قراءة في كتاب "المهدي في مواجهة الدجال " لمنصور عبدالحكيم
للامام جمال الدين القاسمي مقولة جميلة في تفسيره الموسوم بمحاسن التأويل ، حري بكل من تصدى إلى الكتابة في موضوع ما - قبل أن يلجأ إلى حشد الروايات واتباع سبيل الإخبارية - أن يتأملها جيدا ، يقول القاسمي في تفسير قوله تعالى في سورة الأعراف :
"{ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }
وقد ذكر المفسرون ههنا أحاديث وآثاراً تفهم أن المراد بهذا السياق آدم وحواء . ولا حاجة بنا إلى روايتها لأنها واهية الإسناد معلولة ، كما بينه الحافظ ابن كثير في تفسيره .
وتقبُّل ثُلةٍ من السلف لها وتلقيها ، لا يجدي في صحتها شيئاً ، إذا أصلها مأخوذ من أقاصيص مسلمة أهل الكتاب ، كما برهن عليه ابن كثير ... وتهويل بعضهم بأنها مقتبسة من مشكاة النبوة ، إذ أخرجها فلان وفلان ، من تنميق الألفاظ لتمزيق المعاني ، فإن المشكاة النبوية أجلُّ من أن يقتبس منها إلا كل ما عرفت جودته.... "
كان بعض العلماء يقول أن الامام السيوطي قماش ، والامام السخاوي نقاش !
أي أن السيوطي كان يجمع في المسألة المصنف فيها كل ما وقع تحت يديه من آثار وأحاديث ومرويات دون تمحيص صحة هذه الآثار إلا ما ندر !
ولا يعني ذلك أبدا أنه لا يعرف حكم هذه الأحاديث ، فالقارئ لكتابه "الحاوي في الفتاوي" في قسم الفتاوى الحديثية يجد أن للسيوطي براعة في مصطلح الحديث وإن رماه البعض بالتساهل ، وصنيعه في الجامع صغير يدل على أنه على علم بصحة الأحاديث التي يضعها في مصنفه سواء ووفق في ذلك أم خولف !
ووقع تحت يدي بالصدفة كتاب عنوانه "المهدي في مواجهة الدجال" لمحامي شاب يدعى "منصور عبدالحكيم" ، تصدى في الآونة الأخيرة لإصدار مجموعة من المؤلفات بلغني أنها بلغت الخمس والتسعين مؤلفا ، تتطرق في مجملها إلى علامات الساعة وترتيبها وتنبؤات نوستردام ونهاية العالم و السيناريو القادم ونهاية إسرائيل 2022 مستندا في ما ادعاه إلى مجموعة من المرويات التي جمعها وانتزعها من كتب التراث وأنزلها قسرا على المستقبل الذي يريدنا أن نعيشه شئنا أم أبينا !
ولم يكتف بذلك ، حيث لم تعجبه كتب السنة كثيرا ولم تروي ظمأه في لعبة الجمع والدمج ، فأخذ يجمع المتردية والنطيحة من كتب الشيعة ويحاول بطريقة ما أن يجمع بين المتناقضات و يوفق بين مرويات الماء والنار ، والظل والحرور!
ربما حاول الكاتب أن يضاهي منهج الامام السيوطي في كتابه "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" ، الذي جمع في تفسير كل آية كل ما وقع بين يديه من مرويات أهل السنة ، لكن حاشا السيوطي أن يتعدى في النقل من كتب السنة الموثوقة إلى كتب الشيعة الملفقة ، ويا له من عمل جبار يحسب للامام السيوطي حيث لم يكن في زمنه الحاسوب ... الذي ابتلى الله به بعض أهل زماننا ، فاستعاضوا به عن طلب العلم بثني الركب عند العلماء ، واتخذوا منه وسيلة بحثية حصرية ، تؤدي إلى تحصيل كم هائل من المعلومات المبعثرة هنا وهناك ، التي هي بحاجة إلى تنقيح وتصحيح... لا تقديم وتأخير !
ويبدو أن الأخ منصور قد استخدم بعض التقنيات الحديثة في جمع شيء من شتات مرويات المهدي الكثيرة ، وجنح إلى ما لم يسبق إليه من الزج بمرويات الشيعة إلى جانب مرويات السنة سواء بسواء وقدما بقدم ، و هو بذلك يخادع القارئ العامي – عرف أم لم يعرف - الذي لا يفرق بين "أصول الكافي" و "بحار الأنوار" المتصل بالسند الموضوع والمكذوب والمرسل والمنقطع والمعنعن من مثله إلى منتهاه بكل شذوذ وبكل علة إلى جعفر الصادق ، وبين صحيحي البخاري ومسلم المتصل بالسند الصحيح من مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم !
بل ويلجأ لكتب الطوسي والسيد محمد الصدر و السيد مهدي العوادي ومحمد كاظم القزويني و علي الكوراني ، وكتب غيرهم من الإمامية الاثناعشرية ، وهو يظن بذلك أنه قد أحسن صنعا ، وأنه قد شارك في مسيرة الوحدة الإسلامية ... التي لم يحدد خط سيرها بعد !
أنا بإمكاني أن أقول للقارئ هذا سم وهذا عسل ، لكن عند دس السم في العسل ماذا عساني أقول ! أعسل مسموم أم سم معسول ؟
فهذا الكتاب شر من كتب الشيعة لخفاء أمره وتستر مؤلفه بمرويات السنة !
ثم منذ متى أصبح للإمامية علم للأسانيد ومرويات يحتجون بها ؟
بل هل سمعت يوما معمما في أحد الحسينيات يستدل بمروية مسندة إلى أحد كتبهم (طبعا إلا عند مناظرة أهل السنة تراهم يتحولون إلى علماء حديث ! وعند مريدهم يعودون إلى زئبق الإخبارية الذي فطموا عليه في الحوزات )
بل أسانيدهم التي ذكرها الأخ منصور مسندة إلى جعفر الصادق (على افتراض صحة السند إليه ويستبعد ذلك) ، هل هو حجة في الدين ؟
أردت في هذا المقال المقتضب أن أطرح ملاحظات عشر على كتاب الأخ منصور عبدالحكيم - هداه الله – حتى تكون مثالا لما يطرحه الكتاب من أفكار ومعتقدات مبنية على أسس باطلة ، وعليه نقيس بقية الكتب التي كتبت في الموضوع إلا ما رحم ربي ، حتى غدت الكتابة في مثل هذه المواضيع صرعة للعبث في أشراط الساعة :
أولا : الجهل بأساسيات علم مصطلح الحديث :
قال الأخ منصور في ص12 :
"وغالبية أهل العلم والحديث والفقه الإسلامي أخذوا بحديث الآحاد إذا ثبت صحته برواية الثقات ووجب العلم اليقيني به مثل الحديث المتواتر ! "
بغض النظر على القول الصواب هنا ، لكن هذا نقل مغلوط ، أين هذه الغالبية من أهل العلم والحديث والفقه الإسلامي التي قالت أن حديث الآحاد يفيد العلم اليقيني كالمتواتر !
فقد اختلف العلماء من الأصوليين وعلماء مصطلح الحديث فيه على ثلاثة أقوال:
1-أن الحديث الصحيح يفيد العلم ولو لم يكن له إلا طريق واحد وهو قول ابن حزم و وأحمد شاكر وغيره
2-أنه يفيد الظن مطلقًا، وإلى هذا ذهب بعض الأصوليين والفقهاء والمحدثين منهم النووي وابن عبدالبر
3- أنه يفيد الظن، وقد يفيد العلم النظري بالقرائن وهو اختيار ابن الصلاح في المقدمة وابن كثير واختيار غيره من العلماء
ثانيا :عند ضعف السند الواضح لا يتطرق إلا إلى ذكر المصدر ولا يعلق على صحة السند إلا نادرا وربما على استحياء في حاشية الكتاب ، وإذا كان الحديث في مسلم تراه يصيح بأعلى صوته "هذا حديث صحيح"
والسبب في ذلك فيما يبدو أن الأخ منصور يقوم بوضع الفكرة أولا .... ثم ينقب في المرويات حتى يدعم فكرته ، فلذلك عندما يقع على حديث قد يشير إشارة بعيدة إلى مراده وفكرته التي ينتصر لها ، فإنه يذكر الحديث ويتغاضى عن صحته أو ضعفه ! وحري لمن تصدى لأحاديث علامات الساعة أن ينقل ما صح سنده بالرجوع إلى أئمة هذا الشأن ولا أظن ذلك بالصعب المستصعب في مثل هذه الأيام !
ثالثا :اعتماد المؤلف على ما توصل إليه من نتائج مسلمة يقينية على كتاب "الفتن" لنعيم بن حماد شيخ البخاري
مع أن العلماء قد تكلموا في كتاب "الفتن" وانتقدوه كثيرا ، بل إن هنالك من شكك في نسبة هذا الكتاب لمؤلفه ! يقول الدكتور عبدالعليم البستوي - الذي قضى سنوات طويلة من عمره وهو يضع مرويات المهدي في ميزان الجرح والتعديل- في شأن كتاب "الفتن" المذكور :"لقد بحثت كثيرا في مرويات هذا الباب فوجدت أن أغلب الأحاديث التي تفرد بها ضعيفة بمن هو فوقه ...ثم بين – أي مسلمة بن قاسم- أن جميع الروايات التي تفرد بها الكتاب لا تصلح لأن يحتج بها وإنما تصلح للاعتبار !"
فكيف يريد الأخ منصور أن يحتج لما يذهب إليه بمرويات... لا تصلح للاحتجاج لضعف إسنادها ؟ بل وتلبس على القارئ العامي الذي لا يميز الخبيث من الطيب ولا الغث من السمين ؟
أليس هذا اعتداء غير مقبول على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
وهل تؤخذ العقائد من مثل هذه الأخبار الواهية !
رابعا : البتر المخل لكلام العلماء
مثال : ص84 ذكر حديث علي رضي الله عنه مرفوعا :
"يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث بن حراث على مقدمته رجل يقال له منصور يوطئ أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجب على كل مؤمن نصره أو قال إجابته " ثم أورد شرح صاحب عون المعبود للحديث حتى يؤيد فكرته قسرا : "من وراء النهر أي مما وراءه من البلدان كبخارى وسمرقند ونحوهما" انتهى
رجعت إلى كتاب "عون المعبود" المجلد 11 طبعة دار الفكر فوجدت أن الأخ منصور قد بتر كلام الشارح في نهايته حيث فيه نسف لكل ما قاله في البداية في شرح هذا الحديث ، حيث ذكر الشارح أقوال العلماء في سند الحديث وأنه ضعيف وختم بكلام المنذري " وهذا منقطع قال فيه أبو داود قال هارون بن المغيرة ، وقال الحافظ : أبو القاسم الدمشقي هلال بن عمرو وهو غير مشهور عن علي انتهى
وهذا المثال غيض من فيض ولو أوردت كل ما تتبعت لجمع ذلك في صفحات كثيرة ، وليس هذا هو المقصود من مثل هكذا مقال ، ولكن المقصود التمثيل والتدليل بطريقة مختصرة ، وللقارئ الفطن الرجوع إلى الكتاب للتأكد من ما ذكرناه !
خامسا :جهل الكاتب بالتخريج وخلطه بين المرفوع والمقطوع
ذكر المؤلف في ص104 حديث " قال صلى الله عليه وسلم تخرج راية سوداء لبني العباس ..." ، في الحاشية أحال إلى كتاب "الحاوي في الفتاوي للسيوطي" المتوفي في القرن العاشر الهجري بدلا من كتب المتقدمين التي ينقل منها الكاتب في كتابه مثل "كتاب الفتن" لنعيم بن حماد شيخ البخاري ، ولقد رجعت للحاوي - طبعة الكتاب العربي التي يطبع الأخ منصور كتبه فيها - فوجدت الحديث مسندا ولكن أي سند ! وقبل أن أورد السند أود أن الفت الانتباه إلى كلام آخر للدكتور البستوي حيث قال عن "كتاب العرف الوردي في أخبار المهدي" الموجود في كتاب الحاوي: "وهذه الطريقة للجمع وإن كانت حسنة للعلماء والباحثين لأنها تدلهم على المصادر وبإمكانهم البحث عن أحوالها ، ولكنها في الوقت نفسه تلحق ضررا كبيرا بالعامة ! لأنهم لا يجدون في أنفسهم ملكة للبحث والتدقيق ، وهكذا حدث فقد جرت عادة كل الذي ألفوا بعده إلا من رحم الله أن ساقوا كل هذه الروايات واستدلوا بها وهكذا انتشر كثير من الأخبار والقصص والواهية فصدقها الناس وآمنوا بها وكأنها لا تحتمل أي نقاش أو تردد " انتهى والآن نأتي للسند :
حدثنا الوليد بن مسلم عن أبي عبد الله عن عبد الكريم أبي أمية عن محمد بن الحنفية قال تخرج راية سوداء لبني العباس ثم تخرج من خراسان أخرى سوادء قلانسهم سود وثيابهم بيض على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح بن شعيب من تميم يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل ببيت المقدس ويوطئ للمهدي سلطانه ويمد إليه ثلثمائة من الشام يكون بين خروجه وبين ان يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهرا.
من درس مقدمات علم الحديث يعلم من نظرة سريعة في السند أن هذا الحديث من قول ابن الحنفية وهو ليس من الصحابة بل هو من التابعين فالحديث يسميه علماء الحديث بالمقطوع !
وليس هو من قول الرسول عليه السلام فكيف ينسب لرسول الله وهو من قول ابن الحنفية !
ثم أن الكاتب نقل نقلا خاطئا من كتاب الحاوي ! حيث رجعت إلى كتاب الحاوي فوجدت أن الامام السيوطي- المعروف بأمانته في النقل - قد قال : وأخرج نعيم بن حماد عن محمد بن الحنفية ثم ذكر الحديث ! بينما صدر الكاتب الحديث بقوله قال صل الله عليه وسلم ! فلا أصاب الكاتب في طريقة تخريج الحديث ولا أصاب في نقله عن رسول الله عليه الصلاة والسلام !
ثم إن الحديث من عنعنة الوليد بن مسلم وهو مدلس مشهور كما عنعن الكاتب هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم !
سادسا : ميل الكاتب الواضح إلى الشيعة الامامية في مواضع متعددة
مثال : قال في ص107 " والملاحظ أن هناك عمائم سودا وثيابهم بيض جهة الشرق وهم علماء الدين الشيعة في إيران ورجال طالبان أيضا وهم من اهل السنة "
وأقول : هل يوطأ الله للمهدي سلطانه بالقائلين بتحريف القرآن ومكفري الصحابة وقاذفي السيدة عائشة بالزنا والقائلين بعصمة الأئمة الاثناعشر والقائلين بالرجعة والتقية ! لكن كما قال الداروقطني من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب !
سابعا : محاولته الغريبة للجمع بين آراء أهل السنة والشيعة في نسب المهدي :
حيث يقول أهل السنة أنه من ولد الحسن ، بينما يزعم الشيعة أنه من ولد الحسين ، ففي ص123 حاول أن يجمع بين القولين بقوله "وذلك بأن يولد المهدي من أب ينتهي نسبه إلى الحسن وأمه ينتهي نسبها إلى الحسين " فياليت شعري وذكرني بقصة الغراب الذي حاول أن يقلد مشية الحجل ففشل ، و بعدما اقتنع بفشله حاول أن يعود إلى مشيته الأصلية فلم يقدر لأنه نسيها ، فصار يتعثر كلما حاول المشي .فأضاع الغراب مشيته الأصلية و لم يستطع أن يقلد مشية الحجل . وظني أن المؤلف قد أضاع في كتبه ما حبى الله تعالى أهل السنة من حفظ الأحاديث وعلم الأسانيد وتنقية الغث من السمين حتى اتجه إلى كتب الشيعة التي جمعت وأوعت في كل أمر مستشنع !
ثامنا : فهمه المغلوط للكثير من الروايات الصحيحة ، التي حرف معانيها ونقل مايناقضها ، فأتى بالعجائب وما لا يدرك مراد الكاتب من إيراده :
مثال : أورد في ص142 حديث أحمد - وبما أنه حسن الإسناد علق عليه أنه حديث حسن - "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولا قسطنطينية أو رومية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مدينة هرقل تفتح أولا يعني قسطنطينية"
ثم علق قائلا : ومدينة هرقل هي روما ! ولا أدري هل هو سبق قلم كبقية الكتاب أم أنه تفسير جديد في ثوب قشيب ! رسول الله عليه السلام يقول مدينة هرقل هي القسطنطينية والأخ منصور يقول مدينة هرقل هي روما ! فأيهما نصدق ؟
تاسعا : صرف حقيقة اللفظ عن حقيقته اللغوية إلى معنى آخر خيالي لا يحتمله النص :
الأصل في الكلام أنه يحمل على الحقيقة حتى تأتي قرينة تصرف النص عن ظاهره
مثال : قال في ص 169 : "بالتالي يكون حمار الدجال طائرة ذات مواصفات خاصة تشبه ما يطلق عليه الطبق الطائر " !
فأقول للأخ منصورمن أين لك هذا التشبيه البديع و هذا الخيال المصطنع ؟
ثم لماذا تغاضيت عن نقولات أخرى صرحت أن حمار الدجال كثير الهلب :أي كثير الشعر الغليظ ، كما ذكر صاحب فتح القدير مرسلا !
فهل نأخذ بكلام الامام المناوي المرسل الذي هو أقرب إلى حقيقة لفظ الحديث أم نأخذ بكلامك الذي ربما لم يسبقك له أحد إلا في ضروب النخييل و الخيال والتخيلات !
وما قولك بهذه الرواية المعنعنة في فيض القدير : وعن أمير المؤمنين علي أن طول الدجال أربعون ذراعا بالأذرع الأولى تحته حمار أقمر أي شديد البياض طول كل أذن من أذنيه ثلاثون ذراعا ما بين حافر حماره إلى الحافر الآخر مسيرة يوم وليلة تطوى له الأرض منهلا منهلا يتناول السحاب بيمينه ويسبق الشمس إلى مغيبها يخوض البحر إلى كعبيه ؟
وما الذي يمنع أن نأخذ بظاهرها !
وهل هناك مانع أن يتقول قائل ويدعي أن براق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو إلا مركبة مكوكية طائرة ذات قوائم وخد وأذنين لا نعلم كينونتها ، نظرا لأن الصحابة لم يفقهوا معنى البراق الحقيقي إلا بهذه الطريقة المجازية ؟
عاشرا : لا يطمئن القارئ إلى كلام الأخ منصور في هذا الكتاب وفي غيره من الكتب التي سارت على هذا المنوال بسبب أنه غير متخصص
فهو - هداه الله - جماع لكل ما وقع تحت يديه ، سنة ، شيعة، خوارج، مسشترقين ألمان، توراة، انجيل، وهلم جرا ، وهذا سهل جدا في هذا العصر ولا يحتاج إلى مزيد جهد فكبسة الزر الآن استبدلت باللمس و"التج" ! ، ولا يزال الأخ منصور في بداية الطريق حيث أنه شاب لم يجاوز الثلاثين من العمر ولا نعلم على يد أي شيخ تلقى علومه وخصوصا علم الحديث ومصطلحه !
ولا أدري لماذا يشتكي الأخ منصور من الذين انتقدوه في خاتمته وأنهم لم يتأدبوا بأدب الإسلام! ، بل أقول أن لهم العذر في ذلك حيث أن المفترى عليه هو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد كتبت هذا الرد في سويعات قليلة ، وأنا لست بعالم ولا أقارب هذه المنزلة أبدا بل أنا خادم لطلبة العلم ، فما بالك لو قرأ كتابك عالم متخصص في الحديث وفقهه ماذا كان سيقول ؟ ولقد كتبت هذا المقال بإشارة من أحد الأخوة الذي حادثته في الموضوع فاقترح علي أن ألخص ما وجدته في هذا الكتاب من مخالفات وأعرضها على القراء حتى أحذر من هذا الشرر المتطاير ، وأوفر على القراء عناء قراءة مثل هذه الكتب المحدثة التي تريد منا الهروب من الواقع الذي نعيشه إلى عالم آخر محبوك حبكة أفلاطونية مثالية ، تصيب القراء بالشلل على أمل أن يأتي المهدي ويحقنهم بالحقنة المضادة للشلل !
ختاما أقول أن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة غنية في أخبار المهدي التي تواترت معانيها في السنة ، فالرجوع في فهم هذا النصوص هو إلى أهل العلم والفضل وليس إلى الهواة والمبتدئين ، فلا يغتر بطبعة الكتاب وجمال تجليده ، إذا كان من داخله يفيض قيحا وصديدا ! و مثل هذه الكتب وأخواتها تعتبر كتب دخن و تشويش ، بسبب ضبابية منهجها وغرق مؤلفيها في قيعان الجهل المركب … وفاقد الشيء لا يعطيه !
أسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتي ويتجاوز عن سيئاتي ويغفر لي ولجميع إخواني المسلمين ويهدي المؤلف إلى طريقة أهل الحق .
كتبه: أبو حامد الحمادي
المصدر: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=977190
"{ فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلاَ لَهُ شُرَكَاء فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }
وقد ذكر المفسرون ههنا أحاديث وآثاراً تفهم أن المراد بهذا السياق آدم وحواء . ولا حاجة بنا إلى روايتها لأنها واهية الإسناد معلولة ، كما بينه الحافظ ابن كثير في تفسيره .
وتقبُّل ثُلةٍ من السلف لها وتلقيها ، لا يجدي في صحتها شيئاً ، إذا أصلها مأخوذ من أقاصيص مسلمة أهل الكتاب ، كما برهن عليه ابن كثير ... وتهويل بعضهم بأنها مقتبسة من مشكاة النبوة ، إذ أخرجها فلان وفلان ، من تنميق الألفاظ لتمزيق المعاني ، فإن المشكاة النبوية أجلُّ من أن يقتبس منها إلا كل ما عرفت جودته.... "
كان بعض العلماء يقول أن الامام السيوطي قماش ، والامام السخاوي نقاش !
أي أن السيوطي كان يجمع في المسألة المصنف فيها كل ما وقع تحت يديه من آثار وأحاديث ومرويات دون تمحيص صحة هذه الآثار إلا ما ندر !
ولا يعني ذلك أبدا أنه لا يعرف حكم هذه الأحاديث ، فالقارئ لكتابه "الحاوي في الفتاوي" في قسم الفتاوى الحديثية يجد أن للسيوطي براعة في مصطلح الحديث وإن رماه البعض بالتساهل ، وصنيعه في الجامع صغير يدل على أنه على علم بصحة الأحاديث التي يضعها في مصنفه سواء ووفق في ذلك أم خولف !
ووقع تحت يدي بالصدفة كتاب عنوانه "المهدي في مواجهة الدجال" لمحامي شاب يدعى "منصور عبدالحكيم" ، تصدى في الآونة الأخيرة لإصدار مجموعة من المؤلفات بلغني أنها بلغت الخمس والتسعين مؤلفا ، تتطرق في مجملها إلى علامات الساعة وترتيبها وتنبؤات نوستردام ونهاية العالم و السيناريو القادم ونهاية إسرائيل 2022 مستندا في ما ادعاه إلى مجموعة من المرويات التي جمعها وانتزعها من كتب التراث وأنزلها قسرا على المستقبل الذي يريدنا أن نعيشه شئنا أم أبينا !
ولم يكتف بذلك ، حيث لم تعجبه كتب السنة كثيرا ولم تروي ظمأه في لعبة الجمع والدمج ، فأخذ يجمع المتردية والنطيحة من كتب الشيعة ويحاول بطريقة ما أن يجمع بين المتناقضات و يوفق بين مرويات الماء والنار ، والظل والحرور!
ربما حاول الكاتب أن يضاهي منهج الامام السيوطي في كتابه "الدر المنثور في التفسير بالمأثور" ، الذي جمع في تفسير كل آية كل ما وقع بين يديه من مرويات أهل السنة ، لكن حاشا السيوطي أن يتعدى في النقل من كتب السنة الموثوقة إلى كتب الشيعة الملفقة ، ويا له من عمل جبار يحسب للامام السيوطي حيث لم يكن في زمنه الحاسوب ... الذي ابتلى الله به بعض أهل زماننا ، فاستعاضوا به عن طلب العلم بثني الركب عند العلماء ، واتخذوا منه وسيلة بحثية حصرية ، تؤدي إلى تحصيل كم هائل من المعلومات المبعثرة هنا وهناك ، التي هي بحاجة إلى تنقيح وتصحيح... لا تقديم وتأخير !
ويبدو أن الأخ منصور قد استخدم بعض التقنيات الحديثة في جمع شيء من شتات مرويات المهدي الكثيرة ، وجنح إلى ما لم يسبق إليه من الزج بمرويات الشيعة إلى جانب مرويات السنة سواء بسواء وقدما بقدم ، و هو بذلك يخادع القارئ العامي – عرف أم لم يعرف - الذي لا يفرق بين "أصول الكافي" و "بحار الأنوار" المتصل بالسند الموضوع والمكذوب والمرسل والمنقطع والمعنعن من مثله إلى منتهاه بكل شذوذ وبكل علة إلى جعفر الصادق ، وبين صحيحي البخاري ومسلم المتصل بالسند الصحيح من مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم !
بل ويلجأ لكتب الطوسي والسيد محمد الصدر و السيد مهدي العوادي ومحمد كاظم القزويني و علي الكوراني ، وكتب غيرهم من الإمامية الاثناعشرية ، وهو يظن بذلك أنه قد أحسن صنعا ، وأنه قد شارك في مسيرة الوحدة الإسلامية ... التي لم يحدد خط سيرها بعد !
أنا بإمكاني أن أقول للقارئ هذا سم وهذا عسل ، لكن عند دس السم في العسل ماذا عساني أقول ! أعسل مسموم أم سم معسول ؟
فهذا الكتاب شر من كتب الشيعة لخفاء أمره وتستر مؤلفه بمرويات السنة !
ثم منذ متى أصبح للإمامية علم للأسانيد ومرويات يحتجون بها ؟
بل هل سمعت يوما معمما في أحد الحسينيات يستدل بمروية مسندة إلى أحد كتبهم (طبعا إلا عند مناظرة أهل السنة تراهم يتحولون إلى علماء حديث ! وعند مريدهم يعودون إلى زئبق الإخبارية الذي فطموا عليه في الحوزات )
بل أسانيدهم التي ذكرها الأخ منصور مسندة إلى جعفر الصادق (على افتراض صحة السند إليه ويستبعد ذلك) ، هل هو حجة في الدين ؟
أردت في هذا المقال المقتضب أن أطرح ملاحظات عشر على كتاب الأخ منصور عبدالحكيم - هداه الله – حتى تكون مثالا لما يطرحه الكتاب من أفكار ومعتقدات مبنية على أسس باطلة ، وعليه نقيس بقية الكتب التي كتبت في الموضوع إلا ما رحم ربي ، حتى غدت الكتابة في مثل هذه المواضيع صرعة للعبث في أشراط الساعة :
أولا : الجهل بأساسيات علم مصطلح الحديث :
قال الأخ منصور في ص12 :
"وغالبية أهل العلم والحديث والفقه الإسلامي أخذوا بحديث الآحاد إذا ثبت صحته برواية الثقات ووجب العلم اليقيني به مثل الحديث المتواتر ! "
بغض النظر على القول الصواب هنا ، لكن هذا نقل مغلوط ، أين هذه الغالبية من أهل العلم والحديث والفقه الإسلامي التي قالت أن حديث الآحاد يفيد العلم اليقيني كالمتواتر !
فقد اختلف العلماء من الأصوليين وعلماء مصطلح الحديث فيه على ثلاثة أقوال:
1-أن الحديث الصحيح يفيد العلم ولو لم يكن له إلا طريق واحد وهو قول ابن حزم و وأحمد شاكر وغيره
2-أنه يفيد الظن مطلقًا، وإلى هذا ذهب بعض الأصوليين والفقهاء والمحدثين منهم النووي وابن عبدالبر
3- أنه يفيد الظن، وقد يفيد العلم النظري بالقرائن وهو اختيار ابن الصلاح في المقدمة وابن كثير واختيار غيره من العلماء
ثانيا :عند ضعف السند الواضح لا يتطرق إلا إلى ذكر المصدر ولا يعلق على صحة السند إلا نادرا وربما على استحياء في حاشية الكتاب ، وإذا كان الحديث في مسلم تراه يصيح بأعلى صوته "هذا حديث صحيح"
والسبب في ذلك فيما يبدو أن الأخ منصور يقوم بوضع الفكرة أولا .... ثم ينقب في المرويات حتى يدعم فكرته ، فلذلك عندما يقع على حديث قد يشير إشارة بعيدة إلى مراده وفكرته التي ينتصر لها ، فإنه يذكر الحديث ويتغاضى عن صحته أو ضعفه ! وحري لمن تصدى لأحاديث علامات الساعة أن ينقل ما صح سنده بالرجوع إلى أئمة هذا الشأن ولا أظن ذلك بالصعب المستصعب في مثل هذه الأيام !
ثالثا :اعتماد المؤلف على ما توصل إليه من نتائج مسلمة يقينية على كتاب "الفتن" لنعيم بن حماد شيخ البخاري
مع أن العلماء قد تكلموا في كتاب "الفتن" وانتقدوه كثيرا ، بل إن هنالك من شكك في نسبة هذا الكتاب لمؤلفه ! يقول الدكتور عبدالعليم البستوي - الذي قضى سنوات طويلة من عمره وهو يضع مرويات المهدي في ميزان الجرح والتعديل- في شأن كتاب "الفتن" المذكور :"لقد بحثت كثيرا في مرويات هذا الباب فوجدت أن أغلب الأحاديث التي تفرد بها ضعيفة بمن هو فوقه ...ثم بين – أي مسلمة بن قاسم- أن جميع الروايات التي تفرد بها الكتاب لا تصلح لأن يحتج بها وإنما تصلح للاعتبار !"
فكيف يريد الأخ منصور أن يحتج لما يذهب إليه بمرويات... لا تصلح للاحتجاج لضعف إسنادها ؟ بل وتلبس على القارئ العامي الذي لا يميز الخبيث من الطيب ولا الغث من السمين ؟
أليس هذا اعتداء غير مقبول على سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
وهل تؤخذ العقائد من مثل هذه الأخبار الواهية !
رابعا : البتر المخل لكلام العلماء
مثال : ص84 ذكر حديث علي رضي الله عنه مرفوعا :
"يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث بن حراث على مقدمته رجل يقال له منصور يوطئ أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجب على كل مؤمن نصره أو قال إجابته " ثم أورد شرح صاحب عون المعبود للحديث حتى يؤيد فكرته قسرا : "من وراء النهر أي مما وراءه من البلدان كبخارى وسمرقند ونحوهما" انتهى
رجعت إلى كتاب "عون المعبود" المجلد 11 طبعة دار الفكر فوجدت أن الأخ منصور قد بتر كلام الشارح في نهايته حيث فيه نسف لكل ما قاله في البداية في شرح هذا الحديث ، حيث ذكر الشارح أقوال العلماء في سند الحديث وأنه ضعيف وختم بكلام المنذري " وهذا منقطع قال فيه أبو داود قال هارون بن المغيرة ، وقال الحافظ : أبو القاسم الدمشقي هلال بن عمرو وهو غير مشهور عن علي انتهى
وهذا المثال غيض من فيض ولو أوردت كل ما تتبعت لجمع ذلك في صفحات كثيرة ، وليس هذا هو المقصود من مثل هكذا مقال ، ولكن المقصود التمثيل والتدليل بطريقة مختصرة ، وللقارئ الفطن الرجوع إلى الكتاب للتأكد من ما ذكرناه !
خامسا :جهل الكاتب بالتخريج وخلطه بين المرفوع والمقطوع
ذكر المؤلف في ص104 حديث " قال صلى الله عليه وسلم تخرج راية سوداء لبني العباس ..." ، في الحاشية أحال إلى كتاب "الحاوي في الفتاوي للسيوطي" المتوفي في القرن العاشر الهجري بدلا من كتب المتقدمين التي ينقل منها الكاتب في كتابه مثل "كتاب الفتن" لنعيم بن حماد شيخ البخاري ، ولقد رجعت للحاوي - طبعة الكتاب العربي التي يطبع الأخ منصور كتبه فيها - فوجدت الحديث مسندا ولكن أي سند ! وقبل أن أورد السند أود أن الفت الانتباه إلى كلام آخر للدكتور البستوي حيث قال عن "كتاب العرف الوردي في أخبار المهدي" الموجود في كتاب الحاوي: "وهذه الطريقة للجمع وإن كانت حسنة للعلماء والباحثين لأنها تدلهم على المصادر وبإمكانهم البحث عن أحوالها ، ولكنها في الوقت نفسه تلحق ضررا كبيرا بالعامة ! لأنهم لا يجدون في أنفسهم ملكة للبحث والتدقيق ، وهكذا حدث فقد جرت عادة كل الذي ألفوا بعده إلا من رحم الله أن ساقوا كل هذه الروايات واستدلوا بها وهكذا انتشر كثير من الأخبار والقصص والواهية فصدقها الناس وآمنوا بها وكأنها لا تحتمل أي نقاش أو تردد " انتهى والآن نأتي للسند :
حدثنا الوليد بن مسلم عن أبي عبد الله عن عبد الكريم أبي أمية عن محمد بن الحنفية قال تخرج راية سوداء لبني العباس ثم تخرج من خراسان أخرى سوادء قلانسهم سود وثيابهم بيض على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح بن شعيب من تميم يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل ببيت المقدس ويوطئ للمهدي سلطانه ويمد إليه ثلثمائة من الشام يكون بين خروجه وبين ان يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهرا.
من درس مقدمات علم الحديث يعلم من نظرة سريعة في السند أن هذا الحديث من قول ابن الحنفية وهو ليس من الصحابة بل هو من التابعين فالحديث يسميه علماء الحديث بالمقطوع !
وليس هو من قول الرسول عليه السلام فكيف ينسب لرسول الله وهو من قول ابن الحنفية !
ثم أن الكاتب نقل نقلا خاطئا من كتاب الحاوي ! حيث رجعت إلى كتاب الحاوي فوجدت أن الامام السيوطي- المعروف بأمانته في النقل - قد قال : وأخرج نعيم بن حماد عن محمد بن الحنفية ثم ذكر الحديث ! بينما صدر الكاتب الحديث بقوله قال صل الله عليه وسلم ! فلا أصاب الكاتب في طريقة تخريج الحديث ولا أصاب في نقله عن رسول الله عليه الصلاة والسلام !
ثم إن الحديث من عنعنة الوليد بن مسلم وهو مدلس مشهور كما عنعن الكاتب هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم !
سادسا : ميل الكاتب الواضح إلى الشيعة الامامية في مواضع متعددة
مثال : قال في ص107 " والملاحظ أن هناك عمائم سودا وثيابهم بيض جهة الشرق وهم علماء الدين الشيعة في إيران ورجال طالبان أيضا وهم من اهل السنة "
وأقول : هل يوطأ الله للمهدي سلطانه بالقائلين بتحريف القرآن ومكفري الصحابة وقاذفي السيدة عائشة بالزنا والقائلين بعصمة الأئمة الاثناعشر والقائلين بالرجعة والتقية ! لكن كما قال الداروقطني من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب !
سابعا : محاولته الغريبة للجمع بين آراء أهل السنة والشيعة في نسب المهدي :
حيث يقول أهل السنة أنه من ولد الحسن ، بينما يزعم الشيعة أنه من ولد الحسين ، ففي ص123 حاول أن يجمع بين القولين بقوله "وذلك بأن يولد المهدي من أب ينتهي نسبه إلى الحسن وأمه ينتهي نسبها إلى الحسين " فياليت شعري وذكرني بقصة الغراب الذي حاول أن يقلد مشية الحجل ففشل ، و بعدما اقتنع بفشله حاول أن يعود إلى مشيته الأصلية فلم يقدر لأنه نسيها ، فصار يتعثر كلما حاول المشي .فأضاع الغراب مشيته الأصلية و لم يستطع أن يقلد مشية الحجل . وظني أن المؤلف قد أضاع في كتبه ما حبى الله تعالى أهل السنة من حفظ الأحاديث وعلم الأسانيد وتنقية الغث من السمين حتى اتجه إلى كتب الشيعة التي جمعت وأوعت في كل أمر مستشنع !
ثامنا : فهمه المغلوط للكثير من الروايات الصحيحة ، التي حرف معانيها ونقل مايناقضها ، فأتى بالعجائب وما لا يدرك مراد الكاتب من إيراده :
مثال : أورد في ص142 حديث أحمد - وبما أنه حسن الإسناد علق عليه أنه حديث حسن - "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولا قسطنطينية أو رومية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم مدينة هرقل تفتح أولا يعني قسطنطينية"
ثم علق قائلا : ومدينة هرقل هي روما ! ولا أدري هل هو سبق قلم كبقية الكتاب أم أنه تفسير جديد في ثوب قشيب ! رسول الله عليه السلام يقول مدينة هرقل هي القسطنطينية والأخ منصور يقول مدينة هرقل هي روما ! فأيهما نصدق ؟
تاسعا : صرف حقيقة اللفظ عن حقيقته اللغوية إلى معنى آخر خيالي لا يحتمله النص :
الأصل في الكلام أنه يحمل على الحقيقة حتى تأتي قرينة تصرف النص عن ظاهره
مثال : قال في ص 169 : "بالتالي يكون حمار الدجال طائرة ذات مواصفات خاصة تشبه ما يطلق عليه الطبق الطائر " !
فأقول للأخ منصورمن أين لك هذا التشبيه البديع و هذا الخيال المصطنع ؟
ثم لماذا تغاضيت عن نقولات أخرى صرحت أن حمار الدجال كثير الهلب :أي كثير الشعر الغليظ ، كما ذكر صاحب فتح القدير مرسلا !
فهل نأخذ بكلام الامام المناوي المرسل الذي هو أقرب إلى حقيقة لفظ الحديث أم نأخذ بكلامك الذي ربما لم يسبقك له أحد إلا في ضروب النخييل و الخيال والتخيلات !
وما قولك بهذه الرواية المعنعنة في فيض القدير : وعن أمير المؤمنين علي أن طول الدجال أربعون ذراعا بالأذرع الأولى تحته حمار أقمر أي شديد البياض طول كل أذن من أذنيه ثلاثون ذراعا ما بين حافر حماره إلى الحافر الآخر مسيرة يوم وليلة تطوى له الأرض منهلا منهلا يتناول السحاب بيمينه ويسبق الشمس إلى مغيبها يخوض البحر إلى كعبيه ؟
وما الذي يمنع أن نأخذ بظاهرها !
وهل هناك مانع أن يتقول قائل ويدعي أن براق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو إلا مركبة مكوكية طائرة ذات قوائم وخد وأذنين لا نعلم كينونتها ، نظرا لأن الصحابة لم يفقهوا معنى البراق الحقيقي إلا بهذه الطريقة المجازية ؟
عاشرا : لا يطمئن القارئ إلى كلام الأخ منصور في هذا الكتاب وفي غيره من الكتب التي سارت على هذا المنوال بسبب أنه غير متخصص
فهو - هداه الله - جماع لكل ما وقع تحت يديه ، سنة ، شيعة، خوارج، مسشترقين ألمان، توراة، انجيل، وهلم جرا ، وهذا سهل جدا في هذا العصر ولا يحتاج إلى مزيد جهد فكبسة الزر الآن استبدلت باللمس و"التج" ! ، ولا يزال الأخ منصور في بداية الطريق حيث أنه شاب لم يجاوز الثلاثين من العمر ولا نعلم على يد أي شيخ تلقى علومه وخصوصا علم الحديث ومصطلحه !
ولا أدري لماذا يشتكي الأخ منصور من الذين انتقدوه في خاتمته وأنهم لم يتأدبوا بأدب الإسلام! ، بل أقول أن لهم العذر في ذلك حيث أن المفترى عليه هو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولقد كتبت هذا الرد في سويعات قليلة ، وأنا لست بعالم ولا أقارب هذه المنزلة أبدا بل أنا خادم لطلبة العلم ، فما بالك لو قرأ كتابك عالم متخصص في الحديث وفقهه ماذا كان سيقول ؟ ولقد كتبت هذا المقال بإشارة من أحد الأخوة الذي حادثته في الموضوع فاقترح علي أن ألخص ما وجدته في هذا الكتاب من مخالفات وأعرضها على القراء حتى أحذر من هذا الشرر المتطاير ، وأوفر على القراء عناء قراءة مثل هذه الكتب المحدثة التي تريد منا الهروب من الواقع الذي نعيشه إلى عالم آخر محبوك حبكة أفلاطونية مثالية ، تصيب القراء بالشلل على أمل أن يأتي المهدي ويحقنهم بالحقنة المضادة للشلل !
ختاما أقول أن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة غنية في أخبار المهدي التي تواترت معانيها في السنة ، فالرجوع في فهم هذا النصوص هو إلى أهل العلم والفضل وليس إلى الهواة والمبتدئين ، فلا يغتر بطبعة الكتاب وجمال تجليده ، إذا كان من داخله يفيض قيحا وصديدا ! و مثل هذه الكتب وأخواتها تعتبر كتب دخن و تشويش ، بسبب ضبابية منهجها وغرق مؤلفيها في قيعان الجهل المركب … وفاقد الشيء لا يعطيه !
أسأل الله أن يجعل ذلك في ميزان حسناتي ويتجاوز عن سيئاتي ويغفر لي ولجميع إخواني المسلمين ويهدي المؤلف إلى طريقة أهل الحق .
كتبه: أبو حامد الحمادي
المصدر: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=977190