بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ الله عز وجل يبتلي عباده بما يشاء من أنواع الابتلاءات اختباراً وتمحيصاً لهم كما قال تعالى: { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [الأنبياء: ٣٥].
وكما قال سبحانه: { الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } [العنكبوت: ١ – ٣].
فبين سبحانه وتعالى أنَّ سنته في خلقه أن يبتليهم، بالسَّراء والضراء، والغنى والفقر، والعسر واليسر، والعز والذل، والحياة والموت، حتى يتبين من يفتتن عند الفتن ومن ينجو وقد ذكر الله في كتابه الكريم أنَّ هذه الفتن هي في الحقيقة خير للمؤمنين لأنَّها تُظهر المؤمن الثابت على إيمانه، والمتزعزع فيه، والمؤمن الذي يتعامل مع الفتن معاملة شرعية ممن يقدم رأيه وهواه قال تعالى: { لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [الأنفال: ٣٧ ]، وكما قال تعالى: { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } [آل عمران: ١٧٩ ]، وكما قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } [النور: ١١ ].
وقد بين الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم كيفية التعامل مع الفتن حتى لا نقع في الخطأ والزلل.
فأرشد الله العباد عند وقوع الفتن أن يرجعوا إلى أهل العلم وخاصة الراسخين منهم فقال سبحانه وتعالى: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا } [النساء: ٨٣ ].
• قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- في تفسيره عند هذه الآية :
"وأولو الأمر هم: أهلُ الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها".
• ثم قال رحمه الله:
"وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان؟ أم لا فيحجم عنه؟".اهـ
وكذا النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة إلى كيفية التعامل مع الفتن فقال: (إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، وَلَمَنِ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهاً)
رواه أبو داود عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه.
• وصححه الشيخ العلامة محدث العصر الألباني رحمه الله تعالى في صحيح سنن أبي داود رقم (4263) وفي المشكاة رقم (5405) وفي الصحيحة رقم (973).
ودلهم عليه الصلاة والسلام على ما هو خيرٌ لهم وأنفع من الولوج في الفتن فقال: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) رواه مسلم عن معقل بن يسار رضي الله عنه.
• وهذا هو هدي السلف، ومذهبهم المنقول عنهم، الابتعاد عن الفتن وعدم الخوض فيها.
• فقد ذكر ذلك العلامة ابن القيم -رحمه الله- في كتابه القيم "حادي الأرواح" حيث قال في آخر الباب السبعين، عن بعض السلف أنه قال: "... والإمساك في الفتنة سنة ماضية واجب احترامها فإن ابتليت فقدم نفسك دون دينك ولا تعن على الفتنة بيد ولا لسان، ولكن اكفف لسانك ويدك وهواك والله المعين" حادي الأرواح صفحة (434) طبعة دار الفجر والتراث.
• وقال رحمه الله في "جلاء الأفهام" صفحة 475 طبعة دار ابن الجوزي، تحقيق مشهور بن حسن: " ... وليس تتبع المسائل المستشنعة من عادة أهل العلم فيقتدى بهم في ذكرها وعدها...".اهـ
• لذا فإني أنصح إخواننا أهل السنة والجماعة في اليمن وخارج اليمن بعدم الخوض في الفتن سواءً الفتن الحالية، أو المستقبلية.
والفتن السابقة كافية لهم بعدم التعجل والخوض فيها، وعليهم أن يسندوا الأمر إلى أهله –كما أمر الله- وهم أهل العلم، الذين هم أعرف الناس بالواقع، وبالمصالح والمفاسد، والمنافع والمضار، فيقودوا الأمة إلى درب الأمان.
فأما إذا خاض العامة وطلبة العلم غمار الفتن غير مبالين بأهل العلم فإنَّ هذا نذير شر على الأمة، وهذا مما يزيد الفتن اشتعالاً، والشر انتشاراً، والخلاف اتساعاً.
• فعلى كل مسلم أن يعرف قدر نفسه، فالعامي عليه بخاصة نفسه ويقبل على عمله وعبادة ربه، وما أشكل عليه سأل أهل العلم عنه، كما قال تعالى: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [النحل: ٤٣ والأنبياء: 7 ].
• وطالب العلم يقبل على شأنه، ودروسه، وحفظه، ويحفظ لسانه إلا من خير، وإذا سأله العامي أرشده إلى أهل العلم، وليعلم طالب العلم أنه متى تقمص ثوب العلماء وصار يخوض في الفتن فيعدل ويجرح من يشاء ويصدر الأحكام هنا وهناك، ويفتي بما يوافق هواه، فلا يأمن مكر الله، ولا يأمن من الفضيحة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ). متفق عليه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما.
• فيا طلبة العلم !
الجرح والتعديل من ديننا لكن ليس هو لكل من هب ودب.
إنَّ الجرح والتعديل له رجاله وهم العلماء الأتقياء، المخلصون، الصادقون، الرحماء، الحكماء، البررة، الذين يضعونه في موضعه دون محاباة أو مجاملة لأحد ولا تأثر بالعواطف، وإنما يضعونه موضعه اللائق به، ودون ظلم، ولا اعتداء، ولا انتقام للنفس، ولا رياء ولا سمعة.
• أما الكلام في أهل البدع والأهواء فهذا مسلم به بين أهل السنة والجماعة، فالعامي المستبصر يحذر، وكذا طالب العلم يحذر، فهم ينقلون كلام أهل العلم في أهل الأهواء بدون زيادة ولا مجازفة.
• وأما الفتنة إذا كانت بين عالمين من علماء أهل السنة فلا يخوض فيها إلا علماء أهل السنة، فهم أعلم وأعرف بما يقولون وأدرى بالمصالح والمفاسد، وبمن يستحق أن يُعدَّل أو يـُجرَّح، أما العامي وطالب العلم فلا يجوز لهم الخوض في مثل هذه الفتن فضلاً عن أن يجرحوا أو يعدلوا.
والعلماء هم الذين سيحكمون بين العالمين المتنازعين بما يوافق الكتاب والسنة كما قال تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) } [الحجرات: ٩ – ١٠].
• فيا طلبة العلم عليكم بالتأني وعدم العجلة فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (التأني من الله والعجلة من الشيطان).
• رواه البيهقي في الشعب وأبو يعلى عن أنس وحسنه الشيخ العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع وانظر الصحيحة رقم (1795).
• وسمعت شيخنا مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله تعالى- يقول:
" يا أهل السنة إياكم والسرعة، فإن السرعة تؤدي إلى الإنقلاب".اهـ
• فكم من صاحب فكرة يصيح بها بين أظهركم، فيجد له منكم أعواناً، ومناصرين، ومنافحين هلَّا عرضتم فكرته وقوله على أهل العلم فتعرفون حقيقة أمره.
• ليس كـل مـن خصَّه الله بمـوهبة في الخـطابة، أو الكـتابة، أو البلاغة، أو الحفظ وقام يـُجرِّح أو يُعدِّل أو يصدر أحكاماً يكون مصيباً!!
فالأولى أن يقال له: إنَّ هذا المجال ليس مجالك، وإنَّ هذا الأمر لا يخصك، بل هو من اختصاص أهل العلم، وأنت محكوم عليك ولست بحاكم، وسنسأل عن حالك أهل العلم، هذا الذي يؤمل فيكم يا طلبة العلم.
أمَّا أنكم تنقادون خلف كل ناعق بأدنى الأفكار والحيل، وربما تطاول على أهل العلم وأنتم صامتون وكنتم له مناصرين فهذا أمر لا يبشر بخير أبداً.
• فيا أهل السنة علينا أن ننزل الناس منازلهم:
- فالعالم له مكانته واختصاصه.
- وطالب العلم له مكانته واختصاصه.
- والعامي له مكانته واختصاصه.
والجميع نتعاون على البر والتقوى وعلى نشر الدعوة السلفية بين الناس، وبهذا تسودونا الألفة والمحبة والرحمة كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس منا من لم يجل كبيرنا و يرحم صغيرنا ! و يعرف لعالمنا حقه). رواه أحمد والحاكم عن عبادة بن الصامت وحسنه الشيخ العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع رقم (5443).
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين
وأن يجعلنا من عباده الصالحين
وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق المبين
والحمد لله رب العالمين
أبو إبراهيم
محمد بن عبد الوهاب الوصابي العبدلي
الحديدة
في 15 / 9 / 1429هـ
الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ الله عز وجل يبتلي عباده بما يشاء من أنواع الابتلاءات اختباراً وتمحيصاً لهم كما قال تعالى: { وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [الأنبياء: ٣٥].
وكما قال سبحانه: { الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } [العنكبوت: ١ – ٣].
فبين سبحانه وتعالى أنَّ سنته في خلقه أن يبتليهم، بالسَّراء والضراء، والغنى والفقر، والعسر واليسر، والعز والذل، والحياة والموت، حتى يتبين من يفتتن عند الفتن ومن ينجو وقد ذكر الله في كتابه الكريم أنَّ هذه الفتن هي في الحقيقة خير للمؤمنين لأنَّها تُظهر المؤمن الثابت على إيمانه، والمتزعزع فيه، والمؤمن الذي يتعامل مع الفتن معاملة شرعية ممن يقدم رأيه وهواه قال تعالى: { لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [الأنفال: ٣٧ ]، وكما قال تعالى: { مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ } [آل عمران: ١٧٩ ]، وكما قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } [النور: ١١ ].
وقد بين الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم كيفية التعامل مع الفتن حتى لا نقع في الخطأ والزلل.
فأرشد الله العباد عند وقوع الفتن أن يرجعوا إلى أهل العلم وخاصة الراسخين منهم فقال سبحانه وتعالى: { وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلا } [النساء: ٨٣ ].
• قال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي -رحمه الله- في تفسيره عند هذه الآية :
"وأولو الأمر هم: أهلُ الرأي والعلم والنصح والعقل والرزانة، الذين يعرفون الأمور ويعرفون المصالح وضدها".
• ثم قال رحمه الله:
"وفي هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. وفيه النهي عن العجلة والتسرع لنشر الأمور من حين سماعها، والأمر بالتأمل قبل الكلام والنظر فيه، هل هو مصلحة، فيُقْدِم عليه الإنسان؟ أم لا فيحجم عنه؟".اهـ
وكذا النبي صلى الله عليه وسلم أرشد الأمة إلى كيفية التعامل مع الفتن فقال: (إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ، وَلَمَنِ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ فَوَاهاً)
رواه أبو داود عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه.
• وصححه الشيخ العلامة محدث العصر الألباني رحمه الله تعالى في صحيح سنن أبي داود رقم (4263) وفي المشكاة رقم (5405) وفي الصحيحة رقم (973).
ودلهم عليه الصلاة والسلام على ما هو خيرٌ لهم وأنفع من الولوج في الفتن فقال: (الْعِبَادَةُ فِي الْهَرْجِ كَهِجْرَةٍ إِلَيَّ) رواه مسلم عن معقل بن يسار رضي الله عنه.
• وهذا هو هدي السلف، ومذهبهم المنقول عنهم، الابتعاد عن الفتن وعدم الخوض فيها.
• فقد ذكر ذلك العلامة ابن القيم -رحمه الله- في كتابه القيم "حادي الأرواح" حيث قال في آخر الباب السبعين، عن بعض السلف أنه قال: "... والإمساك في الفتنة سنة ماضية واجب احترامها فإن ابتليت فقدم نفسك دون دينك ولا تعن على الفتنة بيد ولا لسان، ولكن اكفف لسانك ويدك وهواك والله المعين" حادي الأرواح صفحة (434) طبعة دار الفجر والتراث.
• وقال رحمه الله في "جلاء الأفهام" صفحة 475 طبعة دار ابن الجوزي، تحقيق مشهور بن حسن: " ... وليس تتبع المسائل المستشنعة من عادة أهل العلم فيقتدى بهم في ذكرها وعدها...".اهـ
• لذا فإني أنصح إخواننا أهل السنة والجماعة في اليمن وخارج اليمن بعدم الخوض في الفتن سواءً الفتن الحالية، أو المستقبلية.
والفتن السابقة كافية لهم بعدم التعجل والخوض فيها، وعليهم أن يسندوا الأمر إلى أهله –كما أمر الله- وهم أهل العلم، الذين هم أعرف الناس بالواقع، وبالمصالح والمفاسد، والمنافع والمضار، فيقودوا الأمة إلى درب الأمان.
فأما إذا خاض العامة وطلبة العلم غمار الفتن غير مبالين بأهل العلم فإنَّ هذا نذير شر على الأمة، وهذا مما يزيد الفتن اشتعالاً، والشر انتشاراً، والخلاف اتساعاً.
• فعلى كل مسلم أن يعرف قدر نفسه، فالعامي عليه بخاصة نفسه ويقبل على عمله وعبادة ربه، وما أشكل عليه سأل أهل العلم عنه، كما قال تعالى: { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ } [النحل: ٤٣ والأنبياء: 7 ].
• وطالب العلم يقبل على شأنه، ودروسه، وحفظه، ويحفظ لسانه إلا من خير، وإذا سأله العامي أرشده إلى أهل العلم، وليعلم طالب العلم أنه متى تقمص ثوب العلماء وصار يخوض في الفتن فيعدل ويجرح من يشاء ويصدر الأحكام هنا وهناك، ويفتي بما يوافق هواه، فلا يأمن مكر الله، ولا يأمن من الفضيحة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ). متفق عليه عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما.
• فيا طلبة العلم !
الجرح والتعديل من ديننا لكن ليس هو لكل من هب ودب.
إنَّ الجرح والتعديل له رجاله وهم العلماء الأتقياء، المخلصون، الصادقون، الرحماء، الحكماء، البررة، الذين يضعونه في موضعه دون محاباة أو مجاملة لأحد ولا تأثر بالعواطف، وإنما يضعونه موضعه اللائق به، ودون ظلم، ولا اعتداء، ولا انتقام للنفس، ولا رياء ولا سمعة.
• أما الكلام في أهل البدع والأهواء فهذا مسلم به بين أهل السنة والجماعة، فالعامي المستبصر يحذر، وكذا طالب العلم يحذر، فهم ينقلون كلام أهل العلم في أهل الأهواء بدون زيادة ولا مجازفة.
• وأما الفتنة إذا كانت بين عالمين من علماء أهل السنة فلا يخوض فيها إلا علماء أهل السنة، فهم أعلم وأعرف بما يقولون وأدرى بالمصالح والمفاسد، وبمن يستحق أن يُعدَّل أو يـُجرَّح، أما العامي وطالب العلم فلا يجوز لهم الخوض في مثل هذه الفتن فضلاً عن أن يجرحوا أو يعدلوا.
والعلماء هم الذين سيحكمون بين العالمين المتنازعين بما يوافق الكتاب والسنة كما قال تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) } [الحجرات: ٩ – ١٠].
• فيا طلبة العلم عليكم بالتأني وعدم العجلة فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (التأني من الله والعجلة من الشيطان).
• رواه البيهقي في الشعب وأبو يعلى عن أنس وحسنه الشيخ العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع وانظر الصحيحة رقم (1795).
• وسمعت شيخنا مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله تعالى- يقول:
" يا أهل السنة إياكم والسرعة، فإن السرعة تؤدي إلى الإنقلاب".اهـ
• فكم من صاحب فكرة يصيح بها بين أظهركم، فيجد له منكم أعواناً، ومناصرين، ومنافحين هلَّا عرضتم فكرته وقوله على أهل العلم فتعرفون حقيقة أمره.
• ليس كـل مـن خصَّه الله بمـوهبة في الخـطابة، أو الكـتابة، أو البلاغة، أو الحفظ وقام يـُجرِّح أو يُعدِّل أو يصدر أحكاماً يكون مصيباً!!
فالأولى أن يقال له: إنَّ هذا المجال ليس مجالك، وإنَّ هذا الأمر لا يخصك، بل هو من اختصاص أهل العلم، وأنت محكوم عليك ولست بحاكم، وسنسأل عن حالك أهل العلم، هذا الذي يؤمل فيكم يا طلبة العلم.
أمَّا أنكم تنقادون خلف كل ناعق بأدنى الأفكار والحيل، وربما تطاول على أهل العلم وأنتم صامتون وكنتم له مناصرين فهذا أمر لا يبشر بخير أبداً.
• فيا أهل السنة علينا أن ننزل الناس منازلهم:
- فالعالم له مكانته واختصاصه.
- وطالب العلم له مكانته واختصاصه.
- والعامي له مكانته واختصاصه.
والجميع نتعاون على البر والتقوى وعلى نشر الدعوة السلفية بين الناس، وبهذا تسودونا الألفة والمحبة والرحمة كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ليس منا من لم يجل كبيرنا و يرحم صغيرنا ! و يعرف لعالمنا حقه). رواه أحمد والحاكم عن عبادة بن الصامت وحسنه الشيخ العلامة الألباني رحمه الله في صحيح الجامع رقم (5443).
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين
وأن يجعلنا من عباده الصالحين
وأن يجمع كلمة المسلمين على الحق المبين
والحمد لله رب العالمين
أبو إبراهيم
محمد بن عبد الوهاب الوصابي العبدلي
الحديدة
في 15 / 9 / 1429هـ