ترجمة :
محدث الفقهاء الشيخ محمد بن إبراهيم آل شيخ
-رحمه الله تعالى-
مولده - نشأته - أسرته :
ولد الشيخ رحمه الله في حي دخنة من مدينة الرياض في شهر الله المحرم سنة 1311هـ ، وأخواله الهلالي أسرة تسكن عرقة ، نشأ هذا المولود في بيئة ومجتمع زكي ، فأبوه وأعمامه أهل علم ودعوة وجهاد وصف ذلك الشيخ عبد الله بن بسام فقال : " كان مولده في بيت علم وفضل وزعامة دينية ، فنشأ على عادة أهله وآبائه محبًا للعلم طموحًا إلى الفضل " . وينشأ الناشئ يقتبس من أخلاق وأوصاف من حوله ، فوالد الشيخ هو الشيخ الورع إبراهيم ابن عبد اللطيف قاضي مدينة الرياض ، وله رسائل وفتاوى ، كان رحمه الله متميزًا بالعدل الظاهر في قضائه ومقابلة الخصوم ، وكان ناظمًا للشعر مجيدًا له كأبيه عبد اللطيف . وأما أعمام الشيخ محمد فأكبرهم الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف عالم نجد بعد أبيه ، وقائدها وكريمها ، بهر الرجال بحنكته وعقله ، وأدهشهم بعلمه وفضله ، هابه أمراء المدن والأقاليم الذي عقبوا آل سعود فيما بين الدولتين السعودية الثانية والثالثة ، فأظهروا محبته تارة وأضافوه في بلادهم ، وأكرموه ، فما حل ببلد ولا قرية إلا نشر دعوة التوحيد والعلم النافع ثم رجع إلى الرياض ، ثم لما قدم الملك عبد العزيز رحمه الله الرياض كان سنده وعضده بعقل وحكمة ، بل إن كثيرًا من جند الملك عبد العزيز كانوا من المتأثرين بالشيخ المتخرجين في حلق علمه ومدرسته ، رحمه الله رحمة واسعة . وكذلك بقية أعمام المترجم له كانوا أهل علم وفضل كالمشايخ محمد بن عبد اللطيف وعبد العزيز وعبد الرحمن وعمر ، ولهم أخبار وأحوال كالعبير رحيقًا ، وصفهم الواصفون بنعوت أشبهوا بها الأوائل سمتًا وهديًا وعبادة وصلاحًا وعلمًا ، رحمهم الله ووفق ذرياتهم . نشأ الشيخ في هذه الأسرة فلا غرو أن أثرت فيه ، وقد نهل منها واحتذى حذوها ، فتوجه بتوفيق الله من أثر هذه البيئة والمجتمع الذي حوله إلى العلم قابسًا من عقل ذوي العقل ، وتقى ذوي التقى ، وغيرة ذوي الغيرة وكلهم ذاك الرجل ، فطلب العلم على قاعدة الدين والعمل والعقل والغيرة لله فكان ذلك معلمًا بارزًا لنبوغه وتهيُّؤه للقيادة والريادة . لما بلغ السابعة من العمر أي سنة 1318هـ شرع يتعلم القرآن بتجويده نظرًا على المقرئ ذي الصوت العذب المؤثر عبد الرحمن بن مفيريج ، فأجاده نظرًا ، ثم ابتدأ حفظه في سن الحادية عشرة ، وتعلم الكتابة وكان إذ ذاك مبصرًا ، وكتابته في صغره حسنة على أصولها كما ينبئ عن ذلك ورقة فيها كتابته إذ ذاك . بعد هذا الأساس الأول لمن يريد طلب العلم الشرعي بحق - أعني حفظ القرآن - شرع يقرأ على مشايخه فكان أولهم والده الشيخ إبراهيم ، فقرأ عليه في مختصرات رسائل أئمة الدعوة ونُبَذ إمام الدعوة رحمه الله ، كان يحفظ المتن ثم يقرؤه على والده ثم يشرح له والده ما يُفهِمه مرامي كلامِهم ، وأصول مسائلهم ، وهكذا ينبغي أن يكون التوحيد هو أول مُتَعَلَم ، وإنما يفهم ويضبط بضبط متونه قبل شروحه ، إذ من حفظ وضبط المتون حاز الفنون . ولما بلغ قريبًا من السادسة عشرة مرض بالرمد في عينيه ، وطال معه إلى قرابة سنة ، إلى أن كفَّ بصره عوضه الله الجنة . بعد هذا شرع في حفظ القرآن وتثبيته وتنوع القراءة على مشايخه ، كما سيأتي فيما بعدُ . وفي 6/12/1329هـ تُوفي والده عن عمرٍ يقارب 49 سنة إذ مولده سنة 1280هـ وكان للشيخ إبراهيم أربعة أبناء كبيرهم عبد الله ( 1305 - 1386هـ ) ثم محمد ثم عبد اللطيف ( 1315 - 1386هـ ) ثم عبد الملك ( 1324 - 1404هـ ) ، وكلهم عُرِف بالعلم والحلم والسداد رحمهم الله أجمعين . فكان الشيخ رحمه الله لصغار إخوته حانيًا ومربيًا ومعلمًا .
تعلمه - مشايخه :
جدّ الشيخ في تلك السن المبكرة على طلب العلم ، فتنقل بين علماء بلده يأخذ عنهم العلوم الشرعية الأصلية والمساندة ، فأخذ عن كل شيخ من مشايخه العلوم التي يدرسها ، وبالأخص ما يتميز به كل شيخ من العلوم ، ولهذا برع فيما درس لبراعة مشايخه وحسن استعداده العلمي والفطري : ففي التوحيد صارت له يد التحقيق ، وفي الفقه رسخت قدمه في الاجتهاد ، وفي العربية وعلومها صار معلمها الشارح لها أحسن شرح وهكذا في سائر العلوم ، ولا غرو أن كان كذلك إذ إنه تتلمذ لمشايخ برعوا في علومهم ، ومشايخه هم : 1 - والده الشيخ إبراهيم . ( 1280 - 1329هـ ) . 2 - عمه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف . ( 1265 - 1339هـ ) . 3 - الشيخ النحوي الفرضي الفقيه حمد بن فارس . ( 1263 - 1345هـ ) . 4 - الشيخ المحدث الفقيه سعد بن عتيق . ( 1279 - 1345هـ ) . 5 - الشيخ الفرضي عبد الله بن راشد . ( وفاته 1339هـ ) . 6 - الشيخ الفقيه محمد بن محمود . ( 1250 - 1333هـ ) . قرأ على والده أصول التوحيد ومختصراته ، والفرائض ، ثم توسع في الفرائض على الشيخ عبد الله ابن راشد فقرأ عليه ألفية الفرائض . وقرأ على عمه كتبًا كثيرة حفظًا منها كتب العقائد والتوحيد ككتاب التوحيد وكشف الشبهات وثلاثة الأصول ونحوها ، وبقية كتب أئمة الدعوة ، وقرأ الواسطية والحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وحين يقال : قرأ فيعني حفظ غالبًا ، وفهم ذلك وجوَّده . وقرأ في الفقه مختصراته أولاً على الشيخ حمد بن فارس فحفظ زاد المستقنع ، ثم قرأ على الشيخ محمد بن محمود ثم الشيخ سعد بن عتيق ، وكان هؤلاء الثلاثة ممن برعوا في الفقه وحققوا مسائله ، وضبطوا غرائبه . وأما في الحديث : فقد حفظ بلوغ المرام وقريبًا من نصف " منتقى الأخبار " للمجد ابن تيمية وقرأهما على عمه الشيخ عبد الله ، وكرر قراءة بلوغ المرام على المحدث الشيخ سعد بن عتيق وأمرّ عليه ألفية العراقي . وقد أُعطي إجازات في الحديث متنوعة وروى بأسانيده عددًا من الأحاديث إلى رسول الله r بسماعٍ لا إجازة ، ولولا خشية الإطالة لسقت ذلك مفصلاً . وأما في علوم العربية : فقد حفظ من متونها ما به تثبت القدم ، ويرسخ الفهم ، فقرأ الآجرومية ، وملحة الإعراب للحريري ، وقطر الندى لابن هشام ، وألفية ابن مالك المشهورة ، قرأ هذه المتون على العلامة النحوي الحليم المتورع الفقيه الشيخ حمد بن فارس . وقد دَرَّس الشيخ بعد ذلك هذه المتون النحوية فبرز في ذلك . نعم .. إن للأخذ عن المشايخ فوائد مع الحصيلة العلمية ، فالتلميذ يقبس من أخلاق مشايخه ويتأثر بسجاياهم والخصال الجميلة التي يتحلون بها . ولا غرو أن رأينا مشايخ الشيخ محمد بن إبراهيم متنوعين فيما منحهم الله به ، فهاهو الشيخ عبد الله عمه جمع إلى العلم الدهاء والعقل وحسن السياسة والقيادة ، والشيخ سعد بن عتيق جمع إلى العلم الصدع بالحق والقوة فيه ، والشيخ حمد بن فارس جمع إلى العلم الحلم العجيب والورع عن المشتبهات ، والتوقف عن المزلات .. وهكذا ، ومن نظر في خصال المترجم له وشخصيته وبنيته العقلية والخُلُقية والعلمية كاد أن يجزم أنه جمع المحاسن التي تفرقت في مشايخه ، وتحلى بالفضائل التي تبددت في غيره ، وليس في هذا مبالغة ولكن من عرفه علم ما ذكرناه .
إخوانه - زملاؤه :
سبق أن ذكرت أن للشيخ ثلاثة من الأخوة هم الشيخ عبد الله وكان إمامًا لمسجد ابن شلوان في الرياض وكان - إضافة إلى علمه - متميزًا بصفاتٍ كلين العريكة وطيب المعشر وضبط الحديث وحسن الخلق ، وكان من العارفين بالأنساب الضابطين لها ، وكان أخباريًا ثبتًا في حديثه ، والشيخ عبد الله أسن من الشيخ محمد رحمهما الله ، وقد كان الشيخ ينيبه أحيانًا لخطبة الجمعة . والشيخ عبد اللطيف كان حليف الود للشيخ محمد من صغره ، كان مرافقًا له في ذهابه وإيابه غالبًا ، قريبًا منه ، وكان معينًا له في تحضير الدروس ، والشيخ عبد اللطيف كان - إضافة إلى علمه الشرعي - من الأدباء الشعراء ، والنحويين الغرضيين ، فله الشعر الرائق المحفوظ ، وقد درَّس الطلاب مع الشيخ محمد ونيابة عنه في فنون العربية والفرائض وغيرها . وكان متميزًا ببذل نفسه للناس يخدم هذا ، ويكتب لذاك ، ويشفع لهذا ويعطي ذاك ، وربما أرهقه الناس بما يرغبون فيه وهو صابر عليهم ، فربما خرج من المسجد في اليوم الحار فأمسك به ذوو الحاجات فيقضي لهم ما يقدر عليه من كتابة وغيرها ويدوم ذلك الساعة وأكثر وهم وقوف في الحر فيما بين المسجد والبيت ، هكذا حدثني من رأى ذلك . ومحبةُ الشيخ رحمه الله لأخيه تظهر في أبيات إخوانية نظمها الشيخ محمد وأرسلها للشيخ عبد اللطيف لما سافر في مهمة شرعية ، قال فيها : فإما أنختم بالـفنا ولـقيتمـوا شقيقي حليف الود مذ هو صغير فقولوا له يهدي السلام مضاعفًا إليك محب فـي هـواك أسـير ويهدي تحيـاتٍ كأن أريجهـا لدى النشر يا عبد اللطيف عبـير إلى آخرها والشيخ عبد اللطيف قد تولى مناصب شرعية آخرها نائب رئيس الكليات والمعاهد العلمية ( جامعة الإمام حاليًا ) . وأما الشيخ عبد الملك فهو الخيِّر الصامت ، الوقور الليِّن ، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر جمع إلى علمه من صفات الخير وبذل المال والمعروف ما يَشْهد به له من عرفه ، كان قريبًا من الشيخ وصحب الشيخ محمدًا في سفره إلى ( الغطغط ) لما أقام فيها الستة أشهر للدعوة والتعليم والقضاء ، وكان يكتب أحيانًا للشيخ ، فهو بمثابة الابن لأخيه الأكبر . وكان رحمه الله رئيسًا لهيئات الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المنطقة الغربية . أما زملاؤه : فأخص منهم الشيخ عبد العزيز بن صالح المرشد المولود سنة 1313هـ ، كان رفيقًا للشيخ في طفولتهما ، وفي شبابهما ، وفي طلبهما للعلم ، طلبا سويًّا ، وتنقلا بين المشايخ سنيّا . كان مما حدثني أنه استأجر هو والشيخ بيتًا صغيرًا ، وضعا فيه كتبهما ، استأجراه للتفرغ فيه للمطالعة فكانا يأويان إليه يحفظان ويدرسان ويتذكران ، وكانت الأجرة 7 ريالات عربية . الشيخ عبد العزيز بن صالح رحمه الله إذا جلست معه ذكرت السلف ، ورأيت الزهد والتقوى ، والعلم والورع ، والحكمة والأخبار ، وأحسبه من الزاهدين العلماء ، له لهج بالدعوة دعوة التوحيد ، ومحبة لأهلها ، حلقة علمه بعد مغرب كل يوم دامت عقودًا من الأعوام ، وليت المقام أوسع من هذا لأذكر ما أعرفه عنه فهو عَلَمٌ قلَّ من يعرف أحواله وخصاله . دامت صحبته وزمالته للشيخ محمد إلى وفاته ، وقد ذكر لي أنه ما ترك الشيخ محمدًا في دعائه أبدًا في صلاة الليل ( يعني آخر الليل ) ، لأنها صحبة دين ومحبةٌ لله رحمهما الله ، وجمعهما في الفردوس .
محدث الفقهاء الشيخ محمد بن إبراهيم آل شيخ
-رحمه الله تعالى-
مولده - نشأته - أسرته :
ولد الشيخ رحمه الله في حي دخنة من مدينة الرياض في شهر الله المحرم سنة 1311هـ ، وأخواله الهلالي أسرة تسكن عرقة ، نشأ هذا المولود في بيئة ومجتمع زكي ، فأبوه وأعمامه أهل علم ودعوة وجهاد وصف ذلك الشيخ عبد الله بن بسام فقال : " كان مولده في بيت علم وفضل وزعامة دينية ، فنشأ على عادة أهله وآبائه محبًا للعلم طموحًا إلى الفضل " . وينشأ الناشئ يقتبس من أخلاق وأوصاف من حوله ، فوالد الشيخ هو الشيخ الورع إبراهيم ابن عبد اللطيف قاضي مدينة الرياض ، وله رسائل وفتاوى ، كان رحمه الله متميزًا بالعدل الظاهر في قضائه ومقابلة الخصوم ، وكان ناظمًا للشعر مجيدًا له كأبيه عبد اللطيف . وأما أعمام الشيخ محمد فأكبرهم الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف عالم نجد بعد أبيه ، وقائدها وكريمها ، بهر الرجال بحنكته وعقله ، وأدهشهم بعلمه وفضله ، هابه أمراء المدن والأقاليم الذي عقبوا آل سعود فيما بين الدولتين السعودية الثانية والثالثة ، فأظهروا محبته تارة وأضافوه في بلادهم ، وأكرموه ، فما حل ببلد ولا قرية إلا نشر دعوة التوحيد والعلم النافع ثم رجع إلى الرياض ، ثم لما قدم الملك عبد العزيز رحمه الله الرياض كان سنده وعضده بعقل وحكمة ، بل إن كثيرًا من جند الملك عبد العزيز كانوا من المتأثرين بالشيخ المتخرجين في حلق علمه ومدرسته ، رحمه الله رحمة واسعة . وكذلك بقية أعمام المترجم له كانوا أهل علم وفضل كالمشايخ محمد بن عبد اللطيف وعبد العزيز وعبد الرحمن وعمر ، ولهم أخبار وأحوال كالعبير رحيقًا ، وصفهم الواصفون بنعوت أشبهوا بها الأوائل سمتًا وهديًا وعبادة وصلاحًا وعلمًا ، رحمهم الله ووفق ذرياتهم . نشأ الشيخ في هذه الأسرة فلا غرو أن أثرت فيه ، وقد نهل منها واحتذى حذوها ، فتوجه بتوفيق الله من أثر هذه البيئة والمجتمع الذي حوله إلى العلم قابسًا من عقل ذوي العقل ، وتقى ذوي التقى ، وغيرة ذوي الغيرة وكلهم ذاك الرجل ، فطلب العلم على قاعدة الدين والعمل والعقل والغيرة لله فكان ذلك معلمًا بارزًا لنبوغه وتهيُّؤه للقيادة والريادة . لما بلغ السابعة من العمر أي سنة 1318هـ شرع يتعلم القرآن بتجويده نظرًا على المقرئ ذي الصوت العذب المؤثر عبد الرحمن بن مفيريج ، فأجاده نظرًا ، ثم ابتدأ حفظه في سن الحادية عشرة ، وتعلم الكتابة وكان إذ ذاك مبصرًا ، وكتابته في صغره حسنة على أصولها كما ينبئ عن ذلك ورقة فيها كتابته إذ ذاك . بعد هذا الأساس الأول لمن يريد طلب العلم الشرعي بحق - أعني حفظ القرآن - شرع يقرأ على مشايخه فكان أولهم والده الشيخ إبراهيم ، فقرأ عليه في مختصرات رسائل أئمة الدعوة ونُبَذ إمام الدعوة رحمه الله ، كان يحفظ المتن ثم يقرؤه على والده ثم يشرح له والده ما يُفهِمه مرامي كلامِهم ، وأصول مسائلهم ، وهكذا ينبغي أن يكون التوحيد هو أول مُتَعَلَم ، وإنما يفهم ويضبط بضبط متونه قبل شروحه ، إذ من حفظ وضبط المتون حاز الفنون . ولما بلغ قريبًا من السادسة عشرة مرض بالرمد في عينيه ، وطال معه إلى قرابة سنة ، إلى أن كفَّ بصره عوضه الله الجنة . بعد هذا شرع في حفظ القرآن وتثبيته وتنوع القراءة على مشايخه ، كما سيأتي فيما بعدُ . وفي 6/12/1329هـ تُوفي والده عن عمرٍ يقارب 49 سنة إذ مولده سنة 1280هـ وكان للشيخ إبراهيم أربعة أبناء كبيرهم عبد الله ( 1305 - 1386هـ ) ثم محمد ثم عبد اللطيف ( 1315 - 1386هـ ) ثم عبد الملك ( 1324 - 1404هـ ) ، وكلهم عُرِف بالعلم والحلم والسداد رحمهم الله أجمعين . فكان الشيخ رحمه الله لصغار إخوته حانيًا ومربيًا ومعلمًا .
تعلمه - مشايخه :
جدّ الشيخ في تلك السن المبكرة على طلب العلم ، فتنقل بين علماء بلده يأخذ عنهم العلوم الشرعية الأصلية والمساندة ، فأخذ عن كل شيخ من مشايخه العلوم التي يدرسها ، وبالأخص ما يتميز به كل شيخ من العلوم ، ولهذا برع فيما درس لبراعة مشايخه وحسن استعداده العلمي والفطري : ففي التوحيد صارت له يد التحقيق ، وفي الفقه رسخت قدمه في الاجتهاد ، وفي العربية وعلومها صار معلمها الشارح لها أحسن شرح وهكذا في سائر العلوم ، ولا غرو أن كان كذلك إذ إنه تتلمذ لمشايخ برعوا في علومهم ، ومشايخه هم : 1 - والده الشيخ إبراهيم . ( 1280 - 1329هـ ) . 2 - عمه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف . ( 1265 - 1339هـ ) . 3 - الشيخ النحوي الفرضي الفقيه حمد بن فارس . ( 1263 - 1345هـ ) . 4 - الشيخ المحدث الفقيه سعد بن عتيق . ( 1279 - 1345هـ ) . 5 - الشيخ الفرضي عبد الله بن راشد . ( وفاته 1339هـ ) . 6 - الشيخ الفقيه محمد بن محمود . ( 1250 - 1333هـ ) . قرأ على والده أصول التوحيد ومختصراته ، والفرائض ، ثم توسع في الفرائض على الشيخ عبد الله ابن راشد فقرأ عليه ألفية الفرائض . وقرأ على عمه كتبًا كثيرة حفظًا منها كتب العقائد والتوحيد ككتاب التوحيد وكشف الشبهات وثلاثة الأصول ونحوها ، وبقية كتب أئمة الدعوة ، وقرأ الواسطية والحموية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، وحين يقال : قرأ فيعني حفظ غالبًا ، وفهم ذلك وجوَّده . وقرأ في الفقه مختصراته أولاً على الشيخ حمد بن فارس فحفظ زاد المستقنع ، ثم قرأ على الشيخ محمد بن محمود ثم الشيخ سعد بن عتيق ، وكان هؤلاء الثلاثة ممن برعوا في الفقه وحققوا مسائله ، وضبطوا غرائبه . وأما في الحديث : فقد حفظ بلوغ المرام وقريبًا من نصف " منتقى الأخبار " للمجد ابن تيمية وقرأهما على عمه الشيخ عبد الله ، وكرر قراءة بلوغ المرام على المحدث الشيخ سعد بن عتيق وأمرّ عليه ألفية العراقي . وقد أُعطي إجازات في الحديث متنوعة وروى بأسانيده عددًا من الأحاديث إلى رسول الله r بسماعٍ لا إجازة ، ولولا خشية الإطالة لسقت ذلك مفصلاً . وأما في علوم العربية : فقد حفظ من متونها ما به تثبت القدم ، ويرسخ الفهم ، فقرأ الآجرومية ، وملحة الإعراب للحريري ، وقطر الندى لابن هشام ، وألفية ابن مالك المشهورة ، قرأ هذه المتون على العلامة النحوي الحليم المتورع الفقيه الشيخ حمد بن فارس . وقد دَرَّس الشيخ بعد ذلك هذه المتون النحوية فبرز في ذلك . نعم .. إن للأخذ عن المشايخ فوائد مع الحصيلة العلمية ، فالتلميذ يقبس من أخلاق مشايخه ويتأثر بسجاياهم والخصال الجميلة التي يتحلون بها . ولا غرو أن رأينا مشايخ الشيخ محمد بن إبراهيم متنوعين فيما منحهم الله به ، فهاهو الشيخ عبد الله عمه جمع إلى العلم الدهاء والعقل وحسن السياسة والقيادة ، والشيخ سعد بن عتيق جمع إلى العلم الصدع بالحق والقوة فيه ، والشيخ حمد بن فارس جمع إلى العلم الحلم العجيب والورع عن المشتبهات ، والتوقف عن المزلات .. وهكذا ، ومن نظر في خصال المترجم له وشخصيته وبنيته العقلية والخُلُقية والعلمية كاد أن يجزم أنه جمع المحاسن التي تفرقت في مشايخه ، وتحلى بالفضائل التي تبددت في غيره ، وليس في هذا مبالغة ولكن من عرفه علم ما ذكرناه .
إخوانه - زملاؤه :
سبق أن ذكرت أن للشيخ ثلاثة من الأخوة هم الشيخ عبد الله وكان إمامًا لمسجد ابن شلوان في الرياض وكان - إضافة إلى علمه - متميزًا بصفاتٍ كلين العريكة وطيب المعشر وضبط الحديث وحسن الخلق ، وكان من العارفين بالأنساب الضابطين لها ، وكان أخباريًا ثبتًا في حديثه ، والشيخ عبد الله أسن من الشيخ محمد رحمهما الله ، وقد كان الشيخ ينيبه أحيانًا لخطبة الجمعة . والشيخ عبد اللطيف كان حليف الود للشيخ محمد من صغره ، كان مرافقًا له في ذهابه وإيابه غالبًا ، قريبًا منه ، وكان معينًا له في تحضير الدروس ، والشيخ عبد اللطيف كان - إضافة إلى علمه الشرعي - من الأدباء الشعراء ، والنحويين الغرضيين ، فله الشعر الرائق المحفوظ ، وقد درَّس الطلاب مع الشيخ محمد ونيابة عنه في فنون العربية والفرائض وغيرها . وكان متميزًا ببذل نفسه للناس يخدم هذا ، ويكتب لذاك ، ويشفع لهذا ويعطي ذاك ، وربما أرهقه الناس بما يرغبون فيه وهو صابر عليهم ، فربما خرج من المسجد في اليوم الحار فأمسك به ذوو الحاجات فيقضي لهم ما يقدر عليه من كتابة وغيرها ويدوم ذلك الساعة وأكثر وهم وقوف في الحر فيما بين المسجد والبيت ، هكذا حدثني من رأى ذلك . ومحبةُ الشيخ رحمه الله لأخيه تظهر في أبيات إخوانية نظمها الشيخ محمد وأرسلها للشيخ عبد اللطيف لما سافر في مهمة شرعية ، قال فيها : فإما أنختم بالـفنا ولـقيتمـوا شقيقي حليف الود مذ هو صغير فقولوا له يهدي السلام مضاعفًا إليك محب فـي هـواك أسـير ويهدي تحيـاتٍ كأن أريجهـا لدى النشر يا عبد اللطيف عبـير إلى آخرها والشيخ عبد اللطيف قد تولى مناصب شرعية آخرها نائب رئيس الكليات والمعاهد العلمية ( جامعة الإمام حاليًا ) . وأما الشيخ عبد الملك فهو الخيِّر الصامت ، الوقور الليِّن ، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر جمع إلى علمه من صفات الخير وبذل المال والمعروف ما يَشْهد به له من عرفه ، كان قريبًا من الشيخ وصحب الشيخ محمدًا في سفره إلى ( الغطغط ) لما أقام فيها الستة أشهر للدعوة والتعليم والقضاء ، وكان يكتب أحيانًا للشيخ ، فهو بمثابة الابن لأخيه الأكبر . وكان رحمه الله رئيسًا لهيئات الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المنطقة الغربية . أما زملاؤه : فأخص منهم الشيخ عبد العزيز بن صالح المرشد المولود سنة 1313هـ ، كان رفيقًا للشيخ في طفولتهما ، وفي شبابهما ، وفي طلبهما للعلم ، طلبا سويًّا ، وتنقلا بين المشايخ سنيّا . كان مما حدثني أنه استأجر هو والشيخ بيتًا صغيرًا ، وضعا فيه كتبهما ، استأجراه للتفرغ فيه للمطالعة فكانا يأويان إليه يحفظان ويدرسان ويتذكران ، وكانت الأجرة 7 ريالات عربية . الشيخ عبد العزيز بن صالح رحمه الله إذا جلست معه ذكرت السلف ، ورأيت الزهد والتقوى ، والعلم والورع ، والحكمة والأخبار ، وأحسبه من الزاهدين العلماء ، له لهج بالدعوة دعوة التوحيد ، ومحبة لأهلها ، حلقة علمه بعد مغرب كل يوم دامت عقودًا من الأعوام ، وليت المقام أوسع من هذا لأذكر ما أعرفه عنه فهو عَلَمٌ قلَّ من يعرف أحواله وخصاله . دامت صحبته وزمالته للشيخ محمد إلى وفاته ، وقد ذكر لي أنه ما ترك الشيخ محمدًا في دعائه أبدًا في صلاة الليل ( يعني آخر الليل ) ، لأنها صحبة دين ومحبةٌ لله رحمهما الله ، وجمعهما في الفردوس .
حياته العلمية ، ودروسه المنهجية :
توفي الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وكان كبير علماء الرياض بل نجد وقد أوصى الملك عبد العزيز ابن عبد الرحمن رحمه الله عند وفاته بالشيخ محمد بن إبراهيم ، متوسمًا أنه سيكون له شأن ، وكان الشيخ محمد إذ ذاك ابن 28 سنة ، فقبل الملك الوصية ، وكان الشيخ محمد ينوب عن الشيخ عبد الله في إمامة مسجده في آخر أيامه ، فلما توفي لم يصل الشيخ محمد ، وكان مما بلغني أنه قال : إن هذه وظيفة شرعية وكان صاحبها منيبًا لي فلما توفي فلا وكالة ، وهي راجعة إلى الإمام ، فلم يصل بالمسجد حتى أتاه تكليف بذلك من الإمام وهو الملك عبد العزيز رفع الله درجته ووفق عقبه . وتلك كانت بداية فقه وريادة وعقل وقيادة . صار الشيخ محمد إمامًا لمسجد الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب المعروف في حي دخنة بالرياض - وهو المسمى الآن مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم - فابتدأ فيه بعض الدروس العلمية ، في مختصرات التوحيد ونحوها ، وكانت دروسه تزداد في قوتها ومنهجيتها ، حتى بلغت أوجها فيما بين سنة 1350هـ - 1370هـ ، والسنون العشر الأخيرة متميزة بقوةٍ علمية أبهرت الناس إذ ذاك ، ولم يزل على دروسه حتى سنيه الأخيرة من عمره المبارك رحمه الله رحمة واسعة . وقد ذكر تلامذة الشيخ رحمه الله وصفًا لدروسه ، فقال الشيخ محمد بن العلامة عبد الرحمن بن قاسم : " كان يجلس ثلاث جلسات منتظمة : فالأولى : بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس والثانية : بعد ارتفاع الشمس مدة تتراوح ما بين ساعتين وأربع ساعات . والثالثة : بعد صلاة العصر . وهناك جلسة رابعة لكنها ليست مستمرة ، وهي بعد صلاة الظهر .. " قال ابن قاسم : " كان رحمه الله ينقطع بعد المغرب لمطالعة دروس الغد في الكتب التي كانت تدرس بعد الفجر ، ومنها : الروض المربع ، وسبل السلام ، وشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك وما يعين عليها من المراجع . وفيما يلي عرض للكتب التي كان يقوم رحمه الله بتدريسها :
1 - بعد صلاة الفجر : ألفية ابن مالك مع شرح ابن عقيل ، وزاد المستقنع مع شرحه الروض المربع ، وبلوغ المرام والآجرومية والملحة وقطر الندى ، وأصول الأحكام والحموية والتدمرية ونخبة الفكر . الثلاثة الأول مستمرة وكان يقوم بتدريسها على ترتيبها المذكور أما في باقي الكتب فبالتعاقب على فترات مختلفة طيلة أيام تدريسه .
2 - بعد شروق الشمس : يدرِّس في العقائد كتاب التوحيد ، كشف الشبهات ، ثلاثة الأصول ، العقيدة الواسطية باستمرار ، مسائل التوحيد مسائل الجاهلية ، لمعة الاعتقاد ، أصول الإيمان على فترات ، وفي الحديث : الأربعين النووية ، عمدة الأحكام باستمرار ، وفي الفقه آداب المشي إلى الصلاة ، وقد يُدرِّس غيرها ، لكنه نادر . وبعد الانتهاء من هذه المختصرات تقرأ المطولات ومنها : فتح المجيد ، شرح الطحاوية ، شرح الأربعين النووية ، صحيح البخاري ، صحيح مسلم ، السنن الأربعة ، مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير بدون استثناء ، وكل ما جد من كتب السلف والمحققين من العلماء ، ولكنها على فترات يتراوح ما يقرأ منها في اليوم ما بين خمسة وعشرة غالبًا .
3 - بعد صلاة الظهر ، ويدرس فيه : زاد المستقنع بشرحه ، وبلوغ المرام .
4 - بعد صلاة العصر ، ويدرس فيه كتاب التوحيد وشرحه ، وقد يقرأ في مسند الإمام أحمد ، أو مصنف ابن أبي شيبة ، أو الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح ، أو نحوها " اهـ ما وصفه الشيخ ابن قاسم . وهذا الوصف يمثل فترة من عمر الشيخ وهي في الغالب ما بعد الستين ، وقد ذكر لي بعض طلبة الشيخ أن تحضيره للدروس كان بعد العشاء ، وبعد المغرب ربما قرىء عليه في كتب خاصة لا يحب أن يسمعها كل أحد ، فقد حدثني الشيخ حسن بن مانع أن الشيخ محمدًا اختصه بحضورٍ بعد المغرب ، قال : فكان يقرأ عليه في ( معجم الأدباء ) لياقوت الحموي . والأخبار عن دروسه كثيرة لكن اخترت كلام الشيخ ابن قاسم لأنه يمثل وصفًا جيدًا لفترة سنين من عمر الشيخ رحمه الله . وهذه المنهجية في التدريس هي التي تخرج العلماء ، حفظ للمتون وبيان وشرح لها ، وضبط للأصول ، ومعرفة الأدلة ، فبهذا تبنى القواعد العلمية الراسخة للمتعلمين ، أما القراءة في المطولات دون إحكام للأصول والمتون فعلى أي أس تبنى ، وعلى أي قاعدة ترفع . فلا بد للمعلمين والمدرسين من النظر في هذه المنهجية ، وقد تمثلت في عمل الشيخ إلى تقسيم الطلاب إلى ثلاث طبقات : مبتدئون - متوسطون - منتهون . ولكل ما يناسبه من المتون والكتب ، ولا يخلط بين طبقاتهم حتى لا يضعف العلم عندهم جميعًا . قال الشيخ محمد بن قاسم كان الشيخ " يحرص جدًا على أن يحفظ جميع الطلاب المنتظمين المتون ولا يرضى بنصف حفظ ، ولا ينتقل الطالب من متن إلى متن أطول منه إلا بعد حفظ الأول وفهمه ، ولذا كان الطالب المجد منهم يتخرج في سبع سنوات " اهـ .
توفي الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف وكان كبير علماء الرياض بل نجد وقد أوصى الملك عبد العزيز ابن عبد الرحمن رحمه الله عند وفاته بالشيخ محمد بن إبراهيم ، متوسمًا أنه سيكون له شأن ، وكان الشيخ محمد إذ ذاك ابن 28 سنة ، فقبل الملك الوصية ، وكان الشيخ محمد ينوب عن الشيخ عبد الله في إمامة مسجده في آخر أيامه ، فلما توفي لم يصل الشيخ محمد ، وكان مما بلغني أنه قال : إن هذه وظيفة شرعية وكان صاحبها منيبًا لي فلما توفي فلا وكالة ، وهي راجعة إلى الإمام ، فلم يصل بالمسجد حتى أتاه تكليف بذلك من الإمام وهو الملك عبد العزيز رفع الله درجته ووفق عقبه . وتلك كانت بداية فقه وريادة وعقل وقيادة . صار الشيخ محمد إمامًا لمسجد الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب المعروف في حي دخنة بالرياض - وهو المسمى الآن مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم - فابتدأ فيه بعض الدروس العلمية ، في مختصرات التوحيد ونحوها ، وكانت دروسه تزداد في قوتها ومنهجيتها ، حتى بلغت أوجها فيما بين سنة 1350هـ - 1370هـ ، والسنون العشر الأخيرة متميزة بقوةٍ علمية أبهرت الناس إذ ذاك ، ولم يزل على دروسه حتى سنيه الأخيرة من عمره المبارك رحمه الله رحمة واسعة . وقد ذكر تلامذة الشيخ رحمه الله وصفًا لدروسه ، فقال الشيخ محمد بن العلامة عبد الرحمن بن قاسم : " كان يجلس ثلاث جلسات منتظمة : فالأولى : بعد صلاة الفجر إلى شروق الشمس والثانية : بعد ارتفاع الشمس مدة تتراوح ما بين ساعتين وأربع ساعات . والثالثة : بعد صلاة العصر . وهناك جلسة رابعة لكنها ليست مستمرة ، وهي بعد صلاة الظهر .. " قال ابن قاسم : " كان رحمه الله ينقطع بعد المغرب لمطالعة دروس الغد في الكتب التي كانت تدرس بعد الفجر ، ومنها : الروض المربع ، وسبل السلام ، وشرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك وما يعين عليها من المراجع . وفيما يلي عرض للكتب التي كان يقوم رحمه الله بتدريسها :
1 - بعد صلاة الفجر : ألفية ابن مالك مع شرح ابن عقيل ، وزاد المستقنع مع شرحه الروض المربع ، وبلوغ المرام والآجرومية والملحة وقطر الندى ، وأصول الأحكام والحموية والتدمرية ونخبة الفكر . الثلاثة الأول مستمرة وكان يقوم بتدريسها على ترتيبها المذكور أما في باقي الكتب فبالتعاقب على فترات مختلفة طيلة أيام تدريسه .
2 - بعد شروق الشمس : يدرِّس في العقائد كتاب التوحيد ، كشف الشبهات ، ثلاثة الأصول ، العقيدة الواسطية باستمرار ، مسائل التوحيد مسائل الجاهلية ، لمعة الاعتقاد ، أصول الإيمان على فترات ، وفي الحديث : الأربعين النووية ، عمدة الأحكام باستمرار ، وفي الفقه آداب المشي إلى الصلاة ، وقد يُدرِّس غيرها ، لكنه نادر . وبعد الانتهاء من هذه المختصرات تقرأ المطولات ومنها : فتح المجيد ، شرح الطحاوية ، شرح الأربعين النووية ، صحيح البخاري ، صحيح مسلم ، السنن الأربعة ، مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن كثير بدون استثناء ، وكل ما جد من كتب السلف والمحققين من العلماء ، ولكنها على فترات يتراوح ما يقرأ منها في اليوم ما بين خمسة وعشرة غالبًا .
3 - بعد صلاة الظهر ، ويدرس فيه : زاد المستقنع بشرحه ، وبلوغ المرام .
4 - بعد صلاة العصر ، ويدرس فيه كتاب التوحيد وشرحه ، وقد يقرأ في مسند الإمام أحمد ، أو مصنف ابن أبي شيبة ، أو الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح ، أو نحوها " اهـ ما وصفه الشيخ ابن قاسم . وهذا الوصف يمثل فترة من عمر الشيخ وهي في الغالب ما بعد الستين ، وقد ذكر لي بعض طلبة الشيخ أن تحضيره للدروس كان بعد العشاء ، وبعد المغرب ربما قرىء عليه في كتب خاصة لا يحب أن يسمعها كل أحد ، فقد حدثني الشيخ حسن بن مانع أن الشيخ محمدًا اختصه بحضورٍ بعد المغرب ، قال : فكان يقرأ عليه في ( معجم الأدباء ) لياقوت الحموي . والأخبار عن دروسه كثيرة لكن اخترت كلام الشيخ ابن قاسم لأنه يمثل وصفًا جيدًا لفترة سنين من عمر الشيخ رحمه الله . وهذه المنهجية في التدريس هي التي تخرج العلماء ، حفظ للمتون وبيان وشرح لها ، وضبط للأصول ، ومعرفة الأدلة ، فبهذا تبنى القواعد العلمية الراسخة للمتعلمين ، أما القراءة في المطولات دون إحكام للأصول والمتون فعلى أي أس تبنى ، وعلى أي قاعدة ترفع . فلا بد للمعلمين والمدرسين من النظر في هذه المنهجية ، وقد تمثلت في عمل الشيخ إلى تقسيم الطلاب إلى ثلاث طبقات : مبتدئون - متوسطون - منتهون . ولكل ما يناسبه من المتون والكتب ، ولا يخلط بين طبقاتهم حتى لا يضعف العلم عندهم جميعًا . قال الشيخ محمد بن قاسم كان الشيخ " يحرص جدًا على أن يحفظ جميع الطلاب المنتظمين المتون ولا يرضى بنصف حفظ ، ولا ينتقل الطالب من متن إلى متن أطول منه إلا بعد حفظ الأول وفهمه ، ولذا كان الطالب المجد منهم يتخرج في سبع سنوات " اهـ .
منهجه في التعليم :
كان للشيخ رحمه الله منهجية جعلت الطلاب في قوة علمية مؤتلفة غير مشتتة ، ففي التوحيد كان اهتمامه بكتبه التأسيسية التي تبين العقيدة الحقة بأدلتها ، وكان لا يذكر الخلاف في الاعتقاد ، فلا يعرج على مذاهب الخرافيين والمبتدعة وشبههم إلا إذا دعت الحاجة ، بينما تجد أكثر التفصيل والتدليل على معتقد أهل السنة . وهذا - ولا شك - يعطي قوة علمية استدلالية ، وثباتًا في موقف الحق ، وعدم تشويش الأذهان بكثرة الأقوال المبتدعة ، وهذا لأجل أن المبتدعة وأقوالهم لم تكن مشتهرة ؛ فإذًا لا يحتاج إلى الكلام المطول عليها . وأما في الفقه : فقد جعل دروسه منبثقة من متون الفقه الحنبلي ، ومتونه محررة الصور مدققة اللفظ ، تفتق ذهن الطلاب ، وتقوي إدراكهم الفقهي ، فاعتماد متن لمذهب هو خير طريقة لتحصيل الفقه ، فبه يبنى الذهن الفقهي ، وبه تؤسس قواعد التصور للمسائل الفقهية ويأتي بعد ذلك التفريع والتدليل وذكر الخلاف والترجيح فتكون معرفة الأقوال بعد إحكام الأصول وضبط تصور المسائل ، وعلى هذا كانت دروس الشيخ رحمه الله ، فقد كان يعرض للمتن وهو ( زاد المستقنع ) بشرحه الروض المربع ، فيبين عبارة الماتن بدقة ، ووضوح عبارة ، ويصور المسألة تلو المسألة بحيث لا تشتبه مع نظيراتها في ذهن الطلاب ، ولا يبدأ بالاستدلال أو ذكر الخلاف كما يفعل بعضهم في الجامعات ، بل إحداث تصور المسائل كان هو المطلب الأول . ثم يذكر الدليل مع وجه الاستدلال ، أو التعليل ، أو إرجاع حكم المسألة إلى أصل أو قاعدة أو نحو ذلك من الحجج ، وربما ذكر الخلاف في بعض المسائل إذا كان الخلاف فيها قويًا ، أو كان مشتهرًا بين الناس ، أو كان هناك حاجة لبيانه ، وغالبًا ما يذكر اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وأئمة هذه الدعوة رحمهم الله تعالى . وأما مطولات الفقه والشروح فلم يكن يفصل الكلام عليها بنحو ما سلف ، ولكن يذكر بعض ما يحتاج إلى إيضاحه . وهذه هي الطريقة النافعة التي درج عليها علماؤنا السابقون ، وبها صعد في مدارج التفقه فئام نفعوا العباد والبلاد رحم الله الميت وحفظ الحي .
كان للشيخ رحمه الله منهجية جعلت الطلاب في قوة علمية مؤتلفة غير مشتتة ، ففي التوحيد كان اهتمامه بكتبه التأسيسية التي تبين العقيدة الحقة بأدلتها ، وكان لا يذكر الخلاف في الاعتقاد ، فلا يعرج على مذاهب الخرافيين والمبتدعة وشبههم إلا إذا دعت الحاجة ، بينما تجد أكثر التفصيل والتدليل على معتقد أهل السنة . وهذا - ولا شك - يعطي قوة علمية استدلالية ، وثباتًا في موقف الحق ، وعدم تشويش الأذهان بكثرة الأقوال المبتدعة ، وهذا لأجل أن المبتدعة وأقوالهم لم تكن مشتهرة ؛ فإذًا لا يحتاج إلى الكلام المطول عليها . وأما في الفقه : فقد جعل دروسه منبثقة من متون الفقه الحنبلي ، ومتونه محررة الصور مدققة اللفظ ، تفتق ذهن الطلاب ، وتقوي إدراكهم الفقهي ، فاعتماد متن لمذهب هو خير طريقة لتحصيل الفقه ، فبه يبنى الذهن الفقهي ، وبه تؤسس قواعد التصور للمسائل الفقهية ويأتي بعد ذلك التفريع والتدليل وذكر الخلاف والترجيح فتكون معرفة الأقوال بعد إحكام الأصول وضبط تصور المسائل ، وعلى هذا كانت دروس الشيخ رحمه الله ، فقد كان يعرض للمتن وهو ( زاد المستقنع ) بشرحه الروض المربع ، فيبين عبارة الماتن بدقة ، ووضوح عبارة ، ويصور المسألة تلو المسألة بحيث لا تشتبه مع نظيراتها في ذهن الطلاب ، ولا يبدأ بالاستدلال أو ذكر الخلاف كما يفعل بعضهم في الجامعات ، بل إحداث تصور المسائل كان هو المطلب الأول . ثم يذكر الدليل مع وجه الاستدلال ، أو التعليل ، أو إرجاع حكم المسألة إلى أصل أو قاعدة أو نحو ذلك من الحجج ، وربما ذكر الخلاف في بعض المسائل إذا كان الخلاف فيها قويًا ، أو كان مشتهرًا بين الناس ، أو كان هناك حاجة لبيانه ، وغالبًا ما يذكر اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وأئمة هذه الدعوة رحمهم الله تعالى . وأما مطولات الفقه والشروح فلم يكن يفصل الكلام عليها بنحو ما سلف ، ولكن يذكر بعض ما يحتاج إلى إيضاحه . وهذه هي الطريقة النافعة التي درج عليها علماؤنا السابقون ، وبها صعد في مدارج التفقه فئام نفعوا العباد والبلاد رحم الله الميت وحفظ الحي .
عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 11.05.08 19:16 عدل 1 مرات