العلم والعمل
ما الفخر إلا لأهل العلم أنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امريءٍ ما كان يحسنه *** والجاهلون لأهل العلم أعداء
فقم بعلم ولا تطلب به بدلاً *** الناس موتى وأهل العلم أحياء(1)
إن العلم المعتبر هو العلم الباعث على العمل؛
فإن لم يكن العلم كذلك، فلن يكون فيه ما يدل على استحسانه(2)،
فطلب العلم هو العمل، وأساس العمل هو العلم.
قال الله عز وجل:
كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" الصف: 3}.
ولا بركة في علم من غير عمل، ولاعمل محبوب لله تعالى من غير إتقان
كما قال صلى الله عليه وسلم :
"إن الله يحب أحدكم إذا عمل عملاً أن يتقنه"(3).
وهذا ما تحتاج إليه الأمة في هذه الأيام.. أن يتحول العلم إلى منهج حياة.. أن يتحول العلم إلى واقع عملي. ولا تضعف عزيمة أمة من الأمم إلا يوم تصبح في طريق، ومناهج العلوم في طريق آخر.
هتف العلم بالعمل إن أجابه وإلا ارتحل
يقول الحسن البصري:
العامل على غير علم يفسد أكثر مما يصلح، فاطلبوا العلم طلباً لا يضر بالعبادة، واطلبوا العبادة طلباً لا يضر بالعلم،
فإن قوماً طلبوا العبادة وتركوا العلم، فخرجوا بأسيافهم على أمة محمد، ولو طلبوا العلم، لم يدلهم على ما فعلوا(4)،
يعني بهؤلاء: الخوارج، الذين لم تكن آفتهم في قصور عبادتهم؛ وإنما كانت آفتهم في قصور الفقه، وعدم التعمق في الفهم.
نور الأبصار:
إن العلم نور الأبصار، وقوة الأبدان، يبلغ به الإنسان منازل الأبرار.
قال الله تعالى:
قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب "الزمر: 9}.
وفي الحديث:
"أغد عالماً أو متعلماً أو مستمعاً أو محباً، ولا تكن الخامس فتهلك"(5).
والخامس هو المعرض عن العلم.
وظائف المتعلم:
مما ينبغي ذكره أن على المتعلم وظائف كثيرة،
منها:
تزكية النفس، وتنقية القلب، والصبر:
ومن يصطبر للعلم يحظ بنيله *** ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل
ومن وظائف المتعلم:
التواضع، والسؤال عما لا يعرف.
سئل ابن عباس(6): بمَ نلت العلم؟.
قال: بلسان سؤول، وقلب عقول.
ومن وظائف المتعلم:
أن يقوم بتعليم ما قد تعلم.
جاء في الحديث عن أبي هريرة } عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
"من سئل عن علم يعلمه فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من النار"(7).
وروي عن عيسى عليه السلام قوله:
"من علم وعمل وعلّم، فذاك يدعى عظيماً في ملكوت السماء".
ومن وظائف المتعلم:
أن يحترم معلمه. ولي في ذلك قصيدة(8)
أقول فيها:
إن المعلم علمه سر الأمل *** وهب الحياة نقاءها نور المقل
ما غاب يوماً علمه عن راغب *** يسعى لنيل المبتغى خير العمل
ما ضاق ذرعاً صدره من هفوة *** سيقت إليه دون قصد محتمل
أجلى ظلاماً حالكاً غاصت به *** دهراً نفوس فاقتفت هدي الرسل
أهدى العزائم شعلة وقادة *** ضاءت بها أرجاؤنا.. كل السبل
نور مبين عزمه في سعيه *** عذب البيان المرتجى والممتثل
صاغ القلوب معلماً ومؤدباً *** جيل العلا حباً بهدي مؤتمل
ومن مهام المعلم:
أن يكون ميسراً لا متعنتاً.
قال عليه الصلاة والسلام:
"إن الله لم يبعثني معنتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً"(9).
وفي ظل فهم قيمة العلم وإدراك حقيقته وفروعه، نبغ العديد من العلماء، في سائر العلوم الشرعية، والعملية من كيمياء، وطب، وجبر، وهندسة، وفلك، ومخترعات، وغيرها.
وذاك شأن طالب المعالي *** يواصل النهار بالليالي
ومن لطائف المعاني
أن التعلم يرفع قدر المتعلم إنساناً كان أم حيوانا،
حتى رأينا الكلب المعلم يؤكل ما يصيده؛ لأنه لم يصده لنفسه؛ بل لصاحبه الذي علمه، فما بالنا بالإنسان إذا تعلم؟!(10).
قال تعالى:
اقرأ باسم ربك الذي خلق * خلق الإنسان من علق * قرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم" العلق: 1 - 5}.
ولله در القائل:
يا طالب العلم لا تبغ به بدلاً *** فقد ظفرت ورب اللوح والقلم
واجهد بعزم قوي لا انثناء له *** لو يعلم المرء قدر العلم لم ينم
ومن أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معاً فعليه بالعلم.
قال رسول صلى الله عليه وسلم :
"من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله له به طريقاً إلى الجنة"(11).
وروى الترمذي عن أنس مرفوعاً:
"من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع"(12).
وقال عليه الصلاة والسلام:
"إن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضيً بما يطلب"(13).
وقال تعالى:
إنما يخشى الله من عباده العلماء "فاطر: 28}.
فالخشية ثمرة المعرفة، بخلاف من يجهل مقام الله، فهو أجدر أن لا يخشاه.
وقال عز وجل:
فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون " التوبة: 122}.
العقلية العلمية:
والعقلية العلمية ترفض الجمود والتقليد، ولا تقبل أن نقلد أحداً بدون تمحيص وروية. بل لا بد من الدراسة، والتدقيق والبحث والتنقيب.
يقول ابن الجوزي(14):
في التقليد إبطال منفعة العقل، فقد خلق العقل للتدبر والتأمل، وقبيح بمن أعطي شمعة ليستضيء بها أن يطفئها ويمشي في الظلمة.
والتقليد هو أن يأخذ الإنسان قول الغير بدون دليل، بقصد التعظيم، فيرضى لنفسه أن يكون ذيلاً وقد خلق الله له رأساً، ويرضى أن يكون عبداً في فكره وقد خلقه الله حراً.
والإنسان إذا لم يتفقه ضاع، ولربما شرَّق وهو يريد الغرب، ولربما غرَّب وهو يريد الشرق.
ولقد علم الله الإنسان ما لم يعلم، وسخر له ما في السموات وما في الأرض، وذلك من أجل أن يعرف الغاية..
من أجل حسن الخلافة وأداء الرسالة. قال عليه الصلاة والسلام: "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين"(15).
والناس رجلان:
عالم أو متعلم، ولا خير فيمن سواهما.
والعلم هو الذي يبين لنا الحق من الباطل في المعتقدات، والمسنون من المبتدع في العبادات، والصحيح من الخطأ في المعاملات، والحلال من الحرام في التصرفات، والمحمود من المذموم في المصطلحات.
وسيسأل كل إنسان عن علمه ماذا عمل به.
دليل الإيمان:
والعلم دليل الإيمان: وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم" الحج: 54}.
ولذلك جاء الأمر بطلب الزيادة من العلم: وقل رب زدني علما " طه: 114}.
تعلم، فليس المرء يولد عالما *** وليس أخو علم كمن هو جاهل!
على أن يكون العلم المطلوب نافعاً،
فقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من العلم الذي لا ينفع.
عن زيد بن أرقم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:
"اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها"(16).
=====================
الهوامش:
1- ديوان علي بن أبي طالب } - دار كرم بدمشق - دون تاريخ - ص: (5).
2- انظر: الموافقات لأبي إسحق الشاطبي - المقدمة السابعة والثامنة.
3- أخرجه البيهقي عن عائشة وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (113).
4- مفتاح دار السعادة لابن القيم - ص: (82).
5- رواه الطبراني في الصغير (786) والبزار في مسنده (3626) - معجم الزوائد: (132/1).
6- ابن عباس هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيه عالم، صحابي جليل القدر، لقب ب: حبر الأمة، ولد في مكة، ولازم رسول الله، ونقل عنه الأحاديث الصحيحة، توفي في الطائف عن واحد وسبعين سنة.
7- رواه الترمذي (2649) وحسنه، وابن ماجه (266)، وأحمد (10425).
8- نشرتها في صحيفة (بناة الأجيال) 1 نيسان 2004 - العدد (153).
9- رواه مسلم عن عائشة في كتاب الطلاق من صحيحه (1478).
10- انظر كتابنا: قضايا فكرية معاصرة - الطبعة الأولى - دمشق 1425ه - ص: (38).
11- جزء من حديث رواه مسلم في الذكر والدعاء برقم: (7028).
12- رواه الترمذي في العلم برقم: (2649)، وقال: حسن غريب.
13- جزء من حديث صفوان بن عسال، رواه الترمذي (3535) وقال: حديث حسن صحيح وصححه ابن حبان (79).
14- تلبيس إبليس - مؤسسة التاريخ - بيروت - دون تاريخ - ص: (83).
15- أخرجه البخاري (71) ومسلم (1037).
16- رواه مسلم (2722).
والنقل
لطفـاً .. من هنــــــا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=104252
لطفـاً .. من هنــــــا
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=104252