بسم الله الرحمن الرحيم
حكم التحجير ( حجز الأماكن ) في المساجد
الحمد لله ربِّ العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آله و صحبه أجمعين.
فضّل الرسول – صلى الله عليه و سلم – الصلاة في الصف الأول و القـرب من
الإمام عن باقي الصفـوف , فقال– صلى الله عليه وسلم–:" لو يعلم الناس ما
في النداء و الصف الأول,ثم لم يجدوا إلا أنْ يستهموا عليه لاستهموا " (
متفق عليه )
و في روايةٍ أخرى :" لو تعلمون ما في الصف المقدّم لكانت قرعة "
( رواه مسلم )
و عن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – قال :" سمـعـتُ رسـول الله – صلى
الله عليه و سلم – يـقـول : " إنّ الله و ملائكته يصلّون على الصف الأول ,
و الصفوف الأولى "
( رواه أحمد و إسناده جيد )
و الصف الأول هو الصف المكتمل , قال سفيان الثوري – رحمه الله - :" بأنّ
الصف الأول المتصل بين يدي المنبر , لا المقطوع بالمنبر " ( الثمر
المستطاب 1 / 421 )
و عن قرّة بن إياس – رضي الله عنه- قال :" كـنا نُـنـْهَى أنْ نصف بيـن
السواري على عـهـد رسـول الله – صـلى الله عليه و سلم – و نُطرَد عنها
طرداً "
( رواه ابن ماجه و الحديث حسن صحيح )
و كان ابن مسعود – رضي الله عنه – يقول :" لا تصفّوا بين السواري "
( رواه البيهقي في الكبرى 3 / 104 )
و قال البيهقي – رحمه الله - :" و هذا – و الله أعلم – لأنّ الاسطوانة تحول بينهم و بين وصل الصف "
( المصدر نفسه )
و قال الإمام مالك – رحمه الله - :" لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد "
( المدونة الكبرى 1 / 106)
و للأسف الشديد هناك من المنابر ذوات الدرجات الكثيرة في كثير من المساجد
المخالفة للسنة ( ثلاث درجات ) تقطع الصـف الأول , و لا خلاف في جواز
الصلاة بين السواري عند الضيق , أو لمن يصلي لوحده , أما مع السعة فهي
مكروهة .
و الأجر العظيم لمنْ صلىَّ في الصف الأول , لا يتحقق إلا لمن تقدم و سبق
بنفسه , أما مَنْ وضع سجادة أو طاولة أو كتاباً و نحوه , وتأخر عن الحضور
بنفسه مبكراً , فهذا مخالف للسنة , و لم يدرك فضيلة الصلاة في الصف الأول
, و مَنْ اعتقد غير ذلك فقد أخطأ.
أما مَنْ جاء مبكراً للصلاة في الصف الأول , ثم قام للوضوء أو للحركة , أو
لغير ذلك من الأمور , ثم رجع إلى مكانه فهو أحق به مِن غيره,لقوله – صلى
الله عليه و سلم – إذا قام أحدكم مِن مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به "
( رواه مسلم )
و ليعلم الجميع أنّ المساجد لله , و الناس فيها سواء , و ليس لأحد فيها حق
المكان , إلا إذا قدم مبكراً بنفسه , فإذا سبقه غيره فهو أحق منه بالمكان .
و هناك ظاهرة غريبة في بعض البلدان , أنّ هناك مَنْ يرسل خادمه , أو عامله
ليحجز له مكاناً من صلاة العصر إلى صلاة التراويح في رمضان .
و مَنْ حجز مكاناً بهذه الصورة , فقد تعدى على حق مِن حقوق مَنْ جاء قبله
, و هذا الفعل يوجب لصاحبه الكسل , و التأخر عن الحضور للصلاة مبكراً ,
لأنّه يعلم أنّ له مكاناً في الصف الأول , مع ما يقع فيه مِن الإثم مِن
تخطي رقاب الناس و إيذائهم بالمـرور مِن أمـامـهم ليـقطع عليهم صـلاتهم ,
مـما يُحـدث الشـحناء و الـغضـاء و العـداوة و الخصـومة بين المصـلين في
بيوت الله , قال – صلى الله عليه و سلم - :" لو يعلم المار بين يدي المصلي
ماذا عليه , لكان له أن يقف أربعين خيراً له مِن أنْ يمر بين يديه "
( متفق عليه )
قال أبو النضر – أحد رواة الحديث - : لا أدري أقال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة "
و قال – صلى الله عليه و سلم - :" إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى سترة و ليدنُ
منها و لا يَدَعْ أحداً يمر بين يديه , فإن جاء أحد يمر فليقاتله فإنه
شيطان "
( متفق عليه )
قال الإمام القرطبي – رحمه الله - :" أي يزيد في دفعه الثاني أشدُّ من
الأول , و قال : وأجمعوا على أنه لا يلزمه أنْ يقاتله بالسلاح" (فتح
الباري1 / 583 )
و مِن العجب أنّ أكثر مَنْ يقومون بهذا الفعل مِن حجز الأماكن , هم أناس
لهم رغبة في الخير , و لا يعلمون أنّ الرغبة في الخير لا تتحقق بهذا ,
لنهيه – صلى الله عليه و سلم عن هذا الفعل , لحديث عبد الرحمن بن شبل قال
:" نهى رسول الله – صـلى الله عليـه و سلم – عن نقرة الغراب و افتراش
السبع و أن يوطِن الرجل المكان في المسجد كما يوطِن البعير " (رواه أبو
داود و الحديث حسن )
قال ابن الأثير – رحمه الله - : "معناه أن يألف الرجل مكاناً معلوماً من
المسجد , مخصوصاً به , يصلي فيه كالبعير , لا يأوي مِن عطن إلا إلى مبرك
دمث قد أوطنه و اتخذه مناطاً "
( النهاية 5 / 204 , مادة وطن )
و أحق الناس في الصلاة في الصف الأول هم أولوا الأحلام و النهى مِن
العلماء و الحفظة لكتـاب الله , لـقـوله – صلى الله عليـه و سلم - :"
ليلني منكم أولوا الأحلام و النُهى , ثم الذين يلونهم و لا تختـلفوا
فتختـلف قلوبـكم و إياكم و هيشات الأسواق " ( رواه مسلم )
قال ابن الأثير – رحمه الله - :" هيش , يريد القتيل يُقتل في الفتنة لا يدري مَنْ قتله "
( النهاية 5 / 287 مادة هيَشَ )
و قال الإمام النووي – رحمه الله - :" في هذا الحديث تقديم الأفضل فالأفضل
إلى الإمام , لأنـه أولـى بالإكـرام , و لأنه ربما احتاج الإمام إلى
استخلاف فيكون هو أولى , و لأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لما لا
يتفطن له غيره ..." ( شرح النووي 4 / 155 )
و عن قيس بن عباد – رحمه الله – قال :" بينما أنا بالمدينة في المسجد في
الصف المقدّم قائماً أصلي , فجذبني رجل مِن خلفي جذبةً , فنحّاني و قام
مقامي , و قال : فوالله ما عقلتُ صلاتي , فلما انصرف , فإذا هو أبيُّ بن
كعب , فقال: يا فتى لا يسؤك الله , إنّ هذا عهد مِن النبي – صلى الله عليه
و سلم – إلينا أنْ نليه , ثم استقبل القبلة , فقال : هلك أهل العقدة , و
رب الكعبة ثلاثـاً , ثم قـال : و الله ما عليهم آسـى , و لكن آسـى عـن
مَنْ ضلـوا , و قال : قلت : مَنْ تعني بهذا ؟ قال : الأمراء "
( رواه ابن خزيمة و إسناده حسن )
فعلى العوام و الجهلة مِن المصلين أنْ يتركوا الصلاة خلف الإمام في الصف
الأول لأولي الأحلام و النهى , حـتـى لا يوقعوا أنفسهم في الحـرج .
قال العلاّمة محمد جمال القاسمي – رحمه الله -:" في أغلب المساجد الكبيرة
جماعة يلازمون منها ما وراء الإمام قبالة المحراب , فيأتون المسجد قبل
الصلاة و يأخذون مصافهم و أمكنتهم المعينة لأنّ كل واحد منهم له مكان مِن
تلك البقعة معيّن لا يحيد عنه غالباً , فقد يتفق أن يأتي مِن الناس مَن
يظن وجود فرجة هناك أو يأمل أن يُفسح له , فإن كان الآتي مِن ذوي الوجاهة
في علم أو منصب , اغتُفر له , و إن كان من طبقة غيرها , فمنهم مَنْ يلصق
في مكانه و لا يتفسح , و إن كان المكان قابلاً للتفسح , و منهم مَنْ إذا
أحس بقدومه يتربع ليأخذ قدر الفراغ المظنون و يضيق عليه , فإذا أُقيمت
الصلاة و دخل أحد , فإذا كان المكان فيه اتساع بعد الإقامة تسامحوا في
هجومه , و إن لم يكن فيه اتساع كافٍ , إلا أنّه يمكن لهم أن يتفسحوا ,
فهناك لا تسل عن غرائبهم ,فمنهم مـََنْ يتـرك مـكانـه و يذهب للصف الثاني
حرداً و قد مُليء غيظاً و غضباً , و منهم مَنْ يشير له بالرجوع و يـقـول
مـا ثـم مكان , و منهم مَنْ يلغـط و يتأفف و يحوقل و يخاصم همساً و قد
يكمل لغطه بعد الصلاة إذ يكون قدّر في نفسه و هو في الصلاة ما يقرِّعه به
و يوبخه على فعله , و قد يتفق أن يأتي أحد يلازم معهم جديداً فقد يسبق
أحدهم إلى مـكانـه و يجلس فيه , فإذا قدم هذا الملازم القديم و رأى مكانه
أُُخِذ فتراه يحرد إلى آخر الصف و يلحظ مكانه بطرف خفي متأسفاً و متغيظاً
على هذا الذي اغتصب مكانه و قد لا يسعه الصبر فتراه يجاهر و يقول له : يا
أخي لسنا أولاد البارحة و اليوم في هذا الجامع , نحن من أربعين سنة نصلي
في هذا المكان , فأين الذوق؟ " فتأمل ما يأتي به هؤلاء الجهلة ,و تأمل
عبادتهم المحشوة رياءً و عُجْباً و كِبراً , و هل مثل هؤلاء للخشية في
قلوبهم أثر أو لثمرة الصلاة فيهم وجود ؟ كلا , فما أحوجنا إلى مُربٍّ و
مؤدبٍ و المستعان بالله "
( اصلاح المساجد ص 241 )
فالمؤمن الحريص على دينه إذا علم أنَّ فعله هذا مخالف لشرع الله , و ما
فيه مِن المفاسد و المضار , فإنّه لا يُقْدِم عليه و لا يفعله , و يستغفر
الله مما صدر منه , و يعزم على أنْ لا يعود إليه مرة أخرى.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه
سمير المبحوح
2 / ربيع الآخر / 1431 هـ
حكم التحجير ( حجز الأماكن ) في المساجد
الحمد لله ربِّ العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آله و صحبه أجمعين.
فضّل الرسول – صلى الله عليه و سلم – الصلاة في الصف الأول و القـرب من
الإمام عن باقي الصفـوف , فقال– صلى الله عليه وسلم–:" لو يعلم الناس ما
في النداء و الصف الأول,ثم لم يجدوا إلا أنْ يستهموا عليه لاستهموا " (
متفق عليه )
و في روايةٍ أخرى :" لو تعلمون ما في الصف المقدّم لكانت قرعة "
( رواه مسلم )
و عن النعمان بن بشير – رضي الله عنه – قال :" سمـعـتُ رسـول الله – صلى
الله عليه و سلم – يـقـول : " إنّ الله و ملائكته يصلّون على الصف الأول ,
و الصفوف الأولى "
( رواه أحمد و إسناده جيد )
و الصف الأول هو الصف المكتمل , قال سفيان الثوري – رحمه الله - :" بأنّ
الصف الأول المتصل بين يدي المنبر , لا المقطوع بالمنبر " ( الثمر
المستطاب 1 / 421 )
و عن قرّة بن إياس – رضي الله عنه- قال :" كـنا نُـنـْهَى أنْ نصف بيـن
السواري على عـهـد رسـول الله – صـلى الله عليه و سلم – و نُطرَد عنها
طرداً "
( رواه ابن ماجه و الحديث حسن صحيح )
و كان ابن مسعود – رضي الله عنه – يقول :" لا تصفّوا بين السواري "
( رواه البيهقي في الكبرى 3 / 104 )
و قال البيهقي – رحمه الله - :" و هذا – و الله أعلم – لأنّ الاسطوانة تحول بينهم و بين وصل الصف "
( المصدر نفسه )
و قال الإمام مالك – رحمه الله - :" لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد "
( المدونة الكبرى 1 / 106)
و للأسف الشديد هناك من المنابر ذوات الدرجات الكثيرة في كثير من المساجد
المخالفة للسنة ( ثلاث درجات ) تقطع الصـف الأول , و لا خلاف في جواز
الصلاة بين السواري عند الضيق , أو لمن يصلي لوحده , أما مع السعة فهي
مكروهة .
و الأجر العظيم لمنْ صلىَّ في الصف الأول , لا يتحقق إلا لمن تقدم و سبق
بنفسه , أما مَنْ وضع سجادة أو طاولة أو كتاباً و نحوه , وتأخر عن الحضور
بنفسه مبكراً , فهذا مخالف للسنة , و لم يدرك فضيلة الصلاة في الصف الأول
, و مَنْ اعتقد غير ذلك فقد أخطأ.
أما مَنْ جاء مبكراً للصلاة في الصف الأول , ثم قام للوضوء أو للحركة , أو
لغير ذلك من الأمور , ثم رجع إلى مكانه فهو أحق به مِن غيره,لقوله – صلى
الله عليه و سلم – إذا قام أحدكم مِن مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به "
( رواه مسلم )
و ليعلم الجميع أنّ المساجد لله , و الناس فيها سواء , و ليس لأحد فيها حق
المكان , إلا إذا قدم مبكراً بنفسه , فإذا سبقه غيره فهو أحق منه بالمكان .
و هناك ظاهرة غريبة في بعض البلدان , أنّ هناك مَنْ يرسل خادمه , أو عامله
ليحجز له مكاناً من صلاة العصر إلى صلاة التراويح في رمضان .
و مَنْ حجز مكاناً بهذه الصورة , فقد تعدى على حق مِن حقوق مَنْ جاء قبله
, و هذا الفعل يوجب لصاحبه الكسل , و التأخر عن الحضور للصلاة مبكراً ,
لأنّه يعلم أنّ له مكاناً في الصف الأول , مع ما يقع فيه مِن الإثم مِن
تخطي رقاب الناس و إيذائهم بالمـرور مِن أمـامـهم ليـقطع عليهم صـلاتهم ,
مـما يُحـدث الشـحناء و الـغضـاء و العـداوة و الخصـومة بين المصـلين في
بيوت الله , قال – صلى الله عليه و سلم - :" لو يعلم المار بين يدي المصلي
ماذا عليه , لكان له أن يقف أربعين خيراً له مِن أنْ يمر بين يديه "
( متفق عليه )
قال أبو النضر – أحد رواة الحديث - : لا أدري أقال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة "
و قال – صلى الله عليه و سلم - :" إذا صلى أحدكم فليصلِّ إلى سترة و ليدنُ
منها و لا يَدَعْ أحداً يمر بين يديه , فإن جاء أحد يمر فليقاتله فإنه
شيطان "
( متفق عليه )
قال الإمام القرطبي – رحمه الله - :" أي يزيد في دفعه الثاني أشدُّ من
الأول , و قال : وأجمعوا على أنه لا يلزمه أنْ يقاتله بالسلاح" (فتح
الباري1 / 583 )
و مِن العجب أنّ أكثر مَنْ يقومون بهذا الفعل مِن حجز الأماكن , هم أناس
لهم رغبة في الخير , و لا يعلمون أنّ الرغبة في الخير لا تتحقق بهذا ,
لنهيه – صلى الله عليه و سلم عن هذا الفعل , لحديث عبد الرحمن بن شبل قال
:" نهى رسول الله – صـلى الله عليـه و سلم – عن نقرة الغراب و افتراش
السبع و أن يوطِن الرجل المكان في المسجد كما يوطِن البعير " (رواه أبو
داود و الحديث حسن )
قال ابن الأثير – رحمه الله - : "معناه أن يألف الرجل مكاناً معلوماً من
المسجد , مخصوصاً به , يصلي فيه كالبعير , لا يأوي مِن عطن إلا إلى مبرك
دمث قد أوطنه و اتخذه مناطاً "
( النهاية 5 / 204 , مادة وطن )
و أحق الناس في الصلاة في الصف الأول هم أولوا الأحلام و النهى مِن
العلماء و الحفظة لكتـاب الله , لـقـوله – صلى الله عليـه و سلم - :"
ليلني منكم أولوا الأحلام و النُهى , ثم الذين يلونهم و لا تختـلفوا
فتختـلف قلوبـكم و إياكم و هيشات الأسواق " ( رواه مسلم )
قال ابن الأثير – رحمه الله - :" هيش , يريد القتيل يُقتل في الفتنة لا يدري مَنْ قتله "
( النهاية 5 / 287 مادة هيَشَ )
و قال الإمام النووي – رحمه الله - :" في هذا الحديث تقديم الأفضل فالأفضل
إلى الإمام , لأنـه أولـى بالإكـرام , و لأنه ربما احتاج الإمام إلى
استخلاف فيكون هو أولى , و لأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لما لا
يتفطن له غيره ..." ( شرح النووي 4 / 155 )
و عن قيس بن عباد – رحمه الله – قال :" بينما أنا بالمدينة في المسجد في
الصف المقدّم قائماً أصلي , فجذبني رجل مِن خلفي جذبةً , فنحّاني و قام
مقامي , و قال : فوالله ما عقلتُ صلاتي , فلما انصرف , فإذا هو أبيُّ بن
كعب , فقال: يا فتى لا يسؤك الله , إنّ هذا عهد مِن النبي – صلى الله عليه
و سلم – إلينا أنْ نليه , ثم استقبل القبلة , فقال : هلك أهل العقدة , و
رب الكعبة ثلاثـاً , ثم قـال : و الله ما عليهم آسـى , و لكن آسـى عـن
مَنْ ضلـوا , و قال : قلت : مَنْ تعني بهذا ؟ قال : الأمراء "
( رواه ابن خزيمة و إسناده حسن )
فعلى العوام و الجهلة مِن المصلين أنْ يتركوا الصلاة خلف الإمام في الصف
الأول لأولي الأحلام و النهى , حـتـى لا يوقعوا أنفسهم في الحـرج .
قال العلاّمة محمد جمال القاسمي – رحمه الله -:" في أغلب المساجد الكبيرة
جماعة يلازمون منها ما وراء الإمام قبالة المحراب , فيأتون المسجد قبل
الصلاة و يأخذون مصافهم و أمكنتهم المعينة لأنّ كل واحد منهم له مكان مِن
تلك البقعة معيّن لا يحيد عنه غالباً , فقد يتفق أن يأتي مِن الناس مَن
يظن وجود فرجة هناك أو يأمل أن يُفسح له , فإن كان الآتي مِن ذوي الوجاهة
في علم أو منصب , اغتُفر له , و إن كان من طبقة غيرها , فمنهم مَنْ يلصق
في مكانه و لا يتفسح , و إن كان المكان قابلاً للتفسح , و منهم مَنْ إذا
أحس بقدومه يتربع ليأخذ قدر الفراغ المظنون و يضيق عليه , فإذا أُقيمت
الصلاة و دخل أحد , فإذا كان المكان فيه اتساع بعد الإقامة تسامحوا في
هجومه , و إن لم يكن فيه اتساع كافٍ , إلا أنّه يمكن لهم أن يتفسحوا ,
فهناك لا تسل عن غرائبهم ,فمنهم مـََنْ يتـرك مـكانـه و يذهب للصف الثاني
حرداً و قد مُليء غيظاً و غضباً , و منهم مَنْ يشير له بالرجوع و يـقـول
مـا ثـم مكان , و منهم مَنْ يلغـط و يتأفف و يحوقل و يخاصم همساً و قد
يكمل لغطه بعد الصلاة إذ يكون قدّر في نفسه و هو في الصلاة ما يقرِّعه به
و يوبخه على فعله , و قد يتفق أن يأتي أحد يلازم معهم جديداً فقد يسبق
أحدهم إلى مـكانـه و يجلس فيه , فإذا قدم هذا الملازم القديم و رأى مكانه
أُُخِذ فتراه يحرد إلى آخر الصف و يلحظ مكانه بطرف خفي متأسفاً و متغيظاً
على هذا الذي اغتصب مكانه و قد لا يسعه الصبر فتراه يجاهر و يقول له : يا
أخي لسنا أولاد البارحة و اليوم في هذا الجامع , نحن من أربعين سنة نصلي
في هذا المكان , فأين الذوق؟ " فتأمل ما يأتي به هؤلاء الجهلة ,و تأمل
عبادتهم المحشوة رياءً و عُجْباً و كِبراً , و هل مثل هؤلاء للخشية في
قلوبهم أثر أو لثمرة الصلاة فيهم وجود ؟ كلا , فما أحوجنا إلى مُربٍّ و
مؤدبٍ و المستعان بالله "
( اصلاح المساجد ص 241 )
فالمؤمن الحريص على دينه إذا علم أنَّ فعله هذا مخالف لشرع الله , و ما
فيه مِن المفاسد و المضار , فإنّه لا يُقْدِم عليه و لا يفعله , و يستغفر
الله مما صدر منه , و يعزم على أنْ لا يعود إليه مرة أخرى.
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه
سمير المبحوح
2 / ربيع الآخر / 1431 هـ