خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    هل تكفر الدولة المسلمة بانضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة؟

    avatar
    أبو عبد الله أحمد بن نبيل
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 2798
    العمر : 48
    البلد : مصر السنية
    العمل : طالب علم
    شكر : 19
    تاريخ التسجيل : 27/04/2008

    الملفات الصوتية هل تكفر الدولة المسلمة بانضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة؟

    مُساهمة من طرف أبو عبد الله أحمد بن نبيل 21.11.09 16:56

    هل تكفر الدولة المسلمة بانضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة؟
    للشيخ علي بن يحيى الحدادي ـ حفظه الله ـ
    نظراً لما قرره بعضهم من تكفير الدولة الإسلامية بسبب انضمامها إلى هيئة الأمم المتحدة والتباس الحكم على بعض الشباب الذين غرر
    بهم فسلكوا مسلك التكفير فقد رأيت مناقشة هذه الدعوى مناقشة مختصرة كافية
    إن شاء الله في إيضاح الحق لمن أراده فأقول مستعيناً بالله:
    إن قوانين
    هيئة الأمم في الغالب قوانين تنظيمية للمنافع الدنيوية لاتشريعية،
    كالقوانين التي تنظم شؤون المرور، والتجارة والإدارة ونحوها، إذ
    المقصود الأكبر من هذه الهيئة إحلال السلم بين أعضائها، وتنظيم العلاقات السلمية بأنواعها السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها.
    وعلى هذا فتندرج عقودها تحت باب المعاملات والأصل في المعاملات الإباحة إلا ما ورد الشرع بحظره
    وهي كذلك من العادات وليست من العبادات المحضة، والعادات كما يقول ابن تيمية "هي ما اعتاده الناس في دنياهم مما يحتاجون إليه والأصل فيه عدم
    الحظر فلا يحظر منه إلا ما حظره الله سبحانه وتعالى" مجموع الفتاوى (29/16-17). فلا يحرم إبرام العقود في إطار هذه المنظمات من حيث هو لكن يمنع الاتفاق على أمر محرم. لقوله صلى الله عليه وسلم (ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط كتاب الله أحق وشرط الله أوثق) رواه ابن ماجه. ولو فرض أن الدولة الإسلامية دخلت في هذا التنظيم ووافقت على بعض القرارات المخالفة للشرع التي ما كان ينبغي لها أن توافق عليها فلا يسوغ القول بتكفيرها إلا
    بشروط معينة معلومة.
    إن المحرم على المسلمين موالاة الكفار، لا معاملتهم، بالبيع والشراء والإجارة، والهدنة والصلح، وحسن الجوار، ونحو ذلك مما دلت النصوص على
    جوازه.
    وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الكفار، ويبرم معهم عقود البيع والإجارة والمزارعة وعقود الصلح والهدنة والحلف كما حالف خزاعة وهي آنذاك على الشرك، و وادع اليهود عند مقدمه المدينة وأبرم معهم اتفاقية حسن الجوار، والتناصر على من يبغي على أحد منهم وهم على كفرهم وشركهم، وصالح قريشاً في الحديبية صلحاً في شروطه ضيم على المسلمين وإجحاف بهم، وذلك لما كان يرجوه صلى الله عليه وسلم من درء المفاسد التي هي أكبر وأشد، وجلب المصالح التي هي أعظم من مصلحة جهاد قريش آنذاك. فهذا لا ينكره إلا جاهل أو مضل.
    وإضافة إلى إبرام النبي صلى الله عليه وسلم عهود الصلح والحلف بينه وبين المشركين فقد أمر صلى الله عليه وسلم بالوفاء بأحلاف الجاهلية التي أسست على العدل ونصر المظلوم، وفي الأمر بالوفاء بها دليل على إباحة محالفتهم بالشرط المتقدم ذكره فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته: (أوفوا بحلف الجاهلية فإنه لا يزيده يعني الإسلام إلا شدة ولا تحدثوا حلفاً في الإسلام) رواه الترمذي وقال حسن صحيح، وأخرج مسلم في الصحيح عن جبير بن مطعم مرفوعا (لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة) فنهى عن الحلف في الإسلام وأمر بالوفاء بأحلاف الجاهلية.
    والمقصود بقوله (لا حلف في الإسلام) أي الحلف الذي يتضمن محظوراً فقد سأل عاصم الأحول أنس بن مالك فقال له : "أبلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم : قال لا حلف في الإسلام؟ فقال: قد حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري " رواه البخاري. قال الطبري: " ما استدل به أنس على إثبات الحلف لا ينافي حديث جبير بن مطعم في نفيه فإن الإخاء المذكور كان في أول الهجرة وكانوا يتوارثون به ثم نسخ من ذلك الميراث وبقي ما لم يبطله القرآن وهو التعاون على الحق والنصر والأخذ على يد الظالم كما قال ابن عباس: إلا النصر والنصيحة والرفادة ويوصي له وقد ذهب الميراث". وكلام ابن عباس هذا أخرجه الطبري أيضاً في التفسير عند قوله تعالى { وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ } (33) سورة
    النساء فقال : "وقال آخرون بل نزلت هذه الآية في أهل العقد بالحلف ولكنهم أمروا أن يؤتي بعضهم بعضا أنصباءهم من النصرة والنصيحة وما أشبه ذلك دون الميراث. ذكر من قال ذلك حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو أسامة قال حدثنا إدريس الأودي قال حدثنا طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس: " والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم" من النصر والنصيحة والرفادة ويوصي لهم وقد ذهب الميراث" ثم قال: "عن مجاهد [والذين عقدت أيمانكم ] قال: كان حلف في الجاهلية فأمروا في الإسلام أن يعطوهم نصيبهم من العقل والنصرة والمشورة ولا ميراث".
    وقال العلامة المباركفوري في شرحه لحديث(أوفوا بحلف الجاهلية فإنه لا يزيده يعني الإسلام إلا شدة ولا تحدثوا حلفا في الإسلام): " قوله (أوفوا) من الوفاء وهو القيام بمقتضى العهد (بحلف الجاهلية) أي العهود التي وقعت فيها مما لا يخالف الشرع لقوله تعالى (أوفوا بالعقود)
    لكنه مقيد بما قال الله تعالى { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (2) سورة المائدة (فإنه) أي الإسلام (لا يزيده) أي حلف الجاهلية الذي ليس بمخالف للإسلام (إلا شدة) أي شدة توثق فيلزمكم الوفاء به انتهى ومن النصوص الواردة في الوفاء بأحلاف الجاهلية وعهودها حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما شهدت حلفاً إلا حلف قريش من حلف المطيبين وما أحب أن لي به حمر النعم وأني كنت نقضته) رواه البيهقي
    .ومنها حديث طلحة بن عبد الله بن عوف مرسلاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت) رواه البيهقي وقال صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قبل أن يعاهد قريشاً على الصلح : (والله لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها) رواه أحمد.
    وفي صحيح مسلم عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: ما منعني أن أشهد بدراً إلا أني خرجت أنا وأبي حسيل قال فأخذنا كفار قريش قالوا إنكم تريدون محمداً فقلنا ما نريده ما نريد إلا المدينة فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننصرفن إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم
    فأخبرناه الخبر فقال: انصرفا. نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم".
    فهذه النصوص واضحة في وجوب الوفاء بأحلاف الجاهلية المبنية على العدل، لأن الإسلام يحث على ذلك ويؤيده، فيستفاد منه جواز ابتداء الحلف معهم إذا كان فيه مصلحة للمسلمين و(هيئة الأمم المتحدة) منظمة دولية قصد بها في الأصل _ حسب ما يظهر من مقاصدها المعلنة في ميثاقها _ اتفاق أعضائها على الأخذ على يد الظالم، وتجنب الحروب وإشاعة السلم في العالم، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وهي مبادئ يقرها الإسلام في الجملة، ويؤيدها، ومما جاء في ميثاق
    الأمم المتحدة (المادة الأولى)ما يلي:
    [مقاصد الأمم المتحدة هي:
    1- حفظ السلم و الأمن الدولي وتحقيقاً لهذه الغاية تتخذ الهيئة التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم ولإزالتها، ولقمع العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم وتتذرع بالوسائل السلمية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي لحل المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها.
    2- إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها وكذلك
    اتخاذ التدابير الملائمة لتعزيز السلم العام.
    3- تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان
    والحريات الأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء.
    وجاء في المادة الثانية:
    3- يفض جميع أعضاء الهيئة منازعاتهم الدولية بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر.
    4- يمتنع أعضاء الهيئة جميعاً في علاقاتهم الدولية عن التهديد باستعمال القوة أو استخدامها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة أو
    على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة ] القانون الدولي (998-999). فتعاهد المسلم مع الكافر على ترك العدوان بغير حق، وعلى حل النزاعات بالطرق السلمية ونحو هذا مما لا محظور فيه فضلاً أن يكفر من فعله.
    ولا ينكر أن في قرارات هيئة الأمم وبعض الفقرات التي تتضمنها مقاصدها ما لا يجوز شرعاً ولكننا نرى الدولة السعودية وفقها الله _ وهي التي نالها
    النصيب الأوفى من التكفير _ لا توقع على تلك القرارات ولا تقرها وهذه منقبة عظيمة لولاة أمرها نسأل الله أن يزيدهم من فضله وتوفيقه وتأييده. إن هذه الهيئة مع ما فيها من الشرور إلا أن الانضمام إليها يحصل به من جلب المنافع ودفع المفاسد الشيء الكبير الذي لا يمكن بيانه في هذه المقالة المختصرة، إذ بهذه التنظيمات تنتظم العلاقات السياسية والاقتصادية والتعليمية وغيرها ، ويندفع بها شر كبير عن بلاد المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قبل شروط قريش في الحديبية مع ما فيها من الضيم والنقص على المسلمين لكن لما رجا النبي صلى الله عليه وسلم من دفع المفاسد التي هي أكبر من تلك الشروط ولما رجا من المصالح التي هي أعظم من دخولهم البيت في عامهم ذلك وافق عليها، وفي هذا يقول العلامة رشيد رضا رحمه الله فيتفسير المنار عند قوله تعالى: { إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً } "وإذا جازت موالاتهم لاتقاء الضرر فجوازها لأجل منفعة المسلمين يكون أولى، وعلى هذا يجوز لحكام المسلمين أن يحالفوا الدول غير المسلمة لأجل فائدة المؤمنين بدفع الضرر أو جلب المنفعة " تفسير المنار (3/280).
    وبهذا التقرير من الشيخ رحمه الله يتبين أن دخول الدولة المسلمة في هيئة الأمم أو ما شاكلها من المنظمات لا حرج فيه لما يترتب عليه من المصالح
    الكبيرة شريطة أن لا توقّع بالموافقة على ما فيه معصية لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وقبل أن أختم هذا المبحث أنبه إلى أن أحداً من الأئمة
    السلفيين المعاصرين لم يكفر الدولة المسلمة بانضمامها إلى هذه المنظمات حسب ما أداني إليه بحثي، ولو كان من المكفرات لبادروا إلى بيانه، فدل
    سكوتهم على أنهم لا يرون به بأساً، وهذا الظن بهم.
    وفي الختام أسأل الله تعالى أن يوفق حكام المسلمين للحكم بكتابه، وأن يأخذ بأيديهم لما فيه صلاح الإسلام وأهله، وأن يهدي ضال المسلمين، وأن يفقهنا
    في دينه، وأن يبصرنا بسنة نبيه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    منقول من سحاب السلفية

      الوقت/التاريخ الآن هو 15.11.24 3:53