س: لماذا ’تمذهب‘ علماء الإسلام الصحيح في الماضي؟
هذه ’حجة‘ (أو لعلها ’شبهة‘) يروجها المذهبيون دوماً، مشيرين إلى أن ابن تيمية كان حنبلياً، والبخاري (نسيت ما كان مذهبه)، وهلم جراً، لسحب البساط بذلك من تحت أقدام ’الدعوة السلفية‘ الداعية لترك هذا التمذهب المتصلب. فما الرد المناسب على ذلك؟؟
وجزاكم الله خيراً.
===================
قال ابن حزم في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام" (6|126): «وليعلم مَن قرأ كتابنا، أن هذه البدعة العظيمة –نعني التقليد– إنما حدثت في الناس وابتُدئ بها بعد الأربعين ومئة من تاريخ الهجرة (140هـ)، وبعد أزيد من مئة عام وثلاثين عاماً بعد وفاة رسول الله r. وأنه لم يكن قط في الإسلام قبل الوقت الذي ذكرنا مسلم واحدٌ فصاعداً على هذه البدعة، ولا وجد فيهم رجل يقلد عالماً بعينه، فيتبع أقواله في الفتيا، فيأخذ بها ولا يخالف شيئاً منها. ثم ابتدأت هذه البدعة من حين ذكرنا في العصر الرابع في القرن المذموم، ثم لم تزل تزيد حتى عمَّت بعد المئتين من الهجرة (200هـ) عموماً طبق الأرض، إلا من عصم الله –عز وجل– وتمسك بالأمر الأول الذي كان عليه الصحابة والتابعون وتابعو التابعين بلا خلاف من أحد منهم. نسأل الله تعالى أن يثبِّتنا عليه، وأن لا يعدل بنا عنه، وأن يتوب على من تورَّط في هذه الكبيرة من إخواننا المسلمين، وأن يفيء بهم إلى منهاج سلفهم الصالح».
بقي العمل بالمذاهب المتعدّدة عند أهل السنة، الأربعة وغيرها، إلى أن جعل الخلفاء المدارس وقصروا التدريس في هذه المذاهب. كما أن مناصب القضاء حُصرت أيضاً في القضاة الذين يقضون بفتاوى الأئمة الأربعة. واستمر الحال على ذلك، إلى أن أمر السلطان الظاهر بيبرس –الذي كان له النفوذ والسلطان على مصر والشام وغيرهما من بلاد الإسلام– بجعل قضاة أربعة في مصر: لكل مذهب قاض خاص، وكان ذلك في سنة 663هـ. ثم جعل بعد ذلك بعام في بلاد الشام قضاة أربعة أيضاً. وعلى ذلك استمر الحال. فانحصرت المذاهب عند أهل السنة في هذه الأربعة، منذ ذلك الوقت إلى زماننا الحاضر.
قال المقريزي في "المواعظ والاعتبار" (خطط المقريزي) (3|390): «فلما كانت سلطنة الظاهر بيبرس البندقداري، ولَّى بمصر أربعة قضاة، وهم شافعي ومالكي وحنفي وحنبلي. فاستمر ذلك من سنة 665هـ، حتى لم يبق في مجموع أمصار الإسلام مذهب يُعرف من مذاهب الإسلام سوى هذه المذاهب الأربعة. وعُمِلَت لأهلها مدارس والخوانك والزوايا والربط في سائر ممالك الإسلام. وعُودي مَن تمذهب بغيرها، وأُنكر عليه. ولم يوَلَّ قاضٍ ولا قُبِلت شهادة أحد، ولا قُدِّم للخطابة والإمامة من لم يكن مقلِّداً لأحد هذه المذاهب. وأفتى فقهاء الأمصار في طول هذه المدة بوجوب اتّباع هذه المذاهب وتحريم ما عداها».
قال ابن كثير في "البداية والنهاية" (13|260): «ثم دخلت سنة أربع وستين وستمئة (664هـ)، استهلَّت والخليفة: الحاكم العباسي، والسلطان: الملك الظاهر، وقضاة مصر أربعة، فيها جعل بدمشق أربعة قضاة من كل مذهب قاض كما فعل بمصر عام أول... وقد كان هذا الصنيع الذي لم يُسبَق إلى مثله، قد فُعِلَ في العام الأول بمصر كما تقدم، واستقرت الأحوال على هذا المنوال». وذكر ذلك أيضاً: الذهبي في كتابه "العِبر في خبر من غبر" (3|307) في حوادث سنة 663هـ، وابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب" (5|312)، وتغري بردي في "النجوم الزاهرة" (7|121) وغيرهم.
قال السيد سابق في فقه السنة (1|10): «وبالتقليد والتعصب للمذاهب فقدت الأمة الهداية بالكتاب والسنة، وحدث القول بانسداد باب الاجتهاد، وصارت الشريعة هي أقوال الفقهاء، وأقوال الفقهاء هي الشريعة، واعتُبر كل من يخرج عن أقوال الفقهاء مبتدعاً لا يوثق بأقواله، ولا يُعتد بفتاويه. وكان مما ساعد على انتشار هذه الروح الرجعية ما قام به الحكام والأغنياء من إنشاء المدارس، وقصر التدريس فيها على مذهب أو مذاهب معينة، فكان ذلك من أسباب الإقبال على تلك المذاهب، والانصراف عن الاجتهاد، محافظة على الأرزاق التي رُتّبت لهم!».
===============
التمذهب البغيض ذلك الذي يحجر عقل صاحبه ويدعوه للتعصب ، أما مجرد اتباع قول إمام من الأئمة ، أو عالم من العلماء فليس هو المذموم ، قال تعالى ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) وحظوظ الماس في الفهم ليست سواء ، فمنهم السابق ومنهم المقصر ومنهم ومنهم ، فهل كل هؤلاء مدعوونللنظر في الكتاب والسنة وتجشم منزلة الاجتهاد ، وحتى لو طلبوها فهل هم مدركوها ؟ وإذا لم يكونوا كذلك ، واستفتوا من وثقوا في دينه وعلمه فهم مقلدون له ، كائنا من كان ، لأن اتباعهم له دين يتعبدون الله به ، قال تعالى: (فاسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) تظل مسألة الصواب والخطأ في ما قلدوا فيه مفتيهم ، وهذا شأن آخر ، أما من حيث المبدأ فهم مقلدون ، لأنهم لا قدرة لهم على النظر في الأدلة ولا فهمها حتى لو كلف المجتهد أو المفتي نفسه هذا الأمر
وهذا حال السواد الأعظم من الناس اليوم ، بل حال الكثير ممن ينتسب لطلبة العلم اليوم ، فالناس على طبقات إما مقلد يسأل فيجاب عن سؤاله ولا علم له بشيء لأنه لم يؤت حظا من العلم الشرعي وهذا هو المقلد العامي
وإما أنه يعرف أدلة المدرسة الفقهية التي يتبعها فقط وهذا أيضا مقلد ولكنه مقلد متبع ، أي متبع للدليل ، وإما أنه يعرف أدلة مذهبه وأدلة غير مذهبه يعرف صحيحها من سقيمها وناسخها ومنسوخها وهذا مرجح وعليه أن يخرج من ربقة التقليد ، وإن زاد إلى ذلك القدرة على النظر في النوازل المستحدثة والاجتهاد فيها وأوتي آلة الاجتهاد فإنه مجتهد وبحسب الأصول التي اعتمدها في الاجتهاد يكون انتسابه فإن كانت أصوله في الاجتهاد حنفية فهو مجتهد مذهب إما حنفيا أو مالكيا أو شافعيا أو حنبليا أو غيره بحسب أصوله ، وإن كانت له أصوله الخاصة كالأعلام الذين سبق ذكرهم فهو مجتهد مطلق ، فضع نفسك يا أخي في المنزلة التي تناسبك وتعامل على أساسها
أما أن يترك الأمر فوضى وكل من أوتي حظا من العلم قل أو كثر ينصب نفسه شيخا للإسلام ويفتي قأحب أن ضرره أكثر من نفعه ، وإنما تحرج العلماء الأوائل من نسبة أنفسهم إلى الاجتهاد المطلق أو حتى مجرد الاجتهاد رغم أنهم أوتوا آلته ، ورعهم وخوفهم من الرياء والعجب وحبوط الأعمال ، ورأو أن العبرة بالعمل والاستفادة بما أنتجوا وأبدعوا واجتهدوا ، وفقنا الله لما يحب ويرضى ، والالتزام بمدرسة فقهية لعامة الناس دعت إليه الضرورة من انتشار العلماء في الآفاق واتباع الناس لأقوالهم في الأصقاع المختلفة ، فحصل ما حصل من نمو المذاهب وانتشارها ، والحمد لله أولا وآخرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
والنقل
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=28044
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=28044