الرأي والرأي الآخر كما يقولون.. هؤلاء الضالون المضلون يحملون وزرهم ووزر غيرهم
راجت في عصرنا الحاضر فكرة التعلق بالأقوال التي توافق هوى هذا المتعلق بها، وهذا خطر فلا يكفي أن الآخذ برأي ما يضغط على الكمبيوتر ويستعرض الأقوال المخزنة فيه ويأخذ ما يوافق هواه فإن ذلك هو الضلال المبين، وليس ضلاله يقتصر عليه - وإن كنا لا نحب له ذلك- ولكن ضلاله يتعدى إلى الآخرين خصوصاً من لا علم عندهم، فيحمل وزره كاملاً يوم القيامة ومن أوزار الذين أضلهم بغير علم، فالموقف هناك صعب.
إن الخلاف واقع والأقوال كثيرة والآراء متباينة ولم يكلنا الله إلى الأقوال والخلاف بل قال لنا سبحانه وتعالى: { فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (59) [النساء: 59] وهذا أمر من الله يفيد وجوب رد النزاع والاختلاف إلى كتاب الله وسنَّة رسوله وذلك يكون على أيدي العلماء المتخصصين في علم الكتاب والسنَّة ومعرفة مآخذ الأقوال ومستنداتها ولا يتولاه المتعالمون والجهال أو الضلال، فالله لم يرض لنا البقاء على الاختلاف ولم يرض لنا الأخذ بمجرد الأقوال على علاتها كل يأخذ منها ما يوافق هواه أو ما يرضي به الناس أو ما يتجارى مع الواقع المخالف لشرع الله سبحانه، فها هو الإمام أبو حنيفة يقول: "إذا جاء الدليل عن الله فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن رسول الله فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن صحابة رسول الله فعلى الرأس والعين، وإذا جاء عن التابعين فهم رجال ونحن رجال" يريد أننا لا نقبل قول التابعي مع فضله ومكانته حتى نعرضه على الكتاب والسنَّة، فكيف بقول غير التابعين، وها هو الإمام مالك يقول: "كلنا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر" يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وها هو الشافعي يقول: "إذا خالف قولي قوله صلى الله عليه وسلم فخذوا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم واضربوا بقولي عرض الحائط" وها هو الإمام أحمد يقول: "عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون إلى رأي سفيان.
والله تعالى يقول: {·· فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63) [النور: 63].
إنني أقول لمن فتنوا بتتبع الأقوال والرخص ويعلنون ذلك في المجلات والصحف أو في الفضائيات عليهم أن يتقوا الله في أنفسهم وفي إخوانهم وأن لا يدخلوا فيما ليس من اختصاصهم، فالخطر عظيم والذنب كبير والإثم أكبر.
وليعلموا أنهم مسؤولون عمّا يقولون وعمّا يكتبون يوم القيامة، وليس لهم حجة عند الله.
وأما قولهم لا يجوز حمل الناس على قول واحد لأن هذا فيه تضييق على الناس فنقول لهم نحن لا نحمل الناس على قول شخص معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم أو من وافق قوله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقوال العلماء وهذا واجب على الجميع قال تعالى: {·· وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (7) [الحشر: 7]
وسبق ذكر أقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله أنه لا يجوز أن يؤخذ من أقوالهم إلا ما وافق قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهذا ما سار عليه علماء هذه البلاد -ولله الحمد- أنهم وإن كانوا على مذهب الإمام أحمد في الجملة لكن إذا تبين لهم أن الدليل مع قول يخالف المذهب في بعض المسائل أخذوا به اتباعاً للدليل وهذه فتاواهم في الدرر السنية وغيرها على هذا المنهج، وترك ما سواه -أما من يعلن للناس بجواز الأخذ بكل قول دون نظر إلى مستنده بحجة التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم فهذا العمل خطأ واضح- واليسر في اتباع الدليل لا مخالفة الدليل لأن ذلك هو الحرج.
فما شرعه الله ورسوله فهو اليسر.
هذا ما أردت التنبيه عليه من باب النصيحة { إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} (88) [هود: 88].
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء
-------
شبكة الرد ـ السبت 25 محرم 1428هـ الموافق 2/2/2008م
المصدر: (مجلة الدعوة) العدد 2121 ـ 26 ذو القعدة 1428 هـ
والنقل
لطفـــــــاً .. من هنــــــــــــــــا