من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 16.09.09 23:23
النظافة مظهر حضاري
د. أحمد محمد القضاة....
كانت المدينة حين قدم الرسول صلى الله عليه وسلم مهاجراً إليها، منطقة كثيرة الأوبئة والأمراض، وقد أسهم في ذلك ما كان عليه الناس من ممارسات اجتماعية غير سليمة، فالأقذار والأوساخ وفضلات الناس والدواب تلقى في الطرقات، دون أن يهتم أحد بجمعها في أماكن خاصة، وحين ينزل المطر فإنه يأخذ هذه الأقذار في طريقه ليلقي بها في الآبار والبرك التي اعتاد الناس أن يستخدموها للشرب وغيره.
قالت عائشة رضي الله عنها: ".. قدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله، فكان بُطْحَان يجرى نَجْلًا، أي ماءً آجِنًا" (متغير اللون والرائحة لما فيه من الأقذار).
وقالت: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وُعك أبو بكر وبلال، فدخلت عليهما فقلت: يا أبه كيف تجدك؟ ويا بلال كيف تجدك؟ قالت: فكان أبو بكر إذا أخذته الحُمَّى يقول:
كل امرئ مُصَبَّحٌ في أهله
والموت أدنى من شِرَاك نَعْلِه
وكان بلال إذا أقلع عنه يرفع عقيرته ويقول:
ألا ليت شِعْرِي هل أبيتَنَّ ليلة
بوَادٍ وحولي إذْخِرٌ وجَلِيـلُ
وهل أرِدْن يومًا مياه مِجَنَّة
وهل يَبْدُوَنْ لي شامةٌ وطَفِيلُ
قالت عائشة: فجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبرته، فقال: ( اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، وصححها، وبارك في صاعها ومدها، وانقل حُمَّاها فاجعلها بالجُحْفَة ).
وقد استجاب الله دعاءه صلى الله عليه وسلم، فأُري في المنام أن امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى نزلت بالمَهْيَعَة، وهي الجُحفة.
وكان تأويل ذلك نقل وباء المدينة إلى الجحفة، وبذلك استراح المهاجرون مما كانوا يعانونه من شدة مناخ المدينة.([1])
ولكن: هل كانت استجابة الدعاء هكذا دون اتخاذ إجراءات عملية؟ وهل رضي الرسول صلى الله عليه وسلم ببقاء الأقذار متناثرة في كل مكان، ودعا ربه أن يزيل الوباء من المدينة؟
لننظر ماذا فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ وما الإجراءات التي اتخذها؟
تبين كتب السنة وكتب السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أصحابه والناس من حوله بسلسلة من الإجراءات العملية التطبيقية، وحثهم عليها مبيناً أهميتها، ورابطاً لها بمبدأ الثواب والعقاب
فمن ذلك:
· أهمية تنظيف الساحات والطرق وإصلاحها، حتى يستطيع الناس أن يستخدموها بيسر وسهولة.
· تنظيف البيوت وأفنيتها حتى تكون صالحةً للسكنى، خالية من الأوبئة والأمراض.
· تنظيف الأجسام والاهتمام بالمظهر الجمالي، والرائحة الطيبة.
· مراعاة حق الجار، وعدم إزعاجه بالروائح الكريهة.
· الاهتمام بغرس الأشجار، ومكافحة زحف الصحراء.
· العناية بحفر الآبار، لتوفير كميات كافية من مياه الشرب.
وإذ لا يتسع المقام هنا للحديث المفصل عن سائر النقاط، فسوف يتم الحديث عن النقطتين، الأولى والثانية بشيء من البيان، لنعرف كيف أسهمت هذه الإجراءات في إزالة الوباء، والحد من آثاره المخيفة، وتنظيم المدينة، وإبرازها في صورة جميلة مشرقة،
· أهمية تنظيف الساحات والطرق وإصلاحها، حتى يستطيع الناس أن يستخدموها بيسر.
جاء في الحديث الشريف عَنْ أَبِي هُرَيْرةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "رَأَيْتُ رَجُلاً يَتَقَلّبُ فِي الْجَنّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطّرِيقِ. كَانَتْ تُؤْذِي النّاسَ". قال الشارح: هذه الأحاديث المذكورة في الباب ظاهرة في فضل إزالة الأذى عن الطريق، سواء كان الأذى شجرةً تؤذي، أو غصنَ شوك، أو حجراً يُعْثَرُ به، أو قذراً أو جيفةً وغير ذلك، وإماطةُ الأذى عن الطريق من شعب الإيمان كما في الحديث الصحيح، وفيه التنبيه على فضيلة كل ما نفع المسلمين، وأزال عنهم ضرراً.
قوله صلى الله عليه وسلم: "رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق" أي يتنعم في الجنة بملاذها بسبب قطعه الشجرة.
يؤخذ من هذا الحديث أن إزالة الأذى – أياً كان – من طريق الناس فيه أجر عظيم، وأنه يوصل صاحبه إلى الجنة، ويجعله يتقلب في نعيمها، وإذا عرفنا حال الصحابة الكرام، وحرصهم على دخول الجنة، عرفنا أنهم سيترجمون هذا الحديث تطبيقاً عملياً كلما ساروا في الطريق، أو مروا بشيء مما يؤذي الناس ويزعجهم.
لقد سارع هؤلاء إلى تنظيف الطرقات، وتوسيعها وتمهيدها للسالكين، ابتغاء الأجر، ورغبة في رضا الرحمن سبحانه.
وقد عدّ الرسول صلى الله عليه وسلم تنظيف الطرقات، وإزالة الأذى منها شعبةً من شعب الإيمان فقال: "الإيمان بضع وستون شعبةً، أو بضع وسبعون شعبةً، فأرفعها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".
ومن جهة أخرى حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من رمي الأقذار أو التبرز في الطرقات، مبيناً أن هذا يؤذي الناس، مما يجعلهم يلعنون فاعله
فالطريق مرفق عامٌّ ينتفع به الناس، وليس لأحد أن يتصرف فيه بما يزعج الآخرين ويؤذيهم.
وفي هذا يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا اللعانين" قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال "الذي يتخلَّى في طريق الناس أو في ظلهم".([2])
وفي رواية قال: "اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، والظل، وقارعة الطريق)).
ويظهر من هذه الأحاديث الشريفة ونظائرها أن النبي صلى الله عليه وسلم يربط أفعال الناس دائماً بمبدأ الثواب للمحسن، والعقاب للمسيء، وهذا الأمر له أثره التربوي في النفس، بحيث يجعل المتلقي مبادراً إلى تنفيذ الأمر سواءٌ أكان هناك من يرقبه ويراه أم لا، ويتجنب الوقوع في النهي حتى لو كان خالياً بعيداً عن الناس، لأنه يراقب الله تعالى، فيرجو ثوابه، ويخاف عقابه.
ومن جهة أخرى يجعل الرسولُ صلى الله عليه وسلم الأعمال والخدمات التي يقدمها المسلم للناس أعمالاً داخلة في دائرة العبادة والطاعة، فهو حين يُبعِد الأذى عن الطريق يعبد ربه، وحين يساعد شخصاً في عمله يكون في عبادة، ..
وبهذا يمضي المسلم باذلاً جهده في إصلاح المجتمع غير منتظر أن يعطيه الناس أجراً، أو يقدموا له شكراً.
· تنظيف البيوت وأفنيتها حتى تكون صالحةً للسكنى، خالية من الأوبئة والأمراض.
وهذا الأمر اهتم به الرسول صلى الله عليه وسلم اهتماماً بالغاً، وأوصى به المسلمين، وحذَّرهم من التشبه بأهل القذارة والجهل
مؤكداً أن نظافة البيوت والأفنية معلم بارز من معالم البيوت المسلمة، ودليل على التزام أهلها بالإسلام، فالنظافة مظهر إسلامي أصيل
وفي هذا يقول صالح بن أبي حسان: سمعت ابن المسيب يقول:
"ان الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود".([3])
وفي رواية عند أبي يعلى: عن صالح بن حسان قال سمعت سعيد بن المسيب يقول: "إن الله طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، فنظفوا أفناءكم وساحاتكم، ولا تشبهوا باليهود؛ تجمع الأكناف في دورها([4]).
وتنظيف الأفنية والبيوت يستدعي إخراج الأقذار منها، وكنسها وتطهيرها وتطييبها، والحرص على جمالها وحسن مظهرها، وتزويدها بالمرافق التي تجعل سكناها مريحة.
بمثل هذه الإجراءات تصبح البيوت والمدن صالحة للسكنى، خالية من الأوبئة، بعيدةً عن الأمراض، ويعيش أهلها في هدوء وراحةٍ، فكل منهم يقوم بعمله مُدركاً أنه يعبد ربه في الوقت الذي يخدم فيه مجتمعه وأهل منطقته. فما أعظم الدين الذي جاءنا بهذه التعاليم.
والحمد لله رب العالمين
1-الرحيق المختوم 1/136.
(2) صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب النهي عن التخلي في الطرق والظلال 68 ، رقم (269)
(3) أبواب الاستئذان والآداب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، 74- باب ما جاء في النظافة، رقم الحديث 2951.
(4) مسند أبي يعلى الموصلي، مسند سعد بن أبي وقاص، رقم [ 791 ].
[/size]
والنقل
لطفـــاً .. من هنــــــــــــا
http://www.homslife.com/forum/index.php?showtopic=29566