موقف الصنعاني من الصحابة رضي الله عنهم .. ( مبحث من رسالة مخطوطة ) |
سليمان بن صالح الخراشي |
هذا مبحث منتزع من رسالة الأخ نعمان بن محمد شريان – وفقه الله - : " ابن الأمير الصنعاني ومنهجه في الاعتقاد " ، نوقشت عام 1417هـ في كلية أصول الدين بجامعة الإمام ، ولم تُطبع حسب علمي . المطلب السادس: مناقشة بعض المآخذ على ابن الأمير: سبق في مطلب العدالة الآنف الذكر أن ابن الأمير يُخرج من عدالة الصحابة من ظهر منه اختلالها بمفسق وغيره، ويقصد بذلك إخراج أربعة من الصحابة من العدالة، وقد أشار إليهم بقوله: (والمحدثون وإن أطلقوا أن كل الصحابة عدول، فقد ذكروا قبائح جماعة لهم رؤية تخرجهم من عموم دعوى العدالة، كما قال الحافظ الذهبي في النبلاء في مروان بن الحكم( 1) ما لفظه... إلى أن قال ابن الأمير: وكتأويل من تأول لمعاوية( 2) في فواقره أنه مجتهد أخطأ في اجتهاده مع أنه قد نقل العلامة العامري الإجماع على أنه باغ، والباغي غير مجتهد في بغيه.. إلى أن قال ابن الأمير: هذا وقد خالف ابن حجر المحدثين فإنهم صرحوا بفسق من له رؤية كبسر بن أرطاة( 3) ، قال الدارقطني: كانت له صحبة ولم تكن له استقامة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم... إلى أن قال ابن الأمير: وكذلك الوليد بن عقبة(4 ) قال الذهبي في النبلاء في ترجمته: كان يشرب الخمر، وحد على شربها، ... إلى أن قال: والقصد من هذا بيان أن قول الحافظ: إن ثبتت رؤية لمروان، فلا يعرج على من تكلم فيه أنه جعل الرؤية كالعصمة، وكلامه خلاف ما عليه أئمة الحديث...) ( 5) . ويمكن مناقشة هذا النص في الأمور الآتية: الأمر الأول: يقال: لعل ابن الأمير قد أورد هؤلاء الأربعة للكلام عليهم كأمثلة لمن خرمت عدالتهم، لا لإخراجهم من الصحبة، وقد تقدم الإشارة إلى أن الصحابة كلهم عدول، ولااعتبار إن وجد شواذ، ولا يسلم من المعاصي إلا الأنبياء، ثم إن الصحابة أسرع الناس إلى التوبة، ثم إن الموقف مما شجر بينهم السكوت عن ذلك، وأن تلك فتن قد طهر الله أيدينا منها فلنطهر قلوبنا وألسنتنا من الإساءة إليهم رضي الله عنهم أجمعين. الأمر الثاني: مما ذكره محقق ثمرات النظر في تعليقه على كلام ابن الأمير هذا قوله: لقد قال الشيخ المعلمي كلاماً طيباً في الرد على من شنع على أهل الحديث في إخراجهم لمروان قال (رحمه الله) : (اعتبر البخاري أحاديث مروان فوجدها مستقيمة معروفة لها متابعات وشواهد، ووجد أن أهل عصر مروان كانوا يتقون بصدقه في الحديث...) . أما الوليد بن عقبة فلم يثبت أن الوليد روى حديثاً يزكي به نفسه، أو يبرز ما نسب إليه، وليس له حديث في الصحيحين. أما بسر بن أرطاة فقد ذكر ابن عدي فيما نقله عنه الحافظ ابن حجر في التهذيب أنه ليس له صحبة، وتوفي صلى الله عليه وسلم وهو صغير فلم يسمع منه، وكذلك الذهبي في النبلاء قال: في صحبته تردد...) (6 ) . أما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه لا يُسَلِّم أحد للمؤلف أن معاوية رضي الله عنه في النار، لأن أهل السنة والجماعة لا يشهدون لأحد بجنة ولا نار إلا بوحي من الله رسوله صلى الله عليه وسلم. ثم إن الحسن بن علي قد تنازل عن الخلافة لمعاوية وبايعه... والذي لا يُشك فيه أنها فتنة خاض فيها أناس مبشرون بالجنة ورجال لا يمكن أن يكونوا في النار، ثم هل للمؤلف دليل حتى من الإمام على رضي الله عنه بتكفير معاوية، وهو الذي لم يكفر الخوارج ولا الصحابة الذين ساروا مع معاوية، أما معاوية ورواية الحديث، فإنه مشهود له أثناء الحرب بأنه لم يضع حديثاً، أو يكذب لصالح نفسه، وأحاديثه في الصحاح، وقد ذكرها السيد محمد بن الوزير، ولم يشنع عليه فيها بل تعجب لمن شنع على أهل الصحاح برواية هذه الأحاديث(7 ) . الأمر الثالث: بالنسبة لموقف ابن الأمير من معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه وولده يزيد، فقد ورد عن ابن الأمير في أكثر من موضع بأن معاوية بن أبي سفيان من الظلمة البغاة في اغتصابه مقام الخلافة، وأن الفئة المحقة علي ومن في حزبه، والفئة الباغية معاوية ومن في حزبه( 8)، وقد ورد في بضع مواضع لعن معاوية ويزيد ابنه، وفي بعضها لا يكون اللفظ من كلام ابن الأمير إنما يكون نقلاً عن غيره كابن أبي الحديد وغيره، كما في الروضة الندية شرح التحفة العلوية( 9)، أما في الديوان حيث جاء القول: (قال يزيد بن معاوية لعنهما الله أبياته المعروفة)( 10)، فليس من قول ابن الأمير، وكذلك أبياته في الديوان( 11) لا تخرج عن كلامه في أنه من البغاة، وهذا الكلام عن معاوية وابنه يزيد ثابت عن ابن الأمير (غفر الله له). الأمر الرابع: أما مسألة كون معاوية من البغاة فيقال: ربما أن ابن الأمير قد استند إلى حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعمار: رضي الله عنه "تقتلك الفئة الباغية"( 12) وهو حديث ثابت، ورواه مسلم، وقد أشار ابن الأمير نفسه إلى جملة طرقه في توضيح الأفكار(13 )، وشرحه في كتابه سبل السلام( 14)، وتكلم عن مسألة قتال البغاة وأنه إجماع لقوله تعالى: ( فقاتلوا التي تبغي) . وإذا كان كلامه (رحمه الله) من باب الكلام في قتال البغاة، فهذا قد يقال إنه من باب الاجتهاد، ومن باب وقوع الاختلاف في المسألة، أما تعيينه بأن رأس البغاة ورأس النواصب معاوية وابنه يزيد( 15) فهذا مما كان ينبغي لابن الأمير أن لا يخوض فيه، وكان الأولى به (غفر الله له) القول بقول الله تعالى: ( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم) . والعمل بما قرره نفسه في مواضع من تحريم سب الأموات أو لعنهم أو النيل منهم حيث قال في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها: "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا"(16 ) . قال: ظاهره العموم للمسلم والكافر( 17) . وكذلك قوله: (والحديث إخبار بأنه ليس من صفات المؤمن الكامل الإيمان السب واللعن، إلا أنه يستثني من ذلك لعن الكافر، وشارب الخمر، ومن لعنه الله ورسوله) ( 18) . وفي إيقاظ الفكرة بعد أن نقل عن ابن قيم الجوزية في كتابه الجواب الكافي في تعداد من لعنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا عرفت هذا، فليس لمن قاتل الباغي مثلاً أن يلعنه ويسبه وينال منه، إن لم يرد ذلك عن الشارع... وقد ورد فيمن جلده صلى الله عليه وسلم على الخمر أنه سبه بعض الصحابة، فنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال: "لا تعينوا الشيطان على أخيكم"( 19)، وأنه ليس لنا التصرف في عباد الله في أموالهم ولا في أعراضهم ولا دمائهم إلا بالإذن الشرعي، فالأصل منع الإضرار فلا ينتقل عنه إلا بالدليل) (20 ) . وفي ختام هذا المبحث أشير إلى أن العليمي، قد ذكر بعض الانتقادات التي وجهت إلى ابن الأمير ورد عليها( 21)، من ذلك: قول ابن الأمير بعد ذكر اسم علي بن أبي طالب –عليه السلام- قال العليمي: (والمتأمل لهذا الأمر يرى أن الصنعاني –رحمه الله- قال: (واختلفوا أيضاً في السلام على غير الأنبياء بعد الاتفاق على مشروعيته في تحية الحي، فقيل: يشرع مطلقاً، وقيل: تبعاً ولا يفرد بواحد لكونه صار شعاراً للرافضة، ونقله النووي عن الشيخ محمد الجويني، قلت –أي ابن الأمير-: هذا التعليل بكونه صار شعاراً لا ينهض على المنع؛ والسلام على الموتى قد شرعه الله على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم "السلام عليكم دار قوم مؤمنين"( 22) . قال العليمي: إن قول الصنعاني –عليه السلام- بعد ذكر علي لا تعني أكثر من معناها الذي تدل عليه اللغة، ولا ينبغي تحميلها أكثر من ذلك؛ لأن الصنعاني وغيره كابن الوزير لم يستعملاها لعلي فقط، بل يطلقانها على غيره والأمر كما قال العليمي لا ينبغي إعطائها أكثر من حجمها، والله أعلم. ومما ذكره من الانتقادات أيضاً: عدم ترضيه عن بعض الصحابة أو الترجمة لهم وهذا إما سهواً من ابن الأمير أو اختصاراً ولا يقصد من وراء ذلك شيئاً. وأيضاً ما نسب إليه من سب لبعض الصحابة، وهذا قدم تقدم الإشارة إليه قريباً، وأيضاً ذكر انتقادات ابن الأمير لاجتهادات عمر رضي الله عنه وقد ذكر العليمي أمثلة مما يوضح أن ابن الأمير مجتهد يتبع الدليل، وأنه قد يتبع عمر بن الخطاب إذا صح الدليل على ما ذهب إليه أو قد ينتقده إذا لم يكن الدليل مع عمر رضي الله عنه(23 ) . - وأشير إلى شيء في باب الصحابة مما يؤخذ على ابن الأمير وهو إطلاقه على علي بن أبي طالب رضي الله عنه لفظ (الوصي) ولم يشر إلى هذا العليمي، وهذا ثابت عن ابن الأمير في مواضع من ديوانه، وفي مواضع من مؤلفاته الأخرى، وهذا اللفظ من إطلاقات الرافضة، حيث يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم وصى بالخلافة لعلي ابن أبي طالب رضي الله عنه، وقد وضع الشيعة أحاديث في هذا الأمر، وقد أشار الشوكاني أن أحاديث وصايا علي بن أبي طالب كلها موضوعة( 24) . وعلى العموم فإن ابن الأمير مع هذه الهفوات التي ربما كانت في فترة سابقة من حياته، فإنه يترضى عن جميع الصحابة، وأن الغالب على أهل ذلك العصر الصدق، ويقدم أبا بكر وعمر ويترضى عنهم، ولا يمكن نسبته إلى التشيع ولا إلى الاعتزال لكلام قليل في مواضع قليلة نادرة، نسأل الله له العفو والعافية. ) . ( ص 721-727) . ============================= (1 ) هو مروان بن الحكم بن أبي العاص القرشي الأموي، يكنى أبا القاسم وأبا الحكم. قيل: له رؤية، وذلك محتمل ومن كبار التابعين، قال الذهبي: (استولى مروان على الشام ومصر تسعة أشهر، ومات خنقاً من أول رمضان سنة 65هـ) . انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء 3/476. ( 2) تقدمت ترجمته ص 272. (3 ) هو بسر بن أرطاة الأمير أبو عبدالرحمن عمر بن عويمر بن عمران القرشي العامري الصحابي نزيل دمشق. قال الذهبي: (كان فارساً شجاعاً، فاتكاً من أفراد الأبطال، وفي صحبته تردد) وقال ابن حجر: (من صغار الصحابة. مات سنة 86هـ) . انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء 3/409؛ ابن حجر: التقريب (121 برقم 663) . ( 4) هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط الأمير، أبو وهب الأموي، له صحبة قليلة، ورواية يسيرة، وهو أخو أمير المؤمنين عثمان بن عفان لأمه. من مُسْلمة الفتح. قال الذهبي: (وكان مع فسقه –والله يسامحه- شجاعاً قائماً بأمر الجهاد وله أخبار طويلة في تاريخ دمشق ولم يذكر وفاته) . انظر: الذهبي: سير أعلام النبلاء 3/412. ( 5) انظر: ابن الأمير: ثمرات النظر 53-56. ( 6) انظر: المصدر السابق: المقدمة 36-37 من كلام المحقق: أحمد عبده ناشر. (7 ) انظر: ابن الأمير: ثمرات النظر 34-35 المقدمة؛ وانظر كلام ابن الوزير في نقل أحاديث معاوية التي رواها وهي: ستاً وثلاثين ومائة حديث، في توضيح الأفكار 2/435. (8 ) انظر على سبيل المثال: ابن الأمير: سبل السلام 3/524-525؛ منحة الغفار 4/2479، 2491، 2555، الروضة الندية في مواضع منها 73، 76، 85، 86، 133، التنوير شرح الجامع الصغير 4/379 (مخ). قال النووي –رحمه الله-: (قال العلماء: هذا الحديث ظاهرة في أن علياً رضي الله عنه كان محقاً مصيباً، والطائفة الأخرى بغاة لكنهم مجتهدون فلا إثم عليهم لذلك) انظر: شرح مسلم 18/56 شرح حديث (2915). ( 9) انظر: ابن الأمير: الروضة الندية 125، 141، 184، 241. ( 10) انظر: الديوان ص 368. (11 ) انظر: الديوان ص 196. ( 12) رواه مسلم في كتاب الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء (شرح النووي 18/56-57 برقم 2916) بلفظه وله روايات عدة. (13 ) انظر: ابن الأمير: توضيح الأفكار 2/448-453. ( 14) انظر: ابن الأمير: سبل السلام 3/523-524. ( 15) انظر: ابن الأمير: التنوير 2/202 (مخ)، فتح الخالق 1/110 (مخ) . ( 16) رواه البخاري في كتاب الجنائز، باب ما ينهى من سب الأموات (الفتح 3/304 برقم 1393) بلفظه، وتقدم تخريجه 17. ( 17) انظر: ابن الأمير: سبل السلام 2/239- 241، 4/378. ( 18) المصدر السابق 4/378. ( 19) أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب الضرب بالجريد والنعال، باب ما يكره من لعن شارب الخمر وأنه ليس بخارج من الملة (الفتح 12/67، 77 برقم 6777، 6780، 6781). ( 20) انظر: ابن الأمير: إيقاظ الفكرة 2/640، وانظر في تحريم سب الصحابة (رضوان الله عليهم) د. ناصر بن علي عائض حسن الشيخ: عقيدة أهل السنة والجماعة في الصحابة الكرام 2/831 وما بعدها، فقد ذكر تحريم سبهم بنص الكتاب والسنة ومن كلام السلف، وبين حكم ساب الصحابة وعقوبته، وقد أجاد في ذلك وأفاد، وكذلك رده على الفرق المنحرفة في باب الصحابة في الباب الرابع في الجزء الثالث. مع العلم أن ابن الأمير –رحمه الله- لا يجهل تلك النصوص والأحكام، ولعلها كبوة في حقه يغفرها الله له بجانب حسناته الكثيرة. والله أعلم. ( 21) انظر: العليمي: الصنعاني وكتابه توضيح الأفكار 95- 103. (22 ) أخرجه مسلم في كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها (شرح النووي 7/58 برقم 974) بلفظه. ( 23) انظر: العليمي: المرجع السابق 103 – 108. (24 ) انظر: الشوكاني: الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، تحقيق، عبدالرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (بيروت، المكتب الإسلامي ط3، 1407هـ =1987م) ص 366 تحت عنوان: (بحث آخر في النسخ الموضوعة) بعد حديث رقم (1230)؛ (193) في فضائل القرآن. |
والنقل
لطفــــــاً .. من هنـــــــــــا
http://www.saaid.net/Warathah/Alkharashy/mm/39.htm
لطفــــــاً .. من هنـــــــــــا
http://www.saaid.net/Warathah/Alkharashy/mm/39.htm