خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    تهذيب سلوك المتعلمين عند السلف

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية تهذيب سلوك المتعلمين عند السلف

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 05.08.09 17:05

    تهذيب سلوك المتعلمين عند السلف
    فاصل

    الوسائل التربوية التي استخدمها السلف في تهذيب سلوك المتعلمين0

    تزخر بطون الكتب والمؤلفات لسلفنا الصالح - رحمهم الله تعالى - بالتوجيهات، والإرشادات، والنصائح، والتوصيات للطلاب والمتعلمين- وفي قوالب شتى:

    فتارة
    تكون عبارة عن نصائح عامة في المجالس والدروس0

    وتارة
    تكون عبارة عن توجيهات ونصائح خاصة؛ يخص بها العالم تلميذه؛ إذا أحسّ منه الرغبة الصادقة والتفاني الكبير في خدمة العلم والتحصيل؛

    كما كان يفعل شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى- مع تلميذه الفذ ابن قيّم الجوزية- رحمه الله تعالى-

    قال العلامة الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد
    في كتابه القيّم:[ ابن قيّم الجوزية- حياته- آثاره- موارده] قال:

    ( ولما أحسّ الشيخ من تلميذه الرغبة الصادقة والتفاني الكبير في حدمة العلم والتحصيل صار يتعاهده بألوان من النصائح والتوجيهات مما يصقل مواهبه ويزيد في رسوخه وثباته0
    وهذه الدرر من التوجيهات والتوصيات يذكرها ابن القيّم في ثنايا كتبه لمناسبات لها00))ا0هـ0

    ومن الوسائل أيضا:
    تخصيص النصيحة والتوجيه بالتأليف والتصنيف، كما فعل الحارث المحاسبي في [كتاب النصائح]،
    وأبو الوليد الباجي في كتابه [ النصيحة الولدية]،
    والإمام ابن الجوزي في[لفتة الكبد في نصيحة الولد]0

    ومنها أيضا
    تحذير الطلاب والتلاميذ من بعض الكتب والمؤلفات، وبعض الردود الواهيات0

    ومن الوسائل كذلك:
    الإعراض، والإنكار والزجر، وربما الطرد والإبعاد من المجلس0

    البسملة
    وفيما يلي بعض الأمثلة والنقولات لكل وسيلة من تلك الوسائل:


    أولا: بعض الأمثلة والنقولات للنصائح العامّة في المجالس والدروس0

    1- عن العلاء بن المسيّب عن أبيه قال: قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- :
    (( تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والحلم، وتواضعوا لمن تعلّمون، وتواضعوا لمن تعلّمون منه
    ولا تكونوا جبابرة العلماء؛ فلا يقوم علمكم بجهلكم))0

    2- وعن الإمام مالك بن أنس-رحمه الله تعالى- قال:
    (( لا يؤخذ العلم من أربعة، ويؤخذ مما سوى ذلك:
    لا يؤخذ من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه،
    ولا من سفيه معلن بالسّفه وإن كان من أروى الناس،
    ولا من رجل يكذب في أحاديث الناس وإن كنت لا تتهمه أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم،
    ولا من رجل له فضل وصلاح وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدّث،

    قال الحزاميّ: فذكرت ذلك لمطرّف بن عبدالله فقال:
    ما أدري ما تقول، غير أني أشهد لسمعت مالكا يقول:

    أدركت ببلدنا هذا-يعني المدينة- مشيخة لهم فضل وصلاح وعبادة، يحدّثون، فما كتبت عن أحد منهم حديثا قط0
    قلت : لم يا أبا عبدالله0
    قال : لأنهم لم يكونوا يعرفون ما يحدّثون،
    قال: وقال مالك : كنا نزدحم على باب ابن شهاب))0

    3- وقال القاضي أبو يوسف-صاحب أبي حنيفة- رحمهم الله تعالى:
    (( يا قوم أريدوا بعلمكم الله تعالى، فإني لم أجلس مجلسا قط أنوي فيه أن أتواضع؛ إلا لم أقم حتى أعلوهم
    ، ولم أجلس مجلسا قط أنوي فيه أن أعلوهم؛ إلا لم أقم حتى أفتضح، والعلم عبادة من العبادات وقربة من القرب))0

    4- وقال ابن القيّم-رحمه الله تعالى- في مفتاح دار السعادة:
    (( وكان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: من فارق الدليل ضلّ السبيل، ولا دليل إلاّ بما جاء به الرسول))0

    يتبع إن شاء الله تعالى0
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تهذيب سلوك المتعلمين عند السلف

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 05.08.09 17:09


    ثانيا:
    بعض الأمثلة والنقولات؛ لبعض النصائح والتوجيهات التي خصّ بها بعض العلماء والمعلمين بعض تلاميذهم:

    1- قال ابن القيّم -رحمه الله تعالى-
    في كتابه: مفتاح دار السعادة0قال:
    (( وقال لي شيخ الإسلام - رضي الله عنه - وقد جعلت أورد عليه إيرادا بعد إيراد:
    (( لا تجعل قلبك للإرادات والشبهات مثل السّفنجة، فيتشرّبها، فلا ينضح إلاّ بها، ولكن اجعله كالزّججة المصمتة تمرّ الشبهات بظاهرها، ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه، ويدفعها بصلابته، وإلاّ فإذا أشربت قلبك كلّّ شبهة تمرّ عليها صار قلبك مقرّا للشبهات))، أو كما قال0 فما أعلم أنّي انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك))(

    2- وقال أيضا - رحمه الله تعالى - في مدارج السالكين:
    ((ومن تجريبات السالكين، التي جرّبوها فألفوه صحيحة: أن من أدمن(( ياحي ياقيوم لا إله إلا أنت)) أورثه ذلك حياة القلب والعقل0

    وكان شيخ الإسلام ابن تيمية - قدّس الله روحه - شديد اللهج بهما جدا0 وقال لي يوما: لهذين الإسمين - وهما((الحي القيوم)) - تأثير عظيم في حياة القلب0 وكان يشير إلى أنهما الإسم الأسم الأعظم0وسمعته يقول: من واظب على أربعين مرّة كلّ يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر (( يا حي يا قيوم0 لا إله إلإ أنت برحمتك أستغيث)) حصلت له حياة القلب، ولم يمت قلبه))0

    3- وقال- رحمه الله تعالى - في نفس الكتاب أيضا:
    (( وقال لي يوما شيخ الإسلام ابن تيمية- قدّس الله روحه - في شيء من المباح: هذا ينافي المراتب العالية، وإن لم يكن تركه شرطا في النجاة أو نحو هذا الكلام))0

    4- وقال -رحمه الله تعالى- في المدارج أيضا:
    (( قال لي شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - مرّة: العوارض والمحن هي كالحر والبرد0
    فإذا علم العبد أنه لا بدّ منهما لم يغضب لورودهما، ولم يغتم لذلك ولم يحزن))0


    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــ

    المصادر والمراجع لما سبق من الوسائل:

    1-ابن قيّم الجوزية0 حياته0 آثاره0 موارده0 للعلامة بكر بن عبدالله أبو زيد0

    2- الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي0

    3- المحدّث الفاصل بين الراوي والواعي للقاضي الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي0

    4- تذكرة السامع والمتكلم لابن جماعة0

    5- مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية أهل العلم والإرادة لابن قيّم الجوزية0

    6- مدارج السالكين بين إيّاك نعبد وإيّاك نستعين لابن القيّم0
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تهذيب سلوك المتعلمين عند السلف

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 05.08.09 17:14

    ثالثا:
    تخصيص النصيحة والتوجيهات بالتأليف والتصنيف، وذكر بعض المقتطفات من هذه المؤلفات0

    سبق أن ذكرنا أمثلة لهذه المؤلفات، وها نحن نشرع في ذكر بعض مقتطفات منها:

    1- كتاب النصائح لأبي عبدالله الحارث بن أسد المحاسبي البصري المتوفي ببغداد سنة[243هـ]0

    قال المؤلف-رحمه الله تعالى- في المقدمة، بعد أن حمد الله وأثنى عليه، وصلّى على رسوله-صلى الله عليه وسلم- قال:

    ((أما بعد0
    فقد انتهى إلينا((أن هذه الأمّة تفترق على بضع وسبعين فرقة: منها فرقة ناجية))، والله أ‘لم بسائرها؛ فلم أزل برهة من عمري أنظر اختلاف الأمّة، وألتمس المنهاج الواضح والسبيل القاصد، وأطلب من العلم والعمل وأستدل على طريق الأخرة بإرشاد العلماء، وعقلت كثيرا من كلام الله عز وجل بتأويل الفقهاء، وتدبرت أحوال الأمّة، ونظرت في مذاهبها وأقاويلها فعلقت من ذلك ما قدر لي، ورأيت كلّ صنف منهم يزعم النجاة في تبعهم، وأن الهالك من خالفهم، ثم رأيت الناس أصنافا:

    فمنهم العالم بأمر الآخرة؛ لقاؤه عسير، ووجوده عزيز0 ومنهم الجاهل فالبعد عنه غنيمة0
    ومنهم المتشبه بالعلماء، مشغوف بدنياه مؤثر لها0
    ومنهم: حامل علم لا يعلم تأويل ما حمل0
    ومنهم: متشبه بالنساك متّجر بالخير لا غناء عنده ولا بقاء لعلمه ولا معتمد على رأيه0
    ومنهم: منسوب إلى العقل والدهاء، مفقود الورع، والتقى000

    فتفقدت في الأصناف نفسي، وضقت بذلك ذرعا، فقصدت إلى هدى الهتدين بطلب السداد والهدى، واسترشدت بالعلم، وأعملت الفكر00 وأطلت النظر00

    فتبين لي في كتاب الله تعالى وسنة نبيه، وإجماع الأمّة أن اتباع الهوى يعمي عن الرشد، ويضل عن الحق، ويطيل المكث في العمى، فبدأت بإسقاط الهوى عن قلبي، ووقفت عند اختلاف الأمّة مرتادا أطلب الفرقة الناجية00

    حذرا من الأهواء المردية00 والفرقة<1> الهالكة، متحرزا من الإقتحام00 قبل البيان، وألتمس سبيل النجاة لمهجة نفسي0

    ثم وجدت بإجماع الأمّة في كتاب الله المنزل أن سبيل النجاة في التماسها بتقوى الله - تعالى-، وأداء فرائضه، والورع في حلاله وحرامه00 وجميع حدوده00 والإخلاص لله تعالى بطاعته00 والتأسّي برسوله صلى الله عليه وسلم00))

    وقال في موضع آخر:(( إخواني:اعلموا أن الكلام كثير، وفنون العلم غير محدودة، وخير القول ما ابتغي به وجه الله تعالى، وأفضل العلم ما عمل به لوجه الله تعالى، فأنصتوا لما سألتم عنه، بآذان واعية، وأفئدة حاضرة، وقلوب فهمة لخزائن العلم محتملة، وعلى العلم مضمرة، وبالعلم بالله عالمة عاملة،، وفقنا الله وإيّاكم لذلك0

    فأما ما سألتم عنه من أحوال قوم عملوا بالبر جميعا بالسواء، وبعضهم عند الله أعلى، وأوزن أعمالا من بعض، لقد بحثتم عن علم كبير، ووصف كثير، وتفاوت بين العباد بعيد، وسأصف بعض أحوالهم بمنّ الله وإرشاده ذلك أنهم تفاضلوا بالعلم، وحسن النية، وصدق اللسان، والورع، فإن للأعمال حدودا وعلى العامل فيها شروطا، والعبد إذا كان جاهلا بحدود أعمال، أو آداب الدين لم يتوجه لتحري مسرات الله تعالى ولا لإجابة الحق في عمله، ولا في ن، وكذلك إذا جهل أدواء النفوس، ومكائد الشيطان000،

    وساصف لكم بمنّ الله تعالى، جواهر من الآداب، وحسن النية، والتحري لمسرات الله عز وجل، فاعتقدوها في السرائر، واجعلوها أساسا، وابنوا عليها أعمال البرّ، ففيها الحزم، والفضل العظيم، ويؤخذ عنها عند تحصيل ما في الصدور000))0

    وقال أيضا رحمه الله تعالى: ((إخواني: إذا رأيتم الناس يبدون ما عندهم من العلم، وفي ذلك يزدري بعضهم على بعض وقلوبهم متنافرة، والنفوس متباينة فأسروا أموركم بمجهودكم، وكونوا للشهرة والجدال مبغضين، ولخمول الذكر محبين وبالوحدة والإنفراد آنسين000

    ؛فليس من أحد بخطيئة إلا والله يسأله عنها ما أراد بها0000

    فإني أوصيكم متى أظهرتم من العلم شيئا فأريدوا به وجه الله - تعالى- وتذاكروا منه بقدر الحاجة إلى بيانه للمريدين خشية الخروج من كتمانه، فقد كانت المساءلة تقع في عهد السلف-رضي الله عنهم- فيود كل امرىء منهم أنّ أخاه كفاه الجواب، وكان الرجل منهم يعلم العلم الكثير ويفقه الفقه الكثير وما يعلم به جاره0

    000وبعد فإن أظهر أحدكم أمره، وأبدى علمه فنسب إلى الجهل والخطأ لم يؤمن عليه الأنفة والإمتعاض والحقد، فإن استحيسنوا قوله قوله لم يؤمن عليه الفتنة والتزين والإعجاب، وإن قال بغير علم لم يؤمن عليه الجرح، وإن تكلّف القول لم يؤمن عليه الأنفة أن ينسب إلى الجهل، فالله عز وجل لا يحبّ المتكلفين0

    وبعد فأنّى لك السلامة مع الصمت وخمول الذكر فكيف إذا نصّبت نفسك عالما يشار إليك وتطاع، ويغدى ويراح إليك، ويقبل قولك ويصدر عن رأيك ويرضى لرضاك ويغضب لغضبك، وعساك تفرّط في بغض المخالفين لك وتفرّط في حبّ الموافقين لك وعلاّم الغيوب مطلع على جولان الضمير فيا لها من فتنة ما أعظمها على العبد إلاّ من عصمه الله !، فهذا فضل ما بين الرجلين0 أحدهما يظهر ما عنده من العلم ويتعرض لأنواع افتن فإما سلامة وإما عطب !0


    والآخر يكتم شأنه فسلم بمنّ الله وعصمته0وبعد فإن قاال قائل إن تركنا مدارسة العلم ولم ننظر فيما يقع من المسائل أوشك أن يندرس العلم، فقولوا له: إن الأمّة لم تضطر إلى أمثالنا ونحن بحمد الله في دهر كثير خطباؤه وفيك بحمد الله وفيمن يظهر ما عنده كفاية تبوحون بالعلم رغبة في الثواب ومنافسة في العلو والرفعة وعساكم تغارون كما تغار النساء، ولو أن طلاب العلم محبوسون في السجون لتخلصوا إلى الوصول إلى بغيتهم من إظهار العلم للعلو في الدنيا والرياسة فيها0

    وبعد فإن في التأسّي بالسلف الصالح قدوة؛ فإنهم رغبوا في خمول الذكر وآثروا كتمان شأنهم فهم القادة فكيف بمن هو منقوص والعلم مسجون بالتزين والإعجاب0

    إخواني:
    فعليكم بالستر وإخمال الذكر فإن المظهرين للعلم كثير؛ فمن راغب في الثواب ومن متعرّض للعقاب))0

    2- [ النصيحة الولدية] وصية أبي الوليد الباجي لولديه0

    قال أبو الوليد الباجي في مقدمة الكتاب: (( يابنيّ هداكما الله وأرشدكما ووفقكما وعصمكما، وتفضّل عليكما بخير الدنيا والآخرة، ووقاكما محذورهما برحمته0 إنكما لمّا بلغتما الحدّ الذي قرب فيه تعيّن الفروض عليكما، وتوجّه التكليف إليكما، وتحقّقت أنكما قد بلغتما حدّ من يفهم الوعظ، ويتبين الرشد، ويصلح للتعليم والعلم، لزمني أن أقدّم إليكما وصيتي، وأظهر إليكما نصحتي، مخافة أن تخترمني منيّة ولم أبلغ مباشرة تعليمكما وتدريبكما وإرشادكما وتفهيمكما، فإن أنسأ الله تعالى في الأجل، فسيكثر النصح والتعليم والإرشاد والتفهيم، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون، بيده قلوبكما ونواصيكما،
    وإن حال بيني وبين ذلك ما أتوقّعه وأظنّه من اقتراب الأجل، وانقطاع الأمل ففيما أرسمه من وصيتي وأبيّنه من نصيحتي ما إن عملتا به، ثبتّما على منهاج السلف الصالح، وفزتما بالمتجر الرابح، ونلتما خير الدنيا والآخرة، وأستودع الله دينكما ودنياكما، وأستحفظه معاشكما ومعادكما، وأفوّض إليه جميع أحوالكما، وهو حسبي فيكما ونعم الوكيل))0

    ثم قال في موضع آخر، بعد ذكر بعض فرائض الإسلام، وحثّهم على الإستمساك بها والمحافظة عليها0 قال: ((00 فهذه عمد فرائض الإسلام، وأركان الإيمان، حافظا عليها وسابقا إليها، تحوزا الخير العظيم، وتفوزا بالأجر الجسيم، ولا تضيعا حقوق الله فيها وأوامره بها، فتهلكا مع الخاسرين، وتندما مع المفرّطين0

    واعلما أنكما إنما تصلان إلى أداء هذه الفرائض والإتيان بما يلزمكما منها مع توفيق الله لكما بالعلم الذي هو أصل كل خير، وبه يتوصّل إلى البر، فعليكما بطلبه؛ فإنه غنى لطالبه، وعزّ لحامله، وهو – مع هذا- السبب الأعظم إلى الآخرة0 به تجتنب الشبهات، وتصحّ القربات، فكم من عامل يبعده عمله من ربّه، ويكتب ما يتقرب به من أكبر ذنبه0 قال تعالى: (( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا# الّذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعا))0

    وقال تعالى: (( قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولوا الألباب))0
    وقال تعالى: (( إنّما يخشى الله من عباده العلماء))0
    وقال تعالى: (( يرفع الله الّذين آمنوا منكم والّذين أتوا العلم درجات))0
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تهذيب سلوك المتعلمين عند السلف

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 05.08.09 17:18

    والعلم سبيل لا يفضي بصاحبه إلاّ إلى السعادة، ولا يقصر به عن درجة الرفعة والكرامة

    0قليله ينفع، وكثيره يعلي ويرفع،

    كنز يزكو على كلّ حال، ويكثر مع الإنفاق، ولا يغصبه غاصب، ولا يخاف عليه سارق ولا محارب0

    فاجتهدا في طلبه، واسنعذبا التعب في حفظه، والسهر في درسه، والنصب الطويل في جمعه، وواظبا على تقييده وروايته، ثم انتقلا إلى فهمه ودرايته0

    وانظرا أيّ حالة من أحوال طبقات الناس تختاران، ومنزلة أيّ صنف منهم تؤثران0 هل تريان أحدا أرفع حالا من العلماء، وأفضل منزلة من الفقهاء؟

    يحتاج إليهم الرئيس والمرؤوس، ويقتدي بهم الوضيع والنفيس، يرجع إلى أقوالهم في أمور الدنيا وأحكامها، وصحة عقودها وبياعاتها، وغير ذلك من تصرّفاتها،

    وإليهم يلجأ في أمور الدين وما يلزم من صلاة وزكاة وصيام وحلال وحرام0 ثم مع ذلك السلامة من التبعات، والخطوة عند جميع الطبقات0


    000 وأفضل العلوم علم الشريعة، وأفضل ذلك لمن وفّق أن يجوّد قراءة القرآن، ويحفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم0 ويعرف صحيحه من سقيمه، ثم يقرأ أصول الفقه، فيتفقّه في الكتاب والسنّة، ثم يقرأ كلام الفقهاء، وما نقل من المسائل عن العلماء، ويدرب في طرق النظر وتصحيح الأدلة والحجج، فهذه الغاية القصوى، والدرجة العليا))0


    وقال أيضا-رحمه الله تعالى-: ( وأيّاكما وقراءة شيء من المنطق وكلام الفلافسة؛ فإن ذلك مبنيّ على الكفر والإلحاد، والبعد عن الشريعة والإبعاد0


    وأحذّركما من قراءتها ما لم تقرآ من كلام العلماء ما تقويان به على فهم فساده وضعف شبهه وقلّة تحقيقه، مخافة أن يسبق إلى قلب أحدكما ما لا يكون عنده من العلم ما يقوى به على ردّه، ولذلك أنكر جماعة من العلماء المتقدمين والمتأخرين قراءة كلامهم لمن لم يكن من أهل المنزلة والمعرفة به؛ خوفا عليهم مما خوفتكما منه0


    ولو كنت أعلم أنكما تبلغان منزلة الميز والمعرفة، والقوّة على النظر والمقدرة، لحضضتكما على قراءته، وأمرتكما بمطالعته، لتحققا ضعفه وضعف المعتقد له، وركاكة المغتر به، وأنه من أقبح المخاريق والتمويهات، ووجوه الحيل والخزبعلات التي يغتر بها من لا يعرفها، ويستعظمها من لا يميزها0


    ولذلك إذا حقق من يعلم عند أحد منهم وجده عاريا من العلم، بعيدا عنه، يدّعي أنّه يكتم علمه، وإنما يكتم جهله، وهو ينمّ عليه، ويروم أن يستعين به، وهو يعين عليه0


    وقد رأيت ببغداد وغيرها من يدّعي منهم هذا الشأن مستحقرا مستهجنا مستضعفا، لا يناظره إلا المبتدئ وكفاك بعلم صاحبه في الدنيا مرموق مهجور، وفي الآخرة مدحور مثبور0 وأما من يتعاطى ذلك من أهل بلدنا، فليس عنده منه إلاّ اسمه، ولا وصل إليه إلاّ ذكره0
    وعليكما بالأمر بالمعروف وكونا من أهله، وانهيا عن المنكر واجتنبا فعله0


    وأطيعا من ولاه الله أمركما، ما لم تدعيا إلى معصية، فيجب أن تمتنعا منها، وتبذلا الطاعة فيما سواها))0


    3- لفتة الكبد في نصيحة الولد للإمام ابن الجوزي0

    قال الإمام ابن الجوزي في مقدمة كتابه بعد أن حمد الله وأثنى عليه0 قال:
    (( أما بعد0ف‘ني لما عرفت شرف النكاح وطلب الأولاد ختمت ختمة وسألت الله تعالى أن يرزقني عشرة أولاد، فرزقنينيهم، فكانوا خمسة ذكور وخمس إناث، فمات من الإناث اثنتان، ومن الذكور أربعة فلم يبقى من الذكور سوى ولدي أبي القاسم فسألت الله تعالى أن يجعل فيه الخلف الصالح، وأن يبلغ به المنى المناجح0

    ثم رأيت منه نوع توان عن الجد في طلب العلم، فكتبت له هذه الرسالة، أحثّه بها وأحركه على سلوك طريقي في كسب العلم،

    وأدلّه على الإلتجاء إلى الموفق- سبحانه وتعالى – مع علمي بأنه لا خاذل لمن وفّق، ولا مرشد لمن أضل،

    لكن قد قال تعالى:
    (( وتواصوا بالحقّ وتواصو بالصّبر))

    وقال:
    (( فذكّر إن نفعت الذّكرى))
    ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم))0

    وقال –رحمه الله تعالى – في موضع آخر من الكتاب:
    (( وانظر يا بنيّ! إلى نفسك عند الحدود فتلمّح كيف حفظك لها، فإنه من راعى روعي، ومن أهمل ترك0

    وإني لأذكر لك بعض أحوالي لعلك تنظر إلى اجتهادي وتسأل الموفق لي فإن أكثر الإنعام علي لم يكن بكسبي، وإنما هو من تدبير اللطيف بي0

    فإني أذكر نفسي ولي همّة عالية وأنا في المكتب ابن ست سنين وأنا قرين الصبيان الكبار، قد رزقت عقلا وافرا في الصغر يزيد على عقل الشيوخ، فما أذكر أني لعبت في الطريق مع الصبيان قط ولا ضحكت ضحكا خارجا0 حتى أني كنت ولي سبع سنين أو نحوها أحضر رحبة الجامع فلا أتخير حلقة مشعبة، بل أطلب المحدث فيتحدّث باليسير، فأحفظ جميع ما أسمعه وأذهب إلى البيت فأكتبه0


    ولقد وفق لي شيخنا أبي الفضل بن ناصر- رحمه الله تعالى – وكان يحملني الشيوخ فأسمعني المسند وغيره من الكتب الكبار، وأنا لا أغلم ما يراد مني، وضبط لي مسموعاتي إلى أن بلغت، فناولني ثبتها، ولازمته إلى أن توفي- رحمه الله تعالى- ، فنلت به معرفة الحديث والنقل0
    ولقد كان الصبيان ينزلون إلى دجلة ويتفرجون على الجسر وأنا في زمن الصغر آخذا جزءا وأقعد حجزة من الناس إلى جانب الرّقة فأتشاغل بالعلم0

    ثم ألهمت الزهد فسردت الصوم وتشاغلت بالتقلل من الطعام وألزمت نفسي الصبر فاستمرت وشمرت ولازمت وعالجت السهر، ولم أقنع بفن من العلوم، بل كنت أسمع الفقه والوعظ والحديث، واتبع الزهاد، ثم قرأت اللغة ولم أترك أحدا ممن يروي ويعظ، ولا غريبا يقدم إلا وأحضره، وأتخيّر الفضائل، وكنت إذا عرض لي أمران أقدم في أغلب الأحوال حق الحق0

    فأحسن الله تدبيري وتربيتي وأجراني على ما هو الأصلح لي ودفع عني الأعداء والحساد ومن يكيدني،[و] هيأ لي أسباب العلم، وبعث إليّ الكتب من حيث لا أحتسب0 ورزقني الفهم وسرعة الحفظ والخط وجودة التصنيف0

    ولم يعوزني شيئا من الدنيا، بل ساق إليّ من الرزق مقدار الكفاية وأزيد، ووضع لي القبول في قلوب الخلق فوق الحد، وأوقع كلامي في نفوسهم فلا يرتابون بصحته، وقد أسلم على يدي نحو مائتين من أهل الذّمة ولقد تاب في مجالسي أكثر من مائة ألف، وقد قطعت أكثر من عشرين ألف سالف مما يتعاناه الجهال0

    ولقد كنت أدور على المشايخ لسماع الحديث فينقطع نفسي من العدو لئلا أسبق، وكنت أصبح وليس لي مأكل، وأمسي وليس لي مأكل، ما أذلني الله لمخلوق قط0 ولكنه ساق رزقي لصيانة عرضي0 ولو شرحت لك أحوالي لطال الشرح0

    وها أنا قد ترى ما آلت حالي إليه، وأنا أجمعه لك في كلمة واحدة هي قوله تعالى: (( واتّقوا الله ويعلمكم الله))0

    وقال أيضا- رحمه الله تعالى-:
    (( فإذا أعدت درسك إلى وقت الضحى الأعلى، فصلّ الضحى ثماني ركعات، ثم تشاغل بمطالعة أو نسخ إلى وقت العصر، ثم عد إلى درسك من بعد العصر إلأى وقت المغرب وصلّ بعد المغرب ركعتين بجزأين، فإذا صليت العشاء فعد على دروسك ثم اضطجع على شقك الأيمن فسبّح ثلاثا وثلاثين، وأحمد ثلاثا وثلاثين، وكبّر أربعا وثلاثين، وقل: ( اللهم قني عذابك يوم تجمع عبادك)00


    وإذا فتحت عينيك من النوم فاعلم أن النفس قد أخذت حظها فقم إلى الوضوء وصلّ في ظلام الليل ما أمكن، واستفتح بركعتين خفيفتين، ثم بعدهما ركعتين بجزأين من القرآن، ثم تعود إلى درس العلم، فإن العلم أفضل من كلّ نافلة))0

    ثم قال- رحمه الله تعالى- :
    (( وعليك بالعزلة فهي أصل كل خير، واحذر من جليس السوء، وليكن جلساؤك الكتب والنظر في سير الكاملين في العلم والعمل، ولا تقنع بالدون،

    فقد قال الشاعر:
    ولم أرى في عيوب الناس عيبا *** كنقص القادرين على التمام0

    واعلم أن العلم يرفع الأرذال
    فقد كان خلق كثير من العلماء لا نسب لهم يذكر ولا صورة تستحسن0

    وكان عطاء بن أبي رباح أسود اللون مستوحش الخلقة،
    وجاء إليه سليمان بن عبدالملك- وهو خليفة ومعه ولده- فجلسوا يسألونه عن المناسك،
    فحدّثهم وهو معرض عنهم بوجهه،

    فقال الخليفة لولديه:
    ( قوما ولا تنيا ولا تكاسلا في طلب العلم، فما أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود)0

    وكان الحسن مولى- أي مملوكا- وابن سيرين- ومكحول- وخلق كثير وإنما شرفوا بالعلم والتقوى))0
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تهذيب سلوك المتعلمين عند السلف

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 05.08.09 17:23

    رابعا:
    تحذير الطلاب والتلاميذ من بعض الكتب والمؤلفات،
    وذكر بعض الأمثلة والنقولات لتحذير العلماء من هذه المؤلفات0

    دأب علمائنا منذ أن ظهرت أول بدعة في الإسلام على إحقاق الحق، وإبطال الباطل، مدافعين بذلك عن دين الله ذابّين عن حياضه، حتى أصبح ستر- أهل الضلالة- منفضحا، ونظامهم متصدعا، وجمعهم متبددا، وصاروا بعد ذلك عبابيد وانفضوا شماطيط0

    ومن هذه الجهود الدفاعية؛
    ما قام به علمائنا قديما وحديثا، من التحذير من كتب أهل البدع والضلال، فما زال- بحمد الله وفضله-في كلّ عصر ومصر من يبين ما حوته تلك الكتب من الضلال والكفر والإنحلال0 ومن هؤلاء العلماء الأفذاذ:

    إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل الشيباني،
    وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والقاضي الحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي، والخطيب البغدادي، والذهبي، وابن كثير، وابن رجب الحنبلي، وابن الجوزي، وابن حجر العسقلاني، وشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب التميمي
    ، وشيخ الإسلام في عصرنا الحاضر الإمام عبدالعزيز بن باز،
    والإمام المحدّث محمد ناصر الدين الألباني
    ، والعالم الرباني محمد بن صالح العثبيمين-رحمهم الله تعالى- وغيرهم كثير في السابق واللاّحق0


    بيد أن هناك بعض من حذّر من صنف آخر من الكتب0صافية المشرب؛ فلا ينبغي أن يلتفت إلى القدح فيها، فهي لأئمة الهدى، والتحذير منها ناشىء من فساد عقيدة المحذِّر، أو من دخول البدعة على منهجه؛ فكم من محذِّرًا- قديما وحديثا- من كتب الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم،، ومن سار على منوالهما من أمثال شيخ الإسلام المجدّد محمد بن عبدالوهاب، والشيخ الإمام المحدّث محمد ناصر الدين الألباني، والشيخ العلاّمة الفقيه إمام العصر عبدالعزيز بن عبدالله بن باز0 وغيرهم، وهؤلاء المحذِّرون من مصنّفات هؤلاء الأئمة من أهل البدع والخرافة فكن أخي القارىء على حذر من تحذيراتهم وتمويهاتهم وتلبيساتهم0


    وقد يقع التحذير من بعض الكتب بسبب اختلاف المشرب الفقهي وهذا أمر فيه سعة، فما ينبغي التعصب والتشنيع على المخالف، وهذا أمر غير المناقشة والمباحثة بالحجّة والبرهان0


    وقد وقع تحذير من بعضهم للسبب المذكور من مصنّفات جليلة ما ينبغي أن يستغنى عنها، ولا يلتفت إلى التحذير منها0
    مثل مصنّف ابن أبي شيبة، ومسند بقي بن مخلد، وكتاب صحيحي السنة لأبي اسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي0


    وقد قام الشيخ رائد صبري ابن أبي علفة، بحصر المصنّفات التي حذًّر منها شيخ الإسلام ابن تيمية في [مجموع الفتاوى] في كتاب أسماه[الإعلام بذكر المصنّفات التي حذَّر منها شيخ الإسلام في كتابه مجموع الفتاوى]، ورتّبها على حروف المعجم0


    وصنّف الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان كتاباً وسمه بـ[ كتب حذَّر منها العلماء]، المجموعة الأولى منه في مجلدين،(( وقد جمع في هذا الكتاب- الفريد في بابه- تتبعاً وصياغةً وإعداداً وتوثيقاً تسمية عشر وأربع مئة كتاب في التوحيد والفقه والتاريخ والإنتحال بعد مقدة موعبة مهمّة000))0


    والآن إلى ذكر بعض الأمثلة للكتب المحذَّر منها، مع ذكر النص الذي وقع فيه التحذير من ذاك الكتاب المحذَّر منه0
    1-[ رسائل إخوان الصفا]0


    قال شيخ الإسلام ابن تيمية في: نقض المنطق: ((00 ومثل كتاب (( رسائل إخوان الصفا)) الذي صنّفه جماعة في دولة بني بويه ببغداد وكانوا من الصابئة المتفلسفة المتحنفة، جمعوا بزعمهم بين دين الصابئة المبدلين، وبين الحنيفيّة، وأتوا بكلام المتفلسفة وبأشياء من الشريعة، وفيه من الكفر والجهل شيء كثير، ومع هذا فإن طائفة من الناس- من بعض أكابر قضاة النواحي- يزعم أنه من كلام جعفر الصادق- وهذا قول زنديق وتشنيع جاهل))0


    وقال عنه الذهبي في السير، في ترجمة الغزالي: ((00وحبِّب إليه إدمان النظر في كتاب <رسائل إخوان الصفا> وهو داءٌ عضال، وَجَرَبٌ مردٍ، وسمٌّ قتّال، ولولا أنّ أبا حامد من كبار الأذكياء، وخيار المخلصين، لتلف0 فالحذار الحذار من هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شبه الأوائل، وإلا وقعتم في الحَيرَةِ))0


    2- [عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب لابن عربي الصوفي]0


    قال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله تعالى- في نقض المنطق: ((00 فلهذا تجد عامة مَن في دينه فساد يدخل في الأكاذيب الكونية، مثل أهل الإتحاد0 فإنّ ابن عربي-في كتاب (( عنقاء مغرب)) وغيره- أخبر بمستقبلات كثيرة، عامتها كذب، وكذلك ابن سبعين، وكذلك الذين استخرجوا مدّة بقاء هذه الأمّة من حساب الجمل من حروف المعجم الذي ورثوه من اليهود، ومن حركات الكواكب الذي ورثوه من الصابئة، كما فعل أبو نصر الكندي وغيره من الفلافسة، وكما فعل بعض من تكلم في تفسير القرآن من أصحاب الرازي، ومن تكلم في تأويل وقائع النسّاك من المائلين إلى التّشيع0


    وقد رأيت من أتباع هؤلاء طوائف يدّعون أنّ هذه الأمور من الأسرار المخزونة والعلوم المصونة، وخاطبت في ذلك طوائف منهم، وكنت أحلف لهم أنّ هذا كذب مفترى، وأنّه لا يجري من هذه الأمور شيء، وطلبت مباهلة بعضهم؛ لأنّ ذلك كان متعلِّقاً بأصول الدين، وكانوا من الإتحادية الذين يطول وصف دعاويهم))0

    3- [ كتاب الطعن على المحدِّثين لأبي القاسم البلخي]0

    قال القاضي الحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي- رحمه الله تعالى- في المحدِّث الفاصل بين الراوي والواعي0

    قال:
    (( وليس للراوي المجرّد أن يتعرّض لما لا يكمل له، فإنّ تركه ما لا يعنيه أولى به وأعذر له،
    وكذلك سبيل كلّ ذي علم0 وكان حرب ابن اسماعيل السيرجاني قد أكثر السماع وأغفل الإستبصار،
    فعمل رسالة سماها (( السّنّة والجماعة)) تعجرف فيها، واعترض عليها بعض الكتبة من أبناء خراسان ممن يتعاطى الكلام، ويذكر بالرِّياسة فيه والتقدم،

    فصنّف في ثلب رواة الحديث كتاباً تلفظ فيه من كلام يحي بن معين وابن المديني، ومن كتاب التدليس للكرابيسي، وتاريخ ابن أبي خيثمة والبخاري، ما شنع به على جماعة من شيوخ العلم، خلط الغث بالسمين، والموثوق بالظّنين، وادّعى دعاوى لم يضبط أكثرها، ولا عرف وجود التصرف فيها، وتساخف في حكايات أوردها، وروايات أسندها إلى رجال له، ممن لا يعدّ كلامه من عمله، ولا له واعظ يزجره من نفسه، ولو أنصف لأيقن أنّ الغامز على حزبه أكثر، والخلاف الواقع بين كبراء أهل مقالته أوسع، وما يلحق به وبهم من أنواع الشناعة أعظم، ولقاده الإنصاف إلى أن يحكم على نفسه بمثل ما حكم به على خصمه، فإنّه ذكر ابن شهاب الزهري فيمن ذكره، وعيّره بتقليد الأعمال، وأنَّه عزَّر رجلاً فمات، وهو مع هذا القول في ابن شهاب- حامل سيف تارة، وصاحب قلم أخرى، يمضيان على غير مراده، ويعصيان الله في عباده، على أنّ ما حكي عن ابن شهاب نادر شاذ، وأمره حاضر مشاهدة، ولو اقتصر على ما بيّن من دلائل التوحيد، وعظم من شأن الوعيد، لكان كأحد المتكلفين الذين يأمرون ولا يأتمرون، ويقولون ما لا يفعلون، وجدير أن يعقل اللسان عن الخطل، ويقرن العلم بصالح العمل- من كان ذا فهم ثاقب، ولسان بين، ليكون العمل داعياً، والعلم هادياً، واللسان معبِّراً، ولو كان حرب مؤيداً مع الرواية بالفهم لأمسك من عنانه، ودرى ما يخرج من لسانه، ولكنه ترك أولاها، فأمكن من رماها ونسأل الله أن ينفعنا بالعلم، ولا يجعلنا من حملة أسفاره، والأشقياء به، إنّه واسع لطيف قريب مجيب))0

    4- [ كتاب الإسراء والمعراج لأحمد شلبي]0

    من منشورات مكتبة النهضة بالقاهرة، وهو الجزء الثالث مما سماه بـ(( المكتبة الإسلامية المصوّرة لكل الأعمار))0
    زعم المؤلف فيه أنّ كتابه هذا عبارة عن دراسة تصحيح للقضاء على الشطحات والخيال في الإسراء والمعراج؟!

    وفيه- على الحق والحقيقة – تخبيط وتقوّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنكار ما ثبت عنه في الإسراء والمعراج ما لا مزيد عليه في الضلال والإضلال،
    وفيه تقرير رأي الجهمية في إنكار علوّ الله على خلقه واستوائه على عرشه الذي هو فوق جميع المخلوقات؛

    فهو في الحقيقة دراسة إفساد لعقيدة أهل السنة والجماعة فيما يتعلّق بالإسراء والمعراج، وإثبات علوّ الله على خلقه0
    ففيه

    - مثلاً- (ص/19) إنكار صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء في بيت المقدس، وزعم أنّ ذلك من الأمور الشائعة والتصوير المنحرف، مع أنّه ثابت في ذلك عدّة أحاديث بعضها في(( صحيح مسلم))0


    وزعم(ص/21) أنّ القول بركوب النّبي صلى الله عليه وسلم على البراق ليلة الإسراء من الإنحرافات الشائعة !

    وقد ردّ على انحرافات هذه الرسالة الشيخ حمود التويجري- رحمه الله تعالى-
    في كتابه(( السِّراج الوهّج لمحو أباطيل الشلبي عن الإسراء والمعراج))

    ، ووصف فيه(ص22) رسالة الشلبي بقوله:
    (( المملوء بالضلال))،

    وقال في(ص103):
    (( إنّ الشلبي لم يفنِّد في كتيِّبه شيئاً من الإسرائليات، وإنّما فنَّد الأحاديث الثابتة عن النّبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء والمعراج، وإنّما سمّاها الشلبي إسرائليات لمخالفتها لرأيه الفاسد، وتفكيره الخاطىء؛ فهو في الحقيقة يفنِّد أقوال النّبي صلى الله عليه وسلم ويكذِّب أخباره الصادقة، ويجعلها من قبيل الإسرائليات، وهذا عنوان على زيغ قلبه وانتكاسه00))0

    وقال أيضاً- رحمه الله تعالى- (ص115) بعد كلام طويل:
    (( وقد ملأ كتيِّبه المشئوم من هذا التقرير الباطل))0

    وقال أيضاً (ص120) :
    (( إنّ الشطحات والخرافات00 إنّما هي في كلام الشلبي وأمثاله من دعاة الضلال الذين يعارضون الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بآرائهم الفاسدة، وأفكارهم الخاطئة، ولايبالون بردِّها واطراحها، وإلصاق الصفات الذميمة بها، كقول الشلبي في كثير من الأخبار التي جاءت في أحاديث الإسراء والمعراج:

    (( إنّها شطحات وخرافات وأوهام وموضوعات وإسرائليات وانحرافات وآراء شائعة وتصوير مادي محض))

    ، هكذا زعم وافترى، وضلّ عن سبيل الله تعالى، وشاق الرسول صلى الله عليه وسلم، واتبع غير سبيل المؤمنين، وسيحمل أوزار الذين يفترون بخداعه وشبهه وآرائه الفاسدة وسمومه التي نفثها في كتيِّبه المشؤوم))0

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تهذيب سلوك المتعلمين عند السلف

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 05.08.09 17:26

    خامسًا:
    ذكر الأمثلة على الإنكار على التلميذ وزجره، أو الإعراض عنه وإبعاده من المجلس0

    يتطلّب الأمر في بعض المواقف الشِّـدَّة والصرامة مع التلاميذ، وهذه المواقف يحدِّدها المعلِّم أو الشيخ، ويتعامل معها في وقتها؛ وفق ما يراه مناسبًا0

    وإليك بعض الأمثلة والمواقف لهذه الوسيلة:

    1-خبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الرجل الذي كان يسأل عن مشكل القرآن تعنتًا0

    قال القرطبي-رخمه الله تعالى- في أحكام القرآن:
    (( قال أبو بكر الأنباري: حدّثنا عبدالله بن ناجية، حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، حدّثنا مكي بن إبراهيم، حدّثنا الجعيد بن عبدالرحمن، عن يزيد بن حصيفة، عن السائب بن يزيد أنّ رجلاً قال لعمر- رضي الله عنه- إنِّي مررت برجلٍ يسأل عن تفسير مشكل القرآن، فقال عمر- رضي الله عنه-: اللهمّ أمكني منه؛ فدخل الرجل على عمر يومًا وهو لابس ثيابًا وعمامة وعمر يقرأ القرآن، فلما فرغ قام إليه الرجل فقال: يا أمير المؤمنين ما ((الذَاريَاتِ ذَروًا)) فقام عمر فحسر عن ذراعيه وجعل يجلده، ثم قال: ألبسوه ثيابه واحملوه على قتب، وأبلغوا به حيَّه، ثم ليقم خطيبًا فليقل: إنّ صبيغًا طلب العلم فأخطأه، فلم يزل وضيعًا في قومه بعد أن كان سيدًا فيهم))0

    2-جواب الإمام مالك- رحمه الله تعالى- للرجل الذي سأله عن معنى قوله تعالى: (( الرّحمن على العرش استوى))0

    عن جعفر بن عبدالله قال:
    (( جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال: يا أبا عبدالله(( الرّحمن على العرش استوى))0 ( كيف استوى)؟
    قال: فما رأيت(مالكًا) وجد من شيء كوجدته من مقالته وعلاه الرحضاء- يعني العرق- قال: وأطرق القوم جعلوا ينتظرون ما يأتي منه فيه0 قال: فسرِّي عن مالك فقال: الكيف غير معقول والإستواء منه غير مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة، فإنِّي أخاف أن تكون ضالاًّ وأمر به فأخرج0


    3- قصة شيخ الإسلام ابن تيمية، مع تلميذه ابن القيّم، وكيف انتهره؛ عندما دلَّ على مفتٍ أو مذهب0

    قال الإمام ابن القيّم- رحمه الله تعالى-
    في كتابه [ أعلام الموقعين] عند مبحث { دلالة العالم للمستفتي على غيره}0 قال:

    (( الفائدة الخامسة والعشرون: في دلالة العالم للمستفتي على غيره، وهو موضع خطر جدًّا، فلينظر الرجل ما يحدث من ذلك فإنّه متسبب بدلالته إمّا إلى الكذب على الله ورسوله في أحكامه أو القول عليه بلا علم، فهو معين على الإثم والعدوان وإمّا معين على البر والتقوى، فلينظر الإنسان إلى مَن يدل عليه، وليتق الله ربَّه فكان شيخنا قدّس الله روحه شديد التّجنب لذلك، ودللت مرّةً بحضرته على مفتٍ أو مذهب، فانتهرني وقال: مالَكَ وله؟ دَعه، ففهمت من كلامه إنّك لَتَبوء بما عساه يحصل له من الإثم ولمن أفتاه))0

    4- قصة شريك مع بعض أولاد الخليفة المهدي عندما ساء أدبه مع شريك0


    حضر بعض أولاد الخليفة المهدي عند شريك فاستند إلى الحائط، وسأله عن حديث0 فلم يلتفت إليه شريك، ثم عاد، فعاد شريك بمثل ذلك0 قال: تستخف بأولاد الخلفاء0 قال: لا0 ولكن العلم أجلّ عند الله من أن أضيعه، ويروى: العلم أزين عند أهله من أن يضيعوه0

    آخر ما تمّ جمعه من وسائل تهذيب سلوك المتعلمين عند السلف0
    وإلى لقاء قادم مع كنز آخر من كنوز أمّتنا العريقة0

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ

    المصادر والمراجع للوسيلة الثالثة، والرابعة، والخامسة0
    1-الإعلام بذكر المصنّفات التي حذّر منها شيخ الإسلام في كتابه مجموع الفتاوى لرائد ابن صبري أبي علفة0
    2- أعلام الموقعين عن ربّ العالمين لابن قيّم الجوزيّة0
    3- تذكرة السامع والتكلّم لابن جماعة0
    4-الجامع لأحكام القرآن للقرطبي0
    5- سير أعلام النبلاء للذهبي0
    6- شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائيّ0
    7- شرح السنة للبغوي0
    8- كتب حذّر منها العلماء للشيخ أبي عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان0
    9- نقض المنطق لشيخ الإسلام ابن تيميّة0


    والنقل
    http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=15280

      الوقت/التاريخ الآن هو 22.11.24 17:39