من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 11.04.09 6:17
5-وقال الطبري : وفي هذه السنة ولى عمر أبا موسى البصرة وأمره أن يشخص إليه المغيرة في ربيع الأول فشهد عليه فيما حدثني معمر عن الزهري عن ابن المسيب أبو بكرة وشبل بن معبد البجلي ونافع بن كلدة وزياد .
قال: وحدثني محمد بن يعقوب بن عتبة عن أبيه قال: كان يختلف إلى أم جميل امرأة من بني هلال وكان لها زوج هلك قبل ذلك من ثقيف يقال له الحجاج بن عبيد فكان يدخل عليها فبلغ ذلك أهل البصرة فأعظموه فخرج المغيرة يوما من الأيام حتى دخل عليها وقد وضعوا عليها الرصد فانطلق القوم الذين شهدوا جميعا فكشفوا الستر وقد واقعها فوفد أبو بكرة إلى عمر فسمع صوته وبينه وبينه حجاب فقال أبو بكرة قال نعم قال لقد جئت لشر قال إنما جاء بي المغيرة ثم قص عليه القصة فبعث عمر أبا موس الأشعري عاملا وأمره أن يبعث إليه المغيرة فأهدى المغيرة لأبي موسى عقيلة وقال إن رضيتها لك فبعث أبو موسى بالمغيرة إلى عمر .
قلت : ومحمد بن يعقوب له ترجمة في الجرح والتعديل والتاريخ الكبير ولم يذكروا فيه جرحا ولا تعديلا ويعقوب ثقة لكن الأثر عنه مرسل .
قال الواقدي : وحدثني عبدالرحمن بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن مالك بن أوس بن الحدثان قال حضرت عمر حين قدم بالمغيرة وقد تزوج امرأة من بني مرة فقال له إنك لفارغ القلب طويل الشبق فسمعت عمر يسأل عن المرأة فقال يقال لها الرقطاء وزوجها من ثقيف وهو من بني هلال .
والواقدي متروك
قال أبو جعفر : وكان سبب ما كان بين أبي بكرة والشهادة عليه فيما كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد والمهلب وطلحة وعمرو بإسنادهم قالوا : كان الذي حدث بين أبي بكرة والمغيرة بن شعبة أن المغيرة كان يناغيه وكان أبو بكرة ينافره عند كل ما يكون منه وكانا بالبصرة وكانا متجاورين بينهما طريق وكانا في مشربتين متقابلتين لهما في داريهما في كل واحدة منهما كوة مقابلة الأخرى ؛ فاجتمع إلى أبي بكرة نفر يتحدثون في مشربته فهبت ريح ففتحت باب الكوة فقام أبو بكرة ليصفقه فبصر بالمغيرة , وقد فتحت الريح باب كوة مشربته وهو بين رجلي امرأة فقال للنفر : قوموا فانظروا فقاموا فنظروا ثم قال: اشهدوا قالوا: من هذه ؟ قال: أم جميل ابنة الأفقم وكانت أم جميل إحدى بني عامر بن صعصعة وكانت غاشية للمغيرة وتغشى الأمراء والأشراف وكان بعض النساء يفعلن ذلك في زمانها فقالوا إنما رأينا أعجازا ولا ندري ما الوجه ثم إنهم صمموا حين قامت فلما خرج المغيرة إلى الصلاة حال أبو بكرة بينه وبين الصلاة وقال لا تصل بنا فكتبوا إلى عمر بذلك وتكاتبوا فبعث عمر إلى أبي موسى فقال: يا أبا موسى إني مستعملك إني أبعثك إلى أرض قد باض بها الشيطان وفرخ ؛ فالزم ما تعرف ولا تستبدل فيستبدل الله بك فقال: يا أمير المؤمنين أعني بعدة من أصحاب رسول الله من المهاجرين والأنصار ؛ فإني وجدتهم في هذه الأمة وهذه الأعمال كالملح لا يصلح الطعام إلا به فاستعن بمن أحببت ؛ فاستعان بتسعة وعشرين رجلا منهم أنس بن مالك وعمران بن حصين وهشام بن عامر ثم خرج أبو موسى فيهم حتى أناخ بالمربد وبلغ المغيرة أن أبا موسى قد أناخ بالمربد فقال والله ما جاء أبو موسى زائرا ولا تاجرا , ولكنه جاء أميرا فإنهم لفي ذلك إذ جاء أبو موسى حتى دخل عليهم فدفع إليه أبو موسى كتابا من عمر وإنه لأوجز كتاب كتب به أحد من الناس أربع كلم عزل فيها وعاتب واستحث وأمر أما بعد: فإنه بلغني نبأ عظيم فبعثت أبا موسى أميرا فسلم إليه ما في يدك والعجل وكتب إلى أهل البصرة أما بعد فإني قد بعثت أبا موسى أميرا عليكم ليأخذ لضعيفكم من قويكم وليقاتل بكم عدوكم وليدفع عن ذمتكم وليحصي لكم فيئكم ثم ليقسمه بينكم ولينقي لك طرقكم وأهدى له المغيرة وليدة من مولدات الطائف تدعى عقيلة , وقال: إني قد رضيتها لك وكانت فارهة وارتحل المغيرة وأبو بكرة ونافع بن كلدة وزياد وشبل بن معبد البجلي حتى قدموا على عمر فجمع بينهم وبين المغيرة فقال المغيرة : سل هؤلاء الأعبد كيف رأوني مستقبلهم أو مستدبرهم وكيف رأوا المرأة أو عرفوها فإن كانوا مستقبلي فكيف لم أستتر أو مستدبري فبأي شيء استحلوا النظر إلي في منزلي على امرأتي والله ما أتيت إلا امرأتي وكانت شبهها ؛ فبدأ بأبي بكرة فشهد عليه أنه رآه بين رجلي أم جميل وهو يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة قال : كيف رأيتهما ؟قال : مستدبرهما قال : فكيف استثبت رأسها قال: تحاملت ثم دعا بشبل بن معبد فشهد بمثل ذلك فقال: استدبرتهما أو استقبلتهما؟ قال: استقبلتهما وشهد نافع بمثل شهادة أبي بكرة ولم يشهد زياد بمثل شهادتهم قال :رأيته جالسا بين رجلي امرأة فرأيت قدمين مخضوبتين تخفقان واستين مكشوفتين وسمعت خفزانا شديدا قال: هل رأيت كالميل في المكحلة؟ قال: لا قال: فهل تعرف المرأة ؟قال: لا ولكن أشبهها قال : فتنح وأمر بالثلاثة فجلدوا الحد وقرأ {فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} فقال المغيرة: اشفني من الأعبد فقال: اسكت اسكت الله نأمتك أما والله لم تمت الشهادة لرجمتك بأحجارك .
تاريخ الطبري (4|72)
قلت : وسيف هو بن عمر التميمي قال عنه أبو حاتم : متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي
التعليق على الروايات
1- الثابت من الروايات في هذه الحادثة أصل القصة وهو شهادة أبي بكرة وشبل بن معبد ونافع وزياد على المغيرة بن شعبة
فشهد الثلاثة على المغيرة ,وشهد زياد على خلاف شهادتهم فجلدهم عمر واستتابهم وقال : من رجع منكم عن شهادته قبلت شهادته فأبى أبو بكرة أن يرجع .
أما تفاصيل الحادثة فجلها من طرق ضعيفة وساقطة
من مرويات الواقدي وسيف بن عمر التميمي وغيرهم من الضعفاء والمتروكين .
2- جاء في هذه الروايات بعض اختلاف وتناقض في سرد الأحداث وهي كالآتي
أ-في سرد الطبري للحادثة من طريق الواقدي بيان أن الحادثة كانت في بيت المغيرة , وفي رواية عبد العزيز بن أبي بكرة أن ذلك كان في بيت أم جميل
ب-في رواية الواقدي ورواية عبد الرحمن بن أبي بكرة أن الريح فتحت باب الكوة فقام أبو بكرة ليغلقها فرأى من غير قصد المغيرة في بيته يجامع امرأة شبهها بأم جميل .
أما في رواية عبد العزيز ففيها أن أبا بكرة ومن معه تتبعوا المغيرة وتجسسوا عليه واحدا تلو الآخر
3- في رواية الواقدي لم يجزموا بأن المرأة هي أم جميل وأقر زياد أنه لا يعرف المرأة وأنه يشبهها .
4- دافع المغيرة بن شعبة رضي الله عنه في رواية الواقدي عن نفسه بأن البيت بيته والمرأة زوجته , وهذا هو الأصل .
5- في رواية عبد العزيز نكارة في المتن أن يدخل بيت أم جميل أمام نظر أبي بكرة ومن معه وكذلك استبعد أن أبا بكرة رضي الله عنه يأمر بالتجسس على المغيرة .
من أجوبة العلماء على هذه القصة
قال الشنقيطي رحمه الله في أضواء البيان (127) : يظهر لنا في هذه القصة التي رأوا المغيرة رضي الله عنه مخالطا لها عندما فتحت الريح الباب عنهما أنما هي زوجته ولا يعرفونها وهي تشبه امرأة أخرى أجنبية كانوا يعرفونها تدخل على المغيرة وغيره من الأمراء فظنوا أنها هي , فهم لم يقصدوا باطلا ولكن ظنهم أخطأ وهو لم يقترف إن شاء الله فاحشة لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يعظم فيهم الوازع الديني الزاجر عما لا ينبغي في أغلب الأحوال والعلم عند الله تعالى .
وقال ابن حجر في التلخيص (4|63) : وقيل إن المغيرة كان تزوج بها سرا وكان عمر لا يجيز نكاح السر ويوجب الحد على فاعله فلهذا سكت المغيرة وهذا لم أره منقولا بإسناد وإن صح كان عذرا حسنا لهذا الصحابي
قلت : وهذا على فرض ثبوت أنها أم جميل ولم يثبت ولله الحمد .
المسائل والفوائد المتعلقة بهذه القصة
1-نقل ابن قدامة عن الخرقي سبعة شروط في الشهادة على الزنا
أحدها: أن يكونوا أربعة وهذا إجماع لا خلاف فيه بين أهل العلم لقول الله تعالى : { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم } وقال تعالى : { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } وقال تعالى : { لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون } [ وقال سعد بن عبادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت لو وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي باربعة شهداء ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم ] رواه مالك في الموطأ و أبو داود في سننه
الشرط الثاني : أن يكونوا رجالا كلهم ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال ولا نعلم فيه خلافا إلا شيئا يروى عن عطاء و حماد أنه يقبل فيه ثلاثة رجال وامرأتان وهو شذوذ لا يعول عليه .
الشرط الثالث : الحرية فلا تقبل فيه شهادة العبيد , ولا نعلم في هذا خلافا إلا رواية حكيت عن أحمد أن شهادتهم تقبل وهو قول أبي ثور لعموم النصوص فيه ولأنه عدل ذكر مسلم فتقبل شهادته كالحر .
ولنا أنه مختلف في شهادته في سائر الحقوق فيكون ذلك شبهة تمنع من قبول شهادته في الحد لأنه يندريء بالشبهات
الشرط الرابع : العدالة ولا خلاف في اشتراطها ؛ فإن العدالة تشترط في سائر الشهادات فههنا مع مزيد الاحتياط أولى فلا تقبل شهادة الفاسق ولا مستور الحال الذي لا تعلم عدالته لجواز أن يكون فاسقا .
الخامس : أن يكونوا مسلمين فلا تقبل شهادة أهل الذمة فيه سواء كانت الشهادة على مسلم أو ذمي لأن أهل الذمة كفار لا تتحقق العدالة فيهم ولا تقبل روايتهم ولا أخبارهم الدينية فلا تقبل شهادتهم كعبدة الأوثان .
الشرط السادس : أن يصفوا الزنا فيقولوا رأينا ذكره في فرجها كالمرود في المكحلة والرشاد في البئر وهذا قول معاوية بن أبي سفيان و الزهري و الشافعي و أبي ثور و ابن المنذر وأصحاب الرأي لما – جاء - في قصة ماعز أنه لما أقر عند النبي صلى الله عليه وسلم بالزنا فقال : أنكتها ؟ فقال : نعم فقال : حتى غاب ذلك منك في ذلك منها كما يغيب المرود في المكحلة والرشاد في البئر ؟ قال نعم ] وإذا اعتبر التصريح في الإقرار كان اعتباره في الشهادة أولى
المغني (10|169)
2- أخذ العلماء بقاعدة أن الحدود تدرأ بالشبهات قال صديق حسن خان : ويسقط الحد بالشبهات المحتملة لحديث أبي هريرة قال [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ادرؤوا الحدود على المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام أن يخطيء في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة ]
أخرجه الترمذي وإسناده ضعيف .
لكن كما ذكر صديق حسن خان وروي نحوه عن عمر وابن مسعود بإسناد صحيح وفي الباب من الروايات ما يعضد بعضه .
الروضة الندية (2|265)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وأما إذا اشتبه الأمر هل هذا القول أو الفعل مما يعاقب صاحبه عليه أو ما لا يعاقب فالواجب ترك العقوبة...
مجموع الفتاوى (6|505)
باب شهادة القاذف والسارق والزاني 3- بوب البخاري في صحيحه
قال ابن حجر : أي هل تقبل بعد توبتهم أم لا ؟
قوله: وقول الله عز وجل:{ ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا } وهذا الاستثناء عمدة من أجاز شهادته إذا تاب .
وقد أخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة عن بن عباس في قوله تعالى:{ ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} ثم قال :{ إلا الذين تابوا} فمن تاب فشهادته في كتاب الله تقبل وبهذا قال الجمهور أن شهادة القاذف بعد التوبة تقبل ويزول عنه اسم الفسق سواء كان بعد إقامة الحد أو قبله وتأولوا قوله تعالى { أبدا} على أن المراد ما دام مصرا على قذفه لأن أبد كل شيء على ما يليق به كما لو قيل لا تقبل شهادة الكافر أبدا ؛ فإن المراد ما دام كافرا وبالغ الشعبي فقال: إن تاب القاذف قبل إقامة الحد سقط عنه وذهب الحنفية إلى أن الاستثناء يتعلق بالفسق خاصة فإذا تاب سقط عنه اسم الفسق , وأما شهادته فلا تقبل أبدا وقال بذلك بعض التابعين وفيه مذهب آخر يقبل بعد الحد لا قبله وعن الحنفية لا ترد شهادته حتى يحد وتعقبه الشافعي بأن الحدود كفارة لأهلها فهو بعد الحد خير منه قبله فكيف يرد في خير حالتيه ويقبل في شرهما .
الفتح (5|256)
وقال ابن حجر : وقال بعض الناس لا تجوز شهادة القاذف وإن تاب هذا منقول عن الحنفية واحتجوا في رد شهادة المحدود بأحاديث قال الحفاظ لا يصح منها شيء وأشهرها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا محدود في الإسلام أخرجه أبو داود وبن ماجة .
ورواه الترمذي من حديث عائشة نحوه وقال: لا يصح وقال أبو زرعة: منكر .
وروى عبد الرزاق عن الثوري عن واصل عن إبراهيم قال: لا تقبل شهادة القاذف توبته فيما بينه وبين الله قال الثوري ونحن على ذلك .
وأخرج عبد الرزاق من رواية عطاء الخرساني عن بن عباس نحوه وهو منقطع ولم يصب من قال أنه سند قوي .
الفتح (5|257)
4- بيان أن الصحابة أقروا فعل عمر في حكمه في هذه القضية
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وأما قول الرافضي وعطل حدود الله فلم يحد المغيرة بن شعبة
فالجواب :أن جماهير العلماء على ما فعله عمر في قصة المغيرة وأن البينة إذا لم تكمل حد الشهود ومن قال بالقول الآخر لم ينازع في أن هذه مسألة ...
والذي فعله بالمغيرة كان بحضرة الصحابة رضي الله عنهم وأقروه على ذلك وعلي منهم والدليل على إقرار علي له أنه لما جلد الثلاثة الحد أعاد أبو بكرة القذف وقال والله لقد زنى فهم عمر بجلده ثانيا فقال له علي إن كنت جالده فارجم المغيرة يعني أن هذا القول إن كان هو الأول فقد حد عليه وإن جعلته بمنزلة قول ثان فقد تم النصاب أربعة فيجب رجمة فلم يحده عمر , وهذا دليل على رضا علي بحدهم أولا دون الحد الثاني وإلا كان أنكر حدهم أولا كما أنكر الثاني .
وكان من هو دون علي يراجع عمر ويحتج عليه بالكتاب والسنة فيرجع عمر إلى قوله فإن عمر كان وقافا عند كتاب الله تعالى .
منهاج السنة (6|35)