آثـار المعاصي على الفرد والمجتمـع
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، أما بعد :
وأنها سبب لهلاكه وضلاله وبُعده عن عفو ربه وطاعته وسبب لموالاته لإبليس وأعوانه ، وبترك المعاصي والبعد عنها وفعل الصالحات والطاعات يكون الإنسان من أولياء الله وحزبه المفلحين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
*ولما للمعاصي من أخطارٍ وعواقبَ جسامٍ أحببتُ أن أذكِّر نفسي وإخواني لما يجب من العبد عن الآثام كبيرها وصغيرها حتى تحصل النجاةُ من عواقبها ، قال
تعالى( وكلِّ صغيرٍ وكبيرٍ مستطر ) القمر (53).
يقول إبن المعتز
إنّ هذا الموضوع يبين خطر المعاصي على العبد في هذه الحياة وما بعدها
خلٍّ الذنوبَ صغيرها = وكبيرهــا ذاك التُّقـــى
واصنـع كماشٍ فوقَ = أرضٍ الشوك يحذرُ ما يرى
لاتحرقــنَّ صغيرةً = إنَّ الجبـال مـن الحصـى
* فما هو تعريف المعاصي ؟
وماهي أنواعها ؟
وأسباب الوقوع فيها ؟
وما هي آثار المعاصي على الفردِ والمجتمع في الدنيا؟
وما هي آثارُ وعقوبات المعاصي في الآخرة؟ في القبرِ وفي يوم القيامةِ وفي النَّارِ ؟
وكيف الوقاية والعلاجُ من المعاصي ؟
واصنـع كماشٍ فوقَ = أرضٍ الشوك يحذرُ ما يرى
لاتحرقــنَّ صغيرةً = إنَّ الجبـال مـن الحصـى
* فما هو تعريف المعاصي ؟
وماهي أنواعها ؟
وأسباب الوقوع فيها ؟
وما هي آثار المعاصي على الفردِ والمجتمع في الدنيا؟
وما هي آثارُ وعقوبات المعاصي في الآخرة؟ في القبرِ وفي يوم القيامةِ وفي النَّارِ ؟
وكيف الوقاية والعلاجُ من المعاصي ؟
تعريف المعاصي وأنواعُها وأسباب الوقوع فيها :
المعاصي من العصيان وهو خلاف الطاعة ، عصى العبدُ ربَّه إذا خالف أمرهُ … اللسان(4/2981)والمعاصي شرعاً : ترك المأموراتِ وفعلُ المحظورات ، أو ترك ما أوجب اللهُ ورسولهُ وارتكابُ ما نهى الله عنه أو
رسولهُ من الأقوال والأعمال الظاهرة أو الباطنة ، قال تعالى ( ومن يعصِ اللهَ ورسولَه فإنَّ له نار جهنم خالدين فيها أبداً الجن (23) وقد جاء معنى العصيان بألفاظٍ كثيرةٍ في النصوص منها الذنبُ والخطيئة والسيئة والإثمُ والفسوقُ والفسادُ وغيرها . والمعاصي في بعض الأوقاتِ أعظم منها في وقتٍ آخر كالأشهر الحرم وغيرِها .
والمعاصي في بعض الأماكن أعظمُ منها في مكانٍ آخر كالحَرَمِ مثلاً .
*والمعاصي تنقسم إلى قسمين : كبائر وصغائر
قال تعالى ( إن تجتنبوا كبائرَ ما تنهون عنه نكفِّر عنكم سيئاتِكم) النساء (31) وقال صلى الله عليه وسلم "" الصلواتُ الخمسُ والجمعةُ إلى الجمعةِ ، ورمضانُ إلى رمضان مكّفِراتٌ لما بينهنَّ ما لم تُغشَ الكبائر"" مسلم(233)
قال إبن القيِّم ( وقد دلَّ القرآن والسنة وإجتماعُ الصحابة والتابعين بعدهم والأمة على أنَّ الذنوب كبائر وصغائرُ) الجواب الكافي(صـ134)
*أماَّ تعريف الكبيرة :
فخلاصة كلام أهل العلم أنها كلُّ معصيةٍ دلّ الدليلُ على توكيدِ التحريم وتغليظهِ سواء توُعِّد عليها بلعنِ أو غضبٍ أو نارٍ أو عذابٍ أو حدٍّ أو غير ذلك .*أما تعريفُ الصغيرة:
فهي خلاف الكبائر مما نهى عنه الشرعُ ولم يقترن به وعيدٌ أو لعنٌ أو غير ذلك . فما خرج عن تعريفِ أو حدِّ أقل الكبائر فهي الصغائر مثل النظر إلى النساء والخروج من المسجد بعد الآذان وغيرها. والصغيرة مع الإصرار عليها تصيرُكبيرة لأنه جاء الوعيد بالويل للمصرِّين عليها وهم يعلمون ، كذلك صح عن إبن عباس قوله ( لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار) ابن جرير الطبري ـ فتح الباري(12/183) وقوله صلى الله عليه وسلم "" إيّاكم ومحقَّرات الذنوب،فإنهنَّ يجتمعنَ على الرجل حتى يُهلِكْنَهُ… "" صحيح الجامع(2687) فالصغائرُ قد تعظمُ وتصبح كبائر مع الإصرار والمداومةِ عليها أو الفرحِ بفعلها أو الإفتخار بها، أو استصغارها واحتقارها وكذلك إذا فعلها من يقتدي به.
*وأما أسباب الوقوع في المعاصي فمنها :
1- ضعف الإيمان ويدخل فيه ضعف اليقين بالله تعالى وضعف الخوف منه وضعف مراقبته وغيرها .
2- الشهوات والشبهات : وهما فتنتان تنشآن من إتِّباع الهوى وتقديم الرأي على الشرع ، فتنة الشهوات التي يرغبها البشر كفتنة النساءِ والمال والأولاد وغيرها ، وفتنة الشبهات بالإتباع للهوى وقلة الفقه في الدين ، قال إبن القيم ( وهذه
الفتنة تنشأ تارةًّ من فهم فاسد وتارة من نقل كاذب وتارةًّ من حقٍّ ثابت خفي على الرجل فلم يظفر به وتارةً من غرضٍ فاسد وهوى متَّبع ، فهي من عمى في البصيرةِ وفسادٍ في الإرادةِ) إغاثة اللهفان(2/166)
3- الشيطان الذي يبغِّضُ إلى الناس كلِّ الطاعات والعبادات ، ويحبِّبُ إليهم كلَّ المعاصي ، كما في الحديث"" إنَّ الشيطان يحضر أحدكم عند كلِّ شيءٍ من شأنه …"" مسلم(2033)
*وأما الوقاية والعلاجُ من المعاصي :
فبالأمور التالية :1- تقوى الله تعالى : وهي فعل الطاعات والصالحات واجتناب المحرمات والذنوب ، وإنَّ من تقوى الله أن يصحح المسلم معتقده وأن يعبد الله على بصيرةٍ وإخلاصٍ وسُنّةٍ .
2- أداء الفرائض والإكثار من النوافل : قال تعالى في الحديث القدسي (وما تقرَّب إلىَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه …) البخاري ـ فتح(11/340)
3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر : والمعروف هو كلِّ ما أمر به الشرعُ أو أقرَّه ، والمنكر هو كلُّ ما نهى عنه الشرعُ أو خالفه ، والقيام بهذا الواجب يقلِّل المعاصي والمنكرات في المجتمع .
4- اتِّخاذ القدوة الصالحة والرفقة الطيِّبة والصاحب الصالح فإنهم يعينون على الخير .
5- التوبة من الذنوب والمعاصي : والتوبة هي الندمُ على فعلِ المعصية ، والإقلاع عنها ، والعزم على أن لا يعودَ إليها
، وإذا تعلَّقت بحق آدمي فيجب التحللُ منه ، والتوبة فضائلها كثيرةٌ منها فرحُ الله تعالى بتوبة عبدة وكذلك تبديل السيئات حسنات وكذلك تَدخُل الجنَّة ، وغير ذلك من الفضائل
أثر المعاصي في الدنيا والآخرة
إنَّ للمعاصي آثاراً كثيرةً على مرتكبها أو على أسرتهِ ومجتمعهِ أو أمَّتهِ أو على الأرض والسماء والبحرِ والدوابِّ والطير وغيرها، قال تعالى: ( ظهر الفسادُ في البرِّ والبحر بما كسبت أيدي الناس) الروم (41) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "" … العبدُ الفاجرُ يستريح منه العبادُ والبلادُ والشَّجرُ والدوابَّ "" متفق عليه – فتح(11/362)مسلم(950)
*وللحديثِ عن آثار المعاصي لابد من تقسيمها إلى ثلاثةِ أقسامٍ :
أ-آثار المعاصي على الفرد في الدنيا .
ب-آثار المعاصي على المجتمع.
ج-آثار المعاصي على العبد في الآخرة(في قبره ويوم القيامة وفي النار)
القسم الأول :
آثار المعاصي على الفرد في الدنيا : وهذه بعضها :
آثار المعاصي على الفرد في الدنيا : وهذه بعضها :
1- أنها تفسدُ القلبَ : فيضعف فيه تعظيم الربِّ عزّ وجلَّ فلا يخاف من الله تعالى ولا يراقبه، قال إبن القيم( إنَّ عظمة الله تعالى في قلب العبد تقتضي تعظيم حرماتهِ التي تحول بينه وبين الذنوب) الجواب الكافي(صـ74)وكذلك فإن الذنوب تُذهب حياة القلب وغيرته وفي الحديث "" … إذا لم تستحي فاصنع ما شئت"" خ(3484)فتح(6/515) وكذلك فإن المعاصي تنكِّسُ القلب و وتزيغه فيصبح القبيحُ لديه حسناً، والحسن قبيحاً،والمعروف منكراً والمنكر معروفاً،حتى يصدق فيه قوله تعالى( وطبع اللهُ على قلوبهم فهم لا يعلمون )التوبة(93)
كما أن الذنوب والمعاصي تورث الوحشة في قلب العاصي وضيق الصدر فيشعر بهذه الوحشة من في قلبه حياة وإيمان،وحشة بين العاصي وخالقة وبينه وبين الناس بل بينه وبين نفسه،أمَّا من مات قلبه فإنه قد لا يحس بها. وكذلك فإن المعاصي توهن القلب وتظلمه فيشعر في قرارة نفسه بظلام بعكس الطائع
قال إبن المبارك:
رأيت الذنوب تميت القلوب = وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلـوب = وخير لنفسك عصيانهـا
2-ومن آثار المعاصي على الفرد في الدنيا:العقوبات الشرعية وهي الحدود والكفّارات والتعزيزات: والحدود مثل حد الزنا وحد الخمر وحد القذف. وأما الكفارات فمنها كفارة المُجامع زوجته في نهار رمضان وكذلك كفارة الظهار. وأما التعزيرات فهي السجن والإهانة والجلد والضرب والقتل أحيانا.
3-العقوبات القدرية:وهي ما يصيب الإنسان في دينه أودنياه أو كليهما من الفتن والمحن والابتلاء بسائر المصائب على إختلاف أشكالها بسبب المعاصي قال تعالى( ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ) السجدة(21)
قال المفسرون ( يعني العذاب الأدنى مصائب الدنيا وأقسامها وآفاتها…) إبن كثير(3/462) وهذه العقوبات للمسلم إما لرفع الدرجات أو لتكفير السيئات أو عقوبات على
ظلمه ، وقال تعالى( ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير )الشورى (30 )
4- ومن آثار المعاصي على الفرد في الدنيا : قال إبن عباس( … إن للسيئة سوادا في الوجه وظلمة في القلب،ووهنا في البدن، ونقصانا في الرزق ، وبعضا في قلوب الخلق )
القسم الثاني :
آثار المعاصي على المجتمع :
آثار المعاصي على المجتمع :
كم أهلكت الذنوب من أمم ماضية وشعوب كانت قائمة فهل ترى لهم من باقية .قال تعالى ( وكم أهلكنا من القرون من بعد نوح وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا الإسراء ( 17 )فأين قوم نوح وأين قوم ثمود وقوم عاد وقوم لوط ، وهكذا باقي الأمم السابقة بصيرا، قال تعالى ( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا بهم الأرض ومنهم 40 ) من أغرقنا ... ) العنكبوت (
*وللذنوب والمعاصي عقوبات على المجتمعات منها :
1- أنها تزيل النعم بمختلف أنواعها ، وتحل النقم و المحن والفتن مكانها :
* ومن هذه النعم نعمة الإيمان : فلا يزال المجتمع يفعل الآثام والذنوب حتى يضعف الإيمان وتتغير القلوب فتتغير الأعمال ويلتحق المجتمع بركب الفجار .
* ومن النعم التي تزول بالمعاصي أو تنقص نعمة المال والرزق ، قال تعالى ( وضرب الله مثلا قرية آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرتبأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) النحل(112)
وما أحسن قول القائل :
إذا كنت في نعمة فارعها = فإن المعاصي تزيل النعم
وحطها بطاعة رب العباد = فرب العباد سريع النقــم
* ومن النعم التي تزيلها الذنوب : نعمة الأمن في الأوطان : قال تعالى ( فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون ) النحل (112) وما يحصل في هذه الأيام من الحروب الطاحنة التي تزيل الأمن وتجعل الناس يعيشون في
خوف ، كل ذلك بأسباب المعاصي والخطايا .
* ومن المعاصي التي تزيلها الذنوب : نعمة العافية والصحة في الأبدان : فالطاعون وسائر الأمراض عقاب وعذاب من الله بسبب ما اكتسب الناس من الإثم ، في الصحيحين عن أسامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "" إن هذا الوجع أو السقم رجز عذب الله به بعض الأمم قبلكم ، وقد بقي بعد في الأرض فيذهب المرة ويأتي الأخرى ..."" ح ( 60) كتاب الأنبياء / مسلم (2218)
*وفي حديث إبن عمر مرفوعا ""...لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا …"" جه ك السلسلةالصحيحة (1/67) صحيح الجامع
2- ومن آثار الذنوب على المجتمعات : نزع البركة من الأموال والأولاد والأرزاق والأجساد
ومنها : عدم استجابة دعاء المسلمين لأنفسهم ،
ومنها : منع القطر من السماء ، وجور السلطان عليهم وتسليط العدو عليهم فيأخذ بعض ما في أيديهم ،
عن إبن عمر قال : أقبل علينا رسول الله فقال "" يا معشر المهاجرين …. خمس إذا أبليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم ، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يمطروا ، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عليهم عدوا من غيرهم فأخذ بعض ما في أيديهم ، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله ، إلا جعل الله بأسهم بينهم "" حه ك الصحيحة ( 1/67) وصحيح الجامع .
3- بل أن آثار الذنوب في المجتمعات تتعدى البشر إلى سائر المخلوقات :
قال تعالى ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ) الروم ( 41 )
وقال تعالى ( لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ) فاطر(45) وقال إبن مسعود ( يريد جميع الحيوانات مما دب ) وقال قتادة ( وقد فعل ذلك زمن نوح عليه السلام ) القرطبي ( 7/2/361)
وقال أبو هريرة : ( والذي نفسي بيده إن الحبارى لتموت هزلا في وكرها بظلم الظالم ) القرطبي (7/2/361)
*وقال صلى الله عليه وسلم "" وأن العبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب "" مسلم ( 950)( 2/656)
وقال صلى الله عليه وسلم "" نزل الحجر الأسود من الجنة وهو أشد بياضا من اللبن فسودته خطايا بني آدم "" احمد والترمذي –صحيح الترمذي ( 695 )
4-من آثار الذنوب على المجتمعات : كثرة الزلازل حيث يكثر الفساد وتظهر الفتن وكذلك الريح المدمرة والأعاصير الشديدة والسيول العارمة التي تدمر البلاد ، والفيضانات التي تغرق القرى و المدن . قال تعالى ( ما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم )الشورى ( 30)
[يتبع]
عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في 16.01.09 10:02 عدل 2 مرات