خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    أسباب تسلط الكفار على المسلمين- بحث تاريخي-عقدي(لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله)

    avatar
    أبو عبد الله أحمد بن نبيل
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 2798
    العمر : 48
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 19
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية أسباب تسلط الكفار على المسلمين- بحث تاريخي-عقدي(لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله)

    مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل 15.03.10 16:11

    بسم الله الرحمن الرحيم

    هذا كلام قيم لشيخ الإسلام رحمه الله تعالى، يوضح فيه أسباب تسلط الكفار والملاحدة على رقاب المسلمين عبر تاريخهم
    الإسلامي، والذي من أهم أسبابه البعد عن التوحيد الخالص لله رب العالمين.
    وقد وضعت بعض التعليقات اليسيرة تكميلاً للفائدة.

    (( قال رحمه الله تعالى :

    وَقَدْ قِيلَ : إنَّ أَوَّلَ مَنْ عَرَفَ أَنَّهُ أَظْهَرَ فِي الْإِسْلَامِ التَّعْطِيلَ الَّذِي تَضَمَّنَهُ قَوْلُ فِرْعَوْنَ هُوَ الْجَعْدُ بْنُ دِرْهَمً فَضَحَّى بِهِ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَسْرِيُّ وَقَالَ : أَيُّهَا النَّاسُ ضَحُّوا تَقَبَّلَ اللَّهُ ضَحَايَاكُمْ إنِّي مُضَحٍّ بِالْجَعْدِ بْنِ دِرْهَمٍ ، إنَّهُ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَّخِذْ إبْرَاهِيمَ خَلِيلًا وَلَمْ يُكَلِّمْ مُوسَى تَكْلِيمًا تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الْجَعْدُ
    عُلُوًّا كَبِيرًا . ثُمَّ نَزَلَ فَذَبَحَهُ وَشَكَرَ لَهُ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَعَلَهُ كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَغَيْرِهِ . وَهَذَا الْجَعْدُ إلَيْهِ يُنْسَبُ مَرْوَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَعْدِيُّ آخِرُ خُلَفَاءِ بَنِي أُمَيَّةَ وَكَانَ شُؤْمُهُ عَادَ عَلَيْهِ حَتَّى زَالَتْ الدَّوْلَةُ ؛ فَإِنَّهُ إذَا ظَهَرَتْ الْبِدَعُ الَّتِي تُخَالِفُ دِينَ الرُّسُلِ انْتَقَمَ اللَّهُ مِمَّنْ خَالَفَ الرُّسُلَ وَانْتَصَرَ لَهُمْ ؛ وَلِهَذَا لَمَّا ظَهَرَتْ الْمَلَاحِدَةُ الْبَاطِنِيَّةُ وَمَلَكُوا الشَّامَ وَغَيْرَهَا ظَهَرَ فِيهَا النِّفَاقُ وَالزَّنْدَقَةُ الَّذِي هُوَ بَاطِنُ أَمْرِهِمْ وَهُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِ فِرْعَوْنَ " إنْكَارُ الصَّانِعِ وَإِنْكَارُ عِبَادَتِهِ " وَخِيَارُ مَا كَانُوا يَتَظَاهَرُونَ بِهِ الرَّفْضُ فَكَانَ خِيَارُهُمْ وَأَقْرَبُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ الرَّافِضَةُ وَظَهَرَ بِسَبَبِهِمْ الرَّفْضُ وَالْإِلْحَادُ حَتَّى كَانَ مَنْ كَانَ يَنْزِلُ الشَّامَ مِثْلُ بَنِي حَمْدَانَ الْغَالِيَةِ وَنَحْوِهِمْ مُتَشَيِّعِينَ ؛ وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنْ بَنِي بويه فِي الْمَشْرِقِ . وَكَانَ ابْنُ سِينَا وَأَهْلُ بَيْتِهِ مِنْ أَهْلِ دَعْوَتِهِمْ قَالَ : وَبِسَبَبِ ذَلِكَ اشْتَغَلْت فِي الْفَلْسَفَةِ وَكَانَ مَبْدَأُ ظُهُورِهِمْ مِنْ حِينِ تَوَلَّى الْمُقْتَدِرُ( [1]) وَلَمْ يَكُنْ بَلَغَ بَعْدُ وَهُوَ مَبْدَأُ انْحِلَالِ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ ؛ وَلِهَذَا سُمِّيَ حِينَئِذٍ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ الْأُمَوِيُّ الَّذِي كَانَ بِالْأَنْدَلُسِ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى بِهَذَا الِاسْمِ وَيَقُولُ : لَا يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ خَلِيفَتَانِ فَلَمَّا وَلِيَ الْمُقْتَدِرُ قَالَ هَذَا صَبِيٌّ لَا تَصِحُّ وِلَايَتُهُ فَسُمِّيَ بِهَذَا الِاسْمِ . وَكَانَ بَنُو عُبَيْدِ اللَّهِ الْقَدَّاحِ ([2] ) الْمَلَاحِدَةُ يُسَمَّوْنَ بِهَذَا الِاسْمِ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا فِي الْبَاطِنِ مَلَاحِدَةً زَنَادِقَةً مُنَافِقِينَ وَكَانَ نَسَبُهُمْ بَاطِلًا كَدِينِهِمْ ؛ بِخِلَافِ الْأُمَوِيِّ وَالْعَبَّاسِيِّ فَإِنَّ كِلَاهُمَا نَسَبُهُ صَحِيحٌ وَهُمْ مُسْلِمُونَ كَأَمْثَالِهِمْ مِنْ خُلَفَاءِ الْمُسْلِمِينَ . فَلَمَّا ظَهَرَ النِّفَاقُ وَالْبِدَعُ وَالْفُجُورُ الْمُخَالِفُ لِدِينِ الرَّسُولِ سُلِّطَتْ عَلَيْهِمْ الْأَعْدَاءُ فَخَرَجَتْ الرُّومُ النَّصَارَى إلَى الشَّامِ وَالْجَزِيرَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَأَخَذُوا الثُّغُورَ الشَّامِيَّةَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ إلَى أَنْ أَخَذُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ فِي أَوَاخِرِ الْمِائَةِ الرَّابِعَةِ وَبَعْدَ هَذَا بِمُدَّةِ حَاصَرُوا دِمَشْقَ وَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ بِأَسْوَأِ حَالٍ بَيْنَ الْكُفَّارِ النَّصَارَى وَالْمُنَافِقِينَ الْمَلَاحِدَةِ ؛ إلَى أَنْ تَوَلَّى نُورُ الدِّينِ الشَّهِيدُ وَقَامَ بِمَا قَامَ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَإِظْهَارِهِ وَالْجِهَادِ لِأَعْدَائِهِ ثُمَّ اسْتَنْجَدَ بِهِ مُلُوكُ مِصْرَ بَنُو عُبَيْدٍ عَلَى النَّصَارَى فَأَنْجَدَهُمْ وَجَرَتْ فُصُولٌ كَثِيرَةٌ إلَى أَنْ أُخِذَتْ مِصْرُ مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ أَخَذَهَا صَلَاحُ الدِّينِ يُوسُفُ بْنُ شادي وَخَطَبَ بِهَا لِبَنِي الْعَبَّاسِ ؛ فَمِنْ حِينَئِذٍ ظَهَرَ الْإِسْلَامُ بِمِصْرِ بَعْدَ أَنْ مَكَثَتْ بِأَيْدِي الْمُنَافِقِينَ الْمُرْتَدِّينَ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ مِائَةَ سَنَةٍ . فَكَانَ
    الْإِيمَانُ بِالرَّسُولِ وَالْجِهَادُ عَنْ دِينِهِ سَبَبًا لِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَبِالْعَكْسِ الْبِدَعُ وَالْإِلْحَادُ وَمُخَالَفَةُ مَا جَاءَ بِهِ سَبَبٌ لِشَرِّ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . فَلَمَّا ظَهَرَ فِي الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْجَزِيرَةِ الْإِلْحَادُ وَالْبِدَعُ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ الْكُفَّارُ وَلَمَّا أَقَامُوا مَا أَقَامُوهُ مِنْ الْإِسْلَامِ وَقَهْرِ الْمُلْحِدِينَ وَالْمُبْتَدِعِينَ نَصَرَهُمْ اللَّهُ عَلَى الْكُفَّارِ ؛ تَحْقِيقًا لِقَوْلِهِ : { يَا
    أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } { تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } { يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } { وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ } . وَكَذَلِكَ لَمَّا كَانَ أَهْلُ الْمَشْرِقِ قَائِمِينَ بِالْإِسْلَامِ كَانُوا مَنْصُورِينَ عَلَى الْكُفَّارِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ التُّرْكِ وَالْهِنْدِ وَالصِّينِ وَغَيْرِهِمْ فَلَمَّا ظَهَرَ
    مِنْهُمْ مَا ظَهَرَ مِنْ الْبِدَعِ وَالْإِلْحَادِ وَالْفُجُورِ سُلِّطَ عَلَيْهِمْ الْكُفَّارُ قَالَ تَعَالَى:{ وَقَضَيْنَا إلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا } { فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا } { ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا } { إنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا } { عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا } . وَكَانَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَقُولُ : هُولَاكُو - مَلِكُ التُّرْكِ التَّتَارِ الَّذِي قَهَرَ الْخَلِيفَةَ بِالْعِرَاقِ وَقَتَلَ بِبَغْدَادَ مَقْتَلَةً عَظِيمَةً جِدًّا يُقَالُ : قَتَلَ مِنْهُمْ أَلْفَ أَلْفٍ وَكَذَلِكَ قَتَلَ بِحَلَبِ دَارِ الْمُلْكِ حِينَئِذٍ كَانَ بَعْضُ الشُّيُوخِ يَقُولُ هُوَ - لِلْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ بُخْتَ نَصَّرَ ([3] ) لِبَنِي إسْرَائِيلَ . وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ دُخُولِ هَؤُلَاءِ دِيَارَ الْمُسْلِمِينَ ظُهُورُ الْإِلْحَادِ وَالنِّفَاقِ وَالْبِدَعِ حَتَّى أَنَّهُ صَنَّفَ الرازي كِتَابًا فِي عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَالْأَصْنَامِ وَعَمَلِ السِّحْرِ سَمَّاهُ " السِّرُّ الْمَكْتُومُ فِي السِّحْرِ وَمُخَاطَبَةِ النُّجُومِ " وَيُقَالُ : إنَّهُ صَنَّفَهُ لِأُمِّ السُّلْطَانِ عَلَاءِ الدِّينِ مُحَمَّدِ بْنِ تكْشِ بْنِ جَلَالِ الدِّينِ خَوَارِزْم شاه( [4]) وَكَانَ مِنْ أَعْظَمِ مُلُوكِ الْأَرْضِ وَكَانَ للرازي بِهِ اتِّصَالٌ قَوِيٌّ حَتَّى أَنَّهُ وَصَّى إلَيْهِ عَلَى أَوْلَادِهِ وَصَنَّفَ لَهُ كِتَابًا سَمَّاهُ " الرِّسَالَة الْعَلَائِيَّة فِي الِاخْتِيَارَاتِ السَّمَاوِيَّةِ " . وَهَذِهِ الِاخْتِيَارَاتُ لِأَهْلِ الضَّلَالِ بَدَلُ الِاسْتِخَارَةِ الَّتِي عَلَّمَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ كَمَا قَالَ جَابِرٌ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ : { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ : إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك وَأَسْتَقْدِرُك بِقُدْرَتِك وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ وَيُسَمِّيهِ بِاسْمِهِ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ } وَأَهْلُ النُّجُومِ لَهُمْ اخْتِيَارَاتٌ إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا أَخَذَ طَالِعًا سَعِيدًا فَعَمِلَ فِيهِ ذَلِكَ الْعَمَلَ لِيَنْجَحَ بِزَعْمِهِمْ وَقَدْ صَنَّفَ النَّاسُ كُتُبًا فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَذَكَرُوا كَثْرَةَ مَا يَقَعُ مِنْ خِلَافِ مَقْصُودِهِمْ فِيمَا يُخْبِرُونَ بِهِ وَيَأْمُرُونَ بِهِ وَكَمْ يُخْبِرُونَ مِنْ خَبَرٍ فَيَكُونُ كَذِبًا وَكَمْ يَأْمُرُونَ بِاخْتِيَارِ فَيَكُونُ شَرًّا والرازي صَنَّفَ الِاخْتِيَارَاتِ لِهَذَا الْمَلِكِ وَذَكَرَ فِيهِ الِاخْتِيَارَ لِشُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا ذَكَرَ فِي " السِّرّ الْمَكْتُوم " فِي عِبَادَةِ الْكَوَاكِبِ وَدَعْوَتِهَا مَعَ السُّجُودِ لَهَا وَالشِّرْكِ بِهَا وَدُعَائِهَا مِثْلَ مَا يَدْعُو الْمُوَحِّدُونَ رَبَّهُمْ ؛ بَلْ أَعْظَمَ وَالتَّقَرُّبِ إلَيْهَا بِمَا يُظَنُّ أَنَّهُ مُنَاسِبٌ لَهَا مِنْ الْكُفْرِ وَالْفُسُوقِ وَالْعِصْيَانِ فَذَكَرَ أَنَّهُ يَتَقَرَّبُ إلَى الزُّهْرَةِ بِفِعْلِ الْفَوَاحِشِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْغِنَاءِ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ . وَهَذَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ يُقَرِّبُ إلَى الشَّيَاطِينِ الَّذِينَ يَأْمُرُونَهُمْ بِذَلِكَ وَيَقُولُونَ لَهُمْ : إنَّ الْكَوْكَبَ نَفْسَهُ يُحِبُّ ذَلِكَ وَإِلَّا فَالْكَوَاكِبُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِ اللَّهِ مُطِيعَةٌ لِلَّهِ لَا تَأْمُرُ بِشِرْكِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ الْمَعَاصِي وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ هِيَ الَّتِي تَأْمُرُ بِذَلِكَ وَيُسَمُّونَهَا رُوحَانِيَّةَ الْكَوَاكِبِ وَقَدْ يَجْعَلُونَهَا مَلَائِكَةً وَإِنَّمَا هِيَ شَيَاطِينُ فَلَمَّا ظَهَرَ بِأَرْضِ الْمَشْرِقِ بِسَبَبِ مِثْلِ هَذَا الْمَلِكِ وَنَحْوِهِ وَمِثْلِ هَذَا الْعَالِمِ وَنَحْوِهِ مَا ظَهَرَ مِنْ الْإِلْحَادِ وَالْبِدَعِ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ التُّرْكَ الْمُشْرِكِينَ الْكُفَّارَ فَأَبَادُوا هَذَا الْمُلْكَ وَجَرَتْ لَهُ أُمُورٌ فِيهَا عِبْرَةٌ لِمَنْ يَعْتَبِرُ وَيَعْلَمُ تَحْقِيقَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ حَيْثُ يَقُولُ : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ } أَيْ أَنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ وَقَالَ : { سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ } وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ . و " الْمَقْصُودُ هُنَا " أَنَّ دَوْلَةَ بَنِي أُمَيَّةَ كَانَ انْقِرَاضُهَا بِسَبَبِ هَذَا الْجَعْدِ الْمُعَطِّلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَوْجَبَتْ إدْبَارَهَا وَفِي آخِرِ دَوْلَتِهِمْ ظَهَرَ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ بِخُرَاسَانَ وَقَدْ قِيلَ : إنَّ أَصْلَهُ مِنْ تِرْمِذَ وَأَظْهَرَ قَوْلَ الْمُعَطِّلَةِ النفاة الجهمية . وَقَدْ قُتِلَ فِي بَعْضِ الْحُرُوبِ . وَكَانَ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَشْرِقِ أَعْلَم بِحَقِيقَةِ قَوْلِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ وَلِهَذَا يُوجَدُ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَشْرِقِ مِنْ الْكَلَامِ فِي الجهمية أَكْثَرُ مِمَّا يُوجَدُ لِغَيْرِهِمْ مَعَ أَنَّ عَامَّةَ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ تَكَلَّمُوا فِيهِمْ وَلَكِنْ لَمْ يَكُونُوا ظَاهِرِينَ إلَّا بِالْمَشْرِقِ لَكِنْ قَوِيَ أَمْرُهُمْ لَمَّا مَاتَ الرَّشِيدُ وَتَوَلَّى ابْنُهُ الْمُلَقَّبُ بِالْمَأْمُونِ بِالْمَشْرِقِ وَتَلَقَّى عَنْ هَؤُلَاءِ مَا تَلَقَّاهُ . ثُمَّ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ اجْتَمَعَ بِكَثِيرِ مِنْ هَؤُلَاءِ وَدَعَا إلَى قَوْلِهِمْ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَكَتَبَ إلَى بَغْدَادَ وَهُوَ بِالثَّغْرِ بطرسوس الَّتِي بِبَلَدِ سِيسَ ([5])- وَكَانَتْ إذْ ذَاكَ أَعْظَمَ ثُغُورِ بَغْدَادَ وَمِنْ أَعْظَمِ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ يَقْصِدُهَا أَهْلُ
    الدِّينِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَيُرَابِطُونَ بِهَا رَابَطَ بِهَا الْإِمَامُ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالسَّرِيُّ السقطي وَغَيْرُهُمَا وَتَوَلَّى قَضَاءَهَا أَبُو عُبَيْدٍ وَتَوَلَّى قَضَاءَهَا أَيْضًا صَالِحُ بْنُ أَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ وَلِهَذَا ذُكِرَتْ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ كَثِيرًا فَإِنَّهَا كَانَتْ ثَغْرًا عَظِيمًا فَكَتَبَ مِنْ الثَّغْرِ - إلَى نَائِبِهِ بِبَغْدَادَ إسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُصْعَبٍ كِتَابًا يَدْعُو النَّاسَ فِيهِ إلَى أَنْ يَقُولُوا : الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ ثُمَّ كَتَبَ كِتَابًا ثَانِيًا يَأْمُرُ فِيهِ بِتَقْيِيدِ مَنْ لَمْ يُجِبْهُ وَإِرْسَالِهِ إلَيْهِ فَأَجَابَ أَكْثَرُهُمْ ثُمَّ قَيَّدُوا سَبْعَةً
    لَمْ يُجِيبُوا فَأَجَابَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ بَعْدَ الْقَيْدِ وَبَقِيَ اثْنَانِ لَمْ يُجِيبَا : الْإِمَامُ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ نُوحٍ ؛ فَأَرْسَلُوهُمَا إلَيْهِ فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَصِلَا إلَيْهِ ثُمَّ أَوْصَى إلَى أَخِيهِ أَبِي إسْحَاقَ وَكَانَ هَذَا سَنَةَ ثَمَانِي عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ وَبَقِيَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْحَبْسِ إلَى سَنَةِ عِشْرِينَ فَجَرَى مَا جَرَى مِنْ الْمُنَاظَرَةِ حَتَّى قَطَعَهُمْ بِالْحُجَّةِ ثُمَّ لَمَّا خَافُوا الْفِتْنَةَ ضَرَبُوهُ وَأَطْلَقُوهُ وَظَهَرَ مَذْهَبُ النفاة الجهمية وَامْتَحَنُوا النَّاسَ فَصَارَ مَنْ أَجَابَهُمْ أَعْطَوْهُ وَإِلَّا مَنَعُوهُ الْعَطَاءَ وَعَزَلُوهُ مِنْ الْوِلَايَاتِ وَلَمْ يَقْبَلُوا شَهَادَتَهُ وَكَانُوا إذَا افْتَكُّوا الْأَسْرَى يَمْتَحِنُونَ الْأَسِيرَ فَإِنْ أَجَابَهُمْ افْتَدَوْهُ وَإِلَّا لَمْ يَفْتَدُوهُ . وَكَتَبَ قَاضِيهِمْ أَحْمَد بْنُ أَبِي دؤاد عَلَى سِتَارَةِ الْكَعْبَةِ " لَيْسَ كَمِثْلِهِ
    شَيْءٌ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " لم يَكْتُبْ وَهُوَ { السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } ثُمَّ وَلِيَ الْوَاثِقُ وَاشْتَدَّ الْأَمْرُ إلَى أَنْ وَلِيَ الْمُتَوَكِّلُ فَرَفَعَ الْمِحْنَةَ وَظَهَرَتْ حِينَئِذٍ السُّنَّةُ وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ . وَالْمَقْصُودُ أَنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا عَرَفُوا حَقِيقَةَ قَوْلِ الجهمية بَيَّنُوهُ حَتَّى قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ : إنَّا لَنَحْكِي كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ الجهمية وَكَانَ يَنْشُدُ : عَجِبْت لِشَيْطَانِ دَعَا النَّاسَ جَهْرَةً إلَى النَّارِ وَاشْتُقَّ اسْمُهُ مِنْ جَهَنَّمَ وَقِيلَ لَهُ : بِمَاذَا يُعْرَفُ رَبُّنَا ؟ قَالَ : بِأَنَّهُ فَوْقَ سَمَوَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ قِيلَ لَهُ : بِحَدِّ ؟ قَالَ : بِحَدِّ . وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَد بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ راهويه وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدارمي
    وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ )).

    المصدر : مجموع فتاوى ابن تيمية - (3 /173)
    منقول من منتديات اللآجري
    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1] -المقتدر * هو الخليفة المقتدر بالله، أبو الفضل جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن أبي أحمد طلحة بن المتوكل على الله الهاشمي العباسي البغدادي، بويع بعد أخيه المكتفي في سنة خمس وتسعين ومئتين، وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وما ولي أحد قبله أصغر منه ، وانخرم نظام الإمامة في أيامه، وصغر منصب الخلافة، وقد خلع في أوائل دولته، وبايعوا ابن المعتز، ثم لم يتم ذلك، وقتل ابن المعتز وجماعة، ثم إنه خلع ثانيا في سنة سبع عشرة.
    وبذل خطه بعزل نفسه، وبايعوا أخاه القاهر، ثم بعد ثلاثة أيام، أعيد المقتدر، ثم في المرة الثالثة قتل، وكان ربعة، مليح الوجه، أبيض بحمرة، نزل الشيب بعارضيه، وعاش ثمانيا وثلاثين سنة، قال أبو علي التنوخي: كان جيد العقل، صحيح الرأي، ولكنه كان مؤثرا للشهوات، لقد سمعت علي بن عيسى الوزير يقول: ما هو إلا أن يترك هذا الرجل - يعني المقتدر - النبيذ خمسة أيام، فكان ربما يكون في أصالة الرأي كالمأمون والمعتضد، قلت: كان منهوما باللعب، والجواري، لا يلتفت إلى أعباء الامور، قتل لثلاث بقين من شوال سنة عشرين وثلاث مئة) ينظر : الذهبي ،سير أعلام النبلاء - (ج15 /ص 43-44)

    [2] هم من يسمون زوراً ( الفاطميين )

    [3] - هو نبوخذ نصر الثاني( 605-563)ق.م. أشهر ملوك الدولة البابلية الحديثة، قامبتدمير بيت المقدس وأسر عدد كبير من اليهود، وأخذهم معه أسارى إلى العراق .

    [4] علاء الدين خوارزمشاه محمد ابن السلطان خوارزمشاه إيل رسلان ابن خوارزمشاه أتسز ابن الامير محمد بن نوشتكين الخوارزمي( انظر ترجمته عند الذهبي، سير أعلام النبلاء - (22 / 139-143).

    [5] - سيس:( بكسر السين المهملة وسكون الياء المثناة) ويقال :سِيسِيةُ: وعامة أهلها يقولون سيس، بلد من أعظم مُدن الثغور الشامية بين أنطاكية وطرسوس) ياقوت الحموي ،معجم البلدان،ج3،ص338؛ القلقشندي، صبح الأعشى ،ج 4 ، ص 139

      الوقت/التاريخ الآن هو 15.11.24 0:23