الرد على من رد حديث الآحاد في العقيدة
نقول لهم: أولاً: قولكم: إن حديث الآحاد لا يعطي يقيناً؛ هذا لا دليل عليه إلا ظنهم، ليس عندهم دليل من الكتاب والسنة إطلاقاً بأن حديث الآحاد لا يعطي اليقين، وإنما يفيد الظن، فإن من أحاديث الآحاد في اصطلاح علماء الحديث الذي يرويه الرجلان والثلاثة، تتسلسل الرواية هكذا، بمعنى: إذا فرضنا حديثاً رواه ثلاثة من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ..أبو بكر و عمر و عثمان، أو غيرهم من الصحابة، ثم روى هذا الحديث عن هؤلاء الثلاثة ثلاثة من ثقات التابعين، كـسعيد بن المسيب و علقمة و الأسود بن يزيد وغيرهم، ثم عن هؤلاء الثلاثة ثلاثة من ثقات أتباع التابعين، من الذي يقول: إن هذا الحديث لا يفيد اليقين، وما الدليل على ذلك؟ وهو حديث آحاد، ثلاثة من الصحابة حفاظ لاشك عندنا في صدقهم أولاً، ولاشك عندنا في ضبطهم وحفظهم ثانياً، ثم ننتقل إلى الطبقة التي تلي هؤلاء من التابعين، ثم إلى الذين يلونهم، كلهم موصوفون بأنهم ثقات وحفاظ، من الذي يقول: إن هؤلاء إذا اتفقوا على رواية حديث بدون تمالؤٍ بينهم -أي: بدون تواطؤ- إنما مجرد تلاق، أي: أن فلاناً من الصحابة يقول: سمعت الرسول، وصحابي آخر يقول: وأنا سمعت الرسول، وصحابي آخر يقول: سمعت الرسول، ثم تابعي عن هذا وتابعي عن هذا .. وهكذا، فهذا الحديث عند علماء الاختصاص في الحديث يقولون: هذا الحديث يفيد اليقين؛ لأنه يستحيل عادةً مثل هؤلاء الثلاثة -وليس عددهم عدد التواتر- تواطؤهم عن الكذب، بل هناك حديث آحاد بالمعنى اللغوي، أي: ما رواه إلا فرد واحد، أما المثال السابق فهو حديث آحاد في الاصطلاح، وأما لغةً فقد رواه ثلاثة. الآن نأتي إلى حديث رواه فرد واحد من الصحابة وإسناده صحيح، لكنه اقترن به قرينة، وهي أن الأمة كلها تلقت هذا الحديث بالقبول، فلم يوجد فيهم -أولاً- من طعن فيه، ولم يوجد فيهم -ثانياً- من أعرض عنه ولو برد العمل به بعلة قادحة فيه، وإنما كلهم سلموا به، والذين لم يأخذوا به قالوا: عندنا ما هو أقوى منه، ولم يقولوا: حديث ضعيف، وإنما قالوا: عندنا ما هو أقوى منه دلالة من الناحية الأصولية، فمع أن هذا الحديث لم تجمع الأمة على الأخذ به، لكن الأمة مع ذلك تلقته بالقبول، حتى الذين لم يأخذوا به قدموا عذرهم في عدم الأخذ به. مثلاً: الأحناف لا يأخذون بحديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، لكن لا يرفضونه بل يقولون: هذا حديث آحاد، وحديث الآحاد إذا عارض ظاهر القرآن لا يؤخذ به عندهم، ما قالوا: هذا حديث غير صحيح، فإذاً: هذا حديث يقال: تلقته الأمة بالقبول، وأنكر السلف بالعمل به، هذا النوع من الحديث وهو فرد غريب يقول علماء الحديث بأنه يفيد اليقين. إذاً: ليس هناك أدلة في الكتاب والسنة على أن الإنسان في حل من ألا يأخذ بالحديث الصحيح؛ لا لشيء إلا لأنه آحاد، وهذا بالإضافة إلى ما سبق من الأدلة العامة، فإنه يخالف أيضاً هدي الرسول عليه الصلاة والسلام وسلف الأمة، أما هديه عليه الصلاة والسلام فنعرف يقيناً أنه كان يرسل أفراداً إلى أشخاص من الملوك والرؤساء، أو إلى قبائل، كما فعل بالنسبة إلى علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل حينما أرسلهم إلى اليمن، وأرسل أفراداً آخرين كـدحية -مثلاً- بكتابه إلى ملك الروم، ونحو ذلك، فكل هذه أدلة عملية من الرسول عليه الصلاة والسلام يصدق هذا المفهوم الصحيح، أنه لا فرق أبداً بين حديث عقيدة أو حديث أحكام؛ لأن الراوي فرد، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أرسل أولئك الرسل، نعلم بالضرورة أنه أرسلهم إلى أقوام ليفقهوهم في الدين، ويبلغوهم أيضاً ما تعلموه من الرسول عليه الصلاة والسلام، فنحن نعلم يقيناً أن معاذ بن جبل بلغهم العقائد، بلغهم بمعنى: أوضح الأحاديث التي سمعها من الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي على القسمين السابقين: قسم منها فيها عقائد محضة، وقسم منها فيها أحكام مع عقائد. فهل قامت الحجة بإرسال الرسول عليه الصلاة والسلام لهؤلاء الأفراد ليعلموا أولئك الأقوام دينهم؟ نحن نقول جازمين: إن الحجة قد قامت عليهم، وأنه لا يمكن أن يرسل الرسول صلى الله عليه وسلم فرداً لا يصلح لإقامة الحجة على أولئك الأقوام، الذين هم بحاجة إلى أن يقتنعوا بكلام الوسيط بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فـمعاذ وأبو موسى وغيرهم من الصحابة قد بلغوا أولئك الناس الإسلام الذي فهموه من الرسول عليه الصلاة والسلام وتلقوه عنه، وقامت الحجة بذلك؛ لأنه يستحيل أن يرسل الرسول عليه الصلاة والسلام من لا تقوم الحجة به، كما لو قيل: إن دحية لما ذهب إلى هرقل لا تقوم الحجة به؛ لأنه فرد، وخبر الفرد لا تقوم به الحجة إلا في الأحكام الشرعية، مع العلم بأن معاذاً وأمثاله إنما بلّغوا الشريعة بكاملها؛ عقيدة وأحكاماً شرعية. لذلك بالإضافة لتلك النصوص العامة لا يجوز للمسلم أن يفرق يبن حديث وحديث، وأن يجيز لنفسه رد حديث بمجرد أن فيه أمراً غريباً غيبياً. مثلاً: حديث عذاب القبر الوارد عن ابن عباس رضي الله عنه، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين، فقال: (أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنـزه من البول ...) إلى آخر الحديث، الشاهد فيه: قال: (أما إنهما ليعذبان) وهم من هذه الأمة المكلفين وليسوا من الكفار، لكن ذنبهم أن أحدهما كان يسعى بالنميمة، والآخر كان لا يتحفظ من مساس البول، فكان يصيب بدنه وثوبه هذه النجاسة، فعذب على ذلك كل منهما في القبر .. هذا أمر غيبي هل يصدق بعذاب القبر أم لا؟ فلسفة سابقة تقول: لا؛ لأن هذا حديث آحاد، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لما حدث بهذا الحديث سمعه ابن عباس، ماذا كان موقفه؟ آمن به بلا شك ولا ريب، فـابن عباس حينما حدث التابعي به ماذا كان موقف التابعي تجاهه؟ هو نفس موقف ابن عباس تجاه نبيه، وهكذا تسلسل العمل بالحديث بين الرواة بدون فلسفة التفريق بين العقيدة وبين الأحكام، ولذلك نحن ندعو دائماً وأبداً إلى أن نتفهم شريعتنا على طريقة السلف الصالح، فـالسلف الصالح من جملة طريقتهم وهديهم أن يتلقوا أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يؤمنوا بها وأن يصدقوا بها؛ سواءً كانت في الأحكام أو في العقائد. ومن شاء أن يوجه سؤالاً حول هذا البحث، سواء كان سؤالاً توضيحياً أو سؤالاً استشكالياً؛ لأنه عندي لا فرق بين عقيدة وأخرى، سواءً كانت مفهومة عند البعض أو مجهولة عند الآخرين، فالآخرون يجب أن يتعلموا، والذين قد علموا يجب عليهم أن يبلغوا، ونحن نعتقد أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين كانوا يحضرون مجالسه العلمية، لم يكونوا كلهم في نسبة واحدة في الثقافة الشرعية، ونعلم أن أبا بكر وأمثاله من كبار الصحابة كانوا يسمعون أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام مراراً وتكراراً؛ لأنهم كانوا يحدثون أقواماً بما لم يسمعوا من قبل، فيكون حديث الرسول عليه الصلاة والسلام بالنسبة لبعض الناس تكراراً، وبالنسبة للآخرين ابتداءً، فيجب على الأولين أن يتحملوا هذا التكرار ثم لا يذهب ذلك عليهم سدى؛ لأن التكرار يركز بالمفاهيم في الأذهان، وأنا على يقين بأن الذين سمعوا هذا البحث مرة أو مرتين، لا يستطيعون أن يعلنوه إذا ابتلوا بأناس من علماء الكلام، من الذين تأثروا بهذه الفلسفة التي ليست من الإسلام في شيء، فإذاً: عليهم أن يصبروا إذا ما سمعوا التكرار في مثل هذا الموضوع، وأن هذا له علاقة بالعقيدة، والعقيدة يجب التثبت فيها ومعرفة أدلتها وطريقة مجادلة المخالفين فيها أكثر من الأحكام عند أولئك الناس الذين يفرقون بينها، أما نحن فالشريعة عندنا كلها عقيدة، وإذا لم تحمل ولم تقبل على العقيدة فلا فائدة من هذه الأحكام التي خلت من العقيدة، وهذا ما لا يقوله مسلم، لهذا أقول: من كان له سؤال فليتفضل.
نقول لهم: أولاً: قولكم: إن حديث الآحاد لا يعطي يقيناً؛ هذا لا دليل عليه إلا ظنهم، ليس عندهم دليل من الكتاب والسنة إطلاقاً بأن حديث الآحاد لا يعطي اليقين، وإنما يفيد الظن، فإن من أحاديث الآحاد في اصطلاح علماء الحديث الذي يرويه الرجلان والثلاثة، تتسلسل الرواية هكذا، بمعنى: إذا فرضنا حديثاً رواه ثلاثة من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام ..أبو بكر و عمر و عثمان، أو غيرهم من الصحابة، ثم روى هذا الحديث عن هؤلاء الثلاثة ثلاثة من ثقات التابعين، كـسعيد بن المسيب و علقمة و الأسود بن يزيد وغيرهم، ثم عن هؤلاء الثلاثة ثلاثة من ثقات أتباع التابعين، من الذي يقول: إن هذا الحديث لا يفيد اليقين، وما الدليل على ذلك؟ وهو حديث آحاد، ثلاثة من الصحابة حفاظ لاشك عندنا في صدقهم أولاً، ولاشك عندنا في ضبطهم وحفظهم ثانياً، ثم ننتقل إلى الطبقة التي تلي هؤلاء من التابعين، ثم إلى الذين يلونهم، كلهم موصوفون بأنهم ثقات وحفاظ، من الذي يقول: إن هؤلاء إذا اتفقوا على رواية حديث بدون تمالؤٍ بينهم -أي: بدون تواطؤ- إنما مجرد تلاق، أي: أن فلاناً من الصحابة يقول: سمعت الرسول، وصحابي آخر يقول: وأنا سمعت الرسول، وصحابي آخر يقول: سمعت الرسول، ثم تابعي عن هذا وتابعي عن هذا .. وهكذا، فهذا الحديث عند علماء الاختصاص في الحديث يقولون: هذا الحديث يفيد اليقين؛ لأنه يستحيل عادةً مثل هؤلاء الثلاثة -وليس عددهم عدد التواتر- تواطؤهم عن الكذب، بل هناك حديث آحاد بالمعنى اللغوي، أي: ما رواه إلا فرد واحد، أما المثال السابق فهو حديث آحاد في الاصطلاح، وأما لغةً فقد رواه ثلاثة. الآن نأتي إلى حديث رواه فرد واحد من الصحابة وإسناده صحيح، لكنه اقترن به قرينة، وهي أن الأمة كلها تلقت هذا الحديث بالقبول، فلم يوجد فيهم -أولاً- من طعن فيه، ولم يوجد فيهم -ثانياً- من أعرض عنه ولو برد العمل به بعلة قادحة فيه، وإنما كلهم سلموا به، والذين لم يأخذوا به قالوا: عندنا ما هو أقوى منه، ولم يقولوا: حديث ضعيف، وإنما قالوا: عندنا ما هو أقوى منه دلالة من الناحية الأصولية، فمع أن هذا الحديث لم تجمع الأمة على الأخذ به، لكن الأمة مع ذلك تلقته بالقبول، حتى الذين لم يأخذوا به قدموا عذرهم في عدم الأخذ به. مثلاً: الأحناف لا يأخذون بحديث: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، لكن لا يرفضونه بل يقولون: هذا حديث آحاد، وحديث الآحاد إذا عارض ظاهر القرآن لا يؤخذ به عندهم، ما قالوا: هذا حديث غير صحيح، فإذاً: هذا حديث يقال: تلقته الأمة بالقبول، وأنكر السلف بالعمل به، هذا النوع من الحديث وهو فرد غريب يقول علماء الحديث بأنه يفيد اليقين. إذاً: ليس هناك أدلة في الكتاب والسنة على أن الإنسان في حل من ألا يأخذ بالحديث الصحيح؛ لا لشيء إلا لأنه آحاد، وهذا بالإضافة إلى ما سبق من الأدلة العامة، فإنه يخالف أيضاً هدي الرسول عليه الصلاة والسلام وسلف الأمة، أما هديه عليه الصلاة والسلام فنعرف يقيناً أنه كان يرسل أفراداً إلى أشخاص من الملوك والرؤساء، أو إلى قبائل، كما فعل بالنسبة إلى علي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل حينما أرسلهم إلى اليمن، وأرسل أفراداً آخرين كـدحية -مثلاً- بكتابه إلى ملك الروم، ونحو ذلك، فكل هذه أدلة عملية من الرسول عليه الصلاة والسلام يصدق هذا المفهوم الصحيح، أنه لا فرق أبداً بين حديث عقيدة أو حديث أحكام؛ لأن الراوي فرد، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما أرسل أولئك الرسل، نعلم بالضرورة أنه أرسلهم إلى أقوام ليفقهوهم في الدين، ويبلغوهم أيضاً ما تعلموه من الرسول عليه الصلاة والسلام، فنحن نعلم يقيناً أن معاذ بن جبل بلغهم العقائد، بلغهم بمعنى: أوضح الأحاديث التي سمعها من الرسول عليه الصلاة والسلام، وهي على القسمين السابقين: قسم منها فيها عقائد محضة، وقسم منها فيها أحكام مع عقائد. فهل قامت الحجة بإرسال الرسول عليه الصلاة والسلام لهؤلاء الأفراد ليعلموا أولئك الأقوام دينهم؟ نحن نقول جازمين: إن الحجة قد قامت عليهم، وأنه لا يمكن أن يرسل الرسول صلى الله عليه وسلم فرداً لا يصلح لإقامة الحجة على أولئك الأقوام، الذين هم بحاجة إلى أن يقتنعوا بكلام الوسيط بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فـمعاذ وأبو موسى وغيرهم من الصحابة قد بلغوا أولئك الناس الإسلام الذي فهموه من الرسول عليه الصلاة والسلام وتلقوه عنه، وقامت الحجة بذلك؛ لأنه يستحيل أن يرسل الرسول عليه الصلاة والسلام من لا تقوم الحجة به، كما لو قيل: إن دحية لما ذهب إلى هرقل لا تقوم الحجة به؛ لأنه فرد، وخبر الفرد لا تقوم به الحجة إلا في الأحكام الشرعية، مع العلم بأن معاذاً وأمثاله إنما بلّغوا الشريعة بكاملها؛ عقيدة وأحكاماً شرعية. لذلك بالإضافة لتلك النصوص العامة لا يجوز للمسلم أن يفرق يبن حديث وحديث، وأن يجيز لنفسه رد حديث بمجرد أن فيه أمراً غريباً غيبياً. مثلاً: حديث عذاب القبر الوارد عن ابن عباس رضي الله عنه، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين، فقال: (أما إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستنـزه من البول ...) إلى آخر الحديث، الشاهد فيه: قال: (أما إنهما ليعذبان) وهم من هذه الأمة المكلفين وليسوا من الكفار، لكن ذنبهم أن أحدهما كان يسعى بالنميمة، والآخر كان لا يتحفظ من مساس البول، فكان يصيب بدنه وثوبه هذه النجاسة، فعذب على ذلك كل منهما في القبر .. هذا أمر غيبي هل يصدق بعذاب القبر أم لا؟ فلسفة سابقة تقول: لا؛ لأن هذا حديث آحاد، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لما حدث بهذا الحديث سمعه ابن عباس، ماذا كان موقفه؟ آمن به بلا شك ولا ريب، فـابن عباس حينما حدث التابعي به ماذا كان موقف التابعي تجاهه؟ هو نفس موقف ابن عباس تجاه نبيه، وهكذا تسلسل العمل بالحديث بين الرواة بدون فلسفة التفريق بين العقيدة وبين الأحكام، ولذلك نحن ندعو دائماً وأبداً إلى أن نتفهم شريعتنا على طريقة السلف الصالح، فـالسلف الصالح من جملة طريقتهم وهديهم أن يتلقوا أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يؤمنوا بها وأن يصدقوا بها؛ سواءً كانت في الأحكام أو في العقائد. ومن شاء أن يوجه سؤالاً حول هذا البحث، سواء كان سؤالاً توضيحياً أو سؤالاً استشكالياً؛ لأنه عندي لا فرق بين عقيدة وأخرى، سواءً كانت مفهومة عند البعض أو مجهولة عند الآخرين، فالآخرون يجب أن يتعلموا، والذين قد علموا يجب عليهم أن يبلغوا، ونحن نعتقد أن أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذين كانوا يحضرون مجالسه العلمية، لم يكونوا كلهم في نسبة واحدة في الثقافة الشرعية، ونعلم أن أبا بكر وأمثاله من كبار الصحابة كانوا يسمعون أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام مراراً وتكراراً؛ لأنهم كانوا يحدثون أقواماً بما لم يسمعوا من قبل، فيكون حديث الرسول عليه الصلاة والسلام بالنسبة لبعض الناس تكراراً، وبالنسبة للآخرين ابتداءً، فيجب على الأولين أن يتحملوا هذا التكرار ثم لا يذهب ذلك عليهم سدى؛ لأن التكرار يركز بالمفاهيم في الأذهان، وأنا على يقين بأن الذين سمعوا هذا البحث مرة أو مرتين، لا يستطيعون أن يعلنوه إذا ابتلوا بأناس من علماء الكلام، من الذين تأثروا بهذه الفلسفة التي ليست من الإسلام في شيء، فإذاً: عليهم أن يصبروا إذا ما سمعوا التكرار في مثل هذا الموضوع، وأن هذا له علاقة بالعقيدة، والعقيدة يجب التثبت فيها ومعرفة أدلتها وطريقة مجادلة المخالفين فيها أكثر من الأحكام عند أولئك الناس الذين يفرقون بينها، أما نحن فالشريعة عندنا كلها عقيدة، وإذا لم تحمل ولم تقبل على العقيدة فلا فائدة من هذه الأحكام التي خلت من العقيدة، وهذا ما لا يقوله مسلم، لهذا أقول: من كان له سؤال فليتفضل.
( أحاديث الآحاد في العقيدة ) للشيخ : ( محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله )