الاختلاف بين الناس أمر واقع ومشاهد، لا يستطيع أن ينكره عاقل، إنما يأتي التلبيس عندما يزعم البعض أن هذا الاختلاف أمر يرضاه الله عز وجل ويحبه، وأنه الغاية من خلقه بني آدم! ويحملون على هذا المعنى الباطل قوله تعالى (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) ويسيئون فهم قول بعض المفسرين عند هذه الآية: "وللاختلاف خلقهم" فيظنونه يشهد لباطلهم.
وينتج عن هذا: أن لا يروا بأساً في تفرق المسلمين واختلافهم على مذاهب وفرق شتى، بل هذا عندهم من باب "التنوع" و"التعددية" اللذين يثريان الحياة الإسلامية ويزيدانها بهاء !
فتجد أحدهم يفتخر بوجود الفرق البدعية والمنحرفة في تاريخ المسلمين ، ويعد هذا دليلاً على تسامح المسلمين وقبولهم "الرأي الآخر" !
ولم يكتف بعض غلاتهم بتسويغ الاختلاف بين المسلمين، حتى ذهب يسوغ اختلاف الكافرين، ويعده –أيضاً- من باب "التعددية" التي يحبها الله عز وجل ويرضاها لعباده !! فعنده أن اليهودية والنصرانية وغيرها شرائع صحيحة ومتنوعة، جميعها موصلة إلى الله عز وجل، لا فرق بينها عنده !
فها هو من يسمى المفكر الإسلامي ! محمد عمارة يؤلف كتاباً بعنوان "الإسلام والتعددية" يقول فيه (ص 9): (وفي إطار تعددية الشرائع تحت جامع الدين الواحد جاء الحديث في القرآن الكريم عن نجاة أصحاب الشرائع المتعددة إذا هم جمعتهم جميعاً أصول:
1- الإيمان بالألوهية الواحدة.
2- والإيمان باليوم الآخر والبعث والحساب والجزاء .
3- والعمل الصالح في الحياة الدنيا.
(إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) !!
نعوذ بالله من الكفر والضلال.
ففي هذا القول من هذا المفكر الجاهل إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة من تكفير كل من لم يدن بدين الإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما قال سبحانه (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وقال (إن الدين عند الله الإسلام) وقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
قال شيخ الإسلام –رحمه الله-: "فمن لم يقر باطناً وظاهراً بأن الله لا يقبل ديناً سوى الإسلام فليس بمسلم، ومن لم يقر بأن بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ليس مسلم إلا من آمن به واتبعه باطناً وظاهراً فليس بمسلم، ومن لم يُحَرم التدين بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم بدين اليهود والنصارى، بل من لم يكفرهم ويبغضهم فليس بمسلم باتفاق المسلمين" (الفتاوى 27/463-464).
وليس المقام مقام إيراد جميع الأدلة القاضية بكفر اليهود والنصارى. ( انظر : محمد عمارة في الميزان ) .
أما الآية التي استدل بها عمارة لترويج باطله فهي (تتناول من كان قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحسب، قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله: "إن هذا إخبار عنهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم " ) . (انظر : دعوة التقريب، للدكتور أحمد القاضي 1/49-50) .
هذا عن عمارة: أما غيره فقد كان أقل جرأة وتقحماً للضلال منه ؛ لعلمه بخطورة تصحيح أديان الكفار ومذاهبهم ، فاكتفى بتسويغ الخلاف بين الفرق الإسلامية المتنوعة، مدعياً أن هذا من قبيل "التعددية" و"التنوع" المحمود!
وخير مثال لهؤلاء: الدكتور محمد سليم العوا الذي ألف كتاباً سماه "التعددية في الإسلام" أقر فيه الاختلاف بين الفرق المنتسبة للإسلام، وسوغ لها انحرافها عن الحق بالدعاوى السابقة، ورد حديث "الافتراق" ثم قال (ص 28): (فالأخوة الذين يعولون عليه في رفض التعددية، أو في تعداد الفرق الإسلامية عليهم أن يرجعوا إلى أهل الرواية؛ حتى يقفوا على مدى صحته)! وأهل الرواية عنده هم محمد عمارة!! الذي نقل تكذيبه للحديث.
وعمارة والعوا وأضرابهما ممن لم يتشربوا العقيدة الصحيحة التي توضح لهم الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية لله عز وجل -كما سيأتي- يقعون حتمًا في هذا الخلل العقدي الخطير.
لكن ما بال من تلقى العقيدة السلفية الصافية منذ نعومة أظفاره يتابع هؤلاء على انحرافهم ، ويقع فيما وقعوا فيه ؟!
فها هو الأستاذ إبراهيم البليهي – هداه الله - في مؤتمر الحوار الوطني الأخير يثني على هذا الاختلاف بين المسلمين ويسوغه ، ويزعم أنه "هو علة وجودهم" كما يقول! ويحمل على هذا الفهم الباطل قوله تعالى (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم).
وها هو الأستاذ محمد المحمود الكاتب بجريدة الرياض ( 5/6/1425) يكتب مقالاً إنشائيًا بعنوان "مسائل الخلاف : شرعية مع وقف التنفيذ " ، يقول عن الخلاف بين الأمة ( فكذلك ينبغي أن يدوم ويعمم بأقصى درجة ممكنة ) !! ثم يدعو إلى السماح بتطبيق كل خلاف مهما كان على أرض الواقع ! وفاته أن نهاية هذه الدعوة ستؤول إلى الزندقة والتنصل من أحكام الشريعة ، لكن بأسلوب يُزعم له أنه شرعي ! كما قال الشاعر الماجن :
فاشرب ولط وازن وقامر واحتجج *** في كـل مسـألـة بقول إمـام !
يعني بذلك : شرب النبيذ وعدم الحد في اللواط على رأي أبي حنيفة ، والوطء في الدبر على ما يُعزى لمالك ، ولعب الشطرنج على رأي الشافعي .
كيف أتي هؤلاء ؟!
لقد أُتُوا من عدم تفريقهم بين إرادة الله الكونية التي لا تستلزم الرضا والحب، وبين إرادته الشرعية التي تستلزم ذلك .
فالكفر والمعاصي –مثلاً- واقعة بإرادته سبحانه الكونية، ولا يستلزم ذلك محبته لها ورضاه عنها، بخلاف الإيمان والعمل الصالح فهي واقعة بإرادته الكونية، وهو مريد لها شرعاً بما يستلزم محبته ورضاه عنها.
والقرآن قد وردت فيه آيات كثيرة تدل على كل واحدة من الإرادتين والمشيئتين.
فمن آيات الإرادة الكونية قوله تعالى (وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له).
ومن آيات الإرادة الشرعية قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إن الإرادة في كتاب الله نوعان : إرادة شرعية دينية تتضمن محبته ورضاه ، وإرادة كونية قدرية تتضمن خلقه وتقديره ) . ( المنهاج 7 /72) .
وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ص 79): (المحققون من أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة قدرية كونية خَلقية، وإرادة دينية أمرية شرعية.
فالإرادة الشرعية: هي المتضمنة للمحبة والرضى.
والكونية: هي المشيئة الشاملة لجميع الحوادث).
فهؤلاء المفكرون عندما رأوا أن الله قد أراد هذا الاختلاف والتفرق بين البشر كوناً وقدراً ظنوا أن هذا مما يحبه الله ويرضاه! فرضوا به وسوغوه ، فيلزمهم على هذا تسويغ الكفر والمعاصي والرضا بها وعدم إنكارها !! لأنها واقعة بإرادة الله.
ولو فرقوا بين الإرادتين لما وقعوا فيما وقعوا فيه، ولعلموا أن وقوع الاختلاف والتفرق بين البشر كوناً وقدراً لا يستلزم الرضا به ومحبته وتسويغه ، بل هو مما يبغضه الله سبحانه وتعالى ويأمر عباده بإنكاره وعدم الوقوع فيه –كما سيأتي إن شاء الله-.
فقوله تعالى ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) أي أراد بإرادته الكونية أن لا يقسر الناس على الايمان قسرًا ، بل جعل لهم مشيئة وإرادة ، ليكون الناس بعد ذلك فريقين : فريقًا للاختلاف وفريقًا للرحمة ، وهذا ما عناه بعض المفسرين عندما قال : " وللاختلاف خلقهم " .
وليس معناها كما يظن عمارة ومن معه أن الله أذن لهم بالاختلاف ورضيه !
قال الطبري: (إن الله جل ذكره ذكر صنفين من خلقه: أحدهما أهل اختلاف وباطل، والآخر أهل حق، ثم عقب ذلك بقوله (ولذلك خلقهم) فعم بقوله (ولذلك خلقهم) صفة الصنفين؛ فأخبر عن كل فريق منهما أنه ميسر لما خلق له.
فإن قال قائل: فإن كان تأويل ذلك كما ذكرت، فقد ينبغي أن يكون المختلفين غير ملومين على اختلافهم إذ كان لذلك خلقهم ربهم، وأن يكون المتمتعون هم الملومين ؟
قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ، وإنما معنى الكلام: ولا يزال الناس مختلفين بالباطل من أديانهم ومللهم؛ إلا من رحم ربك فهداه للحق، ولعلمه وعلى علمه النافذ فيهم قبل أن يخلقهم أنه يكون فيهم المؤمن والكفار والتقي والسعيد). (15/537-538).
وسئل مالك عن قول الله (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) قال: خلقهم ليكونوا فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير (الطبري: 15/536).
وقال ابن حزم: (قد نص الله تعالى على الاختلاف ليس من عنده، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يرض به؛ وإنما أراده تعالى إرادة كون، كما أراد كون الكفر وسائر المعاصي). (الإحكام في أصول الأحكام، 5/64).
وينتج عن هذا: أن لا يروا بأساً في تفرق المسلمين واختلافهم على مذاهب وفرق شتى، بل هذا عندهم من باب "التنوع" و"التعددية" اللذين يثريان الحياة الإسلامية ويزيدانها بهاء !
فتجد أحدهم يفتخر بوجود الفرق البدعية والمنحرفة في تاريخ المسلمين ، ويعد هذا دليلاً على تسامح المسلمين وقبولهم "الرأي الآخر" !
ولم يكتف بعض غلاتهم بتسويغ الاختلاف بين المسلمين، حتى ذهب يسوغ اختلاف الكافرين، ويعده –أيضاً- من باب "التعددية" التي يحبها الله عز وجل ويرضاها لعباده !! فعنده أن اليهودية والنصرانية وغيرها شرائع صحيحة ومتنوعة، جميعها موصلة إلى الله عز وجل، لا فرق بينها عنده !
فها هو من يسمى المفكر الإسلامي ! محمد عمارة يؤلف كتاباً بعنوان "الإسلام والتعددية" يقول فيه (ص 9): (وفي إطار تعددية الشرائع تحت جامع الدين الواحد جاء الحديث في القرآن الكريم عن نجاة أصحاب الشرائع المتعددة إذا هم جمعتهم جميعاً أصول:
1- الإيمان بالألوهية الواحدة.
2- والإيمان باليوم الآخر والبعث والحساب والجزاء .
3- والعمل الصالح في الحياة الدنيا.
(إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) !!
نعوذ بالله من الكفر والضلال.
ففي هذا القول من هذا المفكر الجاهل إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة من تكفير كل من لم يدن بدين الإسلام بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم؛ كما قال سبحانه (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين) وقال (إن الدين عند الله الإسلام) وقال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
قال شيخ الإسلام –رحمه الله-: "فمن لم يقر باطناً وظاهراً بأن الله لا يقبل ديناً سوى الإسلام فليس بمسلم، ومن لم يقر بأن بعد مبعث محمد صلى الله عليه وسلم ليس مسلم إلا من آمن به واتبعه باطناً وظاهراً فليس بمسلم، ومن لم يُحَرم التدين بعد مبعثه صلى الله عليه وسلم بدين اليهود والنصارى، بل من لم يكفرهم ويبغضهم فليس بمسلم باتفاق المسلمين" (الفتاوى 27/463-464).
وليس المقام مقام إيراد جميع الأدلة القاضية بكفر اليهود والنصارى. ( انظر : محمد عمارة في الميزان ) .
أما الآية التي استدل بها عمارة لترويج باطله فهي (تتناول من كان قبل بعثة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحسب، قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله: "إن هذا إخبار عنهم قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم " ) . (انظر : دعوة التقريب، للدكتور أحمد القاضي 1/49-50) .
هذا عن عمارة: أما غيره فقد كان أقل جرأة وتقحماً للضلال منه ؛ لعلمه بخطورة تصحيح أديان الكفار ومذاهبهم ، فاكتفى بتسويغ الخلاف بين الفرق الإسلامية المتنوعة، مدعياً أن هذا من قبيل "التعددية" و"التنوع" المحمود!
وخير مثال لهؤلاء: الدكتور محمد سليم العوا الذي ألف كتاباً سماه "التعددية في الإسلام" أقر فيه الاختلاف بين الفرق المنتسبة للإسلام، وسوغ لها انحرافها عن الحق بالدعاوى السابقة، ورد حديث "الافتراق" ثم قال (ص 28): (فالأخوة الذين يعولون عليه في رفض التعددية، أو في تعداد الفرق الإسلامية عليهم أن يرجعوا إلى أهل الرواية؛ حتى يقفوا على مدى صحته)! وأهل الرواية عنده هم محمد عمارة!! الذي نقل تكذيبه للحديث.
وعمارة والعوا وأضرابهما ممن لم يتشربوا العقيدة الصحيحة التي توضح لهم الفرق بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية لله عز وجل -كما سيأتي- يقعون حتمًا في هذا الخلل العقدي الخطير.
لكن ما بال من تلقى العقيدة السلفية الصافية منذ نعومة أظفاره يتابع هؤلاء على انحرافهم ، ويقع فيما وقعوا فيه ؟!
فها هو الأستاذ إبراهيم البليهي – هداه الله - في مؤتمر الحوار الوطني الأخير يثني على هذا الاختلاف بين المسلمين ويسوغه ، ويزعم أنه "هو علة وجودهم" كما يقول! ويحمل على هذا الفهم الباطل قوله تعالى (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم).
وها هو الأستاذ محمد المحمود الكاتب بجريدة الرياض ( 5/6/1425) يكتب مقالاً إنشائيًا بعنوان "مسائل الخلاف : شرعية مع وقف التنفيذ " ، يقول عن الخلاف بين الأمة ( فكذلك ينبغي أن يدوم ويعمم بأقصى درجة ممكنة ) !! ثم يدعو إلى السماح بتطبيق كل خلاف مهما كان على أرض الواقع ! وفاته أن نهاية هذه الدعوة ستؤول إلى الزندقة والتنصل من أحكام الشريعة ، لكن بأسلوب يُزعم له أنه شرعي ! كما قال الشاعر الماجن :
فاشرب ولط وازن وقامر واحتجج *** في كـل مسـألـة بقول إمـام !
يعني بذلك : شرب النبيذ وعدم الحد في اللواط على رأي أبي حنيفة ، والوطء في الدبر على ما يُعزى لمالك ، ولعب الشطرنج على رأي الشافعي .
كيف أتي هؤلاء ؟!
لقد أُتُوا من عدم تفريقهم بين إرادة الله الكونية التي لا تستلزم الرضا والحب، وبين إرادته الشرعية التي تستلزم ذلك .
فالكفر والمعاصي –مثلاً- واقعة بإرادته سبحانه الكونية، ولا يستلزم ذلك محبته لها ورضاه عنها، بخلاف الإيمان والعمل الصالح فهي واقعة بإرادته الكونية، وهو مريد لها شرعاً بما يستلزم محبته ورضاه عنها.
والقرآن قد وردت فيه آيات كثيرة تدل على كل واحدة من الإرادتين والمشيئتين.
فمن آيات الإرادة الكونية قوله تعالى (وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له).
ومن آيات الإرادة الشرعية قوله تعالى (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( إن الإرادة في كتاب الله نوعان : إرادة شرعية دينية تتضمن محبته ورضاه ، وإرادة كونية قدرية تتضمن خلقه وتقديره ) . ( المنهاج 7 /72) .
وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية (ص 79): (المحققون من أهل السنة يقولون: الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة قدرية كونية خَلقية، وإرادة دينية أمرية شرعية.
فالإرادة الشرعية: هي المتضمنة للمحبة والرضى.
والكونية: هي المشيئة الشاملة لجميع الحوادث).
فهؤلاء المفكرون عندما رأوا أن الله قد أراد هذا الاختلاف والتفرق بين البشر كوناً وقدراً ظنوا أن هذا مما يحبه الله ويرضاه! فرضوا به وسوغوه ، فيلزمهم على هذا تسويغ الكفر والمعاصي والرضا بها وعدم إنكارها !! لأنها واقعة بإرادة الله.
ولو فرقوا بين الإرادتين لما وقعوا فيما وقعوا فيه، ولعلموا أن وقوع الاختلاف والتفرق بين البشر كوناً وقدراً لا يستلزم الرضا به ومحبته وتسويغه ، بل هو مما يبغضه الله سبحانه وتعالى ويأمر عباده بإنكاره وعدم الوقوع فيه –كما سيأتي إن شاء الله-.
فقوله تعالى ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) أي أراد بإرادته الكونية أن لا يقسر الناس على الايمان قسرًا ، بل جعل لهم مشيئة وإرادة ، ليكون الناس بعد ذلك فريقين : فريقًا للاختلاف وفريقًا للرحمة ، وهذا ما عناه بعض المفسرين عندما قال : " وللاختلاف خلقهم " .
وليس معناها كما يظن عمارة ومن معه أن الله أذن لهم بالاختلاف ورضيه !
قال الطبري: (إن الله جل ذكره ذكر صنفين من خلقه: أحدهما أهل اختلاف وباطل، والآخر أهل حق، ثم عقب ذلك بقوله (ولذلك خلقهم) فعم بقوله (ولذلك خلقهم) صفة الصنفين؛ فأخبر عن كل فريق منهما أنه ميسر لما خلق له.
فإن قال قائل: فإن كان تأويل ذلك كما ذكرت، فقد ينبغي أن يكون المختلفين غير ملومين على اختلافهم إذ كان لذلك خلقهم ربهم، وأن يكون المتمتعون هم الملومين ؟
قيل: إن معنى ذلك بخلاف ما إليه ذهبتَ، وإنما معنى الكلام: ولا يزال الناس مختلفين بالباطل من أديانهم ومللهم؛ إلا من رحم ربك فهداه للحق، ولعلمه وعلى علمه النافذ فيهم قبل أن يخلقهم أنه يكون فيهم المؤمن والكفار والتقي والسعيد). (15/537-538).
وسئل مالك عن قول الله (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم) قال: خلقهم ليكونوا فريقين: فريق في الجنة وفريق في السعير (الطبري: 15/536).
وقال ابن حزم: (قد نص الله تعالى على الاختلاف ليس من عنده، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يرض به؛ وإنما أراده تعالى إرادة كون، كما أراد كون الكفر وسائر المعاصي). (الإحكام في أصول الأحكام، 5/64).
عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 30.07.08 23:17 عدل 2 مرات