تربية الأولاد و أسس تأهيلهم
للشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله تعالى-
للشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله تعالى-
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالتربية الإسلامية تقوم على تحقيق التوازن بين الجانب الروحي والمادي، لكونها مبنية على الواقعين للإنسان، وتنظيم حياته على أساسهما، فليس الإنسان ماديا إلى درجة الخلود في الأرض، والانغماس في الحياة السافلة، والركون إلى الملذات، بل له عالمه الروحي الواسع المتعمق في كيانه، ومن هذا الجانب تميزت التربية الإسلامية عن النظم التربوية الأخرى في إعدادها للإنسان لا للحياة الدنيا فحسب بل للحياة الأبدية في الآخرة أيضا.
و لما كان الولد هو محور العملية التربوية كان لزاما أن تتشكل حياته وذهنه بالقالب الذي وضع له، وبمختلف المعارف والمفاهيم التي يلقن بها ويزوّد بحيث يسيطر على ذهنه وأفكاره فلا يجد في الحياة تصويرا نظريا غير التصوير الذي أريد له استعماله في ملاحظاته وتجاربه، بناء على ما يلقن به أو يمرّن عليه أو يلقى إليه.
ومعالم شخصية الولد تتكون أصولها وهو في دور الصغر، أي من بلوغه سن التمييز، لذلك كان واجب التربية تأهيله وتكييفه وإعداده لمواجهة الحياة، وتتم تنشئته ماديا بتغذيته ورعايته جسميا، وتنشئته روحيا بتزويده بما يزكي نفسه ويسمو بها، وتنشئته عقليا بتزويده بمختلف ضروب العلوم وأنواع المعارف، إذ لا يسلم العقل إلاّ بسلامة التنشئة، وتعويد الولد على الخير ونهيه عن الشر وفق منهج الله وتربيته، فاستقامة الولد مناطة بسلامة عقله، وانحرافه مناط بفساد عقله، وصحة العقل وفساده يرتبطان بصفة توجيهه، وخاصة في حال الصغر ومرحلة الإعداد.
لذلك يرتكز إعداده تربويا على أسس يأتي في طليعتها تربية الولد عقديا وتدريبه على معرفة خالقه، والإيمان به، فإنّ هذا الإيمان هو الدافع له للخير والصارف للشر عنه، فهو الموجه للسلوك والضابط له، وارتباطه وثيق الصلة بالأعمال، ذلك لأنّ الله تعالى جعل العمل معيارا حقيقيا لصدق الإيمان، وذمَّ الذين يجردون العمل عن الإيمان، فقال تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: 167] وقوله عز وجل: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: 3] فالإيمان الحق هو الذي يصدر عنه السلوك، وينبع منه العمل الصالح، ويخرج منه الخُلُق الكريم، والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تقرن الإيمان بالعمل الصالح، فكان من مهمة التربية الربط بين العقيدة والعمل بالنظر إلى كون العمل يعكس الإيمان ويُظهره، فأولى الأوليات في إعداد الولد -إذن- تعليمه معاني العقيدة الصحيحة، ومقاصدها السامية، وإفهامه لحقائقها، وما تحمله من السعادة الأبدية له، إفهام علمٍ وإدراك تحقيقا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾ [التحريم: 6] ويدخل الولد في الآية لأنّه بضع من والديه، فيعلمه الحلال والحرام ويجنبه المعاصي والآثام، وغير ذلك من الأحكام، قال بعض أهل العلم: "فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير وما لا يُستغنى عنه من الأدب" (١) .
ومن أسس تربية الولد وتأهيله: تعليمه ما في الحياة المعاشة من معاني الخير والشر، وما يلزمه من استعداد فيها بالعمل بما يسعد النفس، وترك ما تشقى به، وذلك بتوجيه استعداده الفطري بالالتجاء إلى الله، ومعرفته، والركون إليه، والاطمئنان عنده، فلا يذل إلاّ لله، ولا يخاف إلاّ منه، ولا يتعلق قلبه إلاّ به، فإنّ في ذلك شعورا بعزة المسلم، لأنّه موصول بالقوي العزيز، وتتميز شخصيته بهذه العزّة الدينية المطلوبة لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون:8] وتتمرد عن أضدادها من ذل أو خنوع، أو خوف، أو تملق لأي مخلوق، ومن ثمّ وجب المحافظة على الفطرة السليمة التي عاهد الله تعالى عليها بني آدم فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وتكفل لهم بالأرزاق، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: 172-173]، ويقول الله عزّ وجلّ في حديث قدسي: "إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا" (٢)، كما ينبغي دفع الطاقات الطبيعية التي أودعها الله في الولد من غرائز وميول إلى الخير وإلى وجهتها التي خلقت من أجلها ليسمو بها ويعتز، ويتجنب بها من الخلود في الأرض، والركون إلى الشهوات، والاستجابة للشيطان، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً، بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ: فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ: فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ، وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة:268]" (٣)والتربية وسيلة إرجاع المنحرف إلى فطرته السليمة وتوجيهه إليها، وعلى مهمة التربية والقيام بواجبها يترتب الجزاء الأخروي قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات:40-41].
فالتربية الإسلامية تقوم على تحقيق التوازن بين الجانب الروحي والمادي، لكونها مبنية على الواقعين للإنسان، وتنظيم حياته على أساسهما، فليس الإنسان ماديا إلى درجة الخلود في الأرض، والانغماس في الحياة السافلة، والركون إلى الملذات، بل له عالمه الروحي الواسع المتعمق في كيانه، ومن هذا الجانب تميزت التربية الإسلامية عن النظم التربوية الأخرى في إعدادها للإنسان لا للحياة الدنيا فحسب بل للحياة الأبدية في الآخرة أيضا.
و لما كان الولد هو محور العملية التربوية كان لزاما أن تتشكل حياته وذهنه بالقالب الذي وضع له، وبمختلف المعارف والمفاهيم التي يلقن بها ويزوّد بحيث يسيطر على ذهنه وأفكاره فلا يجد في الحياة تصويرا نظريا غير التصوير الذي أريد له استعماله في ملاحظاته وتجاربه، بناء على ما يلقن به أو يمرّن عليه أو يلقى إليه.
ومعالم شخصية الولد تتكون أصولها وهو في دور الصغر، أي من بلوغه سن التمييز، لذلك كان واجب التربية تأهيله وتكييفه وإعداده لمواجهة الحياة، وتتم تنشئته ماديا بتغذيته ورعايته جسميا، وتنشئته روحيا بتزويده بما يزكي نفسه ويسمو بها، وتنشئته عقليا بتزويده بمختلف ضروب العلوم وأنواع المعارف، إذ لا يسلم العقل إلاّ بسلامة التنشئة، وتعويد الولد على الخير ونهيه عن الشر وفق منهج الله وتربيته، فاستقامة الولد مناطة بسلامة عقله، وانحرافه مناط بفساد عقله، وصحة العقل وفساده يرتبطان بصفة توجيهه، وخاصة في حال الصغر ومرحلة الإعداد.
لذلك يرتكز إعداده تربويا على أسس يأتي في طليعتها تربية الولد عقديا وتدريبه على معرفة خالقه، والإيمان به، فإنّ هذا الإيمان هو الدافع له للخير والصارف للشر عنه، فهو الموجه للسلوك والضابط له، وارتباطه وثيق الصلة بالأعمال، ذلك لأنّ الله تعالى جعل العمل معيارا حقيقيا لصدق الإيمان، وذمَّ الذين يجردون العمل عن الإيمان، فقال تعالى: ﴿يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: 167] وقوله عز وجل: ﴿كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾ [الصف: 3] فالإيمان الحق هو الذي يصدر عنه السلوك، وينبع منه العمل الصالح، ويخرج منه الخُلُق الكريم، والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تقرن الإيمان بالعمل الصالح، فكان من مهمة التربية الربط بين العقيدة والعمل بالنظر إلى كون العمل يعكس الإيمان ويُظهره، فأولى الأوليات في إعداد الولد -إذن- تعليمه معاني العقيدة الصحيحة، ومقاصدها السامية، وإفهامه لحقائقها، وما تحمله من السعادة الأبدية له، إفهام علمٍ وإدراك تحقيقا لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً﴾ [التحريم: 6] ويدخل الولد في الآية لأنّه بضع من والديه، فيعلمه الحلال والحرام ويجنبه المعاصي والآثام، وغير ذلك من الأحكام، قال بعض أهل العلم: "فعلينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين والخير وما لا يُستغنى عنه من الأدب" (١) .
ومن أسس تربية الولد وتأهيله: تعليمه ما في الحياة المعاشة من معاني الخير والشر، وما يلزمه من استعداد فيها بالعمل بما يسعد النفس، وترك ما تشقى به، وذلك بتوجيه استعداده الفطري بالالتجاء إلى الله، ومعرفته، والركون إليه، والاطمئنان عنده، فلا يذل إلاّ لله، ولا يخاف إلاّ منه، ولا يتعلق قلبه إلاّ به، فإنّ في ذلك شعورا بعزة المسلم، لأنّه موصول بالقوي العزيز، وتتميز شخصيته بهذه العزّة الدينية المطلوبة لقوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ [المنافقون:8] وتتمرد عن أضدادها من ذل أو خنوع، أو خوف، أو تملق لأي مخلوق، ومن ثمّ وجب المحافظة على الفطرة السليمة التي عاهد الله تعالى عليها بني آدم فأخذ منهم الميثاق أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وتكفل لهم بالأرزاق، قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ﴾ [الأعراف: 172-173]، ويقول الله عزّ وجلّ في حديث قدسي: "إِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا" (٢)، كما ينبغي دفع الطاقات الطبيعية التي أودعها الله في الولد من غرائز وميول إلى الخير وإلى وجهتها التي خلقت من أجلها ليسمو بها ويعتز، ويتجنب بها من الخلود في الأرض، والركون إلى الشهوات، والاستجابة للشيطان، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إِنَّ لِلشَّيْطَانِ لَمَّةً، بِابْنِ آدَمَ وَلِلْمَلَكِ لَمَّةً، فَأَمَّا لَمَّةُ الشَّيْطَانِ: فَإِيعَادٌ بِالشَّرِّ، وَتَكْذِيبٌ بِالْحَقِّ، وَأَمَّا لَمَّةُ الْمَلَكِ: فَإِيعَادٌ بِالْخَيْرِ، وَتَصْدِيقٌ بِالْحَقِّ، فَمَنْ وَجَدَ ذَلِكَ فَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنَ اللَّهِ، فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ الأُخْرَى فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، ثُمَّ قَرَأَ ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ﴾ [البقرة:268]" (٣)والتربية وسيلة إرجاع المنحرف إلى فطرته السليمة وتوجيهه إليها، وعلى مهمة التربية والقيام بواجبها يترتب الجزاء الأخروي قال تعالى: ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ [النازعات:40-41].