من بواكير الزندقة
وأصخ إلى فحيح الزندقة ينفث سمها الأول طيفور البسطامي أبو يزيد : "خرجت من الله إلى الله، حتى صاح مني في: يا من أنا أنت(ص 160 جـ 1 تذكرة الأولياء)" وإليه "سبحاني ما أعظم ثاني (نفس المصدر السابق ونفس الصفحة)"! أرأيت إلى الأصنام الصغيرة. تدين بدين أمها الكبيرة؟!.
تأليه الحيوان النجس
هأنذا شرقت وغربت، وياسرت، ويامنت مع الصوفية أحباراً وكهاناً، قدامى ومحدثين، ونقلت عن سلفهم، وسجل ماضيهم وحاضرهم، نقلت ما يدينون به في أمانة لم يجنح بها عن قدسها غل ولا حقد ولا غضب، نقلت هذا كله؛ لؤمن من لا يزال على فكره وقلبه غشاوة من سحر الصوفية، أن الصوفية – قديماً وحديثاً في النصرانية، وفي اليهودية، وفي دين من خدعوك بأنهم مسلمون – تؤمن بأن هذا الكون كله، حتى جيفه ورممه وخنازيره، وكلابه ماهو إلا حقيقة الرب الأعظم "هوية وإنية". ولذا ينقل محمد بهاء الدين عن زعيم صوفي قوله:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا .... وما الله إلا راهب في كنيسة(النفحات الأقدسية شرح الصلوات الإدريسية ط 1314هـ)
وناقل هذا صوفي يتمثل بهذا البيت الصوفي في روعة الحب الخاشع، ليكشف لك عن روحانية الجمال الصوفي!.
آراء بعض المستشرقين فيما جاء به الإسلام من التوحيد
فهذا غستاف لوبون يقول – وهو يتحدث عن وحدة الوجود - : "إن الإسلام يختلف عن النصراني، ولا سيما في التوحيد المطلق الذي هو أصل أساسي، فالإله الواحد الذي دعا إليه الإسلام مهيمن على كل شئ، ولا تحف به الملائكة والقديسون وغيرهم، وللإسلام وحده كل الفخر، بأنه أول دين أدخل التوحيد المحض، والإسلام وإدراكه سهل خال مما نراه في الأديان الأخرى، ويأباه الذوق السليم من المتناقضات والغوامض، ولا شئ أكثر وضوحاً ، وأقل غموضاً من أصول الإسلام القائلة بوجود إله واحد، وبمساواة جميع الناس أمام الله" ص 158 حضارة العرب ترجمة عادل زعيتر، ويقول سيديو: "من شأن مبدأ التوحيد الجليل الذي انتشر بين قوم وثنيين أن يضرم الحمية في النفس المتحمسة العالية، ويسود هذا المبدأ القرآن وغليه يعود إبداعه، ويبدو هذا التوحيد المحض جازماً تجاه علم اللاهوت الذي تورطت فيه الفرق النصرانيةن بعد أن زاد عددها بفعل البدع" ص 88 تاريخ العرب العام لسيديو ترجمة زعيتر ثم يقول في ص 89 من الكتاب: " ومحمد إذ كان رسول الخالق بلغ أن الله لا ولد له، وإن إله الكون واحد، وأن الله مصدر كل قوة، وأن إلى الله مرد من لم يجيبوا دعوته، ويود محمد أن يجتذب الناس إلى عبادة خالق كل شئ بغير واسطة").
وحدة الأديان
آمنت الصوفية بأن الله سبحانه هو عين خلقه، هذه الأسطورة – أسطورة وحدة الوجود – استلزمت عند الصوفية الإيمان بوحدة الأديان سواء منها ما نسجته عناكب الأوهام، وافترته أساطير الخيال، وفارت به الشهوات، أو ما أوحاه الله إلى رسله، ولهذا آمن الصوفية سلفهم وخلفهم بأن الإيمان والتوحيد عين الكفر والشرك، وبأن الإسلام على هداه وقدسه، عين الدين المجوسي في ضلاله ورجسه.
دين ابن عربي
وكعهدك بي أذكرك بما اختلقوه من إفك حول تلك الأسطورة؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حىّ عن بينة.
يقول ابن عربي:
عقد الخلائق في الإله عقائداً وأنا اعتقدت جميع ما عقدوه (انظر شرح الفصوص لعبد الرحمن جامي شرح الفص الهودي)
ويقول:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى لغزلان، ودير لرهبان
وبيت لأوثان، وكعبة طائف وألواح توراة، ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أني توجهت ركائبه، فالدين ديني وإيماني(ص 39 ذخائر الأعلاق شرح ترجمان الأشواق لابن عربي)
ويحذر ابن عربي أتباعه أن يؤمنوا بدين خاص، ويكفروا بما سواه، فيقول: "فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص، وتكفر بما سواه، فيفوتك خير كثير، بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه، فكن في نفسك "هيولي" (الهيولي لفظ يوناني بمعنى الأصل والمادة، وفي الاصطلاح الفلسفي هي "ما به الشئ بالقوة، أو جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجيم من الاتصال والانفصال"، وقد استعملها ابن عربي هنا بمعنى القابل، أي الذي تنطبع فيه صور المعتقدات كلها، وينفعل بها، وتصدر عنه أفعاله طبقاً لمعتقداته المتنوعة.) لصور المعتقدات كلها، فإن الله تعالي أوسع وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد، فالكل مصيب، وكل مصيب مأجور، وكل مأجور سعيد، وكل سعيد مرضي عنه(ص 191 وما بعدها فصوص الحكم بشرح بالي ط 1309هـ).
وهذا الدين الأسطوري يستلزم حتما\ً نفي عذاب الآخرة، فرب الصوفية في دينهم كل مشرك وكل موحد، ويستحيل أن يعذب الرب نفسه، ولهذا يقول ابن عربي:
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ومالوعيد الحق(يعني بالوعد النعيم في الآخرة، ويعني بالوعيد عذاب الآخرة. يريد من هذا نفي العذاب مطلقاً في الآخرة حتى للمشركين) عين تعاين
وإن دخلوا دار الشقاء، فإنهم على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد فالأمر واحد وبينهما عند التجلي تباين
يسمى عذاباً من عذوبة طعمه وذاك له الكقشر، والقشر صائن(ص 94 فصوص جـ 1 بتحقيق الدكتور عفيفي).
وهكذا يوغل ابن عربي إيغالاً سحيقاً في الغلو العجيب من التناقض، ويكدح شيطانيته؛ لتبتدع من البدع ما يقضى به على بقية الخير اليتيمة من إيمان المسلمين! لقد آمن بأن الرب عين العبد، وأن الإيمان صنو الكفر حقيقة وغاية ، فما الذي يمنعه من الإيمان بأن الوعد عين الوعيد؟ وأن نعيم الجنة وكوثرها عين عذاب السعير وغسلينها؟ لم يمنعه شئ، فصرح كما ترى به! فأي قضاء على الدين والأخلاق، أشد طغياناً من ذلك، إذا كان العمل الصالح يستوي والعمل الخبيث، وإذا كانت الفضيلة عني الرذيلة، وإذا كان الخير قرين الشر، وما مصير الإنسانية لو أنها آمنت بهذه الصوفية؟!
الحكم بنجاة فرعون
وبهذا يحكم ابن عربي بنجاة فرعون موسى، يقول معقباً على قوله تعال (قرة عين لي ولك) : "فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق، فقبضه طاهراً مطهراً، ليس في شئ من الخبث (ص 201 المصدر السابق) ويقول عن فرعون أيضاً : "فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه، فقد عمته النجاة حساً ومعنى (ص 212 المصدر السابق)".
واقرأ بقية ما افتراه في "الفص الموسوي" من كتابه الفصوص، ففيه يفضل فرعون على موسى!.
دين الجيلي
الجيلي يؤمن بوحدة الوجود، كما بينت لك، وأنقل لك هنا نصاً يدينه، ويكشف عن معتقده هذا، وهو إيمانه بأن الله عين خلقه.
وما الخلق في التمثال إلا كثلجة وأنت بها الماء الذي هو تابع
وما الثلج في تحقيقه غير مائه وغيران في حكم دعته الشرائع(تأمل سخريته بالشرائع، لا لشئ سوي أنها تحكم بالمغايرة بين الخلق والخالق في الذات والصفات. والجيلي يشبه الوحدة بين الله وخلقه بالوحدة بين الثلج والماء، فكلاهما عين الآخر، فالثلج ماء متجمد، والماء ثلج ذائب، فالمغايرة بينهام في الاسم، لا في الحقيقة، كذلك الله وخلقه، إذ المغايرة بينهما في الاسم فقط، كالمغايرة بين الماء في حال تجمده، وبينه في حال ذوبانه)
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء، والأمر واقع
تجمعت الأضداد في واحد البها وفيه تلاشت، وهو عنهن ساطع(ص 23جـ1 الإنسان الكامل للجيلي ط 1293هـ) ولإيمان الجيلي بوحدة الوجود، آمن بوحدة الأديان.
وأسلمت نفسي حيث أسلمني الهوى ومالي عن حكم الحبيب تنازع
فطوراً تراني في المساجد راكعا وإني طوراً في الكنائس راتع
إذا كنت في حكم الشريعة عاصياً فإني في علم الحقيقة طائع (ص 143جـ1 إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ط 1231هـ)
ويقول مفسراً لا إله إلا الله: "يعني الإلهية المعبودة ليست إلا أنا، فأنا الظاهر في تلك الأوثان، والأفلاك والطبائع، وفي كل ما يعبده أهل كل ملة ونحلة، فما تلك الآلهة كلها إلا أنا؛ ولهذا أثبت لهم لفظ الآلهة، وتسميته لهم بهذا اللفظ من جهة ما هم عليه في الحقيقة تسمية حقيقية لا مجازية... أنه أراد أن يبين لهم أن تلك الآلهة مظاهر، وأن حكم الألوهية فيهم حقيقة، وأنهم ما عبدوا في جميع ذلك إلا هو، فقال : لا إله إلا أنا، أي ما ثم من يطلق عليه اسم الإله إلا وهو أنا .. لا إله إلا أنا، أي ما ثم إلا أنا، وكل ما أطلقوا عليه اسم الإله، فهو أنا(ص 69 جـ 1 الإنسان الكامل للجيلي، وتراه يصوب عبادة الأصنام، وعبادة الأفلاك، وعبادة الطبيعة، لأن هذه الأشياء التي عبدت ليست إلا ذات الله متعينة في تلك الصور، ومسماة بتلك الأسماء!!)".
هذه الوثنية الطاغية الجاحدة تبشر بها الصوفية حفية دائماً بتقديس عدو الله، كفرعون، وإبليس، ثم تزعم للناس أن أقطابها أحباء الله وأودّاؤه، وأنهم مشارق ألوهية وربوبية، وأن لهم القدرة الخلاقة القهارة التي تسخر الوجود كله لقبضتها الظلوم! لقد مجد ابن عربي فرعون، حتى فضله على موسى كليم الله، وهاهو الجيلي يمجد إبليس العدو الأول لله وللبشرية!
يقص الله علينا إباء إبليس عن السجود لآدم، وقوله :"أنا خير منه" فيقول الجيلي: "وهذا الجواب يدل على أن إبليس من أعلم الخلق بآداب الحضرة، وأعرفهم بالسؤال، وما يقتضيه من الجواب" واقرأ بقية خطاياه في كتابه "الإنسان الكامل"؛ لتراه في إعجابه الرائع بإبليس، وتقديسه له، وحكمه بأنه في الفردوس يوم القيامة، يقول الجيلي ص 42 جـ 2 من الإنسان الكامل " لايلعن إبليس أي لا يطرد من الحضرة الإلهية إلا قبل يوم الدين؛ لأجل ما يقتضيه أصله، وهي الموانع الطبيعية التي تمنع الروح عن الحقق بالحقائق الإلهية، وأما بعد ذلك فإن الطبائع تكون لها من جملة الكمالات فلا لعنة، بل قرب محض، فحينئذ يرجع إبليس إلى ما كان عليه عند الله من القرب الإلهي.. قيل إن إبليس لما لغن هاج وهام لشدة الفرح حتى ملأ العالم بنفسه، فقيل له: أصنع هكذا، وقد طردت من الحضرة؟ فقال: هي خلقة أفردني الحبيب بها لا يلبسها ملك مقرب ولا نبي مرسل" هذا نص الجيلي بلفظه!
دين ابن الفارض
يقول في تائيته الكبرى:
فبي مجلس الأذكار سمع مطالع ولي حانة الخمار عين طليعة
وما عقد الزنار حكما سوى يدي وإن حل بالإقرار بي، فهي حلت
وإن نار بالتنزيل محراب مسجد فما بار بالإنجيل هيكل بيعة
وأسفار توراة الكليم لقومه يناجي بها الأحبار كل ليلة
وإن خر للأحجار في البد عاكف فلا وجه للإنكار بالعصبية
وما زاغت الأبصار من كل ملة وما راغت الأفكار من كل نحلة
ومااحتار من للشمس عن غرة صبا وإشراقها من نور إسفار غرتي
وإن عبدالنار المجوس،وما انطفت كماجاء في الأخبار في ألف حجة
فما قصدوا غير، وإن كان قصدهم سواي، وإن لم يظهروا عقد نية
(الزنار هو ما يشده النصارى على أوساطهم، والبيعة (البيع) معابد النصارى، والبد هو الصنم أو بيت الأصنام، وصبا أي مال قلبه وفي البيت قبل الأخير، يشير إلى مايقال من أن نار المجوس التي ظلت تشتغل ألف عام خمدت ليلة مولد النبي)
حانات الخمر، ومواخير الخطايا، وصلوات اليهود (أماكن عبادتهم) وبيع النصارى وهياكل المجوس والصابئة، وبيوت الأصنام، ومجالس الذكر، ومساجد الله، كلها عن ابن الفارض ساح فساح يعبد فيها الله عبادة يحبها ويرضاها (يقول جولد زيهر: "مهما تظاهر الصوفيون بتقديرهم للإسلام، فلغالبيتهم نزعة مشتركة إلى محو الحدود التي تفصل بين العقائد والأديان، وعندهم أن هذه العقائد كلها لها نفس القيمة النسبية إزاء الغاية المثلى التي ينبغي الوصول إليها، ص 151 العقيدة والشريعة.)
وأصخ إلى فحيح الزندقة ينفث سمها الأول طيفور البسطامي أبو يزيد : "خرجت من الله إلى الله، حتى صاح مني في: يا من أنا أنت(ص 160 جـ 1 تذكرة الأولياء)" وإليه "سبحاني ما أعظم ثاني (نفس المصدر السابق ونفس الصفحة)"! أرأيت إلى الأصنام الصغيرة. تدين بدين أمها الكبيرة؟!.
تأليه الحيوان النجس
هأنذا شرقت وغربت، وياسرت، ويامنت مع الصوفية أحباراً وكهاناً، قدامى ومحدثين، ونقلت عن سلفهم، وسجل ماضيهم وحاضرهم، نقلت ما يدينون به في أمانة لم يجنح بها عن قدسها غل ولا حقد ولا غضب، نقلت هذا كله؛ لؤمن من لا يزال على فكره وقلبه غشاوة من سحر الصوفية، أن الصوفية – قديماً وحديثاً في النصرانية، وفي اليهودية، وفي دين من خدعوك بأنهم مسلمون – تؤمن بأن هذا الكون كله، حتى جيفه ورممه وخنازيره، وكلابه ماهو إلا حقيقة الرب الأعظم "هوية وإنية". ولذا ينقل محمد بهاء الدين عن زعيم صوفي قوله:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا .... وما الله إلا راهب في كنيسة(النفحات الأقدسية شرح الصلوات الإدريسية ط 1314هـ)
وناقل هذا صوفي يتمثل بهذا البيت الصوفي في روعة الحب الخاشع، ليكشف لك عن روحانية الجمال الصوفي!.
آراء بعض المستشرقين فيما جاء به الإسلام من التوحيد
فهذا غستاف لوبون يقول – وهو يتحدث عن وحدة الوجود - : "إن الإسلام يختلف عن النصراني، ولا سيما في التوحيد المطلق الذي هو أصل أساسي، فالإله الواحد الذي دعا إليه الإسلام مهيمن على كل شئ، ولا تحف به الملائكة والقديسون وغيرهم، وللإسلام وحده كل الفخر، بأنه أول دين أدخل التوحيد المحض، والإسلام وإدراكه سهل خال مما نراه في الأديان الأخرى، ويأباه الذوق السليم من المتناقضات والغوامض، ولا شئ أكثر وضوحاً ، وأقل غموضاً من أصول الإسلام القائلة بوجود إله واحد، وبمساواة جميع الناس أمام الله" ص 158 حضارة العرب ترجمة عادل زعيتر، ويقول سيديو: "من شأن مبدأ التوحيد الجليل الذي انتشر بين قوم وثنيين أن يضرم الحمية في النفس المتحمسة العالية، ويسود هذا المبدأ القرآن وغليه يعود إبداعه، ويبدو هذا التوحيد المحض جازماً تجاه علم اللاهوت الذي تورطت فيه الفرق النصرانيةن بعد أن زاد عددها بفعل البدع" ص 88 تاريخ العرب العام لسيديو ترجمة زعيتر ثم يقول في ص 89 من الكتاب: " ومحمد إذ كان رسول الخالق بلغ أن الله لا ولد له، وإن إله الكون واحد، وأن الله مصدر كل قوة، وأن إلى الله مرد من لم يجيبوا دعوته، ويود محمد أن يجتذب الناس إلى عبادة خالق كل شئ بغير واسطة").
وحدة الأديان
آمنت الصوفية بأن الله سبحانه هو عين خلقه، هذه الأسطورة – أسطورة وحدة الوجود – استلزمت عند الصوفية الإيمان بوحدة الأديان سواء منها ما نسجته عناكب الأوهام، وافترته أساطير الخيال، وفارت به الشهوات، أو ما أوحاه الله إلى رسله، ولهذا آمن الصوفية سلفهم وخلفهم بأن الإيمان والتوحيد عين الكفر والشرك، وبأن الإسلام على هداه وقدسه، عين الدين المجوسي في ضلاله ورجسه.
دين ابن عربي
وكعهدك بي أذكرك بما اختلقوه من إفك حول تلك الأسطورة؛ ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حىّ عن بينة.
يقول ابن عربي:
عقد الخلائق في الإله عقائداً وأنا اعتقدت جميع ما عقدوه (انظر شرح الفصوص لعبد الرحمن جامي شرح الفص الهودي)
ويقول:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى لغزلان، ودير لرهبان
وبيت لأوثان، وكعبة طائف وألواح توراة، ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أني توجهت ركائبه، فالدين ديني وإيماني(ص 39 ذخائر الأعلاق شرح ترجمان الأشواق لابن عربي)
ويحذر ابن عربي أتباعه أن يؤمنوا بدين خاص، ويكفروا بما سواه، فيقول: "فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص، وتكفر بما سواه، فيفوتك خير كثير، بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه، فكن في نفسك "هيولي" (الهيولي لفظ يوناني بمعنى الأصل والمادة، وفي الاصطلاح الفلسفي هي "ما به الشئ بالقوة، أو جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجيم من الاتصال والانفصال"، وقد استعملها ابن عربي هنا بمعنى القابل، أي الذي تنطبع فيه صور المعتقدات كلها، وينفعل بها، وتصدر عنه أفعاله طبقاً لمعتقداته المتنوعة.) لصور المعتقدات كلها، فإن الله تعالي أوسع وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد، فالكل مصيب، وكل مصيب مأجور، وكل مأجور سعيد، وكل سعيد مرضي عنه(ص 191 وما بعدها فصوص الحكم بشرح بالي ط 1309هـ).
وهذا الدين الأسطوري يستلزم حتما\ً نفي عذاب الآخرة، فرب الصوفية في دينهم كل مشرك وكل موحد، ويستحيل أن يعذب الرب نفسه، ولهذا يقول ابن عربي:
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ومالوعيد الحق(يعني بالوعد النعيم في الآخرة، ويعني بالوعيد عذاب الآخرة. يريد من هذا نفي العذاب مطلقاً في الآخرة حتى للمشركين) عين تعاين
وإن دخلوا دار الشقاء، فإنهم على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد فالأمر واحد وبينهما عند التجلي تباين
يسمى عذاباً من عذوبة طعمه وذاك له الكقشر، والقشر صائن(ص 94 فصوص جـ 1 بتحقيق الدكتور عفيفي).
وهكذا يوغل ابن عربي إيغالاً سحيقاً في الغلو العجيب من التناقض، ويكدح شيطانيته؛ لتبتدع من البدع ما يقضى به على بقية الخير اليتيمة من إيمان المسلمين! لقد آمن بأن الرب عين العبد، وأن الإيمان صنو الكفر حقيقة وغاية ، فما الذي يمنعه من الإيمان بأن الوعد عين الوعيد؟ وأن نعيم الجنة وكوثرها عين عذاب السعير وغسلينها؟ لم يمنعه شئ، فصرح كما ترى به! فأي قضاء على الدين والأخلاق، أشد طغياناً من ذلك، إذا كان العمل الصالح يستوي والعمل الخبيث، وإذا كانت الفضيلة عني الرذيلة، وإذا كان الخير قرين الشر، وما مصير الإنسانية لو أنها آمنت بهذه الصوفية؟!
الحكم بنجاة فرعون
وبهذا يحكم ابن عربي بنجاة فرعون موسى، يقول معقباً على قوله تعال (قرة عين لي ولك) : "فبه قرت عينها بالكمال الذي حصل لها، وكان قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق، فقبضه طاهراً مطهراً، ليس في شئ من الخبث (ص 201 المصدر السابق) ويقول عن فرعون أيضاً : "فنجاه الله من عذاب الآخرة في نفسه، ونجى بدنه، فقد عمته النجاة حساً ومعنى (ص 212 المصدر السابق)".
واقرأ بقية ما افتراه في "الفص الموسوي" من كتابه الفصوص، ففيه يفضل فرعون على موسى!.
دين الجيلي
الجيلي يؤمن بوحدة الوجود، كما بينت لك، وأنقل لك هنا نصاً يدينه، ويكشف عن معتقده هذا، وهو إيمانه بأن الله عين خلقه.
وما الخلق في التمثال إلا كثلجة وأنت بها الماء الذي هو تابع
وما الثلج في تحقيقه غير مائه وغيران في حكم دعته الشرائع(تأمل سخريته بالشرائع، لا لشئ سوي أنها تحكم بالمغايرة بين الخلق والخالق في الذات والصفات. والجيلي يشبه الوحدة بين الله وخلقه بالوحدة بين الثلج والماء، فكلاهما عين الآخر، فالثلج ماء متجمد، والماء ثلج ذائب، فالمغايرة بينهام في الاسم، لا في الحقيقة، كذلك الله وخلقه، إذ المغايرة بينهما في الاسم فقط، كالمغايرة بين الماء في حال تجمده، وبينه في حال ذوبانه)
ولكن بذوب الثلج يرفع حكمه ويوضع حكم الماء، والأمر واقع
تجمعت الأضداد في واحد البها وفيه تلاشت، وهو عنهن ساطع(ص 23جـ1 الإنسان الكامل للجيلي ط 1293هـ) ولإيمان الجيلي بوحدة الوجود، آمن بوحدة الأديان.
وأسلمت نفسي حيث أسلمني الهوى ومالي عن حكم الحبيب تنازع
فطوراً تراني في المساجد راكعا وإني طوراً في الكنائس راتع
إذا كنت في حكم الشريعة عاصياً فإني في علم الحقيقة طائع (ص 143جـ1 إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عجيبة ط 1231هـ)
ويقول مفسراً لا إله إلا الله: "يعني الإلهية المعبودة ليست إلا أنا، فأنا الظاهر في تلك الأوثان، والأفلاك والطبائع، وفي كل ما يعبده أهل كل ملة ونحلة، فما تلك الآلهة كلها إلا أنا؛ ولهذا أثبت لهم لفظ الآلهة، وتسميته لهم بهذا اللفظ من جهة ما هم عليه في الحقيقة تسمية حقيقية لا مجازية... أنه أراد أن يبين لهم أن تلك الآلهة مظاهر، وأن حكم الألوهية فيهم حقيقة، وأنهم ما عبدوا في جميع ذلك إلا هو، فقال : لا إله إلا أنا، أي ما ثم من يطلق عليه اسم الإله إلا وهو أنا .. لا إله إلا أنا، أي ما ثم إلا أنا، وكل ما أطلقوا عليه اسم الإله، فهو أنا(ص 69 جـ 1 الإنسان الكامل للجيلي، وتراه يصوب عبادة الأصنام، وعبادة الأفلاك، وعبادة الطبيعة، لأن هذه الأشياء التي عبدت ليست إلا ذات الله متعينة في تلك الصور، ومسماة بتلك الأسماء!!)".
هذه الوثنية الطاغية الجاحدة تبشر بها الصوفية حفية دائماً بتقديس عدو الله، كفرعون، وإبليس، ثم تزعم للناس أن أقطابها أحباء الله وأودّاؤه، وأنهم مشارق ألوهية وربوبية، وأن لهم القدرة الخلاقة القهارة التي تسخر الوجود كله لقبضتها الظلوم! لقد مجد ابن عربي فرعون، حتى فضله على موسى كليم الله، وهاهو الجيلي يمجد إبليس العدو الأول لله وللبشرية!
يقص الله علينا إباء إبليس عن السجود لآدم، وقوله :"أنا خير منه" فيقول الجيلي: "وهذا الجواب يدل على أن إبليس من أعلم الخلق بآداب الحضرة، وأعرفهم بالسؤال، وما يقتضيه من الجواب" واقرأ بقية خطاياه في كتابه "الإنسان الكامل"؛ لتراه في إعجابه الرائع بإبليس، وتقديسه له، وحكمه بأنه في الفردوس يوم القيامة، يقول الجيلي ص 42 جـ 2 من الإنسان الكامل " لايلعن إبليس أي لا يطرد من الحضرة الإلهية إلا قبل يوم الدين؛ لأجل ما يقتضيه أصله، وهي الموانع الطبيعية التي تمنع الروح عن الحقق بالحقائق الإلهية، وأما بعد ذلك فإن الطبائع تكون لها من جملة الكمالات فلا لعنة، بل قرب محض، فحينئذ يرجع إبليس إلى ما كان عليه عند الله من القرب الإلهي.. قيل إن إبليس لما لغن هاج وهام لشدة الفرح حتى ملأ العالم بنفسه، فقيل له: أصنع هكذا، وقد طردت من الحضرة؟ فقال: هي خلقة أفردني الحبيب بها لا يلبسها ملك مقرب ولا نبي مرسل" هذا نص الجيلي بلفظه!
دين ابن الفارض
يقول في تائيته الكبرى:
فبي مجلس الأذكار سمع مطالع ولي حانة الخمار عين طليعة
وما عقد الزنار حكما سوى يدي وإن حل بالإقرار بي، فهي حلت
وإن نار بالتنزيل محراب مسجد فما بار بالإنجيل هيكل بيعة
وأسفار توراة الكليم لقومه يناجي بها الأحبار كل ليلة
وإن خر للأحجار في البد عاكف فلا وجه للإنكار بالعصبية
وما زاغت الأبصار من كل ملة وما راغت الأفكار من كل نحلة
ومااحتار من للشمس عن غرة صبا وإشراقها من نور إسفار غرتي
وإن عبدالنار المجوس،وما انطفت كماجاء في الأخبار في ألف حجة
فما قصدوا غير، وإن كان قصدهم سواي، وإن لم يظهروا عقد نية
(الزنار هو ما يشده النصارى على أوساطهم، والبيعة (البيع) معابد النصارى، والبد هو الصنم أو بيت الأصنام، وصبا أي مال قلبه وفي البيت قبل الأخير، يشير إلى مايقال من أن نار المجوس التي ظلت تشتغل ألف عام خمدت ليلة مولد النبي)
حانات الخمر، ومواخير الخطايا، وصلوات اليهود (أماكن عبادتهم) وبيع النصارى وهياكل المجوس والصابئة، وبيوت الأصنام، ومجالس الذكر، ومساجد الله، كلها عن ابن الفارض ساح فساح يعبد فيها الله عبادة يحبها ويرضاها (يقول جولد زيهر: "مهما تظاهر الصوفيون بتقديرهم للإسلام، فلغالبيتهم نزعة مشتركة إلى محو الحدود التي تفصل بين العقائد والأديان، وعندهم أن هذه العقائد كلها لها نفس القيمة النسبية إزاء الغاية المثلى التي ينبغي الوصول إليها، ص 151 العقيدة والشريعة.)