هل أنتِ أم ناجحة ؟
هل هذا استماع؟
تأملي معي عزيزتي الأم القارئة هذا المشهد:
هذه الفتاة تمشي مع أمها في الطريق، تحكي لها مشكلة وهي تبكي، مشتتة الأفكار، مبعثرة الكلمات، أصوات تنبيهات السيارات والزحام والضوضاء يغطي على صوتها الباكي، وبعد عناء وقفت الأم وقالت لها، أنا لا أفهم شيئًا فأين المشكلة الحقيقية، عندك وسط هذه القصة المفككة، ضعي يدي على أصل الموضوع، لا، انتظري حتى نكون في مكان مناسب لاستمع إليك جيدًا، فالاستماع فن له أهميته وأصوله.
ما الفرق بين السمع والاستماع؟
عزيزتي الأم القارئة: انتهيتُ في المقال السابق مع جملة تشوش عملية الاتصال وهي [أنا لا أسمع]، قد تقولها بعض الأمهات وهي ترفض الاستماع إلى الابن أو الابنة المتحدثة، فما الفرق بين السمع والاستماع؟
السمع ¬
يتعلق بوظيفة الأذن عامة في تلقي المثيرات الصوتية.
أما الاستماع ¬
فيتعلق بمدى انتباه الإنسان إلى المعاني التي يرسلها المرسل وهو ما أطلق عليه القرآن الكريم [الإنصات] في قوله تعالى: [[وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ]] [الأعراف : 204].
ما أهمية الاستماع في حياتنا؟
إن الاستماع الجيد هو سر نجاح الكثير من أنواع الاتصال في حياتنا؛ كالمقابلات والمحاضرات ومواقف كثيرة كالبيع والشراء والنصح والمشورة، وأيضًا هام في إقامة العلاقات مع الآخرين، فإن صلح الاستماع صلحت حياة الناس في كثير من جوانبها، والشخص الذي يمتلك قدرة عالية على الاستماع هو شخص ناجح، والاستماع مهارة يتم اكتسابها وتعلمها وتحسينها من خلال الممارسات العملية.
وتنمية القدرة على الاستماع شيء حيوي في حياتنا؛ لتقوية درجة الفهم ولتحسين العلاقات والتعاون بين الأفراد.
ومن هنا كان من الضروري أن تتعلم كل أم فن الاستماع إلى أولادها؛ لأنهم يحتاجون في جميع مراحل عمرهم إلى من يصغى إليهم ويستمع إلى ما يشغلهم؛ لأن ذلك يعطيهم الفرصة للتحدث والتعبير عما يحسون به ويعطيهم أيضًا الإحساس بالأمن والطمأنينة.
وإذا تأملنا في خلقة الإنسان؛ فإن الله تعالى خلق له أذنين ولسان واحد ليسمع أكثر مما يتكلم. والله أعلم.
ماذا يحدث أثناء الاستماع؟
قد يظن البعض أن الاستماع عملية سهلة لا تحتاج إلى تعلم أو جهد أو فن، ولكن في الحقيقة أن الأمر أكبر من ذلك، فهناك خمسة أنشطة تحدث أثناء الاستماع وهي:
الإحساس، التفسير، التقييم، التذكر، الاستجابة.
1-الإحساس:
وهو الاستماع إلى الرسالة والإحساس بها والتركيز عليها فقط وإهمال أي شيء آخر يشتت الفكر.
2- التفسير:
أي تحليل ما تم سماعه، وتركيز الانتباه للمعاني التي يذكرها المتحدث.
3- التقييم:
أي تكوين رأي وانطباع حول الرسالة، والاهتمام بملاحظات المتحدث، وفصل الحقيقة عن الآراء الشخصية، وهذا يحتاج إلى جهد وخاصة أن الأمهات يستمعون إلى الأبناء وكل ما يهمهن هو استسلام الطرف الآخر لهن، وتريد أن يكون الأبناء نسخة طبق الأصل منها، والاقتناع بما تمليه هي عليهم.
4- التذكر:
أي تخزين المعلومة لاستخدامها في حل المشكلة، أو تكون مرجع في المستقبل.
5- الاستجابة:
الاستجابة قد تكون شفوية أو فعليه كالضحك، أو الصمت، .....
استماع ولكنه ضعيف:
هناك بعض العوائق أو المشاكل التي تضعف عملية الاستماع وقد لاحظنا بعض منها في المشهد في أول المقال؛
هذه العوائق هي:
1- عوائق ذهنية:
مثل عدم التركيز، السرحان، أحلام اليقظة، تشتت الأفكار.
2- عوائق بيئية:
مثل الضغط، الإجهاد، الغضب، التحيز.
3- عوائق بيئية:
بسبب تشويش في البيئة: كالضوضاء والألوان، وعدم الراحة في الأثاث الجلسة، والحرارة، والإضاءة ووضع المتحدث بالنسبة للمستمع كل ذلك يؤثر على كل من المتحدث والمستمع.
4- محاولة السيطرة على الطرف الآخر:
فبعض الآباء يتمنى أن ينزع دماغ ابنه ويضع دماغه هو حتى يسيطر على عقل الطرف الآخر.
5- الميل الدفاعي في الاستماع:
على المستمع أن ينظر للموضوع من وجهة نظر الراسل، ويستمع بدون مقاطعة للتغلب على مشاكل الاستماع، فأغلب الآباء والأمهات لا يستمعون للأبناء بنية الفهم، بل يستمعون حتى يردوا على الطرف الآخر، فنجدهم إما يتكلمون ويقاطعون محدثهم أو يتهيئون للكلام، ولا يستوعب الرأي الآخر، وكل ما يهمهم هو استسلام الطرف الآخر والانصياع لما يقولونه ويؤمنون به، ويريدون أن يكون الأبناء نسخة طبق الأصل منهم، وعليهم الاقتناع بما يقولون دون برهان أو كلام.
كيف أنمي مهاراتي في الاستماع؟
وإذا علمنا أن عملية الاستماع من الأهمية بمكان، فإن الأم تتساءل الآن كيف أنمي مهارة الاستماع عندي؟ ونحن هنا نعطيها هذا الحل في خطوات واضحة وعملية وبسيطة وسهلة التطبيق
فتابعي معي هذه الخطوات عزيزتي الأم الناجحة:
1. استمعي لأبنائك دون مقاطعة، واستمعي إلي كل الأفكار والحقائق.
2. قومي بتنحية شخصيتك جانبًا، ولقد أكد علماء النفس أن الشخصية كالبصمة لا تتكرر حتى في التوائم، فأولادك مختلفين عنك، وكل إنسان له شخصية.
وبذلك تكونين أكثر قدرة على سماع رسالة المتحدث كاملة.
3. احتفظي بذهنك حاضرًا واسألي بعض الأسئلة التي تساعدك على الفهم.
4. دوَّني بعض الملاحظات المختصرة والمركزة.
5. ابتعدي عن التشتت في الفكر والتي قد تكون البيئة سببًا لها مثل إغلاق الأبواب، إغلاق الكاسيت، أو الـ T . V، الاقتراب أكثر من المتحدث.
6. افهمي مشاعر المتحدث واحتياجاته ورغباته؛ حتى تتفهمي وجهة نظره بصرف النظر عما إذا كنتِ تشاركيه الرأي أم لا.
7. ابدأي بعد ذلك في وضع حلول مع المتحدث إن كان هناك مشكلة تواجهه.
كأن على رؤوسهم الطير:
وخلاصة القول إن حسن الاستماع يظهر درجة احترامك للشخص الذي يحادثك، وهذا يحقق الفهم والثقة المتبادلين، وأولادنا في حاجة ماسة إلى من يفتح لهم صدره وأذنيه ويصغي إليهم ويحاورهم ويناقشهم باحترام، ومن يعطيهم الفرصة للتحدث والتعبير عما يحسون به، فالتعاطف من وجهة نظرهم يعطيهم الإحساس بالأمن والطمأنينة والسعادة.
ونحن نستمع بنية الفهم، وليس بنية الرد عليهم واثبات أننا على حق وهم المخطئون.
واعلمي عزيزتي الأم أنك إن أهملتِ الاستماع لأبنائك فإنهم سيلجئون إلى من يستمع لهم من الرفقاء والزملاء فاقدي الخبرة والدراسة وهذا يؤدي إلى مشكلات كثيرة ونحنُ في غنى عنها، شجعي أبناءك للتعبير عن أنفسهم وإبداء أرائهم، اسألي عن أحوالهم واهتماماتهم وميولهم وإنجازاتهم، ولا تكوني الأم الحاضرة الغائبة التي تكون في واد وأولادها في وادٍ آخر، الله أعلمُ به.
وإهمال الأم لعملية الاستماع يشعرهم بالنبذ والسلبية والإهمال.
انظري إلى الصحابة رضوان الله عليهم كيف أتقنوا فن الاستماع، فقد كانوا يستمعون لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكأن على رؤوسهم الطير من فرط المهابة وشدة الاهتمام به، وبما يقول.
وفي الطرف الآخر كان صلى الله عليه وسلم يقبل على من يحدثه بكليته ويلاطفه.
ونحن أمة الاستماع، والاستماع يعني الفهم والوعي والإنصات وتذكري قول الله عز وجل: [[وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ]].
والنقل
لطفــــــــاً .. من هنــــــــــــــــــا