خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

2 مشترك

    تربية الأولاد / للشيخ عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله تعالى .

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية تربية الأولاد / للشيخ عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله تعالى .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 30.06.08 17:59


    [b]تربية الأولاد


    [/b]
    ملخص الخطبة:
    1- نعمة صلاح الذرية.
    2- صلاح الذرية مطلب الأنبياء والصالحين.
    3- ضرورة الدعاء للأولاد.
    4- التربية بالقدوة الحسنة.
    5- تعاهُد الأولاد ومناصحتهم.
    6- ثمرات صلاح الأولاد.
    7- ضلال المجتمعات الكافرة، وانتشار الجريمة فيها.
    ــــــــــــــــــــــــــ

    الخطبة الأولى
    أما بعد: فيأيها الناس، اتقوا الله - تعالى - حقَّ التقوى.
    عباد الله، صلاحُ الأبناء والبنات أمنيّةٌ للآباء والأمهات، صلاح الأولاد ذكورهم وإناثِهم نعمةٌ عظيمة، ومِنَّة جليلة من رب العالمين. ما أسعدَ المسلمَ وهو ينظر إلى أولاده قد هداهم الله الطريقَ المستقيم، ورزقهم الاستقامة على الدين والهدى، يحبهم ويحبونه، يودّهم ويودّونه، إنْ أمَرَهم أطاعوه، فهم يبرّونه، ويطيعونه، وينفّذون أوامره في طاعة الله، قرّت بهم عينُه، وانشرح بهم صدرُه، وطابت بهم حياته، تلك نعمة عظيمة من الله. أولادٌ رُبُّوا تربية صالحةً، هُذِّبت أخلاقهم، حسُن سلوكهم، طابَتْ ألْفاظُهم، حسُنت معاملتُهم لرَبّهم قبل كُلّ شيء، ثم للأبوين، ثم للإِخوانِ والجيران والأرحام والمسلمين عمومًا. رُبُّوا على مكارم الأخلاق وفضائل الأعمال، فصاروا عونًا للأبوين على كلّ ما أهمّهم من أمر دينهم ودنياهم.

    أيّها المسلمون، ولعظيم هذا الشأن نرى أنبياءَ الله وخيرته من خلقه يسألون الله لذريَّتهم الصلاح والهداية، قال - تعالى - عن الخليل - عليه السلام - وهو يدعو ربَّه بتلكم الدعوات: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي} [إبراهيم:40]؛ أي: اجعل من ذريتي من يصلي ويزكي، وها هو زكريا - عليه السلام - ينادي ربه قائلاً: {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَاءِ} [آل عمران: 38]، وها هم المؤمنون كما أخبر الله عنهم أنهم يقولون في دعائهم: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74]، وها هو الرجل الصالح الذي أنعم الله عليه بنِعَمه، يتذكَّر نِعَم الله عليه، ويقول شاكرًا لنعم الله، شاكرًا لآلائه وإفضاله: {رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [الأحقاف: 15].

    أيها المسلم، فأولادك من ذكورٍ وإناث بأمسِّ الحاجة إلى دعوات منك إلى الله أن يهديَهم صراطه المستقيم. الجأ إلى فاطر الأرض والسموات، وادعُه آناء الليل وأطراف النهار أن يصلحَ لك عقِبك، وأن يعيذهم من مكائد شياطين الإنس والجن، وأن يحفظهم بالإسلام، ويرزقهم الثباتَ والاستقامة عليه، فتلك قرة أعين المؤمنين، {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]. فالآباء يوم القيامة قد تعلو منزلتهم وإن ضعُفت بأعمالهم؛ إكرامًا من الله للأبناء الصالحين، وقد يرفع الله منزلة الأبناء إكرامًا للآباء الصالحين؛ إذا كان الإيمان جامعًا للجميع.

    أيها المسلم، أولادُك بأمسِّ الحاجة إلى دعائك، وبأمسِّ الحاجة إلى رعايتك، لتُربِّهم تربيةً صالحة، يسعدون بها في حياتهم وآخرتهم، وتسعَد أنت أيضًا بذلك، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، ومع دعاء الله، ومع الالتجاء إلى الله، ومع التضرُّع بين يدي الله، فاعلم - أيها الأب الكريم - واعلمي - أيتها الأم الطيبة - أن تربيةَ الأولاد وصلاحَهم واستقامتهم، بعد إرادة الله، متوقفٌ على حركاتِ وسكنات الأبوين، على أقوالهم وأفعالهم، فالأبناء والبنات من الصِّغر يرقُبون أخلاقَ الأبوين، ويرقبون كلامَهم وتصرّفاتهم كلَّها، يرقبون أحوال الأبوين، فالأبناء والبنات إنْ تَربَّوْا في أحضانِ أبٍ يَخافُ اللَّه، وأمٍّ تَخْشى الله؛ نَشَؤُوا على ذلك الخلق الكريم.

    أيها الأب الكريم، إنَّ أولادك مرآةٌ يعكسون أخلاقك وأعمالك، إنْ رأوك تعظِّم الله وتخافه؛ عظَّموا الله جل وعلا، إن رأوْكَ تَخشى الله وتتَّقيه؛ خَشَوُا الله واتقَوْه في أعمالهم بتوفيق من الله، إن رأوْكَ ذا محافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، إن رأوك على هذه الصفة؛ تأسَّوا بك فحافظوا عليها، إن رأوك معظِّمًا لأبيك وأمك؛ فإنهم سيعاملونك كذلك، إن رأوك تجالس ذوي التقى والصلاح بعيدًا عن أهل الإجرام والإفساد؛ نفروا من تلك الشلل الفاسدة والمجتمعات الآسنة، إن رأوا منك كلمات طيبةً وألفاظًا حسنة؛ كانت ألفاظهم كذلك، وإن سمعوا منك السِّباب واللعان والقبح والفحش في الأقوال؛ سمعتَ منهم مثل ذلك وأشدّ.

    أيها الأب الكريم، لا بدّ من عظةٍ للأبناء ونصيحة لهم، ورسم الطريق الصالح ليسلكوه، اسمعِ اللَّه يُحَدّثنا عن لقمان الحكيم: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]، يُحذِّره من شركٍ بالله، ويأمره بإخلاص الدين لله، ثم يوجِّهه للأخلاق الكريمة: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان: 17]، ويحذِّره من الأخلاق السيئة: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 18 - 19]، فهو يحذره من الكِبْرِ والعُجْبِ والتعالي على الناس بكل أحواله، ويبيّنُ لَهُ أيْضًا أنَّ اللَّه مراقب عليه، عَالمٌ بِسِرّه وعلانِيَتِه: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 16]، تلك موعظةٌ عظيمةٌ وجَّهها لقمانُ الحكيم لابنِه، بيَّنها اللَّهُ لَنَا فِي كتابه، لنتأسَّى بِتِلْكُم الأخلاق، وبأولئك الأقوام في أقوالهم وأعمالهم.

    أيّها المسلم، الأبناءُ والبناتُ أمانة في العنق سيسألك الله عنهم يوم القيامة، إن رعيتهم حقَّ الرعاية أصبت، وإن خُنت الأمانة وضيَّعت فالله لا يحبُّ الخائنين.
    أيها المسلم، عوِّد الأبناء والبناتِ على كلِّ خير، عوّد الأولاد على المحافظة على المسجد، عوِّدهم على إقام الصلاة والعناية بها، حُثَّهم على مكارم الأخلاق، حثَّهم على البر والصلة، حُثّهم على إفشاء السلام وطيب الكلام، رغِّبهم في حسن المعاملة، حبِّب الصدق إلى نفوسهم، وكرِّه الكذب إلى نفوسهم، حبِّب إليهم الأقوال الطيبة، وكرِّه لهم الأقوال البذيئة، علّمهم حسنَ التعامل مع الآخرين؛ مع الأهل ومع الجيران والأرحام، حثّهم على المكارم والفضائل؛ لينشؤوا النشأة الصالحة الطيبة المباركة.

    أيها المسلم، هؤلاء الأولاد متى أحسنتَ تربيتهم نِلتَ بهم السعادة في الدنيا والآخرة، واسمع نبيَّك إذ يقول: ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاَّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفَع به، أو ولد صالح يدعو له))[1]. فأنت في ظلمات الألحاد تصل إليك دعواتُ أولئك الأبرار الأخيار، يسألون الله لك ويدعون الله لك، وأنت في لَحْدك قد انقضى عملك، وأصبحت فريدًا في لحدك وحيدًا، تتمنَّى مثقال ذرة من خير، وإذا الدعوات الصادقة الصادرةُ من الأبناء والبنات الذين طالما غرستَ الفضائل في نفوسهم، وحبَّبت الإيمان إلى قلوبهم، فدعواتهم تصعد إلى الله لك بالمغفرة والرضوان والتجاوُز، فما أنْعَمَهَا من حالٍ! وما أطْيَبَهُ من فضل! هكذا التربية الصالحة ونتائجها الحميدة، وثمارها المباركة.

    فلْنَعْتَنِ - إخوتي - بأبنائنا وبناتنا، ولنبذل الجهدَ قدر الاستطاعة، وربّك حكيم عليم يهدي من يشاء، ويضلّ مَنْ يَشاءُ، لكن على العبد بذل السبب، عليه القيام بالواجب، عليه أن يطهِّر بيته مما يخالف شرع الله. كيف يطمع في صلاح الأبناء والبنات من ترك البيتَ لا خير فيه، أو أدخل فيه المعاصي والفجور والمجون وشربَ المسكرات والعياذ بالله، وترويج المخدرات، والجلوس مع من لا خير فيهم، ومن هم أهل الشقَاء والبلاء؟!
    فاحذر - يا أخي - تلك الأمور السيئة، طهِّر بيتك ومجتمعك، طهِّر مجالسك من السوء، لينشأَ الأولاد والبنات على هذه العفة والصيانة والكرامة.
    أيتها الأمّ المسلمة، ربي البناتِ التربية الصالحة، ربِّيهن على الأخلاق، ربي بناتك تربيةً صالحة، أعدِّيهن للمستقبل الطيّب، وربيهن على الأخلاق والمكارم، وأبعديهن عن السوء والسفور وما لا خير فيه. حذِّروا الأولادَ والبناتِ من بعض القنواتِ الفاجرة الظالمة التي تنشر السوءَ والفساد، وتحارب الأخلاق والفضيلة، وتبعد الأمة عن دينها وعن أخلاق إسلامها.

    فلنتَّق الله في أنفسنا، ولنتّق الله في أولادنا، ولنتعاون جميعًا على البر والتقوى. أسأل الله أن يصلح لنا ولكم العاقبة، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا ومن الشيطان وشركه، وأن نقترف على أنفسنا سوءًا أو أن نجره إلى مسلم.
    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تربية الأولاد / للشيخ عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله تعالى .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 30.06.08 17:59

    الخطبة الثانية
    الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحبُّ ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
    أمَّا بعدُ: فيأيها النَّاس، اتَّقُوا الله - تعالى - حقَّ التقوى.
    عباد الله، إنَّ الله يقول في كتابه العزيز: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72]. فالظلم والجهل متمكِّن في الإنسان، لا يرفع الجهلَ إلاَّ علمٌ، ولا يرفع الظلمَ إلاَّ الإيمانُ الذي يدعو إلى العدل.
    إنَّ البشر إذا فقدوا شرع الله ضلّوا سواء السبيل، وإذا خلَوا من التمسّك بالدين صاروا شرّ الخلق وأسوأهم، يقول الله - جل وعلا -: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179]، ويقول - جل وعلا -: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان: 44].

    فبيَّن أنَّ الذين فقدوا شرعَ الله هم شرٌّ حتَّى من البهائم، البهائم أهدى منهم سبيلاً. هذا الإنسان الذي فَقَدَ الدين، فقدَ تعاليمَ الإسلام، عاد قاسيَ القلب، غليظ الطبع، لا يبالي بأيِّ إنسان كائنًا من كان، لماذا؟! لأنه في حياته لا دين يركن إليه، ولا مبدأ يؤمن به؛ بل هو مجرِم بطبيعته، ظالم بنفسه، سيئ فقدَ الإيمان، فقدَ الدين، فكلُّ شر وبلاء هو مصدره، وهو منطلق من ذلك؛ لأن الإسلام هو الذي يلين القلوب، ويجعلها تحترم الدماء والأموالَ والأعراض، لكن فاقد الدين لا قيمة للإنسان عنده، الدماءُ وسفْكها قلَّتْ أو كثرت أمر عادي وطبيعي، لماذا؟ لأن هذه الفئة لا علاقةَ لها بالإسلام، إذًا فالإجرام مهما تضاعف وتعاظم فليس غريبًا أن يصدر منهم.

    أيها المسلمون، تسمعون دائمًا وتنقل الأخبار لنا أحداثًا جسامًا، ودماءً تراق، ودمارًا كثيرًا، وشيئًا يهول الإنسان ويقضّ مضجعه؛ من دماء تسفك بلا مبرِّر ولا سبب، لماذا؟ لأن هذه الأمة هي التي صنعت أسلحةَ الدّمار، وأنشأَتْها بنفسها، فعاد شرُّها على مجتمعها، وعاد سلاحها على نحورها. صنعت أسلحةَ الدمار، وتنافست في صنع أسلحة الفتك بالبشرية، وقامت شركاتُ التسليح تروِّج لمنتجاتها وأسلحةِ دمارها بين العالم؛ بل تجعلها رخيصةً بمتناول أيِّ فرد، وتربي أجيالاً على هذا الإجرام، تربي فئاتٍ على هذا الإجرام وعلى هذا الفساد، لا يهنأ لها عيش حتى ترى الفساد منتشرًا في الخلق، والله - جل وعلا - قال عن أعدائه اليهود: {وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة: 64]، فكلّ فساد وظُلم إنما مصدره عندما يُفقَد الإيمان، الإيمان الصحيحُ الذي بعث اللهُ به محمدًا - صلى الله عليه وسلم - هو الدين الذي أرسى دعائمَ العدل، وبسط الرحمةَ والخير، فإن الله قال لنبيه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، فالرحمةُ التي بُعث بها محمد - صلى الله عليه وسلم - هي الرحمة التي عاش الناس في ظلالها في عدل الإسلام وأمان الإسلام، الدماءُ والأموال والأعراض محترمة بكل الوجوه، لماذا؟ لأن دين الإسلام دين الرحمة، دينُ العدل، دين الخير، دينٌ لأهله رقةٌ في قلوبهم ومحبة الخير لأنفسهم وللبشرية أجمع، لكن هذا العدوان والظلم إنما مصدره من أمة ضائعة لا دينَ ولا شرع يحكمها، فهي ضالة مضلَّة، هذه أسلحة الدمار التي صنعها الأعداء وسخَّروها وتنافسوا في إبداعها، وتسابقوا أيّهم الذي يصنع سلاحًا مدمِّرًا، وأيهم الذي ينشر الجريمة، وأيهم الذي يفتك بالبشرية، وأيهم المستطيع لأن يجعل البشر مجالاً لتدريب الأسلحة، واختبارًا لقوتها من ضعفها، وتأثيرها من عدمه.

    هكذا الأعداء، ولهذا فنبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - أخبرنا بأنّ هذا الأمر سيقع في آخر الزمان، عندما يُرفع العلم، ويثبت الجهل، ويكثر الهرج؛ أي: القتل [2]، وأخبرنا نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم -: في آخر الزمان يقتل القاتل، لا يدري فيمَ قتَل، ولا يدري المقتول لماذا قُتِل [3]، لماذا؟! لأنها شرور عظيمة عامَّة، القاتل الذي ينفِّذ ما أُمِر به لا يدري لأيِّ سبب فعل، والمقتول الذي ذهب لا يُدْرَى لأيِّ شيء ذهب؛ إنَّما هي فتنة، وإنما هي مصائب، وإنما هي بلايا، إنما هي أحداث جسام، عندما يسمعها الإنسان ويتصوّرها يرى العجب العُجَاب، في دول تدَّعي الحضارة والرقيَّ في نفسها، لكنَّ الله حكيم عليم فيما يقضي ويُقدِّر.

    إنَّما المسلم لا يرضى بذلك، ولا تقرُّ عينه بذلك؛ لأنه يعلم أنَّ دينَ الإسلام يرفض كلَّ الإجرام على اختلافه، وعلى وقوعه في أي البشرية كان؛ إذ الظلم في الإسلام محرَّم. ديننا دينُ الإسلام لم يكن سفّاكًا للدماء، ولا حريصًا على ذلك؛ بل كان حريصًا على حقنِ الدماء ما وجد لذلك سبيلاً، كلُّ ذلك لأن دين الإسلام دين الرحمة، دين العدل، دين الخير، الدين الذي يصلِح البشرية في حاضرها ومستقبلها.
    عندما فقدت معظمُ البشرية هذا الدينَ وهذا النور العظيم؛ رأينا ما وقع، ونعوذ بالله من الشرور الآتية والمستقبلة. فإن المسلم حينما يتأمّل هذه الجرائم الشنيعة يعلم أن هناك فئةً من الناس قاسيةً قلوبُهم، غليظةً طباعُهم، فاسدًا تصوّرُهم، إنما يطمئنون ويرتاحون عندما يدبِّرون هذه المؤامرات الدنيئة، وعندما تقع هذه الجرائم الكبيرة، التي يذهب ضحيَّتها في لحظة من اللحظات مئات من البشر، بلا سببٍ ولا مبرِّر ولا داعٍ، لكنها والعياذ بالله دليل على عُمق الجرم في النفس، وبعدهم عن الهدى والخير.

    شريعةُ الإسلام التي عاش المسلمون في ظلِّها قرونًا عديدة كان العدل والرحمة والخير يسود البشرية، فالدماء محترمة ((لا يحلُّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)) [4]، وأنَّ مَن قَتَلَ نفسًا؛ فكأنما قتل الناس جميعًا، ومَن حافظَ على حياة نفس واحدة؛ فكأنَّما أحيا الناسَ جميعًا، فاحتُرمت دماء الأمة مُسلمِها ومعاهَدِها، احترِمت في الإسلام وروعيَت حقوقُ البشرية جمعاء، هكذا عدالة الإسلام، وهكذا حقوق الإنسان في الإسلام، كلُّها الخير والعدل والهدى، أمَّا ما نسمعه الآن وما تحمِله لنا وكالات الأنباء من هذه الجرائم المتعدِّدة التي أصبح الإنسانُ لا يأمن في جوٍّ ولا بحر ولا أرض - إنما هي والعياذ بالله نتيجة تلك القلوبِ القاسية المجرمة الآثمة، التي لا ترتبط بأيّ دين، ولكن تريد بثَّ الفساد في العالم، أعاذنا الله وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وطهَّر مجتمعات المسلمين من كلِّ سوء، وحفظهم من كلِّ بلاء، إنه على كلّ شيء قدير.

    واعلموا - رحمكم الله - أنّ أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله على الجماعة، ومَن شذَّ شذَّ في النار.
    وصلوا - رحمكم الله - على نبيكم محمد - صلى الله عليه وسلم - امتثالاً لأمر ربكم، قال - تعالى -: {إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
    اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين.


    ـــــــــــــــــــــــ
    [1] أخرجه مسلم في الوصية (1631) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    [2] أخرجه البخاري في العلم (85)، ومسلم في الأيمان (157) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    [3] أخرجه مسلم في الفتن (2908) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
    [4] أخرجه البخاري في الديات (6878)، ومسلم في القسامة (1676) عن ابن مسعود رضي الله عنه
    منقول
    http://www.alukah.net/articles/3/1853.aspx
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تربية الأولاد / للشيخ عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله تعالى .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 30.06.08 18:01

    إن المناهجَ والنظرياتِ التربويةَ في حاجةٍ دائمةٍ إلى من يُطَبِّقُهَا ويعملُ بها، وبدون ذلك تظلُّ تلك المناهجُ والنظرياتُ حِبراً على ورق، لا تتحقق جدواها ما لم تتحول تلك المناهجُ إلى سلوكٍ عَمَلِيٍّ يسير عليه الأفرادُ في تَصَرُّفَاتِهِم وَمَشَاعِرِهم وأفكارِهم[1].
    ولذا كان المنهجُ الإلهيُّ - في إصلاحِ البشريَّةِ وهدايتِها إلى طريقِ الحقِ - مُعتمِداً على وجودِ القُدْوَةِ التي تحوِّل تعاليمَ ومبادئَ الشريعةِ إلى سلوكٍ عمليٍّ، وحقيقةٍ واقعةٍ أمام البشر جميعاً؛ فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو القدوةَ التي تترجم المنهج الإسلامي إلى حقيقة وواقع، قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21]، ولما سُئِلَت أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها - عن خُلُقِهِ - صلى الله عليه وسلم - قالت: ((كان خُلُقُهُ القُرآنَ!))[2].

    مواقفُ من السيرة النبوية تبيِّنُ أهميةَ القُدوة وأثرَها:
    ولقد تجلَّى تأثيرُ القُدوة في صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجَدوَاها الكبيرة - التي لا تتوافر لمجرد الدعوة النظرية - في كثير من المواقف التي كان لها ظروفُها الخاصَّة؛ حيث لا يُجدِي فيها مجردُ الأمر والكلام النظري، بل لا بد فيها من التطبيق العملي؛ ليتعمق أثرُها في النفوس، ومن ذلك ما يلي:

    1
    - الزواجُ من امرأةِ الابنِ بالتَّبَنِّي:
    كانت عادةُ التَّبَنِّي مُتَأَصِّلَةً بين العرب قبل الإسلام، وكانوا يعاملون الابن بالتبني معاملةَ الابن من الصُّلبِ؛ فيحرِّمون الزواجَ من امرأتِهِ، ويُعظِّمون هذا الأمر جدّاً، فلما جاء الإسلام وَحَرَّم التَّبَنِّي، وأراد اقتلاعَ آثار الجاهلية من نفوس المسلمين؛ لم يكتفِ - في ذلك - بالدعوة النظرية لتحريم التبني وهدم آثاره؛ بل دَعَمَ تلك الدعوةَ النظرية بالتطبيق العملي؛ فأُمِر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالتزوج من زينبَ بنتِ جحش - رضوان الله عليها - التي كانت زوجةً لزيدِ بن حارثة، الذي تَبَنَّاه الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - وكان يُدْعَى زيدَ بنَ محمد؛ قال تعالى: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَي لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} [الأحزاب:37].
    وهكذا أجرى الله - عز وجل - إبطالَ الآثار الجاهليةِ للتبنِّي "على يد النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ومولاهُ زيدِ بن حارثة، وابنةِ عمته زينب بنت جحش؛ ليكون درساً عمليّاً قويّاً، في تحقيق ما أمر الله - تعالى - به، وتنفيذه؛ مهما كانت الرَّغبةُ والهوى، ومهما كانت الآثارُ والنتائجُ.
    وهذا شأن المؤمن دائماً مع اللهِ - تعالى - وأوامرِهِ؛ يسمعُ ويطيعُ، ويلبي ويستجيبُ، رَغِبَتْ نفسه في ذلك أم لم تَرْغَبْ، وافقَ المجتمع - مِن حولِه - أم لم يوافِق، رضي الناس عن فعله أم كرهوا!! فالأمر أولاً وأخيراً لله رب العالمين"[3].

    2
    - النَّحْرُ والحَلْقُ للتحلُّلِ من عُمْرَةِ الحُدَيِبِيَةِ:
    لما صدَّ المشركون الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابَه عن البيت الحرام، حين أرادوا العمرة عام الحديبية، وبعد إبرام الصلح مع قريش؛ كان وقع ذلك عظيماً على صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أمرهم - عليه السلام - بنحر ما معهم من الهَدْي ليُحِلُّوا من إحرامهم؛ لم يستجب أحد من الصحابة لهذا الأمر، مع شدةِ حرصهم على طاعتِه، صلى الله عليه وسلم.
    وهنا يتجلى الأثرُ العظيم للقُدوة؛ إذ أشارت أمُّ سَلَمَةَ - رضوان الله عليها - على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقوم هو أولاً فينحرَ بُدْنَهُ ويحلقَ شعرَه؛ لأن صحابته سيقتدون به عند ذلك لا محالة، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فخرج، فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نَحَرَ بُدْنَهُ، ودعا حالقَه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فَنَحَروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غمّاً!"[4].
    ففي هذه القصة دلالة ظاهرة على التفاوت الكبير بين تأثير القول وتأثير الفعل؛ ففي حين لم يتغلب القولُ على هموم الصحابة وتألُّمِهم مما حدث؛ فلم ينصاعوا للأمر؛ نجدهم بادروا إلى التنفيذ؛ اقتداءً بالرسول - صلى الله عليه وسلم - حين تحوَّل أمرُهُ القَولي إلى تطبيقٍ عمليٍّ؛ حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً. ولهذا يدعو الإسلام إلى دعم القول بالعمل، ومطابقة الأفعال للأقوال، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ *كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف:2, 3].
    ويطول بنا الأمر جدّاً؛ لو حاولنا استقصاء المواقف التي كان فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدوةً لأصحابه، وإنما يمكن القول - إجمالاً - بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قدوة لأصحابه في كل شيء، وفي جميع المجالات..
    ففي الغزوات يتقدمُ الصَّحابةَ، أو يوجِّههم من مركز القيادة، وكان في غزوة الخندق يربطُ الحجر على بطنه! ويحفر الخندق مع الصحابة، ويرتجز مثل ما يرتجزون؛ فكان مثالاً للمُرَبِّي القدوة، يتبعه الناس، ويعجبون بشجاعته وصبره، صلى الله عليه وسلم.
    وكان قدوةً في حياته الزوجية، والصبرِ على أهله، وحُسن توجيهِهِنَّ، فقال صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُكُم خَيْرُكُم لأهْلِهِ، وَأَنا خَيْرُكُم لأَهْلِي))[5].
    وكان قدوةً في حياته الأبوية، وفي حُسن معاملته للصِّغار، ولأصحابه، ولجيرانه، وكان يسعى في قضاء حوائجِ المسلمين، وكان أوفى الناس بالوعد، وأشدَّهم ائتماناً على الودائع، وأكثرَهم ورعاً وحذراً من أكل مال الصدقة، أو الاقتراب مما استرعاه الله من أموال المسلمين.
    وكان أفضلَ داعيةٍ إلى الله - سبحانه - يصبرُ على الشدائدِ الناجمةِ عن كيد أعداء الله وأعداء الفضيلة وتواطئهم، وكان حازماً لا يفقد حزمَه في أشدِّ المواقفِ هولاً وهَلَعاً وجَزَعاً؛ لأن ملجأَهُ إلى الله -سبحانه - يستَلْهِمُ منه القوةَ والصبر، وموقفُهُ من ثقيفٍ في الطائفِ - عندما ذهب لدعوتهم - خير دليل على ذلك[6].

    تأثيرُ القدوةِ الصالحةِ في الأطفال:
    لا يَسْهُلُ على الطفلِ إدراكُ المعاني المجردة؛ لذا فهو لا يقتنعُ بتعاليمِ المربي وأوامره بمجرد سماعها، بل يحتاج مع ذلك إلى المثالِ الواقعيِّ المشاهَدِ، الذي يدعمُ تلك التعاليمَ في نفسِهِ، ويجعله يُقْبِلُ عَلَيها ويَتَقَبَّلُها ويعملُ بها.
    وهذا أمرٌ لم يَغْفُل عنه السَّلَفُ الصَّالِحُ، بل تَنَبَّهُوا له، وأَرْشَدُوا إليه المربين، فها هو عمرُو بن عتبةَ يُرشِد مُعلِّمَ ولدِه قائلاً: "لِيَكُنْ أولَّ إصلاحُكَ لِبَنِيَّ إصلاحُك لنفسِك؛ فإن عيونَهم معقودةٌ بعينك، فالحَسَنُ عندهم ما صَنَعْتَ، والقبيحُ عندهم ما تركتَ!"[7]؛ وهذا يؤكدُ أنه لا سبيل إلى التربيةِ السليمةِ إلا بوجود قُدوةٍ صالحةٍ تغدو نموذجاً عمليّاً للامتثال للأوامر، والاستجابة لها، والانزجار عن النواهي، والامتناع عنها[8].
    وقد كان شبابُ الإسلام وناشئوه في عصر النُّبوَّةِ يحرِصون على الاقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتقليدِهِ ومحاكاتِهِ في جميع أمورِهِ؛ في وُضُوئِهِ، وصلاتِهِ، وقراءَتِهِ للقرآن، وقيامِهِ، وجلوسِهِ، وكرمِهِ، وجهادِهِ، وزهدِهِ، وصلابتِهِ في الحق، وأمانتِهِ، ووفائِهِ، وصبرِهِ... إلخ[9].
    ومما يروى من ذلك: ما أخرجه البخاريُّ عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال:
    ((بِتُّ عند خالتي ميمونةَ ليلةً، فقامَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فلما كان في بعض الليل، قام رسول الله فتوضَّأ من شَنٍّ معلَّقٍ[10] وُضوءاً خفيفاً، ثم قام يصلي، فقمتُ فتوضَّأتُ نحواً مما توضأَ، ثم جئتُ فقمتُ عن يساره، فحوَّلني فجعلني عن يمينِه، ثم صلى ما شاء الله...)) الحديث[11].
    وأولُ المطالَبين بالقدوةِ الحسنةِ هما الوالدانِ؛ لأنَّ الطفلَ الناشئَ يراقبُ سلوكَهما وكلامَهما، ويتساءل عن سبب ذلك، فإن كان خيراً فخير.. فهذا عبدُ الله بن أبي بَكْرَةَ يراقبُ - وهو طفلٌ - أدعيةَ والدِهِ، ويسألُه عن ذلك، ويجيبُه والدُه عن دليلِ فِعْلِه هذا:
    فعن عبدِ الله بن أبي بَكْرَةَ - رحمه الله - قال: (قلتُ لأبي: يا أبتِ، أسمعُك تقول كلَّ غَدَاةٍ : "اللهمَّ عافني في سمعي، اللهم عافني في بصري، لا إله إلا أنت"، تكرِّرُها ثلاثاً حين تصبحُ، وثلاثاً حين تمسي؟! فقال: يا بني، إني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو بهن، فأنا أحب أن أَسْتَنَّ بِسُنَّتِهِ)[12].
    فالوالدان مطالبان بتطبيق أوامرِ الله - تعالى - وسنةِ رسوله - صلى الله عليه وسلم - سلوكاً وعملاً، والاستزادةِ من ذلك ما وَسِعَهم ذلك؛ لأنَّ أطفالَهم في مراقبةٍ مستمرَّةٍ لهم، صباحَ مساءَ، وفي كل آنٍ، "فقدرةُ الطفل على الالتقاطِ الواعي وغيرِ الواعي كبيرةٌ جدّاً، أكبرُ مما نظنُّ عادةً، ونحن نراه كائناً صغيراً لا يدرِك ولا يَعي"[13].

    فوائدُ القدوةِ الصالحةِ في تربيةِ النشءِ:
    تؤتي القدوةُ الصالحةُ فوائدَ تربويةً عظيمةً في تنشئةِ الصغارِ، نذكر منها:
    • تحقيقُ الانضباطِ النفسيِّ، والتوازنِ السلوكيِّ للطفلِ.
    • وجودُ المَثَلِ أو النموذجِ المُرْتَقَبِ في جانبٍ من الكمال (الخُلُقِي، والديني، والثقافي، والسياسي)؛ حيث يثيرُ في النفسِ قَدْراً كبيراً من الاستحسان والإعجاب والتقدير والمحبة.
    • مستوياتُ الفهمِ للكلامِ عند الناس تتفاوتُ، لكنَّ الجميعَ يتساوى عند النظر بالعين؛ فالمعاني تصل دون شرح!
    • القدوةُ - ولا سيما من الوالدين - تُعْطِي الأولادَ قَنَاعةً؛ بأنَّ ما عليه النموذجُ القدوةُ هو الأمثلُ الأفضلُ الذي ينبغي أن يُحتذَى.
    الأطفالُ ينظرون إلى آبائهم وأمهاتهم نظراتٍ دقيقةً فاحصةً، ويتأثَّرون بسلوكهم دون أن يدركوا! ورُبَّ عملٍ - لا يُلْقِي له الأبُ أو الأمُّ بالاً - يكونُ عند الابنِ عظيماً![14].
    ــــــــــــــــــــــ
    [1] التربية على منهج أهل السنة والجماعة، جمع وترتيب: أحمد فريد، الدار السلفية للنشر والتوزيع، الإسكندرية، ص (251).
    [2] أخرجه مسلم (1/512-513) في كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: جامع صلاة الليل (139/746)، والبخاري في الأدب المفرد رقم (308)، والنسائي في الكبرى (6/412) كتاب التفسير، باب: تفسير سورة المؤمنون، وأحمد (6/91)، (6/112) من طريق آخر عن عائشة.
    [3] دراسات في التفسير، د. محمد نبيل غنايم، دار الهداية، الطبعة الثالثة، 1415، 1995م، ص (112).
    [4] الرحيق المختوم؛ صفي الرحمن المباركفوري، دار الكتب العلمية، ص (314). وهذا طرف من حديث صلح الحديبية الطويل، أخرجه البخاري (5/675، 679) كتاب الشروط، باب: الشروط في الجهاد (2731، 2732)، وأبو داود (2/93، 94) كتاب الجهاد، باب: في صلح العدو (2765).
    [5] أخرجه الترمذي (6/188) كتاب المناقب، باب: فضل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو داود (2/692) كتاب الأدب، باب: في النهي عن سب الموتى (4899)، وابن حبان (3018، 4177)، والطبراني في الأوسط (6/187) رقم (6145)، والدارمي (2/159)، وأبو نعيم في الحلية (7/138)، والبيهقي (7/468). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (285).
    [6] أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع، عبد الرحمن النحلاوي، دار الفكر، دمشق، الطبعة الثالثة، 1425هـ - 2004م، ص (206).
    [7] أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (38/271).
    [8] مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة، عدنان حسن باحارث، دار المجتمع للنشر والتوزيع، ص (68)، التربية على منهج أهل السنة والجماعة، ص (255).
    [9] تربية (النَّاشِئة) في ضوء السيرة؛ الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري، ضمن كتاب المؤتمر العالمي للسيرة والسنة النبوية، والمؤتمر العاشر لمجمع البحوث الإسلامية، ص (252).
    [10] شَنٍّ مُعَلَّقٍ: أي: السِّقَاء البالي. انظر: المنتقى شرح الموطأ (1/217).
    [11] أخرجه البخاري (2/225) كتاب الأذان، باب: إذا لم يَنوِ الإمامُ أن يَؤُمَّ (699)، ومسلم (1/532) كتاب صلاة المسافرين، باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه (192/763).
    [12] أخرجه البخاري في الأدب المفرد (701)، وأبو داود (2/745) كتاب الأدب، باب: ما يقول إذا أصبح (5090)، والنسائي في عمل اليوم والليلة، رقم (22، 572، 651)، وأحمد (5/42)، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد له ص (260).
    [13] منهج التربية النبوية للطفل، مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح وأقوال العلماء العاملين، محمد نور بن عبد الحفيظ سويد، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ - 1998م، ص (90، 91).
    [14] تربية الطفل في الإسلام: النظرية والتطبيق، د. محمد عبد السلام العجمي وآخرون، مكتبة الرشد، المملكة العربية السعودية، الرياض، الطبعة الأولى، 1425هـ - 2004م، ص (95).
    التربية عن طريق القدوة الصالحة / لمحمد بن سالم بن علي جابر
    منقول
    http://www.alukah.net/articles/3/903.aspx
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تربية الأولاد / للشيخ عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله تعالى .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 30.06.08 18:03

    التربية عن طريق التوجيه والإرشاد
    الإنسان دائماً بحاجة إلى التوجيه والإرشاد والنُّصح، وتذكيره بما قد يَغفُلُ عنه، والمربي المُحِبُّ المخلِص هو الذي يوجِّه براعمَه -دائماً- وجهةَ الخير والحق، ويجنِّبهم -جاهداً- مزالقَ الخطر ومكامن الخطأ؛ بالنصيحة الذكية المؤثرة الهادئة الهادفة، والكلمة الطيبة.

    إنَّ لِنُصْحِ المربي أثراً كبيراً في تصحيح بعض الأخطاء التي قد يقع فيها الطفل؛ من إساءة الأدب، أو عدم التحلي بالأخلاق الفاضلة، أو فعل حركات غيرِ لائقة[1]؛ ولهذا فرض الإسلام طريقَة التوجيه والإرشاد والتذكير طريقةً تربوية؛ يستغلها المربي مع من يربيه، والمعلم مع من يعلمه، والمسلم مع أخيه؛ ابتغاءً للخير، ونفوراً عن الشر؛ فقال تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3]، وقال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:17]، وقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((الدِّينُ النَّصِيحَةُ))[2].

    واستخدامُ أسلوبِ التوجيه والإرشاد في التربية لا يجعله وَقْفاً على المربي، بل للتلميذ دورُه ورأيُه، ولِوَلِيِّ الأمر دورُه ورأيُه، ويكون للمجتمع كلِّه سُلطةُ التوجيه التربوي، فلا (ديكتاتوريةَ) لفرد، وإنما التربية جِمَاع اهتماماتِ القيادة والتلاميذ، أو أُولي الأمر والمجتمع؛ ولذا جعله الإسلام مبدأً حيويّاً من مبادئ التربية[3].
    وطريقة التوجيه والإرشاد المباشر من أقرب الطُّرُق إلى مخاطبة عقل الطفل، وتبيين الحقائق له، وترتيب المعلومات الفكرية؛ ليحفظها مع فهمها؛ وهو ما يجعل الطفل أشدّ قَبولاً، وأكثر استعداداً للتلقي، أما اللفُّ والدوران فليس لهما في التعامل مع الطفل نصيبٌ، وهكذا علمَنا رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أن نخاطبَ الطفلَ -في كثير من المناسبات- خطاباً مباشراً، بصراحةٍ ووضوح[4].

    وقد مضى كثير من الأحاديث التي رأينا رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يستخدم فيها هذا الأسلوب في تربية الطفل، ومن ذلك -أيضاً- ما رُوِي عن أنس -رضي الله عنه- قال:
    (قالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
    ((يَا بُنَيَّ، إِذَا قَدِرْتَ أَنْ تُصْبِحَ وَتُمْسِي وَلَيْسَ فِي قَلْبِكَ غِشٌّ لأحَدٍ، فَافْعَلْ)).
    ثُمَّ قَالَ لِي: ((يَا بُنَيَّ، وَذَلِكَ مِنْ سُنَّتِي، وَمَنْ أَحْيَا سُنَّتِي فَقَدْ أَحَبَّني، وَمَنْ أَحَبَّنِي كَانَ مَعِي فِي الجَنَّةِ)) )[5].
    فالرسولُ -صلى الله عليه وسلم- يعرِض توجيهاتِه ونصائِحَه للطفل، بأسلوب سهل مباشر، يتناسب مع قدرة الطفل على الفهم وتقبُّل الخطاب، معتمداً على كلمات مختصرة مفيدة، لا طول فيها ولا إملال، وهو ما ينسجم مع طبيعة الطفل الفكرية.

    وأسلوب التوجيه والإرشاد في التربية يحتاج من المربي إلى شيء من الحرص؛ لكيلا تتحول توجيهاته وإرشاداته إلى فضائحَ وهتكٍ للستر!! فإنَّ مَن نَصَحَ أخاه سِرّاً فقد زانه، ومن نصحه جهراً فقد فضحه وشانه، وإن كان لا بد من الجهر بالتوجيه والنصيحة، فليكن ذلك بالإيماء والإشارة التي تكشف عن النصيحة المطلوبة محفوفةً بالستر، بعيداً عن الفضائح، وهو أسلوب حكيم اتَّبَعَهُ النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث كان من هديه -صلى الله عليه وسلم- أنه إذا رأى شيئاً من أصحابه أو بَلَغَهُ عنهم شيء، وأراد أن يدلَّهم وسائرَ أصحابِه على الحق فيه؛ فإنه لا يُصرِّحُ بأسمائهم ولكنه يُلَمِّحُ؛ فيسترُهم، ويحصلُ مقصودُه -صلى الله عليه وسلم- من النصح، فيقولُ صلى الله عليه وسلم: ((مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا؟!))[6].

    كما في قصة (الثلاثةِ الَّذِينَ أَتَوْا بُيُوتَ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَسَأَلُوا عَنْ عِبَادَتِهِ، فَكَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا؛ فَقَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَداً. وَقَالَ الآخَرُ: وَأَنَا أَصُومُ فَلاَ أُفْطِرُ. وَقَالَ الآخَرُ: وَأَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلاَ أَتَزَوَّجُ أَبَداً..؛ فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا بَالُ أَقْوَامٍ قَالُوا: كَذَا وَكَذَا؟!)) ثُمَّ قَالَ: ((وَلَكِنِّي أُصَلِّي وَأَنَامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنَ سُنَّتِي؛ فَلَيْسَ مِنِّي)) )[7].

    وعن أبي حُمَيْد الساعدي قال: (اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاً مِنَ الأَزْدِ -يُقَالُ له: ابنُ اللُّتْبِيَّة- عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذا أُهْدِيَ لِي!! فَقالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((فَهَلاَّ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ - أَوْ: بَيْتِ أَمِّهِ- فَيَنْظُرُ: أيُهْدَى لَهُ أَمْ لاَ؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً؛ إِلاِّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ؛ إِنْ كَانَ بَعِيراً لَهُ رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ))!! ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَة إِبْطَيْهِ[8]: ((اللَّهُمَّ، هَلْ بَلَّغْتُ! اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ!)). ثلاثاً)[9].

    وهو في هذا يُرَبِّي أُمَّتَه بتوجيههم وإرشادهم إلى ما يُقَوِّم سُلُوكَهُم، ويهذِّب أخلاقهم.
    ـــــــــــــــــــــــ
    [1] قبسات من التأديب التربوي عند المسلمين؛ عطا الله بن قسيم الحايك، دار هجر للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1422هـ، 2001م، ص:57.
    [2] أخرجه مسلم (1/75) كتاب الإيمان، باب: بيان أن الدين النصيحة (95/55)، والنسائي في السنن (7/157)، وأحمد في المسند (2/297)، والدارمي في السنن (2/311)، وأبو عوانة (1/37)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/188)، والحميدي (837)، والخطيب في التاريخ (14/207)، وابن حجر في المطالب العالية (1979) و(3284)، وذكره السيوطي في الدر المنثور (3/267).
    [3] المؤتمر العالمي الرابع للسيرة والسنة النبوية؛ والمؤتمر العاشر لمجمع البحوث الإسلامية، الأزهر الشريف 18-24 صفر سنة 1406هـ، 1-7 نوفمبر سنة 1985م، ص:253.
    [4] منهج التربية النبوية للطفل؛ مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح وأقوال العلماء العاملين، محمد نور بن عبد الحفيظ سويد، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ-1998م، ص:116.
    [5] ينظر: منهج التربية النبوية للطفل، المرجع السابق، ص:117. وهذا طرف من حديث طويل عن أنس قد تقدم تخريجه.
    [6] أخرجه أبو داود (2/665) كتاب الأدب، باب: في حسن العشرة (4788) من طريق عبد الحميد الحماني: ثنا الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة به، وفي إسناده عبد الحميد الحماني، وهو صدوق يخطئ، والأعمش مدلس. التقريب (ت: 3795، 2630).
    [7] أخرجه البخاري (10/130) كتاب النكاح، باب: الترغيب في النكاح (5063)، ومسلم (2/1020) كتاب النكاح، باب: استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مُؤَنَه (1400)، والنسائي (6/60) كتاب النكاح، باب: النهي عن التبتُّل، رقم (3217).
    [8] أي: بَيَاضَهَما. انظر: طِلْبَةَ الطِّلْبَة، عمر بن محمد أبو حفص النسفي، مكتبة المثنى، بغداد، ص:5.
    [9] التربية على منهج أهل السنة والجماعة، جمع وترتيب: أحمد فريد، الدار السلفية للنشر والتوزيع، الإسكندرية، ص (234، 235)، والحديث أخرجه البخاري (2/468)، كتاب الجمعة، باب: مَن قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد (25، 1500، 2597، 6636، 6979، 7174، 7197).
    التربية عن طريق التوجيه والإرشاد / لمحمد سالم بن على جابر
    منقول
    http://www.alukah.net/articles/3/930.aspx
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تربية الأولاد / للشيخ عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله تعالى .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 30.06.08 18:05

    التربيةُ عن طريق اللَّعِب المُبَاح
    يؤكد علماءُ التربية حديثاً أهمية اللَّعب للطفل، فيَعُدُّ ((جان بياجيه)) اللعبَ مظهراً من مظاهر النمو العقلي للطفل؛ بحيث يُعَبِّر تطورُ ألعابه عن درجة نضجه العقلي والوجداني[1]، ويرى آخرون أن اللعب نشاطٌ إيجابيٌ للطفل؛ "يجدد القوى، ويقوم مقام الاسترخاء اللازم للعضلات"[2].

    وتقول الدكتورة سهير كامل أحمد: "إن اللعب حتى مرحلة الطفولة المبكرة هو طريقة الطفل الخاصَّة للانفتاح على العالم المحيط به، وإن الطفل يعبر في أثناء اللعب عن إحساساته الكامنة حيالَ الأفراد المحيطين به؛ وتكشفُ لُعَبُ الأطفال عن حياتهم الوجدانية التخيُّليَّةِ، وعن مدى تأثرهم بعملية التطبيع الاجتماعي التي يَخَضعون لها"[3].

    وتقول الدكتورة آمنة أرشد بنجر: "إن أسلوب اللعب هو استغلال واستنفاد لطاقة الجسم الحركية، كما أنه مصدر المتعة النفسية للطفل؛ لأنه يمنح الطفل السرور والمرح والحرية، ويعده «فروبل» النشاط الروحي النقي للإنسان، فهو يشتمل على كل منابع الخير"[4].

    وترى الدكتورة وفاء محمد كمال عبد الخالق أن النشاط اللعبي محدِّد لنموِّ شخصيةِ طفلِ ما قبل المدرسة، وبغير هذا النشاط لا يمكنُ لهذه الشخصية أن تنتقل إلى المرحلة اللاحقة لها؛ ومن ثَمَّ لا يمكن أن تزوَّد شخصيتُه بالخصائص اللازمة لشخصيةِ طفلِ المدرسةِ الابتدائية إلا إذا قام النشاطُ اللعبي بدوره كنشاطٍ مُهَيْمِن على المرحلة السابقة[5].

    وهذه الأهمية التربوية للعب لم تغب عن أذهان علماء التربية الإسلامية من السلف، بل قد عرَف السلف –رحمهم الله– أهميةَ اللعب للطفل، وأرشدوا الآباء والمربين إلى ضرورة السماح للأطفال بقسط من اللعب؛ فها هو ذا الغزالي يقول: "ينبغي أن يُؤْذَن للصبي بعد الانصراف من الكُتَّاب أن يلعب لعباً جميلاً يستروحُ فيه من تَعَبِ المكتَبِ؛ بحيث لا يتعب في اللعب؛ فإنَّ مَنْعَ الصبي من اللعب، وإرهاقَه بالتعلم دائماً، يُميت قَلبَهُ، ويُبطِل ذَكَاءَهُ، وينغص عليه العيشَ حتى يطلب الحيلة في الخلاص من الكُتَّاب رأساً". وما أشار إليه الغزالي بالكُتَّاب هو ما يساوي المدرسة في عصرنا[6].

    وقد سبقت السنة النبوية جميعَ هذه الآراء المنبهة على أهمية اللعب للطفل، إذ تضافرت النصوصُ التي تدل دلالة واضحة على اهتمام النبي -صلى الله عليه وسلم- بإعطاء الأطفال حقَّهم من اللعب؛ فعن أبي أيوب الأنصاري –رضي الله عنه– أنه قال: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والحسنُ والحسينُ –رضي الله عنهما– يلعبان بين يديه أو في حِجْره، فقلت: يا رسول الله، أتحبهما؟ فقال: ((وكيف لا أحبهما وهما رَيْحَانَتَىَّ من الدُّنْيَا أشمهما؟!))[7].

    وعن جابر –رضي الله عنه– قال: دخلت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يمشي على أربعة وعلى ظهره الحسن والحسين -رضي الله عنهما- وهو يقول: ((نعم الجَمَل جملُكما، وَنِعْمَ الْعِدْلانِ أنتما!))[8].

    وعن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه– قال: رأيت الحسن والحسين -رضي الله عنهما- على عاتِقَيِ النبي -صلى الله عليه وسلم- فقلت: نِعمَ الفَرَسُ تحتكما! فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((ونعم الفارسان هما!))[9].

    وعن البَرَاء بن عَازِب -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم -يصلي، فجاء الحسن والحسين، أو أحدهما -رضي الله عنهما- فركب على ظهره، فكان إذا رفع رأسه قال بيده، فأمسكه، أو أمسكهما، وقال: ((نعم الْمَطِيَّةُ مَطِيَّتُكُمَا!)) وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ونعم الرَّاكِبان هما، وأبوهما خير منهما))[10].

    ففي الأحاديث السابقة خير شاهد على تقديره -صلى الله عليه وسلم- لحق الطفل في اللعب، إلى الحد الذي جعله يلاعب الأطفال بنفسه -صلى الله عليه وسلم-، ولا يكتفي بذلك، بل كان يقرن ذلك بمدح الطفل والثناء عليه؛ ليزيد من نشاطه النفسي في اللعب؛ فيستمر بلا كلل أو تعب، ويتابع لعبه بحب وشغف؛ وبذلك يكون اللعب غذاء جسميا ونفسيا في آن واحد[11].

    وكما كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يلاعب الأطفال بنفسه، كان يشجعهم أيضاً على اللعب معاً، فعن يَعْلَى بن مُرَّة -رضي الله عنه- قال: "كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فدُعِينا إلى طعام، فإذا الحسين يلعب في الطريق، فأسرع النبي -صلى الله عليه وسلم- أمام القوم ثم بسط يديه فجعل حسين يمر مرة هاهنا ومرة هاهنا، حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه وأذنيه ثم اعتنقه وقبله، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((حُسينُ مني وأنا منه، أحبَّ الله من أَحَبَّهُ، الحسن والحسين سِبْطَانِ من الأَسْبَاطِ))[12].
    ولم يقتصر الإذن باللعب في الإسلام على البنين، فقد أجيز للبنات اللعب، شريطة أن يكون مناسباً للفتاة، وأن يكون مناسباً لعمرها، وألا يؤدي إلى إرهاقها كالرياضة الشاقة، وأن يرتقي اللعب بأخلاقها وصحتها.

    روى أبو داود بإسناد صحيح عن عائشة –رضي الله عنها– قالت: ((قَدِمَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من غزوة تبوك أو حُنَيْن وفي سَهْوَتِهَا سِتْرٌ، فَهَبَّت ريحٌ فكشفت ناحية السِّتْرِ عن بنات لعائشة –أي: لُعَب– فقال: ما هذا يا عائشة؟ قالت: بناتي. ورأى بينهن فرساً له جناحان من رِقَاعٍ، فقال: ما هذا الذي أرى وَسْطَهُنَّ؟ قالت: فَرَسٌ، قال: وما الذي عليه؟ قالت: جناحان، قال: فرسٌ له جناحان؟! قالت: أما سمعت أن لسليمان خَيلاً لها أجنحة؟! قالت: فضَحِكَ حتى رأيت نَوَاجِذَهُ))[13].

    وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: ((تزوجني النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وأنا بنتُ ستِّ سنين، فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن الخزرج، فَوُعِكْتُ؛ فَتَمَزَّقَ شَعَرِي؛ فوفَى جُمَيْمَةً، فأتتني أمي أم رومان –وإني لفي أرجوحة ومعي صواحبُ لي– فصَرَخَتْ بي فأتيتُها، لا أدري ما تريد بي، فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأَنْهَجُ حتى سكن بعض نفسي، ثم أَخَذَتْ شيئاً من ماء فَمَسَحَت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن: على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فَأَسْلَمَتْنِي إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يَرُعْنِي إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضُحًى، فَأَسْلَمَتْنِي إليه، وأنا يومئذ بنتُ تسعِ سنين))[14].

    ففي إقراره -صلى الله عليه وسلم- لِلَعب عائشة ولُعبها التي كانت تلعب بها، ما يوضح تأكيدَ الإسلام أهميةَ اللعب للطفل، وجواز شراء اللُّعَب له؛ فعلى الآباء والمربين أن يراعوا ذلك، فيعطوا لصغارهم الفرصة للعب والترويح عن أنفسهم، ولكن مع توجيههم إلى أنواع اللعب الملائمة لهم؛ بحيث يمكن من خلالها تحقيقُ الفوائد المرجوة من اللعب، التي من أهمها:
    • إزالة التوتُّر النفسي والجسمي عند الطفل.
    • إدخال المتعة والتنوع في حياة الطفل.
    • استكشاف الطفل لنفسه وللعالم المحيط به، وفي ذلك تعلُّم الطفل لأشياء جديدة.
    • تعلم الطفل حلَّ مشكلاته الخاصة.
    • تعبير الطفل من خلال اللعب عن حاجاته ورغباته التعبيرَ الكافي في حياته الواقعية.
    • تمرين الطفل وتدريب عضلاته عن طريق ألعاب الحركة.
    • الرغبة في التعلم؛ لأن اللعب نشاط مشوق لا إكراه فيه.
    • استخدام الطفل جميعَ حواسه، وذلك يزيد قدرته على التركيز؛ ومن ثَمَّ زيادة الفهم.
    • عمل اللعب على تطبيع الطفل اجتماعيّاً؛ لتقويم الخلق لديه والتضامن مع رفاقه، خاصة في اللعب الجماعي.
    • القضاء على المَلل؛ إذ يوفِّر اللعب فرصة القضاء على (الروتين) اليومي لأحداث الحياة[15].
    وعلى الوالدَيْن أن يشتريا للطفل من اللُّعَب ما يناسب عمره وقدرته، ويضعاها بين يديه وفي متناوله؛ وذلك ليبدأ تشغيل عقله وحواسه شيئاً فشيئاً.

    وحتى تكون اللُّعبةُ مفيدةً وجيدة للطفل؛ لا بد للوالدين أن يطرحا على أنفسهما التساؤلات التالية حين شراء الألعاب لأطفالهم:
    • هل هذه اللعبة من النوع الذي يستثير نشاطاً جسديّاً صحيّاً مفيداً للطفل؟
    • أهي من النوع الذي يرضي الحاجة للاستكشاف، والتحكم في الأشياء؟
    • أهي من النوع الذي يتيح التفكيك والتركيب؟
    • أهي من النوع الذي يشجع تقليد سلوك الكبار وطرائق تفكيرهم؟

    فإذا كانت الإجابة بـ(نعم) كانت اللعبة مناسبة ومفيدة تربويّاً، وإلا فلا[16].
    ـــــــــــــــــــــــــــــــ
    [1] ينظر: نمو الشخصية (نظرية وتطبيق)؛ د. وفاء محمد كمال عبد الخالق، سنة 1999م، ص (93). سيكولوجية نمو الطفل؛ د. سهير كامل أحمد، مركز الإسكندرية للكتاب سنة 1999م، ص (81).
    [2] ينظر: نمو الشخصية: نظرية وتطبيق؛ مرجع سابق، ص (93).
    [3] ينظر: سيكولوجية نمو الطفل؛ مرجع سابق، ص (81).
    [4] ينظر: أصول تربية الطفل المسلم: الواقع والمستقبل، د. آمنة أرشد بنجر، دار الزهراء للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الأولى، 1421هـ/2000م، ص (176).
    [5] ينظر: نمو الشخصية: نظرية وتطبيق؛ مرجع سابق، ص (95).
    [6] ينظر: المؤتمر الرابع للسنة النبوية؛ ص (824).
    [7] أخرجه الطبراني في الكبير (4/155) رقم (3990) من طريق الحسن بن عنبسة: ثنا علي بن هاشم عن محمد بن عبيد الله بن علي عن عبد الله بن عبد الرحمن الحزمي عن أبيه عن جده عن أبي أيوب الأنصاري به. وقال الهيثمي في المجمع (9/184): فيه الحسن بن عنبسة وهو ضعيف. قلت: وفيه أيضاً محمد بن عبيد الله بن علي بن أبي رافع، قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن حبان: منكر الحديث جدّاً ذاهب، وقال الذهبي في الميزان (6/246): ضعفوه. فالحديث إسناده ضعيف جدّاً.
    [8] ينظر: تربية الطفل في الإسلام: النظرية والتطبيق؛ د. محمد عبد السلام العجمي، وآخرون، مكتبة الرشد، المملكة العربية السعودية، الرياض، الطبعة الأولى، 1425هـ/2004م، ص (88). والحديث أخرجه الطبراني في الكبير (3/46) رقم (2661) من طريق مسروح أبي شهاب عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر به، وبهذا الإسناد أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/247)، وابن حبان في المجروحين (3/19) في ترجمة مسروح أبي شهاب، قال ابن حبان: شيخ يروي عن الثوري ما لا يتابع عليه، لا يجوز الاحتجاج بخبره لمخالفته الأثبات في كل ما يروي.
    وقال أبو حاتم: يحتاج إلى التوبة من حديث باطل رواه عن الثوري، يعني هذا الحديث. الميزان (6/406).
    وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/185): فيه مسروح أبو شهاب، وهو ضعيف.
    [9] أخرجه البزار (293- البحر الزخار) من طريق الحسن بن عنبسة عن علي بن هاشم بن البريد عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر... فذكره. قلت: إسناده ضعيف؛ لضعف الحسن بن عنبسة ومحمد بن عبيد الله بن أبي رافع كما تقدم. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/185): رواه أبو يعلى في الكبير ورجاله رجال الصحيح، ورواه البزار بإسناد ضعيف.
    [10] ينظر: منهج التربية النبوية للطفل، مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح وأقوال العلماء العاملين؛ محمد نور بن عبد الحفيظ سويد، دار ابن كثير، دمشق، بيروت، الطبعة الأولى، 1419هـ-1998م، ص (346). والحديث أخرجه الطبراني في الكبير (3/65)، وفي الأوسط (3987)، وقال الهيثمي في المجمع (9/185): إسناده حسن.
    [11] ينظر: منهج التربية النبوية للطفل، مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح وأقوال العلماء العاملين؛ مرجع سابق، ص (346، 347).
    [12] أخرجه ابن ماجه (1/152) في المقدمة، باب: فضل الحسن والحسين (144)، والترمذي (6/118) كتاب المناقب، باب: مناقب أبي محمد الحسن بن علي والحسين بن علي رضي الله عنهما (3775)، وأحمد (4/172)، وابن حبان (6971)، والطبراني في الكبير (3/21)، رقم (2587)، والحاكم (3/177)، من طريق سعيد بن أبي راشد عن يعلى بن مرة به.
    وقال الترمذي: حديث حسن. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. قلت: في إسناده سعيد بن أبي راشد، وهو مقبول عند المتابعة، وإلا فلين، وقد توبع تابعه راشد بن سعد عن يعلى بن مرة به؛ أخرجه البخاري في الأدب المفرد (364)، والطبراني في الكبير (3/20) رقم (2586)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/308-309)، من طريق عبد الله بن صالح عن معاوية بن صالح عن راشد بن سعد عن يعلى بن مرة. قلت: وهي متابعة ضعيفة؛ ففي الطريق إلى راشد بن سعد، عبد الله بن صالح، وهو كثير الغلط وكانت فيه غفلة. التقريب (ت: 3409). والحديث حسنه الألباني في الصحيحة (1227).
    [13] أخرجه أبو داود (2/701) كتاب الأدب، باب: في اللعب بالبنات (4932)، والبيهقي (10/219) وإسناده صحيح.
    [14] ينظر: تربية الطفل في الإسلام، مرجع سابق، ص (89). والحديث أخرجه البخاري (7/627، 628) كتاب مناقب الأنصار، باب: تزويج النبي –صلى الله عليه وسلم- عائشة (3894)، ومسلم (2/1038) كتاب النكاح، باب: تزويج الأب البكر الصغيرة (69/1422).
    [15] ينظر: أصول تربية الطفل المسلم: الواقع والمستقبل؛ مرجع سابق ص (176، 177).
    [16] ينظر: منهج التربية النبوية للطفل، مع نماذج تطبيقية من حياة السلف الصالح وأقوال العلماء العاملين؛ ص (106).
    التربيةُ عن طريق اللَّعِب المُبَاح / لمحمد سالم بن على جابر
    منقول
    http://www.alukah.net/articles/3/1034.aspx
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تربية الأولاد / للشيخ عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله تعالى .

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 30.06.08 18:08

    التربيةُ عن طريق جماعاتِ الأصدقاء
    لِجماعات الأصدقاء والرفاق درٌ كبير في حياة الفرد في مختلف مراحلِ عمره، ففي مرحلة الطفولة يُقْبِلُ الطفلُ بشَغَفٍ على مُشَاطَرة الأطفال الآخرين لعبَهم، والتعاون معهم، حتى أطلق البعض على مرحلة الطفولة مرحلةَ الاجتماعية الطبيعية؛ إذ يُحب الأطفالُ اللعبَ مع بعضهم بطريقة جماعية، ويتعاونون في نشاطاتهم المختلفة[1]، وقد وُجِدَ أن الطفل يحصل على أفضل النتائج من خلال مشاطرة الآخرين لعبهم والتعاون معهم[2].

    وفي مرحلة المراهقة يرتبطُ المراهقُ ارتباطاً وثيقاً بمجموعة النُّظَرَاء (الشِّلَّة)، فيسعى إليها سعياً أكيداً، ويكافحُ في سبيل تثبيت مكانته بها، ويتبنَّى قِيَمَها ومعاييرَها ومُثُلَها السلوكية، ويتجه إليها -قبل غيرها من المجموعات الأخرى– بوجدانه وعاطفته وولائه؛ ذلك أن المراهق يشعر في وسط إخوانه بالمشابهة والمجانسة وبوحدة الأهداف والمشاعر، كما يشعر في الوقت نفسه بالهوة الواسعة التي تَفصِل بينه وبين الكبار في كثير من الأحيان[3].

    كما تمارسُ جماعاتُ الأصدقاء والرِّفاق دورَها وأثرها في حياة الفرد فيما بعد مرحلة المراهقة من مراحل الحياة، وهنا تجدُرُ الإشارةُ إلى أن أماكن العمل -سواء أكانت رسميَّة أم تَطَوُّعيَّة- تُعَدُّ من جماعات الرفاق، إلا أنه يغلِب عليها الطابع الرسمي في العادة، وهي مؤسسات اجتماعية ذات تأثيرٍ مُهمٍ على تربية الإنسان بعامة؛ نظراً لما يترتب على وجوده فيها من احتكاك بالآخرين، إضافة إلى أنه يقضي فيها جزءاً ليس باليسير من وقته الذي يكتسبُ خلالَه الكثيرَ من المهارات والعادات والطباع والخبرات المختلفة.

    والمعنى: أن جماعات الرِّفاق توجد وتمارس نشاطاتها المختلفة في المكان الذي يجتمع فيه أفرادُها، إذ تجمعهم –في الغالب– الاهتماماتُ المشتركة والنشاطات المرغوب فيها؛ كالنشاطات الرياضية، أو الترويحية، أو الثقافية، أو الاجتماعية، أو الوظيفية، أو التطوعية، ونحوها.

    كما أنَّ لكل جماعة من جماعات الرفاق ثقافةً خاصة بهم، وهذه الثقافة تُعَدُّ فرعية ومتناسبة مع مستوياتهم العقلية والعمرية، وخبراتهم الشخصية، وحاجاتهم المختلفة، إلا أنها تختلف من جماعة إلى أخرى، تبعاً للمستويات الثقافية والتعليمية والعمرية، والأوساط الاجتماعية المتباينة[4].

    وذلك الدور الكبير الذي تؤديه جماعاتُ الرِّفاق والأصدقاء في المراحل المختلفة من حياة الإنسان، يُلقِي الضوءَ على جانبٍ من جوانب التميُّز في التربية الإسلامية، التي عُنيت بجماعات الرفاق والأصدقاء؛ لأنها وسيلة مهمة من وسائل التربية؛ إذ حرَص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أن يَنشأ الطفلُ بين الأطفال بعيداً عن العُزْلَةِ والانطواء؛ فقد مر -صلى الله عليه وسلم- بصبيان يلعبون فَسَلَّم عليهم، فعن أنس قال: ((انتهى إلينا رسول الله وأنا غلام مع الغلمان، فسلم علينا ...))[5].

    وفي هذا تنبيه منه -صلى الله عليه وسلم- على السماح للطفل بالاتصال بالأطفال الآخرين، وخصوصاً في زمن الطفولة الأولى التي تترك آثاراً دائمة في شخصيته؛ لذا فالأطفال الذين يُعزَلون عن جماعاتهم الإنسانية لسبب أو لآخر، لا يستطيعون أن يكوِّنوا شخصياتٍ إنسانية؛ إذ إن هذا التكوين لا بد له من أشخاص آخرين يتفاعلون معهم[6].

    ولكن لكي يؤتي هذا الاختلاطُ ثمارَه التربوية المرغوب فيها؛ فلا بد أن يُحسِن المُرَبُّون اختيارَ الصُّحْبَة التي يختلط بها الطفل، وكذلك لا بد أن يحسن الفردُ في كل مرحلة من مراحل حياته اختيارَ صحبته ورفاقه، وهو ما نبه عليه الحق -سبحانه وتعالى- بقوله: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً} [الفرقان: 27، 28]، ويقول سبحانه: {الْأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].

    كما نبه النبي -صلى الله عليه وسلم- على أهمية اختيار الصاحب والرفيق، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((المرءُ على دين خليله؛ فلينظرْ أَحَدُكُم من يُخَالِل))[7].

    ويقول أيضا: ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصالح والجليس السَّوء كحامل المسك وَنَافِخِ الْكِيرِ؛ فحاملُ المسك إما أن يُحْذِيَكَ، وإما أن تَبْتَاعَ منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيِّبة، وَنَافِخُ الْكِيرِ إما أن يُحرِق ثيابَك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة))[8].

    وفيما رواه ابن عساكر: ((إيَّاكَ وَقَرِينَ السُّوء؛ فإنك به تُعْرَف))[9].

    وكذلك أدرك السلفُ الصالح دورَ الرفاق والأصدقاء وتأثيرَهم في الفرد؛ فيقول الإمام علي –كرم الله وجهه-: "إياك ومخالطةَ السَّفِلة؛ فإن السَّفِلة لا تؤدي إلى خير"[10].

    ويقول أيضا: "الأصدقاء نفس واحدة في جُسُومٍ متفرقة"[11].

    وينصح ابنُ سينا في تربية الصغير أن يكون معه في مكتبه "صِبْيةٌ حَسَنَةٌ آدابُهم، مَرْضِيَّةٌ عاداتُهم؛ لأن الصبيَّ عن الصبيِّ أَلْقَن، وهو عنه آخذ، وبه آنس"[12].

    وعلى الآباء والمربين أن يبادروا بتوجيه الصغار إلى أهمية الصحبة الصالحة، وأن يُرَغِّبوهُم في مرافقة ذوي الأخلاق الحسنة، وأن يُنَفِّرُوهُم من رُفقَةِ ذَوِي النُّفوس الخبيثة والأخلاق الذميمة منذ الصِّغَر، ولا يهملوا ذلك إلى مراحلَ تالية؛ لأنه مع تَقَدُّم العمر بالطفل يَكره تدخلَ الآباء في اختيار رفاقه وأصدقائِهِ، ويَرْغَبُ في أن ينفرد هو باختياره؛ ولا سيما في مرحلة المراهقة، إذ يختار المُرَاهِق من يريد من أصدقائه بنفسه، ويرفضُ أيَّ تَدَخُّل من والديه في ذلك الموضوع، بخلاف الطفل، الذي لا يمانعُ مطلقاً في أن يختار له الوالدان بعضَ الأصدقاء، ومعنى ذلك أن موقف الطفل من والديه في اختيار الأصدقاء إنما هو موقفٌ سلبيٌّ[13].

    فيجب على الآباء والمربين استغلالُ هذا الموقف السلبي من جهة الطفل، بتعويده اختيارَ الصديق الصالح؛ فإنه إن اعتاد ذلك في صغره شب عليه ثم استمر كذلك في باقي مراحل حياته.

    وأما المراهقُ فإن دوره في اختيار الأصدقاء دورٌ إيجابيٌّ؛ ومن ثم فكثيراً ما يظهر على وجه المراهق مظاهرُ عدم الرضا عن الأسلوب الذي تتبعه الأسرة في التوجيه أو الأمر بعدم مصادقة شخص أو أشخاص معروفين بالسلوك الشاذ؛ فهو يرفض التَّدَخُّل بالأسلوب المباشر، على الرغم من قناعته بصحة وسلامة رأي الأسرة؛ لأنه يعُدُّ هذا التدخل إضعافا لشخصيته، وهذا يتطلب من المربين إذا أرادوا التدخل في اختيار أصدقاء المراهق أن يكون تدخلُهم بأسلوب غير مباشر، بأن يناقش الأب مثلاً مع ابنه قضايا الأخلاق والعلاقات الاجتماعية مناقشةً موضوعية، وأن يتحدث خلالَها عن الصفات التي يجبُ أن تتوافر في الأصدقاء، ويعطي فرصة للمراهق في الحديث الحر عن الصفات المُثْلَى للصديق[14].

    ولا شك أن هذا المراهق إذا كان قد تَعَوَّد منذ الصغر اختيارَ الصديق الصالح، ونشأ على البعد عن أصدقاء السوء؛ فإن هذا سيسهل كثيراً على الأب مهمةَ توجيهه إلى ما يريد بالطريق غير المباشر.
    ــــــــــــــــــــــــــ
    [1] ينظر: الطفولة والمراهقة؛ ج.أ. هادفيلد، ترجمة: أحمد شوكت، وعدنان خالد، دار الكتب، جامعة الموصل، (ص42).
    [2] ينظر: الطفل في الشريعة الإسلامية ومنهج التربية النبوية؛ سهام مهدي جبار، سلسلة الكتاب التربوي الإسلامي، إشراف: د. محمد منير سعد الدين، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، الطبعة الأولى 1417هـ/1997م، (ص507).
    [3] ينظر: تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس؛ محمد السيد محمد الزعبلاوي، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، ط 4، 1419هـ/1998م، (ص175).
    [4] ينظر: مقدمة في التربية الإسلامية؛ د. صالح بن علي أبو عراد، الدار الصولتية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 1424هـ/2003م، (ص111).
    [5] أخرجه أبو داود (5205) باب فِى السَّلاَمِ عَلَى الصِّبْيَانِ، وابن ماجه (562) باب الْحِيَاضِ، وصححه الألباني.
    [6] ينظر: الطفل في الشريعة الإسلامية؛ مرجع سابق (ص508).
    [7] أخرجه أبو داود (4833)، والترمذي (4/559) كتاب الزهد (2378)، وأحمد في المسند (2/303)، والحاكم في المستدرك (4/171) كتاب البر، باب: المرء على دين خليله وقال: صحيح إن شاء الله تعالى، ووافقه الذهبي.
    [8] ينظر: الطفل في الشريعة الإسلامية؛ مرجع سابق، (ص509). والحديث أخرجه البخاري (9/577) كتاب الذبائح، باب: المسك (5534)، ومسلم (4/2026) كتاب البر والصلة، باب: استحباب مجالسة الصالحين (146/2628).
    [9] أخرجه ابن عساكر من حديث أنس بن مالك كما في كشف الخفاء (1/319)، وقال الألباني في السلسلة الضعيفة (847): موضوع.
    [10] ينظر: الأخلاق عند الإمام الصادق؛ محمد أمين زين الدين، منظمة الإعلام الإسلامي، قسم العلاقات الدولية، بيروت، سنة 1403هـ/1983م، (ص113).
    [11] ينظر: ميزان الحكمة؛ محمد الري شهري، الدار الإسلامية للطباعة والنشر، بيروت، سنة 1405هـ/1985م، (5/296).
    [12] ينظر: مقالات فلسفية لمشاهير العرب، مسلمين ونصارى؛ لويس شيخو وآخرون، دار العرب بستاني، القاهرة، الطبعة الثالثة، سنة 1985، (ص13)، الطفل في الشريعة الإسلامية، مرجع سابق، (ص509).
    [13] ينظر: تربية المراهق بين الإسلام وعلم النفس؛ مرجع سابق، (ص186).
    [14] ينظر: السابق، (ص187).
    التربيةُ عن طريق جماعاتِ الأصدقاء / لمحمد بن سالم بن علي جابر
    منقول
    http://www.alukah.net/articles/3/1173.aspx
    avatar
    أبوعبدالملك النوبي الأثري
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 849
    العمر : 45
    البلد : مصر السنية
    العمل : تسويق شركة كمبيوتر
    شكر : -1
    تاريخ التسجيل : 10/05/2008

    الملفات الصوتية رد: تربية الأولاد / للشيخ عبد العزيز آل الشيخ - حفظه الله تعالى .

    مُساهمة من طرف أبوعبدالملك النوبي الأثري 21.08.08 17:49

    pig

      الوقت/التاريخ الآن هو 26.11.24 10:01