من افتراءات اليهود في حق الله وملائكته وكتبه ورسله
د محمد الدسوقى بن على
استعلن صراع اليهود في هذه الآونة حتى تجاوز حرب العرب والمسلمين إلى حرب الإسلام ذاته في ثوابته ومبادئه وقيمه، كما لوحظ أن هذا الصراع أخذ أبعاداً جديدة بإقحام أمريكا والغرب اللتين ضربتا المثل الأعلى في انتهاك حقوق الإنسان المسلم، وعصفتا بكل المثل والقيم النبيلة وخرقتا بدافع الحقد الدفين جميع القوانين والأعراف الدولية، ولسنا هنا بصدد الحديث عن تيكم الجرائم التي يرتكبها الصهاينة ومن وراءهم في حق الإنسانية والتي لم تعد خافية على أحد، بل سينصب كلامنا عن جرائم تلك الأمة الغضبية المحرضة والتي هي وراء كل كارثة تحل بالمسلمين وخلف كل محاولة للتشكك في معتقداتهم، جرائمها في حق ربها الذي فضلها في يوم من الأيام على العالمين وفي حق أنبيائها الذين بعثوا لهدايتها .. والغرض من ذلك هو الحد من غلواء التعصب الذي علا صوته في هذا الصراع لبيان أنه ما هو إلا نوع من التعصب للباطل .. وأيضاُ كرد فعل لما يثيره بنوا صهيون- في إطار هذه الحرب القذرة ضد الدين الخاتم الذي تكفل رب العالمين بحفظه وجعل من ابتغى غيره من الخاسرين- من لغط وصخب ظهرا بوضوح هذه الأيام على شبكات الإنترنيت وغيرها من جميع وسائل الإعلام المنظورة والمقروءة والمسموعة ضد الإسلام ونبي الإسلام وقرآن المسلمين.
ويبدأ الحوار بطلب بني إسرائيل من موسى عليه السلام لإله يعبدونه من دون الله على ما ورد في قوله سبحانه: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة .. الأعراف/ 138) .. كذا بما يشير إلى ما جبل عليه القوم حيثما حلوا وأينما وجدوا، فقد طبعوا واعتادوا على عبادة آلهة القوم الذين يحلون لديهم حتى أيام الكليم موسى عليه السلام، ومعلوم أن ما طلبه بنوا إسرائيل من موسى عليه السلام جرى بعد ما أحدثه الله لهم من نعم وتمكين ومن إنجاء وتفضيل على العالمين، وكان من المفترض أن يقابل ذلك بالشكر والاعتراف بالجميل والانكباب على عبادة الله وحده، لكن ما حدث منهم كان على العكس من ذلك تماماً فقد وقع منهم ما أحس به موسى عليه السلام وما تخوف منه، فما أن تجاوزوا معه البحر قاصدين ما اشرأبت إليه نفوسهم وتطلعت إليه أفئدتهم من دخول الأرض المقدسة، حتى تناسوا كل ما أوصاهم به ربهم على لسانه، وراحوا وهم في صحبته يؤملون أنفسهم بعبادة الأصنام بل وشرعوا- دون ما حياء ولا استحياء- يرجون ذلك منه، "وحقيق بمن سأل نبيه أن يجعل له إلهاً، فيعبد إلهاً مخلوقاً مجعولاً بعد ما شاهد تلك الآيات الباهرات، ألا يعرف حقيقة الإله ولا أسماءه وصفاته ونعوته ودينه، ولا يعرف حقيقة المخلوق وحاجته وفقره"، فأي جهل فوق هذا؟ وكيف يكون الإله مجعولاً بينا هو الجاعل لكل ما سواه والمجعول يستحيل لكونه مربوباً مصنوعاً أن يكون إلهاً؟ بل كيف يطلبون ذلك من موسى في حياته والعهد بإنجائه عليه السلام وإنجائهم- من قِبل الإله القادر على كل شيء- من فرعون وإغراقه وإغراق قومه قريب؟ لهذا ولغيره كان أبلغ رد على هذه التساؤلات قول موسى عليه السلام: (إنكم قوم تجهلون* إن هؤلاء متبّرٌ ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون* قال أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين .. الأعراف/138-140).
ولكن هيهات لموسى ولا لعشرات أو مئات من أمثاله أن تجدي مع أولئك الذين جرى الكفر وإغاظة الرب به- ولا يزال- في أوصالهم مجرى الدم في العروق، فقد كان من أشهر آلهة تلك الأمم التي عبدتها اليهود والتي ذكرتها التوراة التي لا يزالون يتعبدون بها: (آشور) و(نسروخ) و(مولوك) إله الأرض، و(عشتورت) ملكة السماوات وزوجة الإله (تموز)، و(بعل) إله الشمس، و(داجون) و(ملكوم) و (كموش) و (نرجل) و(أشيما) و(نيحز) و(ترياق) و(آدر ملك) و(عنملك)، وفي سفر القضاة 3: 5- 8 عن ترك ما وصى به موسى آباءهم من عبادة الله وحده، ما نصه: "فسكن بنوا إسرائيل في وسط الكنعانيين والحثيين والأموريين والفِرزّيين والحوييّن واليبوسيين. واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا بناتهم لبنيهم وعبدوا آلهتهم. فعمل بنوا إسرائيل الشر في عيني الرب ونسوا الرب إلههم وعبدوا البلعيم والسواري. فحميَ غضب الرب على إسرائيل".
لقد تحدثت جميع الكتب السماوية عما جرى من بنى إسرائيل عقب ذلك وذكرت أنه ما أن ذهب موسى لميقات ربه حتى أعلمه سبحانه من هناك بأن قومه اتبعوا السامري واتخذوا العجل معبوداً لهم من دون الله، وذلك بعد أن فشلت معهم دعوة هارون وبعد قوله لهم: (يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري .. طه/90)، وبعد أن كان جوابهم له (لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى .. طه/91)، الأمر الذي أوقع هارون في حرج مع أخيه موسى ظناً من الأخير أن هارون قصر في نهيهم عن عبادة العجل أو لم يحسن تنفيذ ما كلفه به في قوله: (اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين .. الأعراف/142)، أو أنه على ما أفاد ابن القيم في إغاثة اللهفان تخوف إن هو سار بمن معه من المسلمين وترك عبدة العجل على عبادة العجل أن يقول له موسى (فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي .. طه/ 94).
وكان حاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط فألقوها عنهم تأثماً وعبدوا العجل! وذلك بعد أن صاغوه من الذهب والحلي الذي استلبوه من مصر واصطحبوه معهم، وكان هارون قد أوضح لهم أن حلي القبط غنيمة ولا يحل لهم التصرف فيه، وأشار عليهم أن يلقوا به في حفرة فيها نار فيجعلونه سبيكة واحدة حتى إذا رجع موسى عليه السلام رأى فيه ما يشاء، لكن كان ما حكاه القرآن في قوله سبحانه: (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً)، من خيري الدنيا والآخرة ومن حسن العاقبة ومن نصرته إياكم على عدوكم وإظهاركم عليه ومن الوصول إلى جانب الطور الأيمن، وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن، وغير ذلك مما وعد الله تعالى أهل طاعته، (أفطال عليكم العهد)، بنسيان ما سلف من نعمه وما بالعهد من قدم (أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي .. طه/86)، وكان الغضب الذي أصابهم بإرادتهم وافترائهم، أن أذلهم الله ولم يقبل منهم توبة حتى يقتل بعضهم بعضاً كما قال تعالى على لسان نبيهم موسى: (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم .. البقرة/54).
وعلى الرغم من استنكار موسى عليه السلام الشديد لعبادتهم للعجل- على نحو ما رأينا وعلى نحو ما حكى القرآن- إلا أنهم- وذلك من عجائب أمرهم- جعلوه إلهاً له فنسبوا موسى عليه السلام إلى الشرك، ثم لم يكتفوا بذلك حتى نسبوا إليه الخطأ والضلال وذلك قوله سبحانه حكاية عنهم وعن السامري: (فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي.. طه/ 88)، قال ابن عباس: أي ضل وأخطأ الطريق، وفي رواية عنه: نسي أن يذكر لكم أن هذا إلهه وإلهكم، وعنه أيضاً: أن موسى ذهب يطلب ربه فضل ولم يعلم مكانه، وقال السدي: أي ترك موسى إلهه وذهب يطلبه.
وجاءت تصريحات التوراة والإنجيل والقرآن بعبادة القوم ومن تلاهم من الأبناء والأحفاد لغير الله، وبقتلهم الأنبياء بغير حق وبنقضهم المواثيق التي أخذها الله عليهم في معظم فترات حياتهم، مما يعنى أن ما حُكى عنهم في هذا الصدد- مما لا يستطيعون إنكاره أو تكذيبه- هو الذي أدي بهم إلى إيقاع وعيد الله بهم من تشتيت ومحق كانوا هم السبب فيه.
ومن المواطن التي أشارت إلى هذا النمط في حياتهم ونصت على إصرارهم وصلابة رقابهم وعلى عنادهم وجحودهم كلما حلت بهم نعم الله، وعلى سعة رحمته بهم أملا في إصلاح أمرهم لكن دون جدوى.. ما جاء في مناجاة نبيهم نحميا عليه السلام في الإصحاح التاسع العدد11 وما بعده وفيه: "وفلقت اليم أمامهم وعبروا في وسط البحر علي اليابسة وطرحت مطارديهم في الأعماق.. ونزلت على جبل سيناء وكلمتهم من السماء وأعطيتهم أحكاما مستقيمة وشرائع صادقة..عن يد موسى عبدك. وأعطيتهم خبزاً من السماء لجوعهم، وأخرجت لهم ماء من الصخرة لعطشهم، وقلت لهم أن يدخلوا الأرض التي رفعت يدك أن تعطيهم إياها. ولكنهم بغوا هم وآباؤهم وصلبوا رقابهم ولم يسمعوا لوصاياك. وأبوا الاستماع ولم يذكروا عجائبك التي صنعت معهم وصلبوا رقابهم .. فلم تتركهم. مع أنهم عملوا لأنفسهم عجلاً مسبوكاً وقالوا هذا إلهك الذي أخرجك من مصر وعملوا إهانة عظيمة. أنت برحمتك الكثيرة لم تتركهم في البرية.. ولم تمنع منّك عن أفواههم وأعطيتهم ماء لعطشهم. وعُلتهم أربعين سنة في البرية.. وأعطيتهم ممالك وشعوباً.. وأكثرت بينهم كنجوم السماء وأتيت بهم إلى الأرض التي قلت لآبائهم أن يدخلوا ويرثوها. فدخل البنون وورثوا الأرض.. فأكلوا وشبعوا وسمنوا وتلذذوا بخيرك العظيم. وعصوا وتمردوا عليك وطرحوا شريعتك وراء ظهورهم.. فدفعتهم ليد مضايقيهم فضايقوهم، وفي وقت ضيقهم صرخوا إليك وأنت من السماء سمعت، وحسب مراحمك الكثيرة أعطيتهم مخلّصين خلّصوهم من يد مضايقيهم. ولكن لما استراحوا رجعوا إلى عمل الشر قدامك فتركتهم بيد أعدائهم فتسلطوا عليهم ثم رجعوا وصرخوا إليك وأنت من السماء سمعت وأنقذتهم حسب مراحمك الكثيرة أحيانا كثيرة. وأشهدت عليهم لتردهم إلى شريعتك، وأما هم فبغوا ولم يسمعوا لوصاياك وأخطأوا ضد أحكامك التي إذا عملها الإنسان يحيا بها، وأعطوا كتفاً معانِدة وصلبوا رقابهم ولم يسمعوا".
ونقرأ في المزمور78: 40 وما بعده عن تماديهم في غيهم: "كم عصوه في البرية وأحزنوه في القفر.. لم يذكروا يده يوم فداهم من العدو. حيث جعل في مصر آياته وعجائبه في بلاد صُوعن. إذ حوّل خلجانهم إلى دم.. أرسل عليهم بعوضاً فأكلهم وضفادع فأفسدتهم.. وهداهم- يعني بني إسرائيل- آمنين فلم يجزعوا.. وطرد الأمم من قدامهم.. فجربوا وعصوا الله العليّ، وشهادته لم يحفظوا. بل ارتدوا وغدروا مثل آبائهم، انحرفوا كقوس مخطئه. أغاظوه بمرتفعاتهم وأغاروه بتماثيلهم. سمع الله فغضب ورذل إسرائيل جداً..".
وفي سفر حزقيال20: 5وما بعده يقول الرب ممتناً على بني إسرائيل: "رفعتُ يدي لنسل بيت يعقوب وعرفتُهم نفسي أرض مصر ورفعت لهم يدي ..لأخرجهم من أرض مصر إلى الأرض التي تجسْستُها لهم تفيض لبناً وعسلاً هي فخر كل الأراضي. وقلت لهم اطرحوا كل إنسان منكم أرجاس عينيه ولا تتنجسوا بأصنام مصر .. فتمردوا عليّ ولم يريدوا أن يسمعوا لي .. فقلت إني أسكب رجزي عليهم لأتم عليهم سخطي في وسط أرض مصر. لكن صنعت لأجل اسمي لكيلا يتنجس أمام عيون الأمم الذين هم في وسطهم.. فأخرجتهم من أرض مصر وأتيت بهم إلى البرية. وأعطيتهم فرائضي وعرفتهم أحكامي التي إن عملها إنسان يحيا بها.. فتمرد علىّ بيت إسرائيل في البرية، لم يسلكوا في فرائضي ورفضوا أحكامي .. فقلت إني أسكب رجزي عليهم في البرية لإفنائهم. لكن صنعت لأجل اسمي لكيلا يتنجس أمام عيون الأمم.. ورفعت أيضا يدي لهم في البرية بأني لا آتي بهم إلى الأرض التي أعطيتهم إياها تفيض لبنا وعسلاً.. لأنهم رفضوا أحكامي ولم يسلكوا في فرائضي بل نجسوا سبوتي لأن قلبهم ذهب وراء أصنامهم. لكن عيني أشفقت عليهم عن إهلاكهم فلم أفنهم في البرية. وقلت لأبنائهم في البرية لا تسلكوا في فرائض آبائكم ولا تحفظوا أحكامهم ولا تتنجسوا بأصنامهم .. فتمرد الأبناء عليّ.. فقلت إني أسكب رجزي عليهم لأتم سخطي عليهم في البرية. ثم كففت يدي وصنعت لأجل اسمي لكيلا يتنجس أمام عيون الأمم الذين أخرجتهم أمام عيونهم. ورفعت أيضاً يدي لهم في البرية لأفرقهم في الأمم وأذريهم في الأراضي. لأنهم لم يصنعوا أحكامي بل رفضوا فرائضي ونجسوا سبوتي وكانت عيونهم وراء أصنام آبائهم"، وهكذا كان حالهم طوال تاريخهم ومع كافة أنبيائهم وبشهادة جميع كتبهم.
فهل ينكر عاقل أن هذه الفعال التي نص عليها العهد القديم تختلف كثيراً عما نراه ونشاهده ونسمعه عن يهود زماننا المعاصرين؟ وهل يشك من في قلبه حبة خردل من إيمان في أن ما يقع ويتأتى منهم ولهم ما هو إلا صورة طبق الأصل لما وقع فيه الأسلاف من ترك أحكام الخالق جل وعلا ونقض تعاليمه ومواثيقه؟
لقد حكت التوراة عنهم من غير ما ذكرنا بعضاً من مزاعمهم في حق الله تبارك اسمه، من ذلك ما ادعوه من أن للقمر- وكذا للشمس والمنازل- ضرراً يحدثه بالناس ومن ثم ساروا وراءها من دون الله واستشاروها وسجدوا لها (سفر الملوك الثاني 23: 5 والمزامير 121: 5-7 وإرميا 8: 2 وحزقيال 8: 16)، وما ادعوه من أنه تعالى عما يقولون علواً كبيراً "استراح في اليوم السابع- واستوى على عرشه مستلقياً على قفاه وواضعاً إحدى رجليه على الأخرى- بعد أن فرغ من جميع عمله الذي عمل" يعني من خلق السماوات والأرض وكل جندها على حد ما جاء في سفر التكوين 2: 1، 2 والموسوعة الميسرة في الأديان، وأنه سبحانه أمر بني إسرائيل عند خروجهم من مصر بسلب المصريين وسرقة أمتعتهم وحليهم وثيابهم وقال لهم على حد ما جاء في سفر الخروج3: 21، 22 "لا تمضون فارغين. بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثياباً وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريين"، ونعتوه تعالى بالجهل وأنه لم يكن يعلم ما وقع في الجنة من معصية آدم وذلك حين "نادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت؟!. فقال: سمعت صوتك فخشيت لأني عريان فاختبأت. فقال: من أعلمك أنك عريان هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟!" تكوين3: 9: 11.
كما نعتوا ذاته بما يحمل معنى التجسيم فشبهوه تارة برجل حروب (أشعياء 42: 13)، وبالأسد أخرى (هوشع13: 7، 8)، وبالإنسان تارة ثالثة مدعين عليه قوله: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا .. فخلق الله الإنسان على صورة الله خلقه"، تكوين 1: 26 -27، 9: 7 بل ونسبوا له ما لا يليق به من الحواس والأعضاء من نحو الفم (إرمياء 9: 12 وأخبار الأيام الثاني 6: 15)، والشفتين واللسان (إشعياء 30: 27 وأيوب 11: 5)، والأنف (حزقيال 38: 18 وصموئيل الثاني22: 16 ومزامير 18: 15)، والأذن (عدد 11: 1وصموئيل الثاني 22: 7 ومزامير 34: 15، 86: 1ومراثي إرميا 3: 56 وحزقيال 8: 18، 9: 1)، والذراع والصوت (أيوب 40: 9 وأشعياء 52: 10)، والرأس (أشعياء 59: 17 وإرميا9: 1)، والقدمان والرجلان (إشعياء 66: 1 وزكريا 14: 4 وخروج 24: 10)، والقلب والأحشاء (إرميا19: 5 ،4: 19، 20)، والأصبع والوجه والقفا (خروج8: 9 وإرميا 18: 17).
كما خلعوا عليه جل جلاله من صفات الأفعال ما لا يليق بذاته وبما ينم ويحمل معاني الغفلة وضآلة التفكير وسذاجة اللفظ وطفولة السلوك من نحو النوم والاستيقاظ (مزامير 44: 23)، والحزن والسقم (تكوين6: 6، 7 وإرميا 8: 18)، واللهو واللعب على ما أفاده التلمود الذي نص على "أن النهار اثنتا عشرة ساعة، في الثلاث الأولى منها يجلس الله ويطالع الشريعة، وفي الثلاثة الثانية يحكم، وفي الثلاثة الثالثة يطعم العالم، وفي الثلاثة الأخيرة يجلس ويلعب مع الحوت ملك الأسماك"، والاستمتاع والسرور برائحة شواء الطعام ونص ذلك في سفر العدد 28: 1 - 8 وبنحوه في لاويين 21: 1 -7 "وكلّم الرب موسى قائلاً. أوصِ بني إسرائيل وقل لهم قرباني طعامي مع وقائدي رائحة سروري تحرصون أن تقربوه لي في وقته. وقل لهم هذا هو الوقود الذي تقربون للرب، خروفان حوليان صحيحان لكل يوم، محرقة دائمة. الخروف الواحد تعمله صباحاً والخروف الثاني تعمله بين العشاءين. وعُشْرَ الإيفة من دقيق ملتوت بربع الهين من زيت الرّضِّ تقدمه. محرقة دائمة هي المعمول في جبل سيناء لرائحةِ سرورِ وقوداً للرب"، ناهيك عما يقدم له في المناسبات وكل سبت من خروفين صحيحين وعشرين من دقيق ملتوت بزيت فضلاً عن المحرقة الدائمة وسكيبها، وفي رؤوس الشهور من المزيد، لكل مُحرقة سرورٍ وقوداً للرب وسكائبهن.
بل شرعوا- غير مكتفين بذلك يصفونه- تعالى عن يقولونه في حقه علوا كبيراً- بالمشي والسير (تكوين 3: 8)، وأنه يقطن ويسكن (مزامير 68: 15، 16)، وأنه جل جلاله حين تضرع له موسى وذكر عليه السلام ما فعله الرب ببني إسرائيل بُعيد ذهابه عليه السلام للميقات واتخاذهم العجل "ندم على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه" خروج 32: 14، كما أنه- على حد ما جاء في التلمود- "يتندم على تركه اليهود في حالة التعاسة حتى أنه يلطم ويبكي كل يوم فتسقط من عينيه دمعتان في البحر فيسمع دويها من بدء العالم إلى أقصاه، وتضطرب المياه وترتجف الأرض في أغلب الأحيان فتحصل الزلازل"، وما أكثر ما يتندم الرب في اعتقاد اليهود ولأجلهم على نحو ما جاء في صموئيل الأول 15: 35، والثاني 24: 16، وأخبار الأيام الأولى 21: 15، والمزامير 106: 45وإرميا 18: 8، 10، 26: 13، 19، ويونان 3: 10 .. بل نسبوا له الزوجة والطرب والاستمتاع بالحظيات ونص ذلك في المزامير 45: 8 - 11 "من قصور العاج سرتك الأوتار. بنات ملوك بين حظياتك جُعلت الملكة عن يمينك بذهب أُوفير. اسمعي يا بنتُ وانظري وأميلي أذنك وانْسي شعبك وبيت ابيك. فيشتهي الملك حسنك لأنه هو سيدك فاسجدي له"، كما نسبوا له تعالى عما يقولون أولاداً من الذكور وقد فتنهم جمال بنات الآدميين فاتخذوهن خليلات وولدن منهم نسلاً امتاز ببساطة الجسم وهم الجبابرة الذين سكنوا الأرض قبل الطوفان (تكوين 6: 1 -4).
ولم يكتفوا بتشبيههم الخالق- جلت قدرته وتعالت حكمته- بالإنسان حتى جسدوه وجعلوه إلهاً ملموساً فأظهروه عياناً في صورة رجل يراه سيدنا موسى عليه السلام ويتكلم ويراه معه سبعون رجلاً ويستمع شعب بني إسرائيل لكلامه، ففي أسفارهم "أما عبدي موسى فليس هكذا، بل هو أمين في كل بيتي. فماً إلى فم وعياناً أتكلم معه لا بالألغاز وشبه الرب يعاين" (عدد 12: 7، 8)، وفي (الخروج 23: 11) "ويكلم الرب موسى وجهاً لوجه كما يكلم الرجل صاحبه" .. ولم يسعهم أن نسبوا له الأعضاء والحواس والزوجة والأولاد حتى ادعوا أنه- تعالى عما يقولون- دخل في مصارعة مع يعقوب ظلت طوال الليل فقال يعقوب بعد أن انخلع حُق فخذه وجعله الرب كما يقولون (في خانة اليك): "أطلقني لأنه قد طلع الفجر فقال: لا أطلقك إن لم تباركني. فقال [أي الرب] له ما اسمك؟ فقال: يعقوب. فقال لا يدعى أسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل، لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت. وسأل يعقوب وقال أخبرني باسمك، قال [أي الرب]: لماذا تسأل عن اسمي؟ وباركه هناك" (تكوين32: 26 - 31).
هكذا هو رب العالمين وخالق القوى والقٌدر وفاطر السماوات والأراضين في معتقدهم وكما ورد في أسفارهم، ولا معنى لهذا مما لا يزالون يدينون به سوى انحرافهم في توحيد الله والقدح في خصائص ربوبيته، إذ فيما ذكروه من نسبة الجهل والضعف والغفلة والتنقيص في مقام الألوهية والربوبية ما فيه، فحتى يثبت توحيد الله المحض على الوجه الذي يليق بجلاله لا بد من إثبات مباينة الرب لخلقه وامتيازه عنهم بصفات الجمال والجلال والإقرار بكمال علمه وقدرته وحكمته تعالى في خلقه.
ولا عجب بعد أن ساغ لدى معشر يهود أن يدعوا على الله وينسبوا إلى خالقهم ما ذكرنا مما لا يليق به، أن يدعوا على الملائكة كذلك ما لا يليق بهم، فقد رموهم بصفات البشر واعتقدوا بأنهم يأكلون ويشربون ويرتاحون (مزامير78: 24 ، 25وتكوين 18: 1- 22 ، 19: 1- 4)، بل زعموا أنهم ثمرة زواجه سبحانه من الجن فـ (جعلوا بينه وبين الجنة نسباً .. الصافات/ 159).. كما سول لهم خيالهم المريض ونفوسهم الأمارة بالسوء أن ينسبونهم إلى الله وأن يصورونهم على أنهم أبناء له، وينظر مما جاء في نسبتهم إلى الله على أنهم أبناؤه أسفار (أيوب 1: 6، 2: 1، 38: 7 ومزامير 29: 1، 89: 6 ودانيال 3: 25)، والغريب أنه على الرغم من جعلهم إياهم أبناء لله، يصفونهم أو بعضاً منهم على أنهم أشرار (مزامير78: 49)، وأن فريقاً منهم نزل إلى الأرض وقد فتنهم جمال بنات الآدميين، فاتخذوهن خليلات وولدن منهم نسلاً امتاز ببساطة الجسم وهم الجبابرة الذين سكنوا الأرض قبل الطوفان (تكوين 6: 1 -4)، وبذا يتبدى انحراف عقيدة اليهود في الملائكة فيما ينسبونه إليهم من البنوة والذكورية والزواج والتناسل والانحراف، إذ وصفهم كذلك يتعارض مع الهدف الذي خلقهم سبحانه لأجله عبادة ورسلاً وجنوداً وسفرة له إلى الإنس والجن، ولقد سجل الله تعالى عداوتهم لجبريل عليه السلام واتهامهم إياه بأنه ملك الفظاظة والغلظة والإعسار وبأنه على حد زعمهم أمير النار، وبيّن القرآن تبعاً لذلك عداوتهم لجميع ملائكته ورسله وعداوتهم لله تعالى القائل مفنداً دعواهم تلك الظالمة: (قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين. من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين ..البقرة/ 97، 98)، وسبحان من وسع معتنقي كل ذلك في ملكه.
وعلى نحو ما حكى العهد القديم عن مخالفات معشر يهود ما حكاه .. فقد كشف القرآن هو الآخر وأماط اللثام عن طرف من ذلك وأوقفنا على الكثير من طباعهم التي جبلوا عليها وورثوها عن أجدادهم كابراً عن كابر، فأوضح أنهم أحرص الناس على حياة وأحرصهم على إثارة الأحقاد وإيقاد نار الحروب بين الأمم والشعوب وأنهم (كلما أوقدا ناراً للحرب أطفأها الله .. المائدة/64)، كما وصفهم بأقبح الصفات حتى إنه ليجعلهم أشر وأحط من القردة والخنازير التي هي أنجس المخلوقات (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل .. المائدة/ 60)، وما ذلك إلا بسبب عصيانهم لله وتعديهم لحدوده (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين .. البقرة/ 65)، وكذا بتطاولهم على الله ووصفهم إياه بالفقر والبخل وبأن يده مغلولة، وبسبب غرورهم وتعاليهم على غيرهم على ما جاء في قوله تعالى: (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه)، وقد كذّب سبحانه
د محمد الدسوقى بن على
استعلن صراع اليهود في هذه الآونة حتى تجاوز حرب العرب والمسلمين إلى حرب الإسلام ذاته في ثوابته ومبادئه وقيمه، كما لوحظ أن هذا الصراع أخذ أبعاداً جديدة بإقحام أمريكا والغرب اللتين ضربتا المثل الأعلى في انتهاك حقوق الإنسان المسلم، وعصفتا بكل المثل والقيم النبيلة وخرقتا بدافع الحقد الدفين جميع القوانين والأعراف الدولية، ولسنا هنا بصدد الحديث عن تيكم الجرائم التي يرتكبها الصهاينة ومن وراءهم في حق الإنسانية والتي لم تعد خافية على أحد، بل سينصب كلامنا عن جرائم تلك الأمة الغضبية المحرضة والتي هي وراء كل كارثة تحل بالمسلمين وخلف كل محاولة للتشكك في معتقداتهم، جرائمها في حق ربها الذي فضلها في يوم من الأيام على العالمين وفي حق أنبيائها الذين بعثوا لهدايتها .. والغرض من ذلك هو الحد من غلواء التعصب الذي علا صوته في هذا الصراع لبيان أنه ما هو إلا نوع من التعصب للباطل .. وأيضاُ كرد فعل لما يثيره بنوا صهيون- في إطار هذه الحرب القذرة ضد الدين الخاتم الذي تكفل رب العالمين بحفظه وجعل من ابتغى غيره من الخاسرين- من لغط وصخب ظهرا بوضوح هذه الأيام على شبكات الإنترنيت وغيرها من جميع وسائل الإعلام المنظورة والمقروءة والمسموعة ضد الإسلام ونبي الإسلام وقرآن المسلمين.
ويبدأ الحوار بطلب بني إسرائيل من موسى عليه السلام لإله يعبدونه من دون الله على ما ورد في قوله سبحانه: (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة .. الأعراف/ 138) .. كذا بما يشير إلى ما جبل عليه القوم حيثما حلوا وأينما وجدوا، فقد طبعوا واعتادوا على عبادة آلهة القوم الذين يحلون لديهم حتى أيام الكليم موسى عليه السلام، ومعلوم أن ما طلبه بنوا إسرائيل من موسى عليه السلام جرى بعد ما أحدثه الله لهم من نعم وتمكين ومن إنجاء وتفضيل على العالمين، وكان من المفترض أن يقابل ذلك بالشكر والاعتراف بالجميل والانكباب على عبادة الله وحده، لكن ما حدث منهم كان على العكس من ذلك تماماً فقد وقع منهم ما أحس به موسى عليه السلام وما تخوف منه، فما أن تجاوزوا معه البحر قاصدين ما اشرأبت إليه نفوسهم وتطلعت إليه أفئدتهم من دخول الأرض المقدسة، حتى تناسوا كل ما أوصاهم به ربهم على لسانه، وراحوا وهم في صحبته يؤملون أنفسهم بعبادة الأصنام بل وشرعوا- دون ما حياء ولا استحياء- يرجون ذلك منه، "وحقيق بمن سأل نبيه أن يجعل له إلهاً، فيعبد إلهاً مخلوقاً مجعولاً بعد ما شاهد تلك الآيات الباهرات، ألا يعرف حقيقة الإله ولا أسماءه وصفاته ونعوته ودينه، ولا يعرف حقيقة المخلوق وحاجته وفقره"، فأي جهل فوق هذا؟ وكيف يكون الإله مجعولاً بينا هو الجاعل لكل ما سواه والمجعول يستحيل لكونه مربوباً مصنوعاً أن يكون إلهاً؟ بل كيف يطلبون ذلك من موسى في حياته والعهد بإنجائه عليه السلام وإنجائهم- من قِبل الإله القادر على كل شيء- من فرعون وإغراقه وإغراق قومه قريب؟ لهذا ولغيره كان أبلغ رد على هذه التساؤلات قول موسى عليه السلام: (إنكم قوم تجهلون* إن هؤلاء متبّرٌ ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون* قال أغير الله أبغيكم إلهاً وهو فضلكم على العالمين .. الأعراف/138-140).
ولكن هيهات لموسى ولا لعشرات أو مئات من أمثاله أن تجدي مع أولئك الذين جرى الكفر وإغاظة الرب به- ولا يزال- في أوصالهم مجرى الدم في العروق، فقد كان من أشهر آلهة تلك الأمم التي عبدتها اليهود والتي ذكرتها التوراة التي لا يزالون يتعبدون بها: (آشور) و(نسروخ) و(مولوك) إله الأرض، و(عشتورت) ملكة السماوات وزوجة الإله (تموز)، و(بعل) إله الشمس، و(داجون) و(ملكوم) و (كموش) و (نرجل) و(أشيما) و(نيحز) و(ترياق) و(آدر ملك) و(عنملك)، وفي سفر القضاة 3: 5- 8 عن ترك ما وصى به موسى آباءهم من عبادة الله وحده، ما نصه: "فسكن بنوا إسرائيل في وسط الكنعانيين والحثيين والأموريين والفِرزّيين والحوييّن واليبوسيين. واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا بناتهم لبنيهم وعبدوا آلهتهم. فعمل بنوا إسرائيل الشر في عيني الرب ونسوا الرب إلههم وعبدوا البلعيم والسواري. فحميَ غضب الرب على إسرائيل".
لقد تحدثت جميع الكتب السماوية عما جرى من بنى إسرائيل عقب ذلك وذكرت أنه ما أن ذهب موسى لميقات ربه حتى أعلمه سبحانه من هناك بأن قومه اتبعوا السامري واتخذوا العجل معبوداً لهم من دون الله، وذلك بعد أن فشلت معهم دعوة هارون وبعد قوله لهم: (يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري .. طه/90)، وبعد أن كان جوابهم له (لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى .. طه/91)، الأمر الذي أوقع هارون في حرج مع أخيه موسى ظناً من الأخير أن هارون قصر في نهيهم عن عبادة العجل أو لم يحسن تنفيذ ما كلفه به في قوله: (اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين .. الأعراف/142)، أو أنه على ما أفاد ابن القيم في إغاثة اللهفان تخوف إن هو سار بمن معه من المسلمين وترك عبدة العجل على عبادة العجل أن يقول له موسى (فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي .. طه/ 94).
وكان حاصل ما اعتذر به هؤلاء الجهلة أنهم تورعوا عن زينة القبط فألقوها عنهم تأثماً وعبدوا العجل! وذلك بعد أن صاغوه من الذهب والحلي الذي استلبوه من مصر واصطحبوه معهم، وكان هارون قد أوضح لهم أن حلي القبط غنيمة ولا يحل لهم التصرف فيه، وأشار عليهم أن يلقوا به في حفرة فيها نار فيجعلونه سبيكة واحدة حتى إذا رجع موسى عليه السلام رأى فيه ما يشاء، لكن كان ما حكاه القرآن في قوله سبحانه: (فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفا قال يا قوم ألم يعدكم ربكم وعداً حسناً)، من خيري الدنيا والآخرة ومن حسن العاقبة ومن نصرته إياكم على عدوكم وإظهاركم عليه ومن الوصول إلى جانب الطور الأيمن، وما بعد ذلك من الفتوح في الأرض والمغفرة لمن تاب وآمن، وغير ذلك مما وعد الله تعالى أهل طاعته، (أفطال عليكم العهد)، بنسيان ما سلف من نعمه وما بالعهد من قدم (أم أردتم أن يحل عليكم غضب من ربكم فأخلفتم موعدي .. طه/86)، وكان الغضب الذي أصابهم بإرادتهم وافترائهم، أن أذلهم الله ولم يقبل منهم توبة حتى يقتل بعضهم بعضاً كما قال تعالى على لسان نبيهم موسى: (فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم .. البقرة/54).
وعلى الرغم من استنكار موسى عليه السلام الشديد لعبادتهم للعجل- على نحو ما رأينا وعلى نحو ما حكى القرآن- إلا أنهم- وذلك من عجائب أمرهم- جعلوه إلهاً له فنسبوا موسى عليه السلام إلى الشرك، ثم لم يكتفوا بذلك حتى نسبوا إليه الخطأ والضلال وذلك قوله سبحانه حكاية عنهم وعن السامري: (فأخرج لهم عجلاً جسداً له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنسي.. طه/ 88)، قال ابن عباس: أي ضل وأخطأ الطريق، وفي رواية عنه: نسي أن يذكر لكم أن هذا إلهه وإلهكم، وعنه أيضاً: أن موسى ذهب يطلب ربه فضل ولم يعلم مكانه، وقال السدي: أي ترك موسى إلهه وذهب يطلبه.
وجاءت تصريحات التوراة والإنجيل والقرآن بعبادة القوم ومن تلاهم من الأبناء والأحفاد لغير الله، وبقتلهم الأنبياء بغير حق وبنقضهم المواثيق التي أخذها الله عليهم في معظم فترات حياتهم، مما يعنى أن ما حُكى عنهم في هذا الصدد- مما لا يستطيعون إنكاره أو تكذيبه- هو الذي أدي بهم إلى إيقاع وعيد الله بهم من تشتيت ومحق كانوا هم السبب فيه.
ومن المواطن التي أشارت إلى هذا النمط في حياتهم ونصت على إصرارهم وصلابة رقابهم وعلى عنادهم وجحودهم كلما حلت بهم نعم الله، وعلى سعة رحمته بهم أملا في إصلاح أمرهم لكن دون جدوى.. ما جاء في مناجاة نبيهم نحميا عليه السلام في الإصحاح التاسع العدد11 وما بعده وفيه: "وفلقت اليم أمامهم وعبروا في وسط البحر علي اليابسة وطرحت مطارديهم في الأعماق.. ونزلت على جبل سيناء وكلمتهم من السماء وأعطيتهم أحكاما مستقيمة وشرائع صادقة..عن يد موسى عبدك. وأعطيتهم خبزاً من السماء لجوعهم، وأخرجت لهم ماء من الصخرة لعطشهم، وقلت لهم أن يدخلوا الأرض التي رفعت يدك أن تعطيهم إياها. ولكنهم بغوا هم وآباؤهم وصلبوا رقابهم ولم يسمعوا لوصاياك. وأبوا الاستماع ولم يذكروا عجائبك التي صنعت معهم وصلبوا رقابهم .. فلم تتركهم. مع أنهم عملوا لأنفسهم عجلاً مسبوكاً وقالوا هذا إلهك الذي أخرجك من مصر وعملوا إهانة عظيمة. أنت برحمتك الكثيرة لم تتركهم في البرية.. ولم تمنع منّك عن أفواههم وأعطيتهم ماء لعطشهم. وعُلتهم أربعين سنة في البرية.. وأعطيتهم ممالك وشعوباً.. وأكثرت بينهم كنجوم السماء وأتيت بهم إلى الأرض التي قلت لآبائهم أن يدخلوا ويرثوها. فدخل البنون وورثوا الأرض.. فأكلوا وشبعوا وسمنوا وتلذذوا بخيرك العظيم. وعصوا وتمردوا عليك وطرحوا شريعتك وراء ظهورهم.. فدفعتهم ليد مضايقيهم فضايقوهم، وفي وقت ضيقهم صرخوا إليك وأنت من السماء سمعت، وحسب مراحمك الكثيرة أعطيتهم مخلّصين خلّصوهم من يد مضايقيهم. ولكن لما استراحوا رجعوا إلى عمل الشر قدامك فتركتهم بيد أعدائهم فتسلطوا عليهم ثم رجعوا وصرخوا إليك وأنت من السماء سمعت وأنقذتهم حسب مراحمك الكثيرة أحيانا كثيرة. وأشهدت عليهم لتردهم إلى شريعتك، وأما هم فبغوا ولم يسمعوا لوصاياك وأخطأوا ضد أحكامك التي إذا عملها الإنسان يحيا بها، وأعطوا كتفاً معانِدة وصلبوا رقابهم ولم يسمعوا".
ونقرأ في المزمور78: 40 وما بعده عن تماديهم في غيهم: "كم عصوه في البرية وأحزنوه في القفر.. لم يذكروا يده يوم فداهم من العدو. حيث جعل في مصر آياته وعجائبه في بلاد صُوعن. إذ حوّل خلجانهم إلى دم.. أرسل عليهم بعوضاً فأكلهم وضفادع فأفسدتهم.. وهداهم- يعني بني إسرائيل- آمنين فلم يجزعوا.. وطرد الأمم من قدامهم.. فجربوا وعصوا الله العليّ، وشهادته لم يحفظوا. بل ارتدوا وغدروا مثل آبائهم، انحرفوا كقوس مخطئه. أغاظوه بمرتفعاتهم وأغاروه بتماثيلهم. سمع الله فغضب ورذل إسرائيل جداً..".
وفي سفر حزقيال20: 5وما بعده يقول الرب ممتناً على بني إسرائيل: "رفعتُ يدي لنسل بيت يعقوب وعرفتُهم نفسي أرض مصر ورفعت لهم يدي ..لأخرجهم من أرض مصر إلى الأرض التي تجسْستُها لهم تفيض لبناً وعسلاً هي فخر كل الأراضي. وقلت لهم اطرحوا كل إنسان منكم أرجاس عينيه ولا تتنجسوا بأصنام مصر .. فتمردوا عليّ ولم يريدوا أن يسمعوا لي .. فقلت إني أسكب رجزي عليهم لأتم عليهم سخطي في وسط أرض مصر. لكن صنعت لأجل اسمي لكيلا يتنجس أمام عيون الأمم الذين هم في وسطهم.. فأخرجتهم من أرض مصر وأتيت بهم إلى البرية. وأعطيتهم فرائضي وعرفتهم أحكامي التي إن عملها إنسان يحيا بها.. فتمرد علىّ بيت إسرائيل في البرية، لم يسلكوا في فرائضي ورفضوا أحكامي .. فقلت إني أسكب رجزي عليهم في البرية لإفنائهم. لكن صنعت لأجل اسمي لكيلا يتنجس أمام عيون الأمم.. ورفعت أيضا يدي لهم في البرية بأني لا آتي بهم إلى الأرض التي أعطيتهم إياها تفيض لبنا وعسلاً.. لأنهم رفضوا أحكامي ولم يسلكوا في فرائضي بل نجسوا سبوتي لأن قلبهم ذهب وراء أصنامهم. لكن عيني أشفقت عليهم عن إهلاكهم فلم أفنهم في البرية. وقلت لأبنائهم في البرية لا تسلكوا في فرائض آبائكم ولا تحفظوا أحكامهم ولا تتنجسوا بأصنامهم .. فتمرد الأبناء عليّ.. فقلت إني أسكب رجزي عليهم لأتم سخطي عليهم في البرية. ثم كففت يدي وصنعت لأجل اسمي لكيلا يتنجس أمام عيون الأمم الذين أخرجتهم أمام عيونهم. ورفعت أيضاً يدي لهم في البرية لأفرقهم في الأمم وأذريهم في الأراضي. لأنهم لم يصنعوا أحكامي بل رفضوا فرائضي ونجسوا سبوتي وكانت عيونهم وراء أصنام آبائهم"، وهكذا كان حالهم طوال تاريخهم ومع كافة أنبيائهم وبشهادة جميع كتبهم.
فهل ينكر عاقل أن هذه الفعال التي نص عليها العهد القديم تختلف كثيراً عما نراه ونشاهده ونسمعه عن يهود زماننا المعاصرين؟ وهل يشك من في قلبه حبة خردل من إيمان في أن ما يقع ويتأتى منهم ولهم ما هو إلا صورة طبق الأصل لما وقع فيه الأسلاف من ترك أحكام الخالق جل وعلا ونقض تعاليمه ومواثيقه؟
لقد حكت التوراة عنهم من غير ما ذكرنا بعضاً من مزاعمهم في حق الله تبارك اسمه، من ذلك ما ادعوه من أن للقمر- وكذا للشمس والمنازل- ضرراً يحدثه بالناس ومن ثم ساروا وراءها من دون الله واستشاروها وسجدوا لها (سفر الملوك الثاني 23: 5 والمزامير 121: 5-7 وإرميا 8: 2 وحزقيال 8: 16)، وما ادعوه من أنه تعالى عما يقولون علواً كبيراً "استراح في اليوم السابع- واستوى على عرشه مستلقياً على قفاه وواضعاً إحدى رجليه على الأخرى- بعد أن فرغ من جميع عمله الذي عمل" يعني من خلق السماوات والأرض وكل جندها على حد ما جاء في سفر التكوين 2: 1، 2 والموسوعة الميسرة في الأديان، وأنه سبحانه أمر بني إسرائيل عند خروجهم من مصر بسلب المصريين وسرقة أمتعتهم وحليهم وثيابهم وقال لهم على حد ما جاء في سفر الخروج3: 21، 22 "لا تمضون فارغين. بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثياباً وتضعونها على بنيكم وبناتكم فتسلبون المصريين"، ونعتوه تعالى بالجهل وأنه لم يكن يعلم ما وقع في الجنة من معصية آدم وذلك حين "نادى الرب الإله آدم وقال له: أين أنت؟!. فقال: سمعت صوتك فخشيت لأني عريان فاختبأت. فقال: من أعلمك أنك عريان هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك ألا تأكل منها؟!" تكوين3: 9: 11.
كما نعتوا ذاته بما يحمل معنى التجسيم فشبهوه تارة برجل حروب (أشعياء 42: 13)، وبالأسد أخرى (هوشع13: 7، 8)، وبالإنسان تارة ثالثة مدعين عليه قوله: "نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا .. فخلق الله الإنسان على صورة الله خلقه"، تكوين 1: 26 -27، 9: 7 بل ونسبوا له ما لا يليق به من الحواس والأعضاء من نحو الفم (إرمياء 9: 12 وأخبار الأيام الثاني 6: 15)، والشفتين واللسان (إشعياء 30: 27 وأيوب 11: 5)، والأنف (حزقيال 38: 18 وصموئيل الثاني22: 16 ومزامير 18: 15)، والأذن (عدد 11: 1وصموئيل الثاني 22: 7 ومزامير 34: 15، 86: 1ومراثي إرميا 3: 56 وحزقيال 8: 18، 9: 1)، والذراع والصوت (أيوب 40: 9 وأشعياء 52: 10)، والرأس (أشعياء 59: 17 وإرميا9: 1)، والقدمان والرجلان (إشعياء 66: 1 وزكريا 14: 4 وخروج 24: 10)، والقلب والأحشاء (إرميا19: 5 ،4: 19، 20)، والأصبع والوجه والقفا (خروج8: 9 وإرميا 18: 17).
كما خلعوا عليه جل جلاله من صفات الأفعال ما لا يليق بذاته وبما ينم ويحمل معاني الغفلة وضآلة التفكير وسذاجة اللفظ وطفولة السلوك من نحو النوم والاستيقاظ (مزامير 44: 23)، والحزن والسقم (تكوين6: 6، 7 وإرميا 8: 18)، واللهو واللعب على ما أفاده التلمود الذي نص على "أن النهار اثنتا عشرة ساعة، في الثلاث الأولى منها يجلس الله ويطالع الشريعة، وفي الثلاثة الثانية يحكم، وفي الثلاثة الثالثة يطعم العالم، وفي الثلاثة الأخيرة يجلس ويلعب مع الحوت ملك الأسماك"، والاستمتاع والسرور برائحة شواء الطعام ونص ذلك في سفر العدد 28: 1 - 8 وبنحوه في لاويين 21: 1 -7 "وكلّم الرب موسى قائلاً. أوصِ بني إسرائيل وقل لهم قرباني طعامي مع وقائدي رائحة سروري تحرصون أن تقربوه لي في وقته. وقل لهم هذا هو الوقود الذي تقربون للرب، خروفان حوليان صحيحان لكل يوم، محرقة دائمة. الخروف الواحد تعمله صباحاً والخروف الثاني تعمله بين العشاءين. وعُشْرَ الإيفة من دقيق ملتوت بربع الهين من زيت الرّضِّ تقدمه. محرقة دائمة هي المعمول في جبل سيناء لرائحةِ سرورِ وقوداً للرب"، ناهيك عما يقدم له في المناسبات وكل سبت من خروفين صحيحين وعشرين من دقيق ملتوت بزيت فضلاً عن المحرقة الدائمة وسكيبها، وفي رؤوس الشهور من المزيد، لكل مُحرقة سرورٍ وقوداً للرب وسكائبهن.
بل شرعوا- غير مكتفين بذلك يصفونه- تعالى عن يقولونه في حقه علوا كبيراً- بالمشي والسير (تكوين 3: 8)، وأنه يقطن ويسكن (مزامير 68: 15، 16)، وأنه جل جلاله حين تضرع له موسى وذكر عليه السلام ما فعله الرب ببني إسرائيل بُعيد ذهابه عليه السلام للميقات واتخاذهم العجل "ندم على الشر الذي قال إنه يفعله بشعبه" خروج 32: 14، كما أنه- على حد ما جاء في التلمود- "يتندم على تركه اليهود في حالة التعاسة حتى أنه يلطم ويبكي كل يوم فتسقط من عينيه دمعتان في البحر فيسمع دويها من بدء العالم إلى أقصاه، وتضطرب المياه وترتجف الأرض في أغلب الأحيان فتحصل الزلازل"، وما أكثر ما يتندم الرب في اعتقاد اليهود ولأجلهم على نحو ما جاء في صموئيل الأول 15: 35، والثاني 24: 16، وأخبار الأيام الأولى 21: 15، والمزامير 106: 45وإرميا 18: 8، 10، 26: 13، 19، ويونان 3: 10 .. بل نسبوا له الزوجة والطرب والاستمتاع بالحظيات ونص ذلك في المزامير 45: 8 - 11 "من قصور العاج سرتك الأوتار. بنات ملوك بين حظياتك جُعلت الملكة عن يمينك بذهب أُوفير. اسمعي يا بنتُ وانظري وأميلي أذنك وانْسي شعبك وبيت ابيك. فيشتهي الملك حسنك لأنه هو سيدك فاسجدي له"، كما نسبوا له تعالى عما يقولون أولاداً من الذكور وقد فتنهم جمال بنات الآدميين فاتخذوهن خليلات وولدن منهم نسلاً امتاز ببساطة الجسم وهم الجبابرة الذين سكنوا الأرض قبل الطوفان (تكوين 6: 1 -4).
ولم يكتفوا بتشبيههم الخالق- جلت قدرته وتعالت حكمته- بالإنسان حتى جسدوه وجعلوه إلهاً ملموساً فأظهروه عياناً في صورة رجل يراه سيدنا موسى عليه السلام ويتكلم ويراه معه سبعون رجلاً ويستمع شعب بني إسرائيل لكلامه، ففي أسفارهم "أما عبدي موسى فليس هكذا، بل هو أمين في كل بيتي. فماً إلى فم وعياناً أتكلم معه لا بالألغاز وشبه الرب يعاين" (عدد 12: 7، 8)، وفي (الخروج 23: 11) "ويكلم الرب موسى وجهاً لوجه كما يكلم الرجل صاحبه" .. ولم يسعهم أن نسبوا له الأعضاء والحواس والزوجة والأولاد حتى ادعوا أنه- تعالى عما يقولون- دخل في مصارعة مع يعقوب ظلت طوال الليل فقال يعقوب بعد أن انخلع حُق فخذه وجعله الرب كما يقولون (في خانة اليك): "أطلقني لأنه قد طلع الفجر فقال: لا أطلقك إن لم تباركني. فقال [أي الرب] له ما اسمك؟ فقال: يعقوب. فقال لا يدعى أسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل، لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت. وسأل يعقوب وقال أخبرني باسمك، قال [أي الرب]: لماذا تسأل عن اسمي؟ وباركه هناك" (تكوين32: 26 - 31).
هكذا هو رب العالمين وخالق القوى والقٌدر وفاطر السماوات والأراضين في معتقدهم وكما ورد في أسفارهم، ولا معنى لهذا مما لا يزالون يدينون به سوى انحرافهم في توحيد الله والقدح في خصائص ربوبيته، إذ فيما ذكروه من نسبة الجهل والضعف والغفلة والتنقيص في مقام الألوهية والربوبية ما فيه، فحتى يثبت توحيد الله المحض على الوجه الذي يليق بجلاله لا بد من إثبات مباينة الرب لخلقه وامتيازه عنهم بصفات الجمال والجلال والإقرار بكمال علمه وقدرته وحكمته تعالى في خلقه.
ولا عجب بعد أن ساغ لدى معشر يهود أن يدعوا على الله وينسبوا إلى خالقهم ما ذكرنا مما لا يليق به، أن يدعوا على الملائكة كذلك ما لا يليق بهم، فقد رموهم بصفات البشر واعتقدوا بأنهم يأكلون ويشربون ويرتاحون (مزامير78: 24 ، 25وتكوين 18: 1- 22 ، 19: 1- 4)، بل زعموا أنهم ثمرة زواجه سبحانه من الجن فـ (جعلوا بينه وبين الجنة نسباً .. الصافات/ 159).. كما سول لهم خيالهم المريض ونفوسهم الأمارة بالسوء أن ينسبونهم إلى الله وأن يصورونهم على أنهم أبناء له، وينظر مما جاء في نسبتهم إلى الله على أنهم أبناؤه أسفار (أيوب 1: 6، 2: 1، 38: 7 ومزامير 29: 1، 89: 6 ودانيال 3: 25)، والغريب أنه على الرغم من جعلهم إياهم أبناء لله، يصفونهم أو بعضاً منهم على أنهم أشرار (مزامير78: 49)، وأن فريقاً منهم نزل إلى الأرض وقد فتنهم جمال بنات الآدميين، فاتخذوهن خليلات وولدن منهم نسلاً امتاز ببساطة الجسم وهم الجبابرة الذين سكنوا الأرض قبل الطوفان (تكوين 6: 1 -4)، وبذا يتبدى انحراف عقيدة اليهود في الملائكة فيما ينسبونه إليهم من البنوة والذكورية والزواج والتناسل والانحراف، إذ وصفهم كذلك يتعارض مع الهدف الذي خلقهم سبحانه لأجله عبادة ورسلاً وجنوداً وسفرة له إلى الإنس والجن، ولقد سجل الله تعالى عداوتهم لجبريل عليه السلام واتهامهم إياه بأنه ملك الفظاظة والغلظة والإعسار وبأنه على حد زعمهم أمير النار، وبيّن القرآن تبعاً لذلك عداوتهم لجميع ملائكته ورسله وعداوتهم لله تعالى القائل مفنداً دعواهم تلك الظالمة: (قل من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقاً لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين. من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين ..البقرة/ 97، 98)، وسبحان من وسع معتنقي كل ذلك في ملكه.
وعلى نحو ما حكى العهد القديم عن مخالفات معشر يهود ما حكاه .. فقد كشف القرآن هو الآخر وأماط اللثام عن طرف من ذلك وأوقفنا على الكثير من طباعهم التي جبلوا عليها وورثوها عن أجدادهم كابراً عن كابر، فأوضح أنهم أحرص الناس على حياة وأحرصهم على إثارة الأحقاد وإيقاد نار الحروب بين الأمم والشعوب وأنهم (كلما أوقدا ناراً للحرب أطفأها الله .. المائدة/64)، كما وصفهم بأقبح الصفات حتى إنه ليجعلهم أشر وأحط من القردة والخنازير التي هي أنجس المخلوقات (قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل .. المائدة/ 60)، وما ذلك إلا بسبب عصيانهم لله وتعديهم لحدوده (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين .. البقرة/ 65)، وكذا بتطاولهم على الله ووصفهم إياه بالفقر والبخل وبأن يده مغلولة، وبسبب غرورهم وتعاليهم على غيرهم على ما جاء في قوله تعالى: (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه)، وقد كذّب سبحانه