بسم الله الرحمن الرحيم
الغلاة يتصيّدون ,و السفهاء سمّاعون ,و الحدثاء يصدّقون
[center]
الغلاة يتصيّدون ,و السفهاء سمّاعون ,و الحدثاء يصدّقون
[center]
الحمدُ لله ربِّ العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد , و على آله و صحبه أجمعين.
الخطأ صفة ملازمة للإنسان , ولم ينجُ منه إلا الأنبياء و الرسل – عليهم السلام – لقوله – صلى الله عليه و سلم -:
" كلُّ بني آدم خطّاء و خيرُ الخطّائين التوّابون " ( رواه ابن ماجه و الحديث حسن ).
و معالجة
الأخطاء و تصحيحها مِن النصيحة في الدين , الواجبة على أهل العلم ,لأنه
منهج ربّاني , و القرآن كان ينزل أحيانا بتصحيح الأخطاء , التي كان يقع
فيها أحيانا بعضُ الصحابة – رضي الله عنهم
– كحاطب بن أبي بلتعة , و بعض الرماة في غزوة أحد , و حادثة الإفك , و ترك
بعض الصحابة خطبة الجمعة عندما جاءت القافلة للتجارة , إلى غير ذلك من
الأمثلة الدالّة على أهمية تصحيح و تقويم الأخطاء و معالجتها .
فإذا كان هذا
حال مَنْ هم أفضل و أتقى لربهم منا,و أحرص منّا على مجانبة الوقوع في
الخطأ , فكيف بحالنا نحن, و لهذا لا نترك المُخطئين على حالهم , و نعتذر
عن العصاة و أهل الكبائر و البدع بأنهم بشر إلى غير ذلك مِن التبريرات ,
بل الواجب على أهل العلم الإنكار عليهم و محاسبتهم , و لكن بميزان الشرع
الحنيف , فبعض الناس أكرمهم الله بالعلم النافع و الأسلوب الحسن و المكانة
الرفيعة , فمثل هؤلاء تُقبل منهم النصيحة مالا تُقبل مِن غيرهم , مِن
الذين ما أرادوا وجه الله تعالى في النصيحة , إنما هو التعالي , و تصيُّد
الأخطاء و إشاعتها بين الناس للتشفّي و الانتقام .
و دور النصيحة
, ومعالجة الأخطاء و تقويم أصحابها , راجعٌ لمَن يفقه فقه النصيحة , لأنّ
الجاهلَ غيرُ صاحب الشبهة , و الغافل غير المصرّ , و المجتهد غير المخطئ ,
و المبتدع غير الذي وقع في بدعة , فهؤلاء لابدّ أنْ يُتعامل معهم على حسب
حالهم و ما يُصلحهم , سواء أكان بالحكمة و الرفق و اللين , أم بالتغليظ و
الشدة , مع مراعاة عدم المحاباة في النصيحة و التقويم .
قال تعالى :" و إذا قُلُتم فاعدلوا " و قال :" و إذا حكمتم بين الناس أنْ تحكموا بالعدل "
و لقوله-صلى الله عليه وسلم- لأسامة بن زيد عندما جاء يشفع للمرأة المخزومية التي سرقت :" و الذي نفسي بيده لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها " ( متفق عليه )
فإقامة العدل
أحب إلينا مِن محبة الأشخاص , مهما بلغوا مِن القرابة , و الصحبة , فكيف
بمَن يتغاضى عن خطأ صاحبه , ومَن كان مِن حزبه أو جمعيته , و يحمله على
محملٍ حسن , و يشدُّ على خطأ غيره فيحمله على محملٍ آخر .
و ليعْلم طالب
العلم السلفي , أنّ هناك مؤامرة خطيرة على الدعوة السلفية , لا تقف عند
مجرد تصحيح خطأ , ولكن وراء الأكمة ما وراءها مِن الطعن و التشكيك و
التشهير و الانتقام مِن علماء الدعوة السلفية و دُعاتها و طلابها .
ووقع و للأسف الشديد بعض أدْعياء الدعوة السلفية في هذا المخطط مِن حيث لا يشعرون , لابتعادهم عن العلماء.
و قام الحزبيون
, و أهل البدع مِن أهل الزيغ و الضلال بترويج هذه المؤامرة , و إشعال نار
الفتنة بين أصحاب العقيدة الواحدة و المنهج الواحد , و هذا نابع مِن الجهل
بحقيقة هذه الدعوة و الحسد و الغَيْرة و حبّ
الظهور و
الشهرة , بل هناك تحريض مِن جهات أخرى لها مصلحة في إسقاط علماء هذه
الدعوة و طلابها , و مِن ثَمَّ إضعافها للقضاء عليها , و أنىّ لهم ذلك .
و بالرغم مِن
وضوح هذه المعالم , و كثرة التحذير مِن هذه المؤامرات , و كثرة ما تعرضت
له هذه الدعوة مِن ضربات و ابتلاءات مِن الطاعنين و المُرجفين و الحاقدين
و البُغاة المعتدين , و الغلاة المتنطِّعين ,وما قام به أهل البدع مِن حفر
و شق الأخاديد في طريق دعاة المنهج السلفي , فتراهم يتصيَّدون الأخطاء و
الزلاّت ليجعلوا منها مُدخلاً لتسميع السفهاء , و مِن ثَمَّ وصولاً لتصديق
الحدثاء , فهؤلاء أرادوا بالدعوة السلفية شراً , لكن بأسلوب خبيث جديد غير
سديد , فهم يدّعون أنهم لا يريدون إلا الخير لهذه الدعوة – زعموا –
فتعرضوا لهذه الدعوة بالتشكيك في سلفية دعاتها و طلابها , و تحاملوا على
أهلها و الذابين عنها , وهذا منهج الغلاة مِن أهل البدع .
قال أبو حاتم الرازي – رحمه الله- :" علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر " ( الالكائي 1 /179 )
و قال أبو عثمان الصابوني –رحمه الله- :" و علامات البدع على أهلها بادية ظاهرة , و أظهر آياتهم و علاماتهم شدة معاداتهم لحملة أخبار النبي – صلى الله عليه و سلم – و احتقارهم لهم , و استخفافهم بهم "
( عقيدة السلف أصحاب الحديث ص 101 )
و قال أحمد بن سنان – رحمه الله- :" ليس في الدنيا مبتدع إلا و هو يُبغض أهل الحديث , فإذا ابتدع الرجل نُزعت حلاوة الحديث مِن قلبه " ( شرف أصحاب الحديث ص 145 )
فهؤلاء الغُلاة
مِن أهل البدع , شُغلهم الشاغل في علماء الدعوة السلفية و طلابها و دعاتها
, و يُلبّسون على السفهاء بالأكاذيب و الافتراءات و الإشاعات , حتى
يُصدّقهم الحدثاء .
قال أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني – رحمه الله
– " أمّا إذا نظرتَ إلى أهل الأهواء و البدع , رأيتَهم متفرقين مختلفين ,
أو شيعاً و أحزاباً , لا تكاد تجد اثنين منهم على طريقة واحدة في الاعتقاد
, يبدّع بعضُهم بعضاً , بل يرتقون إلى التكفير ............. تراهم أبداً
في تنازع و تباغض , و اختلاف , تنقضي أعمارهم و لمّا تتفق كلماتهم
( تحسبهم
جميعاً و قلوبهم شتى , ذلك بأنهم قوم لا يعقلون ) .... و أهل البدع أخذوا
الدين مِن المعقولات و الآراء , فأورثهم الافتراق و الاختلاف " ( الحجة في بيان المحجة 2 / 225 , 226 )
هذا حالهم ,
فاختلفوا فيما بينهم , و تفرّقوا و أسقط بعضهم بعضاً , فمنهم مَن حلق
لحيته , و منهم مَن خلع الّلباس الشرعيّ إلى اللباس الإفرنجي , و منهم مَن
ترك الصلاة في المساجد , و منهم مَن ألقى بنفسه في أحضان التحزب,
و منهم مَن ترك
الُسنّة إلى التكفير , ومنهم مَن ترك دروس العلم , وكان هذا ردة فعل على
غُلوّهم و تنطّعهم و عدم أخذهم العلم عن العلماء .
فيا طالب العلم السلفي : لا تغترّ بهم ,و لا بتنكيس رؤوسهم , و لا بجلساتهم السرية في السراديب بحجة التعليم .
قال الإمام أحمد – رحمه الله –
وهو يصف أهل البدع :" و هم مختلفون في الكتاب , مخالفون للكتاب , متفقون
على مخالفة الكتاب , يتكلمون في المتشابه من الكلام , و يلبَّسون على
جُهّال الناس بما يتكلمون به مِن المتشابه " ( الآداب الشرعية 1 / 209 )
و قال أيضاً :"
إذا أردتَ أنْ تعلم محل الإسلام مِن أهل الزمان , فلا تنظر إلى زحامهم في
أبواب الجوامع , و لا ضجيجهم في الموقف بلبيك , و إنما تنظر إلى مواطأتهم
أعداء الشريعة " ( المصدر نفسه 1 / 237 )
هكذا كان وصفُ
علماء السنة لدعاة البدعة و أفراخهم و سفهائهم للتحذير مِن مسلكهم و
منهجهم لئلاّ يقع الحدثاء في شراكهم و حيلهم و تصديقهم بما يكذبون و
يفترون , و بما يدّعون , و هذه شبهات يدندنون حولها و يثيرونها في قلوب
طلاب العلم المبتدئين , و هنا مكمن الخطر .
و العلاج و المخرج مِن هذا كله ما قاله الإمام ابن القيم – رحمه الله-
:" فمتى باشر القلب حقيقة العلم , لم تؤثّر تلك الشبهة فيه , بل قويَ علمه
و يقينه بردِّها و معرفة بُطلانها , و متى لم يباشر حقيقة العلم بالحق
قلبُه, قدحت فيهالشك بأول وهلة , فإنْ تداركها , و إلا تتابعتْ على قلبه
أمثالها, حتى يصير شاكاً مرتاباً , و القلب يتوارده جيشان من الباطل :
جيش شهوات الغِيّ , و جيش شبهات الباطل .
فأيّما قلبٌ
صغا إليها و ركن إليها , وتشرّبها و امتلأ بها , فينضحُ لسانه و جوارحه
بموجبها , فإنْ أُشربَ شبهات الباطل تفجّرت على لسانه الشكوك و الشبهات و
الإيرادات , فيظن الجاهل أنّ ذلك لِسَعَة علمه , و إنما ذلك مِن عدم علمه
و يقينه .
و قال لي شيخ الإسلام – رحمه الله
- : و قد جعلتُ أُورد عليه إيراداً بعد إيراد :" لا تجعل قلبك للإيرادات و
الشبهات مثل السفنجة فلا ينضح إلا بها , و لكن اجعله كالزجاجة المصمتة
تمرّ الشبهات بظاهرها و لا تستقر فيها , فيراها بصفائه , و يدفعها بصلابته
, و إلا فإذا أَشربْتَ قلبك كلَّ شبهة تمرّ عليها صار مقراً للشبهات أو
كما قال ".
فما أعلمُ إنِّي انتفعتُ بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .
و إنما سُميتْ
الشبهة شبهة , لاشتباه الحق بالباطل فيها , فإنّها تَلبس ثوب الحق على جسم
الباطل , و أكثر الناس صاحب حُسنٍ ظاهرٍ , فينظر الناظر فيما ألبسته مِن
اللباس , فيعتقد صحّتها .
و أما أصحاب العلم و اليقين , فإنّه لا يغترُّ بذلك , بل يجاوز نظره إلى باطنه , و ما تحت لباسها , فينكشف له حقيقتها ..... " ( مفتاح دار السعادة 1 / 140 - 142 )
فيا طالب العلم
السلفي : هكذا يجب أنْ تكون , لا تغترّ بهؤلاء الغُلاة و السفهاء و
الحدثاء مِن أهل البدع , و احذر شبهاتهم و شرورهم , و إياك مِن إيراداتهم
و تَلبيساتهم و مظاهرهم , مع أنهم يدّعون أنهم أحرص الناس على الدعوة ,و
كيف بحالهم و هم يرمون بأنفسهم في أحضان أهل الأهواء و البدع .
نسألُ الله السلامة و العافية
[center]و آخر دعونا أنْ الحمدُ لله ربَّ العالمين
كتبه
سمير المبحوح
4/ ربيع أول / 1431 هـ
[/center][/center]