وخرج -صلى الله عليه وسلم- يوما على أصحابه وهم يقولون: ألم يقل الله كذا وكذا؟ يرد بعضهم على بعض، فكأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال: إنما أفسد على الأمم هذا، فلا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم . نعم، وهذا الحديث أخرجه الترمذي، وابن ماجه، والطبراني، وهو حديث صحيح، وله ألفاظ، وفي بعض الألفاظ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج إليهم وهم ينزعون، يأخذ هذا بآية، ويأخذ هذا بآية، فلما خرج عليهم -عليه الصلاة والسلام- غضب، وكأنما فقئ في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال: أبهذا أمرتم أم بهذا وكلتم؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، ما عرفتم منه فاعملوا به، وما لم تعرفوه -أو ما لم تعلموه- فكلوه إلى عالم. وفي هذا اللفظ الذي ساقه المؤلف، قال: فكأنما فقيء في وجهه حب الرمان من الغضب، فقال: إنما أفسد على الأمم هذا، فلا تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، فإن ذلك يوقع الشك في قلوبكم . والحديث الآخر: أنه خرج وهم ينزعون هذا بآية وينزع هذا بآية، وهذا يرد على هذا وهذا يرد عليه، فغضب النبي -صلى الله عليه وسلم- لاختلافهم، وقال: أبهذا أمرتم أم بهذا وكلتم؟ أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟ ما عرفتم منه فاعملوا به، وما لم تعلموه فكلوه إلى عالم فيه التحذير من المراء والخصام والنزاع والاختلاف والفرقة، وضرب النصوص بعضها ببعض، وأن هذه طريقة أهل البدع والزيغ والانحراف. أما أهل الحق فإنهم يعملون بالنصوص، ويضمون بعضها إلى بعض، ويفسرون بعضها ببعض، كتاب الله يفسر بعضه بعضا، النصوص يصدق بعضها بعضا، من الكتاب والسنة، فلا تضرب النصوص بعضها ببعض، وإنما يُعمل بها، ويُجمع بينها؛ لأن النصوص يوافق بعضها بعضا، ويصدق بعضها بعضا، من الكتاب ومن السنة. أما أهل البدع فطريقتهم يضرب النصوص بعضها ببعض، ويعمل ببعض النصوص ويترك البعض الآخر، هذه طريقة أهل الزيغ، كم قال الله -عز وجل- في كتابه المبين: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ . ثبت في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذي سمى الله فاحذروهم فلا يجوز للإنسان أن يضرب النصوص بعضها ببعض، ويأخذ بالمتشابه ويترك المحكم؛ لأن هذه طريقة أهل الزيغ. أما طريقة أهل الحق: فإنهم يعملون بالمحكم الواضح البين، والمتشابه يردونه إلى المحكم ويفسرونه به، فتكون النصوص تتوافق ولا تختلف، ففيه التحذير من طريقة أهل الزيغ، وأهل البدع الذين يأخذون ببعض النصوص ويتركون البعض، والذين يتعلقون بالمتشابه ويتركون المحكم. مثال ذلك: نصوص العلو والفوقية كثيرة، حتى زادت أفراده على ثلاثة آلاف دليل، قال الله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ . نصوص محكمة واضحة لا لبس فيها، أن الله تعالى له العلو والفوقية، وهو فوق العرش، فوق المخلوقات بذاته، بعض الناس الذين في قلوبهم زيغ يتركون النصوص الواضحة المحكمة البينة، التي تزيد على ثلاثة آلاف دليل، ويتعلق ببعض المتشابهات، يقول: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ هذا دليل على أن الله مختلط بالمخلوقات، ليس فوق. طيب ثلاثة آلاف دليل كلها تتركها، وتتعلق بنص متشابه، هذا يعني أن في قلبك زيغ، أهل الحق يفسرون النص هذا بما يتوافق مع النصوص وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ يعني: هو إله بمعنى معبود، يعني هو معبود في السماء ومعبود في الأرض، وذاته فوق العرش سبحانه، وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ يعني: معبود في السماء ومعبود في الأرض، وذاته فوق العرش. هذه طريقة أهل الزيغ: يتعلق بالنصوص المتشابهة: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ يقول: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ هذا دليل على أنه مختلط بالمخلوقات، وأنه في الأرض، نقول: أنتم في قلوبكم زيغ، المعية معناها في لغة العرب للمصاحبة، لمطلق المصاحبة، لا تفيد اختلاطا ولا امتزاجا، وليس فيها أنه مختلط بالمخلوقات، وَهُوَ مَعَكُمْ بعلمه واطلاعه وإحاطته وقدرته ونفوذ سمعه وبصره، وهو فوق العرش، تقول العرب: ما زلنا نسير والقمر معنا، ما زلنا نسير والقمر معنا، ما زلنا نسير والنجم معنا، والنجم والقمر فوقك، يقول الإنسان: المتاع معي، وهو فوق رأسك. فطريقة أهل الزيغ: يتعلقون بالمتشابه ويتركون المحكم، أما أهل الحق يعملون بالمحكم، والمتشابه يردونه إلى المحكم ويفسرونه به، من ذلك: أن أهل الزيغ، أهل السفور، الذين يبيحون سفور المرأة، وأنها تُسفر عن وجهها، ويقولون: يجوز للمرأة أن تكشف وجهها، وأن تُسفر عن وجهها، ويتركون النصوص الواضحة. ويستدلون بحديث الخثعمية في حجة الوداع، وأن الخثعمية جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- - تسأله عن الحج عن أبيها، وأن الفضل كان رديف النبي -صلى الله عليه وسلم- فجعل ينظر إليها وتنظر إليه، فجعل النبي يصرف وجه الفضل، قالوا: هذا دليل على أنها كاشفة، وأنها سافرة الوجه، ينظر إليها وتنظر إليه. ويتركون النصوص المحكمة الواضحة التي لا لبس فيها: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ نص، حجاب، الساتر، قد يكون الحجاب بابا، قد يكون جدارا، وقد يكون غطاء، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ تدني المرأة الخمار، وتستر وجهها، وترخيه على صدرها، نصوص واضحة. ومن أقوى الأدلة على وجوب الحجاب: ما ثبت في صحيح البخاري في حديث عائشة في قصة الإفك؛ لما ذهب الجيش وتركوها في مكانها يظنون أنها في الهودج، جلست في مكانها، قالت: لعلهم يفقدونني ثم يأتون، فغلبتها عيناها ونامت، فجاء صفوان بن المعطل السلمي وكان متأخرا، فلما رأى سواد إنسان عرفها وجعل يسترجع ويقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، إنا لله وإنا إليه راجعون، أهل رسول الله. قالت عائشة: فاستيقظت باسترجاع صفوان استيقظت باسترجاعه يعني وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فاستيقظت باسترجاع صفوان، فخمرت وجهي بجلبابي وكان يعرفني قبل الحجاب خمرت وجهي، ما معنى خمرت وجهي؟ غطيت وجهي بجلبابي، وكان يعرفني قبل الحجاب، فدل على أن النساء قبل الحجاب تكشف الوجوه، وبعد الحجاب تغطي الوجوه، وهذا في صحيح البخاري أصح الكتب بعد كتاب الله. فدعاة السفور يتركون النص المحكم، ويتعلقون بحديث الخثعمية، يقولون: حديث الخثعمية يدل على أن المرأة كاشفة لوجهها، طيب والنصوص الواضحة التي مثل الشمس تتركونها؟ أنت في قلبك زيغ، تترك النصوص الواضحة، وتتعلق بالمتشابه. لكن أهل الحق يعملون بالنصوص الواضحة، والنص المتشابه نرده للمحكم، نقول أيش؟ ينظر إليها، ينظر إلى قدها، إلى طولها، إلى ثيابها، ينظر إليها، ما يلزم أن تكون كاشفة، ينظر إليها، ولو سمع حديثها، رأى طولها، رأى قدها، رأى ثيابها، ما يلزم أن تكون كاشفة، نفسره بما يتناسب مع النصوص الواضحة التي لا لبس فيها. فأهل الحق يعملون بالنصوص المحكمة الواضحة، ويردون إليها المتشابه، ويفسرونها به، فتتوافق النصوص، أما أهل الزيغ، يتركون النصوص الواضحة الجلية ويتعلقون بالمتشابهة. نعم. لا يوجد أسئلة، وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع بالنفع والعمل الصالح. وقفنا على رقم أيش؟ رقم الحديث رقم اثني عشر. |
لطفا من هنا
[url=http://www.taimiah.org/Display.asp?pid=2&t=book51&f=eban-00030.htm]http://www.taimiah.org/Display.asp?pid=2&t=book51&f=eban-00030.htm[/url]