال معلِّقاً على قول (سيد سابق):" قوله في السَّلام: وعن وائل بن حجر...-فذكر الحديث وفيه زيادة (وبركاته) في التسلمتين- قال الحافظ ابن حجر في (بلوغ المرام): رواه أبوداود بإسناد صحيح". علَّق الشيخ الألباني بقوله في (تمام المنِّة)(ص 171):" قلتُ: هو كما قال الحافظ رحمه الله، لكن ليس في النُّسخ الَّتي وقفتُ عليها من (سنن أبي داود) زيادة (وبركاته) في التسليمة الثانية، وإنما هي في التسليمة الأولى فقط، وكذلك أخرجه الطيالسي من حديث ابن مسعود موقوفاً بسند رجاله ثقات، والطبراني في (الكبير)(10191) مرفوعاً، ولذلك رجحت في (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) أنْ لا تزاد هذه الزيادة في التسليمة الثانية حتى تثبت بطريق تقوم به الحجة".
وينظر: (إرواء الغليل)(2/ص30-32) و (مختصر صحيح مسلم)(ص88).
وجواباً عن هذا النفي، فأقول مستعيناً بالله العظيم:
قد ثبتت زيادة (وبركاته) في التَّسلمتين من حديث وائل بن حجر، وابن مسعود رضي الله عنهما، وبيانه:
الحديث الأول: حديث وائل بن حجر رضي الله عنه أولاً:
لفظه:قال رضي الله عنه: (صلَّيت مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فكان يُسلِّم عن يمينه: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وعن شماله: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
ثانياً: تخريجه باختصار :
أخرجه أبو داود في (السُّنن) (ك الصَّلاة: باب في السَّلام) (ج 1/ ل 198- نسخة مصورة بالجامعة الإسلامية/ مخطوط رقم 4541- مكبر) وهي نسخة يمنية، تملَّكها: عبدالله بن عيسى،كان الفراغ من نسخها في 13/ 1/1222هـ، وهذه النُّسخة لم يتكلَّم عنها عوَّامة في تحقيقه لسنن أبي داود، ولعلَّه لم يقف عليها! مع أنَّها في مكتبة مخطوطات الجامعة، والتَّي أخذ منها عدداً من النُّسخ الَّتي ذكرها في مقدِّمة تحقيقه!! لذا فالحديث في طَبعتهِ لَيست فيه هذه الزِّيادة!.
و حديث الباب هو في المطبوع من (السُّنن) (تحقيق عزَّت عبيد الدعاس)(1/607 رقم 997) عن عبدة بن عبدالله.
و أخرجه أيضاً ابن حجر في (نتائج الأفكار) (2/221) من طريق أسلم بن سهل ثنا علي بن الحسن كلاهما- أعني عبدة وعلي- عن يحيى بن آدم ثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل عن علقمة ابن وائل عن أبيه. الحديث.
الحديث سكت عنه أبو داود.
وقال الحافظ النَّووي عن إسناد أبي داود- بذكر (وبركاته) في التَّسليمتين-:" إسنادٌ صحيحٌ " (المجموع) (3/459).
وقال الحافظ ابن عبد الهادي: " رواه أبو داود بإسناد صحيح"، (المحرر) ( ك الصَّلاة: باب صفة الصَّلاة) (1/207 رقم 271)، وفيه كذلك ذكر (وبركاته) في التَّسليمتين.
وقال الحافظ ابن حجر عقبه في (نتائج الأفكار) (2/222): " حديثٌ حسنٌ، أخرجه أبوداود عن عبدة بن عبدالله والسَّراج عن محمد بن رافع كلاهما عن يحيى بن آدم، ولم أر عندهم (وبركاته) في الثانية".
وقال في (بلوغ المرام)(رقم 316/ 95):" رواه أبو داود بإسنادٍ صَحيحٍ" وفيه ذكر (وبركاته) في التَّسليمتين.
قلتُ: رواية أبي داود التي بين أيدينا هي من طريق عبدة بن عبدالله عن يحيى بن آدم، و فيها ذكر (وبركاته) في التَّسليمتين كما تقدَّم، ولعل ما ذكره الحافظ هو في إحدى روايات السُّنن، فالله أعلم.
ولم أقف على رواية السَّرَّاج- في (المطبوع من مسنده بتحقيق إرشاد الحق)- عن محمد بن رافع عن يحيى بن آدم، والله أعلم.
و الحديثُ صحَّحه العلاَّمة الصَّنعاني في (سبل السلام) (1/395) حيث قال:"حديث التَّسليمتين رواه خمسة عشر من الصحابة بأحاديث مختلفة، ففيها صحيح، وحسن، وضعيف، ومتروك، وكلها بدون زيادة (وبركاته) إلاَّ في رواية وائل هذه، ورواية عن ابن مسعود عند ابن ماجه، وعند ابن حبان، ومع صحَّة إسناد حديث وائل كما قال المصنِّف - يقصد ابن حجر- يتعين قبول زيادته، إذ هي زيادة عدل، وعدم ذكرها في رواية غيره ليست رواية لعدمها".
ثالثاً: تنبيه:
جاء الحديث في بعض نسخ سنن أبي داود بدون زيادة (وبركاته) في التَّسليمة الثَّانية، وهو مثبتٌ في أخرى. والصَّحيح أنَّها ثابتة لما يلي:
1/ أنَّها جاءت مثبتةً في بعض النُّسخ الخطِّيَّة للسُّنن، كما تقدَّم بيانه في التَّخريج.
2/ أنَّ جمعاً من الحفَّاظ المصحِّحين لها اعتمدوا على النُّسخة التي فيها زيادة (وبركاته) في التَّسليمتين، ومن أولئك الحفَّاظ:
أ/ الحافظ ضياء الدِّين المقدسي رحمه الله (ت643هـ) (صاحب المختارة) حيث رمز للحديث بعد أنْ رواه بلفظه المتقدِّم بـ( د) إشارة إلى أنَّ أبا داود رواه كذلك في (السُّنن).
ينظر كتابه العظيم (السُّنن والأحكام عن المصطفى عليه أفضل الصَّلاة والسَّلام)(2/ رقم1534/120).
ب/ الحافظ النَّووي رحمه الله (ت676هـ)، وتقدَّم قوله من (المجموع)، و يزاد قوله في كتابه (الأذكار) (ص109-110) (باب السلام للتحلل من الصلاة):"..واعلم أنَّ الأكمل في السلام أن يقولَ عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله، ولا يُستحبُّ أن يقول معه: وبركاته؛ لأنَّه خلاف المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد جاء في روايةٍ لأبي داود، وقد ذكره جماعة من أصحابنا منهم إمام الحرمين...".
ج/ الحافظ ابن دقيق العيد رحمه الله (ت702هـ) حيث قال في كتابه (الإلمام)(1/ رقم 297/ص179) بعد أنْ ذكر الحديث :" أخرجه أبوداود".
د/ الحافظ ابن عبدالهادي رحمه الله (ت744هـ)، وتقدَّم قوله في المصحِّحين.
هـ/ الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله (ت 852هـ) وتقدَّم النقل عنه قبلُ، و يزاد أيضاً قوله في (التَّلخيص) (1/271):" تنبيه: وقع في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود زيادة (وبركاته) وهي عند ابن ماجه أيضاً، وهي عند أبي داود أيضاًً في حديث وائل بن حجر، فيُتعجب من ابن الصَّلاح حيث يقول: إن هذه الزيادة ليست في شيءٍ من كتب الحديث".
وقال أيضاً في (نتائج الأفكار)(2/219) متعقباً النووي في كلامه المتقدم من كتاب (الأذكار):
" قلتُ: بل جاء في رواية أخرى"؛ قلتُ: يقصد أنَّ الزِّيادة جاءت من غير حديث وائل رضي الله عنه أيضاً، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، كما بيَّنه رحمه الله في المصدر السَّابق، ثم ختم بروايته لحديث وائل رضي الله عنه وفيه (وبركاته) في التَّسليمتين، وحسَّنه.
و/ العلاَّمة الأمير الصَّنعاني رحمه الله (ت 1182هـ) وتقدَّم قوله أيضاً.
و في هذا القدر كفاية في بيان المراد وإثباته، والله أعلم.
الحديث الثَّاني: حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه
أولاً: لفظه: قال رضي الله عنه: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسلِّم عن يمينه حتى يرى بياض خده،السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وعن شماله حتى يبدو بياض خدِّه، السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
ثانياً: تخريجه باختصار:
أخرجه ابن ماجه في (السُّنن) (ك إقامة الصَّلاة والسُّنَّة فيها: باب التَّسليم) (ل29: ب: نسخة المكتبة الوطنية: باريس/ فرنسا) وابن خزيمة في (الصَّحيح) (ك الصَّلاة: باب صفة السَّلام في الصَّلاة) (1/359-360 رقم 728) واللفظ له، من طريق عمر بن عبيد الطَّنافسي عن أبي إسحاق السَّبيعي عن أبي الأحوص به.
وتوبع الطَّنافسي من: سفيان الثَّوري، وسماع الثَّوري من السبَّيعي قديم.
وأخرجه ابن حبَّان في (الصَّحيح) (موارد الظَّمآن) (ك الصَّلاة: باب التَّسليم من الصَّلاة) (رقم 516/ 138) وأبو العباس السَّراج في (المسند) كما في (نتائج الأفكار) (2/221و222) و- من طريقهِ- ابن حجر في (نتائج الأفكار) (2/222و 223) من طريق الثوري به مثله.
وفيه إثبات لفظ (وبركاته) في الجهتين. والحديثُ صحَّحه ابنُ خزيمة وابن حبَّان.
و توبع أبو إسحاق السَّبيعي عليه متابعة قاصرة من: أبي الضحى مسلم بن صبيح- وهو ثقة فاضل-. أخرجها عند الرزاق الصَّنعاني في (المصنَّف) (ك الصَّلاة: باب التَّسليم) (2/218 رقم 3127) و – من طريقه – الطَّبراني في (المعجم الكبير) (10/153 رقم 10177) و ابن حزم في (المحلَّى) (3/275 مسألة رقم 376) عن سفيان الثوري ومعمر عن حماد بن أبي سليمان عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله ابن مسعود قال: ( ما نسيت فيما نسيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يُسلِّم عن يمينه: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حتَّى يُرَىَ بَياض خدِّه، وعن يساره: السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حتَّى يُرىَ بَياضُ خدِّه أيضاً).
واللفظ لابن حزم. وعند عبد الرزاق والطبراني مختصراً. وإسناده صحيح.
ثالثاً: تنبيه:
في الطَّبعة المتداولة لسنن ابن ماجه، بتحقيق الشَّيخ محمد فؤاد عبد الباقي، والدًُّكتور محمد مصطفى الأعظمي، وكذا النُّسخة التي بحاشية العلاَّمة السندي، سقطت كلمة (وبركاته)، وجاء اللفظ فيها هكذا: ( أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُسلِّم عن يمينه وعن شمالهِ حتى يُرى بياض خدِّه: السَّلام عليكم و رحمة الله).
و الصَّواب ثبوتها في (السُّنن) لابن ماجه، للأدلة التَّالية:1-
ثبوت هذه اللفظة في عِدَّة نسخ خطِّية للسُّنن، منها:
أ) نسخة : المكتبة الوطنية، باريس، فرنسا، محفوظة في مكتبة الجامعة الإسلامية – قسم المخطوطات فلم رقم 1327، في (301) ورقة، تاريخ نسخها (730)، وهي من طريق الحافظ الذَّهبي، وسبق عزو الموضع إليها في التخريج.
ب) نسخة: المكتبة السُّليمانية، تركيا، محفوظة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية، فلم رقم (8770) في (294) ورقة. والموضع فيها، (ل45/أ).
ج) و نسخة تركيَّة ثانية، محفوظة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية، مصورة (مكبر) رقم (4066) في (236) ورقة. وهي نسخة مصحَّحة ومقروءة ومقابلة. والموضع فيها (ل 57/ب).
2- أثبتها الحافظ ابن حجر لابن ماجه في (السُّنن) من الطِّريق نفسه الموجود في النُّسخة المطبوعة، وهو (طريق ابن نمير)، حيث قال في (التَّلخيص الحبير) (1/271):" تنبيه: وقع في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود زيادة (وبركاته) وهي عند ابن ماجه أيضاً، وهي عند أبي داود أيضاً من حديث وائل بن حجر ..".
3- وأثبتها أيضاً في (نتائج الأفكار) (2/219 – وما بعدها) لابن ماجه في (السُّنن) إذ قال متعقباً كلام الحافظ النَّووي في كتابه (الأذكار) المتقدِّم نقله قبلُ.
قال:" قلت- أي ابن حجر-: بل جاء في رواية أخرى … - ثم قال- وهكذا أخرجه ابن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير عن عمر بن عبيد عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص، وفيه (وبركاته)، فهذه عدة طرق ثبت فيها (وبركاته) بخلاف ما يوهمه كلام الشَّيخ أنَّها رواية فردة".
4- ما قاله العلاَّمة الأمير الصَّنعاني في (سبل السَّلام) (1/395 رقم 301):" وحديث التَّسلمتين رواه خمسة عشر من الصحابة … وكلها بدون زيادة (وبركاته) إلا في رواية وائل هذه، ورواية عن ابن مسعود عند ابن ماجه وعند ابن حبِّان … -إلى أنْ قال- قال ابن رسلان في شرح السُّنن: لم نجدها في ابن ماجه. قلت: راجعنا سنن ابن ماجه من نسخة صحيحة مقروءة فوجدنا فيه ما لفظه: باب التسليم: حدثنا محمد بن عبدالله بن نمير حدثنا عمر بن عبيد عن [أبي] إسحاق عن [أبي] الأحوص عن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُسلِّم عن يمينه وعن شماله حتى يرى بياض خدِّه، السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
ما بين المعقوفتين [ ] سقط من (السُّبل) والصَّواب إثباته.
5- أنَّ هذه اللفظة مثبتة في الطَّبعة التي حقَّقها خليل مأمون شيحا لسنن ابن ماجه (1/ 493 رقم 914: 1) من الكتاب والباب السَّابقين. وهي طبعة حديثة، الأولى منها عام 1416هـ، دار المعرفة بيروت، توزيع دار المؤيد بالرياض، واعتمد محقِّقها على النُّسخة الفرنسية آنفة الذِّكر، كما نصَّ على ذلك في مقدِّمة التَّحقيق (1/12-م).
فهذه أدلة كافيه – في نظري – تثبت أنَّ لفظة (وبركاته) في التَّسليمتين، مثبتة في (السُّنَن) لابن ماجه، والعلم عند الله.
وهنا تنبيه آخر:
وهو: أنَّ عزو رواية ابن حبان للموارد، دون (الإحسان) له سببٌ؛ هو سقوط لفظة (وبركاته) أيضاً من التَّسليمة الأولى، وذُكرت في التَّسليمة الثَّانية.
إذْ جاء في (الإحسان) (ك الصَّلاة: فصل في القنوت: ذكر كيفية التَّسليم الذي ينفتل المرء به من صلاته) (5/333 رقم 1993): أخبرنا الفضل بن الحباب قال حدثنا محمد بن كثير قال أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله: ( أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يُسلِّم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده: السَّلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
هكذا عنده بإثباتها في الثَّانية دون الأولى، ولعل ذلك من تصرف بعض نُسَّاخ (الإحسان).
ومما يدل على ثبوتها في (صحيح ابن حبان) وسقطها من مطبوعة ترتيبه (الإحسان)، ما يلي:
1- أنَّ الحافظ الهيثمي أَثْبتَها على التَّمام في كتابه (موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان) كما تقدَّم العزو إليه.
2- ما تقدَّم نقله عن الحافظ ابن حجر من كتابه (التَّلخيص الحبير)(1/271) حيث أثبتَ أنَّ هذه اللفظة عندَ ابن حبَّان.
3- ما قاله الحافظ ابن حجر أيضاً في (نتائج الأفكار) (2/221-223) متعقِّباً الحافظ النَّووي في قوله: إنَّ زيادة (وبركاته) خلاف المشهور عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وإن كانت قد وردت عند أبي داود، قَال:" وَ زَادَ ابنُ حبَّان في روايته المشار إليها من طريق سفيان الثوري (وبركاته) وكذا زادها أبو العباس السَّراج من طريق الثَّوري ومن طريق إسرائيل … - ثم قال بعد أن أسندها بزيادة وبركاته- وهكذا أخرجه ابن حبَّان في (صحيحه)، عن أبي خليفة عن محمد بن كثير عن سفيان الثوري وذكر فيه (وبركاته) ..".
4- ما تقدَّم نقله أيضاً عن العلاَّمة الصَّنعاني من كتابه (سبل السَّلام) (1/395) بإثباته لها أيضاً في صحيح ابن حبان.
فهذا ما رغبتُ التَّنبيه عليه والذَّبِّ عنه، مُبيِّناً ذلك كلّه بالأدلة مترسِّماً قول شيخ الإسلام ابن تيمية الحرَّاني رحمه الله (ت 728هـ):" العلمُ شيئان: إمَّا نقلٌ مصدَّقٌ، وإمَّا بحثٌ مُحقَّقٌ، وما سوى ذلك فهذيانٌ مزوَّقٌ" (الرَّد على البكري)(2/729).
فالله أسأل بمنِّه وكرمه وجوده أنْ يوفقنا لما يحبُّه ويرضاه، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
المدينة النَّبويَّة
كان الفراغ منها عام 1419هـ، ثم نظرتُ فيها وزدت بعض الزِّيادات في 21/4/1428هـ
__________________
عن ابن سيرين قال : لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم
الخير كل الخير في اتباع من سلف والشر كل الشر في ابتداع من خلف
أبو محمد أحمد بوشيحه الليبي
ahmad32az@yahoo.com
http://www.al-sunan.com/vb/showthread.php?p=14186#post14186