ما وضع الرفق في شيء إلا زانه ، ولا نزع الرفق من شيء إلا شانه !
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأِشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فيا أيها الناس ، اتقوا الله تعالى حق التقوى .
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأِشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، صلى الله عليه ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين .
أما بعد :
فيا أيها الناس ، اتقوا الله تعالى حق التقوى .
عباد الله ، عباد الله :
إن الرفق واللين ، والسماحة واليسر خصال حميدة ، وصفات نبيلة ، رغب فيها الإسلام ، ودعا إلى التحلي بها ؛ فهي سبب لمحبة الناس ، وحث بعضهم على بعض ، وعنوان كمال الإيمان وصحة الإسلام ، وعنوان رجحان صلاح العبد في دنياه وآخرته ، وسبب لرحمة الله ، إنما يرحم الله من عباده الرحماء .
أيها المسلم :
شريعة الإسلام جمعت بين كونها حنيفية خالصة ، وبين اليسر والسماحة ؛ فالحنيفية الخالصة توحيد الله ، والسماحة والنصح في العبادات والمعاملات وكل الأخلاق .
أيها المسلم :
إن الرفق خلق عظيم ، وخصلة حميدة ، يمن الله بها على من يشاء من عباده ؛ فيجعله رفيقًا في أحواله كلها ، يضع الأشياء موضعها ، ويتعامل مع الناس في كل معاملة طيبة ، وللرفق في الإسلام مزايا عديدة : فمن ذلكم أنه زينة الأشياء
يقول - صلى الله عليه وسلم - :
( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا نزع الرفق من شيء إلا شانه )
وأخبر - صلى الله عليه وسلم - : أن حظ الإنسان من الخير على قدر حظه من الرفق ؛ فقال :
( من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من الخير ، ومن حرم حظه من الرفق حرم حظه من الخير )
وأخبر - صلى الله عليه وسلم - : أن الله يعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف وعلى ما سواه ؛ فقال :
( إن الله رفيقًا يحب الرفق ، وإن الله يعطي على الرفق مالا يعطي على العنف وعلى ما سواه )
وأخبر - صلى الله عليه وسلم - : أن على الرفق ينجون من عذاب الله ؛ فالنار حرام على كل هين لين سمح قريب من الناس .
أيها المسلم :
ومن أعظم خصال الخير الرفق ، أنها صلة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن الرفق خلق محمد - صلى الله عليه وسلم - ، الذي قال الله في حقه : ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ ؛ فكان رفيقًا في الناس رحيمًا بهم ، سهلاً قريبًا منهم ، بعيدًا عن الفضاضة والغلظة والشدة
قال تعالى :
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
قال قتادة : إي والله لقد برأه الله من الفضاضة والغلظة ؛ فجعله سهلاً سمحًا رحيمًا بالمؤمنين ، قريبًا منهم - صلى الله عليه وسلم - ، وصدق الله : ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ .
أيها المسلم :
إن خلق الرفق ظاهر في الشريعة ظهورًا واضحًا ، في العقيدة ، وفي العبادة ، وفي المعاملة ، وفي كل الأخلاق ، إن الرفق ظاهر في تعاليم الشريعة ، في العقيدة ، والعبادة ، والمعاملة ، والأخلاق ، ظاهر لمن تأمل هذا حق التأمل ؛ فمن آثار الرفق في النفس ، والرفق بالنفس ؛ فلابد من رفق الإنسان بنفسه ، بأن لا يحملها ما لا تطيق : ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ﴾ ، وأن لا يرهقها بالتنطع بالدين ، والخروج عن الاعتدال في العبادة ، ولا يفرض عليها ويوجب عليها أمرًا ما أوجبه الله عليها ؛ فإن التنطع في الدين ، وتكليف النفس مالا تطيق قلة في فقه الإنسان ، وجهل بمقاصد الشريعة الإسلامية ، ولذا يقول - صلى الله عليه وسلم - : ( إن هذا الدين متين ؛ فأوغلوا فيه برفق ، ولا تبغض لأنفسكم عبادة الله ؛ فإن المنبت ، لا أرض قطعا ولا ظهرًا أبقى )
ويقول - صلى الله عليه وسلم - :
( إن هذا الدين يسرا ، ولن يشاد الدين أحدًا إلا غلبه ؛ فسددوا وقاربوا وابشروا ، واستعينوا بالغدوة والروحة ، وشىءٍ من الدُّلجة تفلحوا )
دخل النبي على عائشة - رضي الله عنها - ، وعندها امرأة تذكر من صلاتها وصيامها ، قال لها : ( عليكم من العمل ما ترهقون ؛ فوالله لا يمل الله حتى تملوا ) .
أيها المسلم :
ومن خصال الرفق ، الرفق في التقاضي في الحقوق ، بأن يكون طالب الحق رفيقًا في مطالبته بحقه
في الحديث يقول - صلى الله عليه وسلم - :
( رحم الله امرئ سمحًا إذا باع ، سمحًا إذا اشترى ، سمحًا إذا اقتضى )
وقال أبو بكر الأنصاري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال :
( حوسب رجل مما كان قبلكم فلم يوجد عنده خيرًا ، وكان رجلاً يخالط الناس ، وقد أغناه الله ؛ فكان يقول لغلمانه : تجاوزا عن المعسر ، قال الله : " نحن أحق بالتجاوز منه، تجاوزوا عنه " ؛ فتجاوزوا عنه )
ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءه أعرابي يتقاضى حقه ؛ فأغلظ القول على النبي - صلى الله عليه وسلم - فهم به أصحابه ؛ فقال : ( دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً ، أعطوه مثل سنه ، قالوا : إنها أمثل من سنه ، قال : أعطوه إياها ؛ فإن خير الناس أحسنهم قضاءً ) .
أيها المسلم :
إن الرفق - أيضًا - مطلوب من الراعي لرعيته من كل مسؤول هو مسؤول عما من تحت يده ؛ فمطلوب منه الرفق ، والرفق لدى المسؤول ، أن لا يؤاخذ الناس بغير حق ، وأن يعفو عن الهفوات والزلات ، وأن يكون رفيقًا فيمن تحت يده ، مهما كانت منزلته ومسؤوليته
يقول - صلى الله عليه وسلم - :
( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم فأرفق به ، ومن ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فشقق عليه ) .
أيها المسلم :
ومن الرفق - أيضًا - ، الرفق مع المعسر ، الذي عليه الحقوق ، ولكنه أعسر ؛ فلن يجد وفاءً ، ولا يملك ذلك ، وليس بمماطل ، ولا بمتلاعب ، ولكن العجز ، وقلة ذات اليد
قال الله - جل وعلا - :
﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾
ونظر الحديث في إنظار المعسر ، وعدم التشديد عليه .
أيها المسلم :
ومن الرفق - أيضًا - ، الرفق في الدعاة إلى الله ؛ فالدعاة إلى دين الله والآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر لا بد أن يتحلوا بالرفق في أحوالهم كلها ، وتحلي الرفق للداعي إلى الله ، بأن يكون كلامه كلامًا طيبًا ، بعيدًا عن البذاءة والأقوال السيئة ، بكلمات تكون محببة للقلوب ؛ فإنه يخاطب قلوب الناس ، والقلوب تقبل بكلمة ، وتدبر بكلمة أخرى
قال الله - جل وعلا - :
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لأصحابه :
( يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا )
ويقول :
( إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين )
فكلما كان الداعي إلى الله رفيقًا في دعوته كلامه طيب ، وتعامله حسن ، وقصده الخير والإخلاص لله ، وكلما كان الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر متخلقًا بالرفق في أمره ونهيه ، كان ذلك أدعى لقبول توجيهه ولإصغائه إليه .
أيها المسلم :
ومن خصال الرفق ، رفق العالم بالجاهل ؛ فالجاهل بالأشياء لا بد من الرفق به وأن لا يؤاخذ بجهله ؛ فما عمله من خلال جهله لا يؤاخذ به ، وإنما يرشد ويوجه في مستقبل أمره ، ليكون على بينة من أمره
ونبينا - صلى الله عليه وسلم - كان أحرص الناس على تعليم الجاهل ، وتحمل أخطاءه ، ثم إصلاح الأخطاء بالحكمة والبصيرة
قال الله تعالى :
﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾
وبأخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وتعامله مع الجاهلين ، وتأثرهم بتوجيهاته السليمة منهجًا للمسلم في حياته
قال معاوية بن الحكم :
( كنت أصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فعطس رجل من المصلين ؛ فقلت : يرحمك الله ؛ فرماني الناس بأبصارهم فقلت : وآ ثكلى أمياه ، ثم ضربوا بأيديهم على أفخاذهم ؛ فعلمت أنهم يسكتوني فسكت ، قال : فلما انقضت الصلاة دعاني محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والله ما رأيت معلمًا قبله ، ولا بعده أفضل منه ، والله ما نهرني ، والله ما ضربني ، والله ما شتمني ، ثم قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ) ، هكذا قال له - صلى الله عليه وسلم - لكونه جاهلاً بأن الجاهل محرم بالصلاة ؛ فأخبره - صلى الله عليه وسلم - أن الصلاة لا يصلح فيها شيء من قيل الناس
قال أنس بن مالك - رضي الله عنه - :
( بينما النبي جالس بالمسجد ، وعنده أصحابه إذ دخل أعرابي فبال في المسجد ؛ فزجره الناس ، وهموا به ؛ فقال : دعوه لا تزرموا عليه بوله ) ؛ فلما قضى بوله أمر النبي بدلو من ماء فأريقت على ذلك البول ، ثم دعاه ؛ فقال : ( إن المساجد لا تصلح للبول ولا للقذر ، إنما بنيت لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن ) ، قال الأعرابي ، وقد فقه قول النبي : ( والله لقد أتاني ؛ فما أنبني ، وما نهرني ، وما ضربني ) ، ثم قال الأعرابي : ( اللهم اغفر لي ولمحمد ، وأدخلني الجنة أنا ومحمد ، ولا تدخل معنا أحدًا ) ؛ فقال النبي : ( يا أخ العرب لقد تحجرت واسعًا ) ، لقد أثرت عليه تلك الكلمات العظيمة ، والتوجيه السليم ، لقد تركه يقضي بوله ، ثم نصحه ووجهه ، ولم يضر به ، ولم ينفره لكونه جاهلاً ، وللجاهل حكم يناسب ذلك .
أيها المسلم :
ومن خصال الرفق ، الرفق بالعاصي والمسيء ، والرفق بالمخطئ ، إن العباد لا يخلو من تقصير وأخطاء ، وكلنا خطاء وخير الخطائين التوابون ، إن تعامل الإنسان مع الناس يعاملهم بما ظهر منهم لا يتبع سرائرهم ، ولا يبحث عن نياتهم ، ولكن يعاملهم بما ظهر منهم يطيل عثراتهم ، ويعفو عن زلاتهم ويعاملهم بالحسنى ، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلمًا ستره في الدنيا والآخرة .
أيها المسلم :
ومن الرفق ، الرفق بالزوجات ، الرفق بالنساء ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان رفيقًا بهن
يقول - صلى الله عليه وسلم - :
( استوصوا بالنساء خيرًا فإن المرأة خلقت من ضلع ، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه ؛ فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن استمتعت بها ، استمتعت بها وفيها عوج ) .
أيها المسلم :
ومن خصال الخير ، ومن خصال الرفق ، الرفق بالأطفال والصغار والتعامل معهم بما يليق بصغرهم وحالهم ، النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أعظم الناس في ذلك ، تأتيه أمامة بنت بنته ؛ فيحملها وهو يصلي ، إذا قام رفعها ، وإذا سجد وضعها ، ويرى الحسن والحسين ؛ فينزل من المنبر ويحملهما ، ويقول : صدق الله : ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ ، ويأتيه أسامة بن زيد حبه وابن حبه ومولاه ؛ فيضعه على فخذه ، ويأتي الحسن كذلك هو الآخر ، ويضمهما ، ويقول : ( اللهم ارحمهما فإني أرحمهما ) .
ومن الرفق - أيضًا - رفق الإمام بالمصلين ؛ فلا يطيل إطالة تشق عليهم ، ولا يخفف تخفيف يخل بعبادتهم ، بل يكون وسطًا في ذلك ، متبعًا لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، جاء رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ فقال يا رسول الله : ما كنت أصلي لأجل فلان مما يطيل بنا ، قال الراوي : ( فما رأيت النبي غضب في موعظة أشد غضبًا ؛ فقال : أيها الناس : إن منكم منفرين ، أيكم أم الناس ؛ فليخفف ؛ فإن ورائه : الكبير ، والضعيف ، والمريض ، وذا الحاجة ) .
ومن الرفق : رفق الإنسان حتى بغير المسلمين في تعامله معهم ؛ فكما يرفق مع المسلمين ؛ فيرفق - أيضًا - مع غير المسلمين ليظهر محاسن الدين وفضائله ، النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعامل غير المسلمين بالرفق في تعامله معهم ، أتاه يهودي ؛ فسلموا عليه ، وقالوا : السام عليك : - يعني الموت - قال : ( وعليكم ) ، وسكت ؛ فقالت عائشة : ( وعليكم لعنت الله وغضبه ، يا إخوان القردة والخنازير ؛ فقال : مه يا عائشة ، قالت : أما سمعت ما قالوا لك ، قال : أما سمعت ما قلت لهم يستجاب لنا عليهم ، ولا يستجاب لهم علينا ، يا عائشة ، ما وضع الرفق في شيء إلا زانه ، ولا نزع الرفق من شيء إلا شانه ) .
ومن خصال الرفق - أيضًا - : رفق القاضي مع الخصوم ؛ فالخصمان يترافعان إلى القضاء ، ولكن إذا وفق الله القاضي ؛ فكان رفيقًا بالخصمين ، يسمع منهما ويأخذ منهما ويتأمل في أقوالهما ؛ فإن لم يكن رفيقًا منهما ؛ فربما يطمع طامع فيه ، وربما يطمع الجائر فيه ، لكن إذا أصغ لهما بأدب واحترام ، وأخذ من كلا حيثياته ؛ فإن ذلك أرفق به وطريقًا إلى أن يكون الحكم موافقًا بتوفيق الله ؛ لأن الخصم إذا سمع من القاضي شيئًا يخالف من صوت رفيع أو تأنيب أو نحو ذلك ، ربما تذهب أموره ، وربما يضعف أمام ذلك ؛ فإن يكن القاضي ذا رفق وعدالة وحسن خطاب لهذا وهذا ، كل يدلي بحجته بوضوح وسلامة ، ويستبين للقاضي ما لدى الطرفين من الحجج بأمانة ؛ فإن ذلك من خصال الخير ، ولهذا نهي القاضي أن يقضي وهو غضبان خوفًا من أن يؤدي غضبه إلى أن لا يسمع ، وأن يستوفي حجج الطرفين .
ومن خصال الرفق - أيضًا - : رفق المحقق في تحقيقه فالمحققون ، ومن يشتغل للتحقيق لا بد أن يكونوا رفيقين بمن يحققون معهم ؛ ليأخذوا ما لديهم بأناءة وحلم ؛ فإنه إذا شعر بأن المحقق لا بد أن يظلمه أو يسيئا إليه أو يضربه أو نحو ذلك ، ربما أحجم عن الصدق ، وربما قال باطل يتخلص منه ، وهذا كله غير جائز ؛ فالأصل براءة المتهم ما لم تثبت عليه الحجة القاطعة .
ومن خصال الرفق - أيها المسلم - ، ومن خصال الرفق التي ينبغي للمسلم أن يتحلى بها ، رفق السائق في سياقته وفي قيادته لعربته ؛ فإن الطرق حق عام للناس ؛ فلك حقًا كما لغيرك حق ؛ فمن خلفك أو أمامك ومن يمينك أو عن يسارك كلهم شركاء لك في الاندفاع في هذا الطريق ؛ فإياك أن تسرع سرعة زائدة ، وإياك أن تلحق الضرر بالآخرين ، وإياك أن تعتمد على مجرد التأمين لنفسك ؛ فلا تبالي بمصالح الآخرين ، لا تبالي بعرباتهم ولا لأنفسهم ، كل هذا من الخطأ فإن الرفق في القيادة من توفيق الله للعبد ، والذي يسلك طريق الرفق فإن الله يوفقه ويعينه على تجاوز ذلك الأمور ، وإنما يأتي البلاء من الطيش وقلة الأناة ، وعدم المبالاة بمصالح الآخرين .
ومن الرفق - أيها المسلم - :
رفق الأب مع أولاده ؛ فيرفق بهم ويأمرهم ويربيهم ويدخل السرور عليهم ويكون التعاون بينه وبينهم ظاهرًا ، حتى يكون معه متوازنًا ؛ فإن وجدوا منه النفس الطيبة ، والخلق الكريم ، والعدل بينهم ، كانوا جميعهم معه يدًا واحدة ، وإن شعر أحدهم بإقصاء وهذا بقرب كان دليلاً على تفرقهم وسببًا لتفرقهم واختلاف كلمتهم ؛ فمن توفيق الله للعبد ، أن يكون رفيقًا بهم ، إن أخطئوا أصلح الأخطاء ، إن أحسنوا شجعهم ، وإن أخطئوا نصحهم ووجههم وأعانه على بره ؛ فإن من توفيق الله للعبد أن يكون عونًا لأبنائه بالبر به والإحسان إليه والقيام بحقه .
ومن أنواع الرفق - أيها المسلم - ، رفق المستفتي إذا أستفتي ؛ فيرفق بالمستفتي ، لا يحمله حرجًا ، ولا يوقعه بالمشاكل ، بل يفتح له طريق الخير ، ويوضح له المنهج المستقيم ، ويحثه على التمسك بالحق .
ومن الرفق أيها المسلم :
رفق المعلم مع طلابه ؛ فيرفق به في تعليمهم في تعليمه إياهم ويرشدهم وينصحهم ، ويصلح شأنهم ويتحمل بعض أخطائهم ، ويسعى في إصلاح كلمتهم وإيصال المعلومة لهم فلا ييأسوا من عدله ، ولا ييأسوا من عدله ، بل يروه المعلم الناجح والمعلم الناصح والمربي الصالح .
ومن أنواع الرفق - أيها المسلم - :
الرفق مع الخدم ، والرفق مع الأجراء ؛ فإن الرفق معهم مطلوب
قال أنس - رضي الله عنه - :
خدمت النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين ما قال : لي لشيء فعلت ، لما لم تفعله ؟ ولا لشيء لم تفعله لما فعلته ؟
خدمه عشر سنين فأخبر عن كمال خلقه ، وكمال شمائله - صلى الله عليه وسلم - ، إن الرفق في كل الأحوال خلق المؤمن يسيروا عليه فيحقق الخير ويرسي دعائم الخير في النفوس ؛ فعلى الجميع الرفق في الأحوال كلها والاستعانة بالله على كل هذه الأحوال .
أسأل الله أن يوفقني وإياكم لصالح القول والعمل .
والعلامة ابن باز - رحمه الله تعالى .
والنقل
http://www.sahab.net/home/index.php?Site=News&Show=714