هل يجوز أن يكون الشيطان شيخا لأحد؟
في ليل خدوع غرور وزمن خؤون غدور، نتأ قوم نكور، عرفوا بالتصوف
اتخذوا لأنفسهم شارات ورموز
وأضفوا على أقطابهم هالات واعتقادات، مايزوا بها أئمة المسلمين من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة.
في ليل خدوع غرور وزمن خؤون غدور، نتأ قوم نكور، عرفوا بالتصوف
اتخذوا لأنفسهم شارات ورموز
وأضفوا على أقطابهم هالات واعتقادات، مايزوا بها أئمة المسلمين من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة.
ولا زالوا إلى هذا العهد ينزهون شيوخهم عن النقائص ويعتقدون فيهم القداسة بل ويسبغون عليهم صفات الألوهية ويخضعون لأوامرهم دون عرضها على كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلا طريق بدون شيخ، بل لا دين دونه. يقول أبو يزيد البسطامي : من لم يكن له أستاذ فإمامه الشيطان. الرسالة القشيرية (181)
قال أبو حامد الغزالي : فكذلك المريد يحتاج إلى شيخ وأستاذ يقتدي به لا محالة، ليهديه إلى سواء السبيل، فإن سبيل الدين غامض.الإحياء (3/65)
لا حول ولا قوة إلا بالله، لقد تعسر على العامة الدين، فليس لهم سبيل إلى الله سبحانه إلا من بابة الشيخ الأكبر والكبريت الأحمر!!.
وأما طريق أهل الحق والسداد فحفظ مراتب ومنازل العلماء والشيوخ وموالاتهم، واعتقاد حرمتهم، وإمانتهم، واجتهادهم في حفظ الدين وضبطه، ودعوتهم إليه، فهم دائرون بين الأجر والأجرين والمغفرة.
فلهم المحبة والتوقير وعليهم البيان والتبشير، فهم الموقعون عن الله تعال، وكل يؤخذ من قوله ويرد وإن كان الغوث الفرد إلا المصطفى الحبيب صلوات الله عليه وسلامه.
فإليك أيها المسلم هذا البيان لمفهوم الشيخ وحدوده عند بعض المنصوفة.
قال ابن عربي الحاتمي في الفتوحات المكية :
ما حرمة الشيخ إلا حرمة الله ....... فقم بها أدبا لله بالله
قلت : فما حرمة الشيخ وما حدودها؟!
أيها المسلم .. أيها السني
راعني سمعك، وأشهد قلبك، فإن الخطب جسيم، والهول عظيم، وليس لك والله سوى الحوقلة ثم الاسترجاع.
قال علي المرصفي كما في طبقات الشعراني (2/128) : وإن قال قائل للمريد: إن كلام شيخه معارض لكلام العلماء أو دليلهم، فعليه الرجوع إلى كلام شيخه...و إذا خرج المريد عن حكم شيخه وقدح فيه، فلا يجوز لأحد تصديقه، إنه في حال تهمة، لارتداده عن طريق شيخه.
قلت: حسبي الله ونعم الوكيل . قال الله تعالى: "قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين" فعلق الأمر بالحجة والبرهان، فما قيمتهما عند القوم ؟!
قال ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ أراهم سيهلكون، أقول: قال النبي صلى الله عيه وسلم ، ويقول: نهى أبو بكر وعمر !. رواه أحمد بسند صحيح
آ أبو بكر وعمر خير، وأصدق قيلا وحالا، أم شيوخكم ؟! نبئوني بعلم إن كنتم صادقين!!
رحمك الله يا شافعي إذ قلت : أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عيه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد.
وقال ابن حزم في النبذ(114) : التقليد حرام لا يحل لأحد أن يأخذ بقول أحد بلا برهان.
قال أبو بكر بن أبي داود الأشعث:
تمسك بحبل الله واتبع الهدى ...... ولا تك بدعيا لعلك تفلـح
ودن بكتاب الله والسنن التي ...... أتت عن رسول الله تنجو وتربح
قال أحمد الرفاعي : من يذكر الله تعالى بلا شيخ، لا الله حصل! ولا نبيه! ولا شيخهّ!. قلادة الجواهر (177)
قلت : حسبي قول ربي " أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم". الشورى 21
قال ابن جرير عند قول الله تعالى"ولولا كلمة الفصل": ولولا السابق من الله في أنه لا يعجل لهم العذاب في الدنيا وأنه مضى من قيله إنهم مؤخرون بالعقوبة إلى قيام الساعة لفرغ من الحكم بينكم وبينهم بتعجيلنا العذاب لهم في الدنيا ولكن لهم في الآخرة من العذاب الأليم. ابن جرير(11/141)
لكن المقصود تحقيق أن إمهالهم إلى أجل مسمى لا يفلتهم من المؤاخذة بما ظلموا. التحرير والتنوير(1/3863)
فهذه العقيدة تحتاج إلى تعزير وإعلان بالتوبة منها، فإذا لم تكن شركا، فما معنى الشرك؟!
قال أبو مدين كما في الفتوحات الإلهية (230):
وراقب الشيخ في أحواله فعسى......يرى عليك من استحسانه أثرا
ففي رضاه رضا الباري وطاعته...... يرضى عليك فكن من تركها حذرا
قال تعالى: " فاعبد الله مخلصا له الدين أَلا لله الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى إِنَّ الله يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ الله لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ" الزمر 3
قال ابن جرير (10/61): يقول تعالى ذكره : فاخشع لله يا محمد بالطاعة وأخلص له الألوهية وأفرده بالعبادة ولا تجعل له في عبادتك إياه شريكا كما فعلت عبدة الأوثان.
وقال ابن كثير (4/59): أي فاعبد الله وحده لا شريك له وادع الخلق إلى ذلك وأعلمهم أنه لا تصلح العبادة إلا له وحده وأنه ليس له شريك ولا عديل ولا نديد.
قلت : فلا يستحق الدين الخالص إلا الله سبحانه المنزه عن الواسطة.
فهل اكتفى القوم بهذه المنزلة؟
الجواب: لا طبعا. ودونك الدليل.
قال عبد القادر الجيلي ـ وفي النفس من نسبته شيء ولكن كثيرا من الصوفية على هذا، بل أكثر وأعظم ـ : من لم يعتقد في شيخه الكمال لا يفلح أبدا.
ومثله عن عدي بن مسافر: لا تنتفع بشيخك إلا إذا كان اعتقادك فيه فوق كل اعتقاد.طبقات الشعراني (1/117)
قلت : ما حدود الكمال للشيوخ الصوفية، وما معنى فوق كل اعتقاد؟!
هل تجاوزوا الصحابة؟!
هل تجاوزا الأنبياء؟!
اقرأ وتأمل قول أبي يزيد البسطامي: خضنا بحرا وقف الأنبياء بساحله!!
وهل نفهم حدود الاعتقاد من القول الخطير لذي النون المصري: طاعة المريد لشيخه فوق طاعته لربه؟!.تذكرة الأولياء (1/171)
فنحن أمام طاعة خاصة ومطالب قد تكون مغايرة لمطالب الشرع.فتنبه!!
فطاعة الشيخ بغير قيد من المسلمات الصوفية، بل نقل الإجماع!! على ذلك.
قال الفوتي عن محمد بن المختار الكنتي أنه قال : وقد انعقد إجماع مشايخ الصوفية على وجوب الاستسلام للشيخ والاطراح بين يديه كالغسيل بين يدي الغاسل. تقديس الأشخاص (1/360) وطبقات الشعراني (1/153/169)
وقال الشعراني: وأجمعوا على أن من شرط المحب لشيخه أن يصم أذنيه عن سماع كلام أحد في الطريق غير شيخه، فلا يقبل عذل عاذل، حتى لو قام أهل مصر في صعيد واحد لم يقدروا على أن ينفروه من شيخه.
قال صالح المقبلي: فالصوفي ليس بمتبع للنبي صلى الله عليه وسلم بل لشيخه المخترع لتلك الوساوس. العلم الشامخ (250 ـ 251)
فإن قيل هذا الكلام وأمثاله يتأول على وفق الشرع.
قلت : هذا الاعتراض مدفوع وممنوع.
فأما الأول: فكلام القوم صريح يخالف الدين، والأصل إجراء الكلام على ظاهره، وقد تتابع العلماء سلفا وخلفا على رده ونقضه. انظر مصرع التصوف للبقاعي
وأما الثاني: فكثير من المتصوفة يمنعون تأويل كلام الشيوخ، وأن يصرف عن ظاهره، وإن كان خطأ.يقول يوسف العجمي: من أدب المريد أن يقف عند كلام شيخه ولا بتأوله، وليفعل ما أمره شيخه وإن ظهر أن شيخه أخطأ.الأنوار(2/36)
محبة الشيخ
قال الشعراني: سمعت أخي أفضل الدين يقول: حقيقة حب الشيخ أن يحب الأشياء من أجله ويكرهها من أجله، كما هو الشأن في محبة ربنا عز وجل. الأنوار القدسية (1/169)
وفي نفس المصدر(1/181) قال علي وفا: فكما أن الله تعالى لا يغفر أن يشرك به ، فكذلك محبة الأشياخ لا تسامح أن يشرك بها.
قال تعالى: " ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله" الآية
قال أبو السعود في تفسيره (1/185) : بيان لكمال ركاكة آراء المشركين إثر تقرير وحدانيته سبحانه وتحرير الآيات الباهرة الملجئة للعقلاء إلى الاعتراف بها الفائضة باستحالة أن يشاركه شئ من الموجودات في صفة من صفات الكمال فضلا عن المشاركة في صفة الألوهية.
قال ابن كثير في تفسيره (1/275) : جعلوا له أندادا أي أمثالا ونظراء يعبدونهم معه ويحبونهم كحبه وهو الله لا إله إلا هو ولا ضد له ولا ند له ولا شريك معه.
يقول الشعراني : فإن لم يتيسر للمريد صلاة الجمعة عند أستاذه، فليتخيله عنده في أي مسجد صلى فيه. الأنوار القدسية (1/188)
وفيه ـ أيضا ـ ويا ليتني لم أقرأه : المريد الصادق مع شيخه كالميت مع مغسله، لا كلام ولا حركة، ولا يقدر ينطق بين يديه من هيبته، ولا يدخل ولا يخرج، ولا يخالط أحدا، ولا يشتغل بعلم ولا قرآن ولا ذكر إلا بإذنه.(1/189)
قلت ولله الأمر من قبل ومن بعد: يا عباد الله، يا من وهب الله لهم عقلا سليما..بل حتى يا مجانين، هل سمعتم بهذا البلاء؟!
لا قرآن ولا ذكر إلا بإذن الشيخ، أ إله مع الله؟!
قال تعالى:" ولا تتبعوا من دونه أولياء" الأعراف 3
قال البغوي في تفسيره (2/148): أي لا تتخذوا غيره أولياء تطيعونه في معصية الله تعالى.
التصرف في الكون
قال الشعراني في طبقاته (2/88) في ترجمة شمس الدين محمد الحنفي: وقال له سيدي علي بن وفا: ما تقول في رجل رحى الوجود بيده يدورها كيف شاء؟ فقال له سيدي محمد رضي الله عنه: فما تقول فيمن يضع يده عليها فيمنعها أن تدور؟.
وقال إبراهيم نياس:
قد خصني بالعلم والتصريف...... إن قلت كن يكن بلا تسويف
لكنني اتخذته وكيــلا...... تأدبا واختارني خليـلا
الرحلة الكناكرية (6) بواسطة تقديس الأشخاص (1/135)
قال الإمام القرافي: وقد وقع هذا لجماعة من جهلة الصوفية ، ويقولون فلان أعطي كلمة كن، ويسألون أن يُعطوا كلمة كن، التي في قوله تعالى: "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون". ومقتضى هذا الطلب الشركة في الملك وهو كفر.
انظر الإعلام بقواطع الإسلام مطبوع مع الزواجر(390) لابن حجر الهيثمي
وأخيرا
من الأمور التي يجب التنبيه عليها إطلاقهم لفظ "الأستاذ" على بعض الشيوخ
فليعلم أن هذا اصطلاح صوفي لهم فيه مقصد وهو ما يجب أن يعتقد فيه.
قال الشادلي : الأستاذ هو من كمل الدوائر وانطوى فيه علم الأوائل والأواخر، ويسمى بالعالم المطلق، فكل أستاذ شيخ ولا عكس. الطبقات (2/72)
قلت: أسأل الله تعال العفو والعافية، ولمن تلبس بهذه العقيدة من الصوفية أن يرده ردا جميلا، ويهديه إلى سواء الصراط.
والحمد لله رب العلمين.
والنقل
لطفــــاً .. من هنــــــــــا