والآن مع نخبة من العلماء في شرح حديث
" الدين النصيحة "
1** الإمام النووي في شرح صحيح مسلم الإمام مسلم ؛ كتاب الإيمان -باب بيان أن الدين النصيحة * حدّثنا مُحمّدُ بْنُ عَبّادٍ الْمَكّيّ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ. قَالَ: قُلْتُ لِ سُهَيْلٍ: إِنّ عَمْرا حَدّثَنَا عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِيكَ. قَالَ: وَرَجَوْتُ أَنْ يُسْقِطَ عَنّي رَجلاً. قَالَ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنَ الّذِي سَمعَهُ مِنْهُ أَبِي. كَانَ صَدِيقَا لَهُ بِالشّامِ. ثُم حَدّثَنَا سُفْيَان، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ تَمِيمٍ الدّارِيّ أَنّ النّبِيّ r قَالَ: "الدّينُ النّصِيحَةُ" قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: "لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامّتِهِمْ". ** قال الإمام النووي : فيه (عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي r قال: الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) ... هذا حديث عظيم الشأن وعليه مدار الإسلام كما سنذكره من شرحه، وأما ما قاله جماعات من العلماء أنه أحد أرباع الإسلام أي أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور الإسلام فليس كما قالوه، بل المدار على هذا وحده، وهذا الحديث من أفراد مسلم، وليس لتميم الداري في صحيح البخاري عن النبيّ r شيء ولا له في مسلم عنه غير هذا الحديث، .... وأما شرح هذا الحديث، فقال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله: النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له، قال: ويقال هو من وجيز الأسماء ومختصر الكلام، وليس في كلام العرب كلمة مفردة يستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة، كما قالوا في الفلاح ليس في كلام العرب كلمة أجمع لخير الدنيا والاَخرة منه، قال وقيل: النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب، قال وقيل: إنها مأخوذة من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط، قال: ومعنى الحديث عماد الدين وقوامه النصيحة، كقوله: الحج عرفة أي عماده ومعظمه عرفة. وأما تفسير النصيحة وأنواعها فقد ذكر الخطابي وغيره من العلماء فيها كلاما نفيسا أنا أضم بعضه إلى بعض مختصرا، قالوا: 1 * أما النصيحة لله تعالى فمعناها منصرف إلى الإيمان به، ونفي الشريك عنه، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها، وتنزيهه سبحانه وتعالى من جميع النقائص، والقيام بطاعته، واجتناب معصيته، والحب فيه والبغض فيه، وموالاة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، وجهاد من كفر به، والاعتراف بنعمته وشكره عليها، والإخلاص في جميع الأمور، والدعاء إلى جميع الأوصاف المذكورة والحث عليها، والتلطف في جميع الناس أو من أمكن منهم عليها. قال الخطاب رحمه الله: وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصحه نفسه، فالله تعالى غني عن نصح الناصح. 2 * وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، ثم تعظيمه وتلاوته حق وتلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاعنين والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخة، ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرنا من نصيحته. 3* وأما النصيحة لرسول الله r فتصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حيا وميتا، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته ونشر شريعته ونفي التهمة عنها واستثارة علومها، والتفقه في معانيها والدعاء إليها، والتلطف في تعلمها وتعليمها وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانية من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك. 4 * وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به، وتنبيهم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم. قال الخطابي رحمه الله: ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى لهم بالصلاح، وهذا كله على أن المراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمور المسلمين من أصحاب الولايات وهذا هو المشهور. وحكاه أيضا الخطابي ثم قال: وقد يتأول ذلك على الأئمة الذين هم علماء الدين، وأن من نصيحتهم قبول ما رووه، وتقليدهم في الأحكام، وإحسان الظن بهم. 5 * وأما نصيحة عامة المسلمين وهم من عدا ولاة الأمر فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم وكف الأذى عنهم، فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم، ويعينهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة، وترك غشهم وحسدهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه، والذب عن أموالهم وأعراضهم، وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل، وحثهم على التخلق بجميع ما ذكرناه من أنواع النصيحة، وتنشيط هممهم إلى الطاعات، وقد كان في السلف رضي الله عنه من تبلغ به النصيحة إلى الإضرار بدنياه، والله أعلم. هذا آخر ما تلخص في تفسير النصيحة. قال ابن بطال رحمه الله في هذا الحديث: إن النصيحة تسمى دينا وإسلاما، وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول. قال: والنصيحة فرض يجزي فيه من قام به ويسقط عن الباقين. قال: والنصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة، والله أعلم.
" الدين النصيحة "
1** الإمام النووي في شرح صحيح مسلم الإمام مسلم ؛ كتاب الإيمان -باب بيان أن الدين النصيحة * حدّثنا مُحمّدُ بْنُ عَبّادٍ الْمَكّيّ: حَدّثَنَا سُفْيَانُ. قَالَ: قُلْتُ لِ سُهَيْلٍ: إِنّ عَمْرا حَدّثَنَا عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِيكَ. قَالَ: وَرَجَوْتُ أَنْ يُسْقِطَ عَنّي رَجلاً. قَالَ فَقَالَ: سَمِعْتُهُ مِنَ الّذِي سَمعَهُ مِنْهُ أَبِي. كَانَ صَدِيقَا لَهُ بِالشّامِ. ثُم حَدّثَنَا سُفْيَان، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ تَمِيمٍ الدّارِيّ أَنّ النّبِيّ r قَالَ: "الدّينُ النّصِيحَةُ" قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: "لله وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامّتِهِمْ". ** قال الإمام النووي : فيه (عن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي r قال: الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) ... هذا حديث عظيم الشأن وعليه مدار الإسلام كما سنذكره من شرحه، وأما ما قاله جماعات من العلماء أنه أحد أرباع الإسلام أي أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور الإسلام فليس كما قالوه، بل المدار على هذا وحده، وهذا الحديث من أفراد مسلم، وليس لتميم الداري في صحيح البخاري عن النبيّ r شيء ولا له في مسلم عنه غير هذا الحديث، .... وأما شرح هذا الحديث، فقال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله: النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له، قال: ويقال هو من وجيز الأسماء ومختصر الكلام، وليس في كلام العرب كلمة مفردة يستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة، كما قالوا في الفلاح ليس في كلام العرب كلمة أجمع لخير الدنيا والاَخرة منه، قال وقيل: النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه، فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب، قال وقيل: إنها مأخوذة من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط، قال: ومعنى الحديث عماد الدين وقوامه النصيحة، كقوله: الحج عرفة أي عماده ومعظمه عرفة. وأما تفسير النصيحة وأنواعها فقد ذكر الخطابي وغيره من العلماء فيها كلاما نفيسا أنا أضم بعضه إلى بعض مختصرا، قالوا: 1 * أما النصيحة لله تعالى فمعناها منصرف إلى الإيمان به، ونفي الشريك عنه، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بصفات الكمال والجلال كلها، وتنزيهه سبحانه وتعالى من جميع النقائص، والقيام بطاعته، واجتناب معصيته، والحب فيه والبغض فيه، وموالاة من أطاعه، ومعاداة من عصاه، وجهاد من كفر به، والاعتراف بنعمته وشكره عليها، والإخلاص في جميع الأمور، والدعاء إلى جميع الأوصاف المذكورة والحث عليها، والتلطف في جميع الناس أو من أمكن منهم عليها. قال الخطاب رحمه الله: وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد في نصحه نفسه، فالله تعالى غني عن نصح الناصح. 2 * وأما النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، ثم تعظيمه وتلاوته حق وتلاوته وتحسينها والخشوع عندها وإقامة حروفه في التلاوة والذب عنه لتأويل المحرفين وتعرض الطاعنين والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه وناسخه ومنسوخة، ونشر علومه والدعاء إليه وإلى ما ذكرنا من نصيحته. 3* وأما النصيحة لرسول الله r فتصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حيا وميتا، ومعاداة من عاداه وموالاة من والاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته ونشر شريعته ونفي التهمة عنها واستثارة علومها، والتفقه في معانيها والدعاء إليها، والتلطف في تعلمها وتعليمها وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قراءتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانية من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك. 4 * وأما النصيحة لأئمة المسلمين فمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وأمرهم به، وتنبيهم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتألف قلوب الناس لطاعتهم. قال الخطابي رحمه الله: ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة، وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى لهم بالصلاح، وهذا كله على أن المراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمور المسلمين من أصحاب الولايات وهذا هو المشهور. وحكاه أيضا الخطابي ثم قال: وقد يتأول ذلك على الأئمة الذين هم علماء الدين، وأن من نصيحتهم قبول ما رووه، وتقليدهم في الأحكام، وإحسان الظن بهم. 5 * وأما نصيحة عامة المسلمين وهم من عدا ولاة الأمر فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم وكف الأذى عنهم، فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم، ويعينهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير كبيرهم ورحمة صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة، وترك غشهم وحسدهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه من الخير ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه، والذب عن أموالهم وأعراضهم، وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل، وحثهم على التخلق بجميع ما ذكرناه من أنواع النصيحة، وتنشيط هممهم إلى الطاعات، وقد كان في السلف رضي الله عنه من تبلغ به النصيحة إلى الإضرار بدنياه، والله أعلم. هذا آخر ما تلخص في تفسير النصيحة. قال ابن بطال رحمه الله في هذا الحديث: إن النصيحة تسمى دينا وإسلاما، وأن الدين يقع على العمل كما يقع على القول. قال: والنصيحة فرض يجزي فيه من قام به ويسقط عن الباقين. قال: والنصيحة لازمة على قدر الطاقة إذا علم الناصح أنه يقبل نصحه ويطاع أمره وأمن على نفسه المكروه، فإن خشي على نفسه أذى فهو في سعة، والله أعلم.