خطبة الجمعة الشرعية
الشيخ سعد الحصين
من: سعد الحصين
إلى: أخي في الدين وفي بلد ودولة أُسسا من أول يوم على منهاج النبوة في الدين والدعوة، خطيبَ الجمعة، وفقه الله لطاعته، ونصر به دينه، وثبته على شرعه.
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد: فالحمد لله الذي اصطفاكم لحمل أمانة الوظيفة العظيمة التي اصطفى لها نبيه وخلفاء نبيه وصحابته وفقهاء أمته في القرون المفضلة صلوات الله وسلامه ورحمته وبركاته عليهم أجمعين.
ولأن هذه الوظيفة (الدعوة إلى الله فرضاً لا نفلاً) هي خير وظيفة بعد النبوة؛ فقد اخترت (باختيار الله لي وفضله علي) تذكير نفسي وإخواني ـ بين حين وحين ـ بما يحفظ هذه الوظيفة من التغيير والتبديل؛ وأهمه:
أ- الثبات على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم من منهاج رضيه الله لهم، وأساسه: الوحي اليقيني من الله تعالى على قلب رسوله.
ب- الحذر من تحكيم الفكر الموصوف – خطأً – بالإسلامي، ومصدره:الاستحسان العاطفي والتحسين العقلي، ولا سند لهما إلا الهوى والظن واتباع سنن من سبق.
ت- ولم تكن الخطب الشرعية في القرن الأول، وهو القدوة، تزيد عن الآيات من كتاب الله وصحيح الحديث من سنة رسوله، والموعظة بالأحكام الشرعية من الكتاب والسنة بفهم الفقه الأول (عندما كان خالصاً للوحي لم يختلط بالفكر والظن والابتداع)، وأهمها الأمر بإفراد الله بالعبادة والتزام السنة والنهي عن الإشراك في العبادة والبدعة.
ث- وأصح وأقوى ما ورد عن خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة:
1- ما رواه مسلم: « ... ما أخذت {ق والقرآن المجيد} إلا عن لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل جمعة على
المنبر إذا خطب الناس» وفي رواية: «يخطب بها كل جمعة».
2- وما رواه مسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب يقول: «بعثت أنا والساعة كهاتين» ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: «أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة»
ثم يقول: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه؛ من ترك مالاً فلأهله، ومن ترك ديناً أو ضياعاً فإليّ وعليّ».
3- وقال ابن القيم رحمه الله عن خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة: «إنما هي تقرير لأصول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله ولقائه وذكر الجنة والنار وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته وما أعد لأعدائه وأهل معصيته» زاد المعاد 1/423 .
4- وقال الصنعاني رحمه الله عن خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة: «كان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام وشرائعه ويأمرهم وينهاهم، ويذكر معالم الشرائع في الخطبة، والجنة والنار والمعاد. وكانت محافظته [على الخطبة بسورة ق] اختياراً منه لما هو أحسن في الوعظ والتذكير.» سبل السلام 2/49-50.
ج- واتفق فقهاء المذاهب الأربعة على أن مقصود الخطبة الموعظة فلا يجوز الإخلال بها في الخطبتين، وإن كاد يتفق متأخروا الخطباء منذ القرن الماضي على مخالفة السنة وابتداع تضييعها بأخبار وسائل الإعلام التي لا يجوز إدخالها في العبادة لو صحت، فكيف وهي مظنة
المبالغة والتحريف والكذب؟
ح- لم تتضمن خطبة واحدة من خطب النبي صلى الله عليه وسلم ولا خلفائه ولا صحابته ولا الأئمة في القرون المفضلة خبراًمن أخبار الطوارئ والحوادث وتحليلاتها؛ لا الغزوات الكبرى ولا الهجرة ولا ذكرى الإسراء والمعراج والمولد ولا غيرها مهما كثرت وعظم خطرها حتى بداية القرن الماضي ونهاية الذي قبله حيث بدأ الفكر الإسلامي ـ زعموا ـ يحتل مكانة العلم الشرعي.
خ- وأعجب المتأخرون بفكرهم فأطالوا الخطبة وقصروا الصلاة مخالفة صريحة ومصرة للحديث:«أطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة.» رواه مسلم في صحيحه.
د- وأعجب المتأخرون بفكرهم فانشغلوا وشغلوا المصلي بالمحسنات اللفظية (السجع والشعر) وبالقصص عن تعليم الدين الذي شرع الله الخطبة لأجله ولا يجتمع المسلمون إلا له.
ذ- ولما خالف المتأخرون السنة في موضوع الخطبة خالفوا السنة في اختيار ما يتلى في صلاة الجمعة من القرآن؛ ليلائم الموضوعات المبتدعة إرضاء للهوى بمخالفة الشرع.
ر- ومع المخالفة في اختيار ما يتلى في الصلاة، التزموا مخالفة قضاء الله وشرعه وسنة رسوله، بالربط بين آيتين أو أكثر فرقها الله بحجة بيان المعنى استدراكاً على الله ورسوله، والتزموا ما سُمِّي (قواعد وأحكام التجويد) مما ليس عليه دليل شرعي كما قاله الشيخ ابن عثيمين في كتابه «العلم» ص 117 وأفتى به الشيخ ابن سعدي وابن باز رحمها الله، وحذَّر ابن تيمية رحمه الله من الانشغال به عن التدبروالعمل والتبليغ. رد الله الجميع إلى دينه ردًّا جميلاً.
سعد الحصين (محرم: 1430هـ)
تعاوناً على البر والتقوى.