تنبيهات مهمات في الإرشاد للكتب والتحقيقات
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
أما بعد :
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
أما بعد :
فقد لاحظت في هذه الجلسة – كما لاحظ غيري – كثرة السائلين عن أجود التحقيقات ، وأفضل الطبعات ...
وفي خضم هذه المواضيع ظهرت ظاهرة – في نظري – تدل على عجلةٍ ، وقلة فهمٍ وفقه ، وجهل بمبدأ النصيحة !!
فهذا لا يعرفُ إلا طبعةً واحدةً ، ولم يَفْلِهَا ، ولم تنقطع جلادتها بعدُ ؛ فينصح أخاه بها ! لماذا ؟
لأن الطابع كتب على طرة الكتاب : حققه فلان !
أو لأنها هي التي بحوزته !
وآخر سَمِعَ فلاناً من أهل العلم يرشد لتلك الطبعة ، فأخذ يصيح بها في كل نادي = حيناً معلناً اسم شيخه ليدل على نفسه بأنه قد جثا بين يديه ، وحينا مغفلاً اسم شيخه ليُعْلِمَ القرَّاء بأنه قد اطلع على طبعات الكتاب ، وقارن بينها ، وحقق ودقق فيها !
وشرُّ الاثنين مَنْ خَلَط بين طبعات الكتاب ، وظن أنه قد أتى بما لم يأتِ به الأوائل ؛ فإذا نُبِّه لم ينتبه ، وإذا أُرشد لم يسترشد ! وحينها يكون لزاماً أن يكتب تحت اسمه : ( جاهل مركب ) !!
وبإلقاء نظرةٍ سريعة على جلسة التعريف بالكتب وطبعاتها وما يتعلق بالتحقيق يظهر لك ما قلتُ جليَّاً ، وهذه الظاهرة في فشوها ضعفٌ لهذه الجلسة ومصداقتيها .
أيها القارئ الكريم : لا يخفى عليك منزلة النصيحة في الدين ، وإرشاد السائلين ، وتنبيه الغافلين ...
وهذه النصيحة ما لم تكن وفق الضوابط الشرعية ، والمقاصد المرعية فهي وبالٌ على الناصح والمنصوح !
أما الناصح – وما هو بناصح ؛ بل غاشٌ – فلم يقم بالنصح لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم !
وأما هذا المنصوح المسكين فقد غشَّه ذاك الجهول ، وجعله ينفق ماله ووقته !
أيها الناصح :
عندما تريد نُصْحَ أخيك بكتاب أو طبعةٍ معينة يكون لزاماً عليك النظر في هذه الضوابط والتنبيهات :
1 – مَنْ نصح أخاه بطبعة معينةٍ أو تحقيقٍ معيَّن ينبغي أن يكون مُلِمَّاً بطبعات الكتاب ، ومقارناً بينها ، وناظراً في حقيقة التزام المحقق بما ذكره في منهج التحقيق أو البحث .
فلا يكفي أن يكون الناصح قد قرأ مقدمة المحقق وما ذكره من جهد بذله ؛ فضلاً عن النظر إلى أسماء المحققين فقط – وإن كان أمَارَة على الجودة مِنْ عدمها – ، أو الاغترار بدار الطباعة ، ونحو ذلك .
2 – عند النقل عن أهل العلم في تفضيل طبعةٍ على أخرى ، فيجب ذكر ثلاثة أمور :
أ – ذكر اسم الشيخ ، فهذا من باب الأمانة العلمية ، وعدم تحمل تبعات الخطأ والزلل .
ب – ذكر نص كلام الشيخ ، فقد يكون تفضيله لهذه الطبعة لسببٍ معيَّن ونحو ذلك .
ج – ذكر الوقت الذي قال فيه الشيخ كلامه ، فقد يقول كلامه السابق قبل خروج طبعة جديدة ، ولو سئل بعد خروجها لأرشد إليها .
3 – ينبغي للناصح أن يُرشد للطبعة التي تتوفر فيها المميزات الحقيقية ، فقد قرأنا لبعض الأحبة أنه ذكر أنَّ أفضل طبعة لكتاب كذا هي الطبعة الفلانية ، وعند المحاققة تبيَّن أن سبب تفضيله لها هو طول تخريج الأحاديث في هذه الطبعة ! أو كثرة عدد مجلداتها ! أو جودة الورق ! أو نحو ذلك ، وهذا لا ينبغي التعويل عليه كثيراً .
4 – ينبغي للناصح أن يدلَّ على الطبعات المتوفرة في المكتبات ، أمَّا الإشارة إلى طبعات لا تكاد تسمع بها ؛ فضلاً عن أن تراها ! فليس هذا من النصح في شيء ؛ لأنك دللته على مستحيل .
ويمكن الإشارة لهذه الطبعات النادرة من باب الفائدة ، ولو تيسَّر له الحصول عليها لأخذها .
5 – ينبغي للناصح أن يتقي الله في كلامه ، وأن لا يزيد في كيل المدح والذم ؛ فإن أخلَّ بذلك فسيقع فيما إثمه أكبر من نفعه !
أما أنت أيها المسترشد :
فخذ هذه التنبيهات علَّها أن تفيدك :
1 – ينبغي لمن أراد أن يطلب النصيحة في أمرٍ من أموره : أن يذهب إلى من يثق به ، وفي دينه ، ويعلم قدرته على توجيهه في هذا الأمر التوجيهَ الصحيح ، فلا يأخذ من كل مَن هبَّ ودبَّ ودَرَج !
2 – وينبغي أن يتريث قبل الشراء – إن كان ذلك ممكناً – فيسأل ، ويبحث في المكتبات الكبيرة قبل اقتنائه للكتاب .
3 – ينبغي لك عند سؤالك عن كتاب في فنٍ معيَّن أن تسأله أهله المختصين العالمين به ، المطلعين على جديد المكتبات والمطبوعات .
4 – ينبغي لك أن لا تغتر كثيراً بالأسماء المشهورة ، وأصحاب التحقيقات الكثيرة ، ونافخي الكتب بالكير !
هذا ما تيسر لي من تنبيهات وتوجيهات ، والموضوع بحاجة إلى أكثر مما كتبتُ ، لكن هي نداءات ورسائل وخواطر .
واللهَ أسأل أن يرزقنا العلم النافع ، والعمل الصالح ، والدعوة إليهما ، والصبر على الأذى فيهما ، وأن يجعل جميع أقوالنا وأعمالنا خالصة لوجهه ، موافقة لشرعه . آمين .