خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    لماذا يقتل من كفر بعد إسلامه ( المرتد ) ؟.

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية لماذا يقتل من كفر بعد إسلامه ( المرتد ) ؟.

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 10.01.09 17:01

    لماذا يقتل من كفر بعد إسلامه ؟.
    سؤال :

    عقوبة المرتد هو القتل ، فلماذا هذا التشدد ؟.

    الجواب:

    الحمد لله

    عقوبة المرتد عن دين الإسلام هي القتل ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة/217


    وثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( من بدّل دينه فاقتلوه ) رواه البخاري في صحيحه

    ومعنى الحديث : من انتقل عن دين الإسلام إلى غيره واستمر على ذلك ولم يتب فإنه يقتل ، وثبت أيضاً عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيّب الزاني ، المارق من الدين التارك للجماعة ) رواه البخاري ومسلم .

    وهذا التشديد في عقوبة المرتد لأمور عديدة منها :

    1. أن هذه العقوبة زجر لمن يريد الدخول في الإسلام مصانعة أو نفاقاً ، وباعث له على التثبت في الأمر فلا يقدم إلا على بصيرة وعلم بعواقب ذلك في الدنيا والآخرة ، فإن من أعلن إسلامه فقد وافق على التزامه بكل أحكام الإسلام برضاه واختياره ، ومن ذلك أن يعاقب بالقتل إذا ارتد عنه .

    2. من أعلن إسلامه فقد دخل في جماعة المسلمين ، ومن دخل في جماعة المسلمين فهو مطالب بالولاء التام لها ونصرتها ودرء كل ما من شأنه أن يكون سبباً في فتنتها أو هدمها أو تفريق وحدتها ، والردة عن الإسلام خروج عن جماعة المسلمين ونظامها الإلهي وجلب للآثار الضارة إليها والقتل أعظم الزواجر لصرف الناس عن هذه الجريمة ومنع ارتكابها .

    3. أن المرتد قد يرى فيه ضعفاء الإيمان من المسلمين وغيرهم من المخالفين للإسلام أنه ما ترك الإسلام إلا عن معرفة بحقيقته وتفصيلاته ، فلو كان حقاً لما تحوّل عنه ، فيتلقون عنه حينئذ كل ما ينسبه إليه من شكوك وكذب وخرافات بقصد إطفاء نور الإسلام وتنفير القلوب منه ، فقتل المرتد إذاً هو الواجب ؛ حماية للدين الحق من تشويه الأفّاكين ، وحفظاً لإيمان المنتمين إليه وإماطة للأذى عن طريق الداخلين فيه .

    4. ونقول أيضاً : إذا كانت عقوبة القتل موجودة في قوانين البشر المعاصرة حماية للنظام من الاختلال في بعض الأحوال ومنعاً للمجتمع من الانسياق في بعض الجرائم التي تفتك به ، كالمخدرات وغيرها ، فإذا وُجد هذا لحماية قوانين البشر فدين الله الحق الذي لا يأيته الباطل من بين يديه ولا من خلفه والذي كله خير وسعادة وهناء في الدنيا والآخرة أولى وأحرى بأن يُعاقب من يعتدي عليه ، ويطمس نوره ، ويشوه نضارته ، ويختلق الأكاذيب نحوه لتسويغ ردته وانتكاسه في ضلالته .

    فتاوى اللجنة الدائمة (21/231-234) .

    الإسلام سؤال وجواب.

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: لماذا يقتل من كفر بعد إسلامه ( المرتد ) ؟.

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 10.01.09 17:10

    إليكم هذا البحث فلعل فيه ما يغني الموضوع وهو منشور على موقع مجلة العصر :


    عقوبة الردة بين 'الفكرية' و'العسكرية'..

    مناقشة مع الأستاذ الشنقيطي
    24-2-2007


    محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي

    أقتنع بمرافعة الأستاذ الشنقيطي ودونت عنها بعض الملاحظات، لكني لم أفكر حينها في نشرها بسبب ما أُكنُّ للأستاذ من التقدير، غير أني بعد فترة لاحظت في بعض أوساط الشباب من طلاب العلم تأثراً بتلك الأفكار، بحيث جعلهم ذلك يشكّون في كل ما كان من المسلمات بحجة " تراكم الجهل وطول العهد وانبتات الأمة عن تراثها الزاخر"، على حد تعبير الأستاذ الشنقيطي،

    عندما أعلن الدكتور حسن الترابي قبل مدة عن بعض الآراء الشاذة، ومنها إنكار عقوبة الردة أو ـ بعبارة منتقديه ـ إباحةُ الردة، تابعت القضية باهتمام، ولكنه لم يقدر لي أن أطلع على نص المحاضرة، إلا أني اطلعت على الدراسة التي كتبها الأستاذ الفاضل محمد بن المختار الشنقيطي فدافع فيها عن الترابي شخصيا ودافع عن بعض آرائه الشاذة تلك، وللأستاذ الشنقيطي في كتاباته أسلوبٌ علمي رصين وأدب رفيع يفرضان على القارئ احترامه وإن لم يقتنع برأيه، وقد كنتُ ذلك القارئَ فيما يتعلق بتلك الدراسة خصوصا أو بأكثر ما فيها على الأقل.


    لم أقتنع بمرافعة الأستاذ الشنقيطي ودونت عنها بعض الملاحظات، لكني لم أفكر حينها في نشرها بسبب ما أُكنُّ للأستاذ من التقدير، غير أني بعد فترة لاحظت في بعض أوساط الشباب من طلاب العلم تأثراً بتلك الأفكار، بحيث جعلهم ذلك يشكّون في كل ما كان من المسلمات، بحجة " تراكم الجهل وطول العهد وانبتات الأمة عن تراثها الزاخر"، على حد تعبير الأستاذ الشنقيطي، والشك مقبول مبدئياًّ لو أن صاحبه بحث المسألة علميا دون حكم مسبق.


    لذلك قررت أن أقدم هذه الورقة حول إحدى أهم تلك القضايا وأخطرها؛ قضية الردة وعقوبة المرتد، هل هي دنيوية أم أخروية؟ عامة أم خاصة؟ قتل أم سواه؟؟ على أن أتناول القضايا الأخرى لاحقا إذا يسر الله، وبين يدي المناقشة أقدم ملاحظتين :


    أما أولاهما، فهي أني لن أضيع وقتا في محاولة اتهام الترابي بإباحة الردة وتسوية الإسلام بالكفر، فالله حسيبه وهو أعلم به، إلا أني أيضا لا أبرّئه من تهمة التهوين من أمر الردة عن الإسلام ما دام هو الذي يقول: "ويخلِّي الشرعُ للإنسان أن يصرف رأيه تثبتا أو تعديلا أو تبديلا، ولو كان في أصل مذهبه مؤمنا، قد يؤاخَذ على ذلك غيباً في الآخرة، ولكن لا يؤذيه أحد في الدنيا بأمر السلطان" ([1])، وما من وجه — إطلاقا — لتشبيه هذا الكلام بقول الله تعالى " فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر "([2]) كما جنح إلى ذلك الأستاذ الشنقيطي، ذلك أن الله تعالى يُتْبع هذا بالوعيد الشديد والتهديد لمن اختار الكفر: "إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا " ([3]).


    أما الترابي، فلا يريد أن يؤذي مشاعر الكفرة المرتدين فلا يجزم بشيء، وإنما " قد يؤاخذ " وكفى، ثم " لا يؤذيه أحدٌ في الدنيا "، وسوف ترى في ما يستقبل من هذا البحث أنه لم يخالف أحدٌ من المسلمين في وجوب معاقبة المرتد وإيذائه، ثم إن الآية في الكفار بالأصالة كما لا يخفى من السياق قبلها، أما كلام الترابي فيـُدرج في كلامه الكافر بعد إيمان [ أي المرتد ] : "ولو كان في أصل مذهبه مؤمنا"، فالذي يدعي أن الترابي بهذا يبيح الردة ليس كالذي يدعي أن القرآن يبيح الردة ولا وجه للمقارنة. وعلى كلّ فإثبات التهمة في حق الترابي أو تبرئتُه منها لا يغير في نتيجة البحث وقد كثر القائلون بقوله في هذه الأيام.


    الملاحظة الثانية: أن الاحتجاج بالعقوبة الأخروية وكونها "أغلظ من أي عقوبة دنيوية يتخيلها البشر" أمرٌ خارجٌ عن محل النزاع — رغم أن الترابي لا يجزم بالعقوبة كما أشرت سابقا — وإنما كل ما في الأمر هو هل أمر الشارع جل جلاله بمعاقبة من يبدل دينه في الدنيا؟ فإذا ثبت ذلك أو ثبت خلافه فهو لا يغير من حكم الآخرة شيئا، وإذا كان وجود العقوبة الأخروية يسقط العقوبات الدنيوية، فما أسعد المجرمين في الدنيا، وإذا كان لا بد من الحديث عن العقوبة الأخروية وحدها فذلك ممكنٌ في من أسرَّ كفره ولم نطلع عليه، تماماً كمن أسر شرب الخمر فلا نهتك ستره.


    والآن ندخل في صلب الموضوع، فنقول:


    لقد ثبت في الأحاديث الصحيحة الصريحة المرفوعة وجوبُ قتل المرتد، وأشهرُها حديثان : أحدهما عن ابن عباس رضي الله عنهما: "من بدل دينه فاقتلوه" رواه البخاري([4]) وأصحابُ السنن وغيرهم، والثاني عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاثٍ ؛ النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك للجماعة " متفق عليه([5]) ورواه أيضا أصحاب السنن.


    والحديث الأول نص صريحٌ قطعي الدلالة لا يحتمل التأويل وليس من باب "الظاهر" فقط، وليس ظني الدلالة فقط وإن كان ظني الورود، والعلماءُ الذين تناولوه لم يعترضوا عليه ولم يلاحظوا فيه إشكالا ولا تعارضا مع الآية الكريمة " لا إكراه في الدين "([6])، ومن لاحظ منهم ذلك كابن حزم فإنه اعتبر الحديث مخصّصا للآية فقال في الإحكام : " وقوله تعالى: (لا إكراه في الدين) مخصوصٌ بالنصوص الثابتة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكره غيرَ أهل الكتاب على الإسلام أو السيف، وأيضا فإن الأمة كلها مجمعة على إكراه المرتد على الإسلام" ([7])، ولنا عود إلى الآية بعد قليل.


    والحديث الثاني أيضا صريحٌ في المسألة وإن كان البعض قد حاول أن يتخذ من قوله " التارك للجماعة " دليلا على "الردة العسكرية" فهو أمر لم يقل به أحد من العلماء، بل إن ابن حجر أورد الحديث بروايات أُخَر تفسر هذه العبارة بما يزيح الإشكال فقال: " فهي صفة للتارك أو المفارق لا صفة مستقلّة وإلا لكانت الخصال أربعا، وهو كقوله قبل ذلك " مسلم يشهد أن لا إله إلا الله " فإنها صفة مفسّرة لقوله " مسلم"، وليست قيدا فيه إذ لا يكون مسلما إلا بذلك . ويؤيد ما قلته أنه وقع في حديث عثمان: "أو يكفر بعد إسلامه"، أخرجه النَّسائيّ بسندٍ صحيح، وفي لفظ له صحيح أيضا: "ارتد بعد إسلامه"، وله من طريق عمرو بن غالب عن عائشة: " أو كفر بعد ما أسلم "، وفي حديث ابن عباس عند النَّسائي " مرتد بعد إيمان "([8]).


    إذن فمفارقة الجماعة لا مفهوم لها هنا، بل إن الخروج على الجماعة بالسلاح يحل دمُ مرتكبه ولو لم يرتد عن دينه فلا تلازم بين الأمرين قال الإمام النووي في شرحه للحديث : " وأمّا قوله صلى الله عليه وسلم : ( والتارك لدينه المفارق للجماعة ) فهو عامٌّ في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت، فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام"([9])، وقال الإمام ابن دقيق العيد : الردة سببٌ لإباحة دم المسلم بالإجماع في الرجل، وأما المرأة ففيها خلاف " ([1])، ويقول الإمام ابن المنذر : "وأجمع أهل العلم بأن العبد إذا ارتد، فاستُتِيبَ، فلم يَتُب: قتل؛ ولا أحفظ فيه خلافًا.وأجمعوا على أن على من سبَّ النبي صلى الله عليه وسلم القتل (... ) وأجمع أهل العلم أن شهادة شاهدين يجب قبولهما على الارتداد، ويقتل المرء بشهادتِهما إن لم يرجع إلى الإسلام، وانفرد الحسن، فقال: لا يقبل في القتل إلا شهادة أربعة"([11]).


    ولعل هذا القدر يكفي في تقرير معنى الحديثين وقول العلماء فيهما فليس ثمة من يخالف في ذلك بل إن الأستاذ الشنقيطي يعتبر القول بالحد هو "النظرة الفقهية السائدة" بين العلماء وإن غمز من قناتها. ولكن الذي ينبغي التركيز عليه هنا ما يستدل به المنكرون لعقوبة الردة من آي وآثار، نجملها في أربعة مسائل:


    أولا : ظواهر الآيات الكريمة المحكمة


    لقد وردت آيات كريمة يفهم منها النهي عن الإكراه في الدين، ومنها قوله تعالى: ( لا إكراه في الدين )، وقوله تعالى: ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) ([12])، فبالنسبة للآية الأولى أود التنبيه ابتداءً إلى أن إطلاق القول بإحكامها إطلاقٌ غير علمي، فبعض العلماء عدها من المنسوخ بآية السيف كما تجد في كثير من التفاسير، على أن القائلين بالإحكام — وهم الجمهور — جعلوها خاصةً في أهل الكتاب

    قال الإمام ابن عطية : "وقال قتادة والضحاك بن مزاحم : هذه الآية محكمة خاصة في أهل الكتاب الذين يبذلون الجزية ويؤدونها عن يد صغرة، قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقاتل العرب أهل الأوثان لا يقبل منهم إلا (لا إله إلا الله) أو السيف، ثم أمر فيمن سواهم أن يقبل الجزية، ونزلت فيهم : {لا إكراه في الدين}"([13])

    قلت : ورجَّح هذا القولَ إمام المفسرين الطبريُّ قائلا : " وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية في خاصّ من الناس وقال: عنى بقوله تعالى ذكره : "لا إكراه في الدين" أهلَ الكتابين والمجوس وكل من جاء إقرارُه على دينه المخالف دينَ الحق، وأخذُ الجزية منه "([14]) هذا رأي هؤلاء الأعلام أئمة التفسير الذين لا يجوز اتهامهم بالتكلف البارد .


    فالآية بكل تأكيد لا تتناول إلا الإكراه على الدين ابتداءً، ولو قلنا إنها على إطلاقها فإننا بدون وعي نقدم أكبر هدية للمتفلتين من الدين بحجة عدم الإكراه فالحجاب لمن شاءت ولا إكراه فيه، والصلاة لمن شاء ولا إكراه فيها، والحبل على الغارب.


    أما الآية الثانية فلا يخفى على من له تمرس بأساليب اللغة العربية أنها نوعٌ من التسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عن ما يلحقه من الحزن والأسى على إصرار الكفار على ما فيه هلاكهم، " قال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على إيمان جميع الناس، فأخبره الله تعالى أنه لا يؤمن إلا من سبقت له السعادة في الذكر الأول، ولا يضل إلا من سبقت له الشقاوة في الذكر الأول"([15])

    ويقول الإمام ابن عاشور : " فنـزّل [ الله تعالى ] النبيَّ صلى الله عليه وسلم - لحرصه على إيمان أهل مكة وحثيث سعيه لذلك بكل وسيلة صالحة - منزلةَ من يحاول إكراههم على الإيمان حتى ترتب على ذلك التنزيل إنكارُه عليه "([16]) .

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: لماذا يقتل من كفر بعد إسلامه ( المرتد ) ؟.

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 10.01.09 17:11

    ثانيا : الأثر المروي عن عمر

    فقد روى البيهقي في السنن وعبد الرزاق في المصنف عن أنس رضي الله عنه قال : بعثني أبو موسى بفتح "تستر" إلى عمر رضي الله عنه، فسألني عمر - وكان ستة نفر من بني بكر بن وائل قد ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين - فقال : ما فعل النفر من بكر بن وائل ؟ قال : فأخذت في حديث آخر لأشغله عنهم، فقال :ما فعل النفر من بكر بن وائل ؟ قلت: يا أمير المؤمنين ! قومٌ ارتدوا عن الإسلام ولحقوا بالمشركين، ما سبيلهم إلا القتل، فقال عمر : لان أكون أخذتهم سلما أحب إلي مما طلعت عليه الشمس من صفراء أو بيضاء، قال : قلت : يا أمير المؤمنين ! وما كنت صانعا بهم لو أخذتهم ؟ قال: كنت عارضا عليهم الباب الذي خرجوا منه أن يدخلوا فيه، فإن فعلوا ذلك قبلت منهم، وإلا استودعتهم السجن"([17])،


    ونلاحظ أولا في هذا الأثر الشريف عدة إشكالات تحتاج إلى جواب شاف، منها : أن عمر لم يكن يريد أن يترك هؤلاء النفر لحال سبيلهم، بل إنه أراد أن يستتيبهم ثم يودعهم السجن وما أعظم السجن من عقوبة، فأين ذلك من قول من قال: "ولكن لا يؤذيه أحد في الدنيا بأمر السلطان "، هل من الوارد أن يعزم عمر على سجن هؤلاء المرتدين لو كان يؤمن بأن المرتد ليست عليه عقوبة دنيوية ؟ ثم إنه من الواضح أن هؤلاء النفر قد ارتدوا ردةً " عسكرية " على رأي الأستاذ الشنقيطي حين لحقوا بالمشركين وقتلوا في المعركة، فما وجه المساواة بينهم وبين "المرتد المسالم"؟


    للإجابة عن هذا الأثر وإشكالاته يجب أن نلاحظ أن الإمام البيهقي قد أورده ضمن الخلاف في مدة الاستتابة تحت عنوان "باب من قال يحبس ثلاثة أيام" ولم يَفهم منه إنكارَ حد الردة، فإذا أضفنا إلى ذلك ما تقدم من الإجماع وأن أياًّ من كتب الخلاف لم ينسب إلى عمر رضي الله عنه إنكار حد الردة فإننا نستطيع أن نفهم من الأثر أن عمر رضي الله عنه إنما كان يريد أن يسجن القوم ويطيل أمد استتابتهم، فإن تابوا وإلا قتلهم.

    ثالثا : رأي الإمامين الثوري والنخعي

    لقد ذهب الإمام إبراهيم النخعي وتبعه سفيان الثوري إلى أن المرتد يستتاب أبدا([18])، فكيف يستقيم ذلك مع الإجماع الذي تقدم ؟ ننبه أولا إلى أن عزو الأقوال الغريبة إلى العلماء الذين انقرضت مذاهبهم يحتاج إلى كثير من التحفظ والاحتياط، إذ لا يُدرى هل لها تقييد أو تخصيص لم ينقل، بل إن بعض العلماء أخطأوا أخطاء كبيرة في نقل أقوال المذاهب الأخرى التي ما تزال موجودة، فهذا الإمام النووي مثلا ينسب للإمام مالك قولا بإباحة لحوم الحمير([19])، وهو خطأ ظاهر، ولولا أن المالكية متوافرون وكتبهم موجودة لكان هذا العزو مثيرا للتشويش، ثم إن أياًّ ممن عزا لهما هذا القول لم يعز لهما القول بإنكار العقوبة، بل قد تردد ذكر الرأي في معرض آراء القائلين بالاستتابة في مقابل القائلين بالقتل دون استتابة،


    بل قد ورد نص العزو عند النووي هكذا : "
    وقال الثوري يستتاب أبدا ويحبس إلى أن يتوب أو يموت "
    وعند أبي حيان هكذا : " فذهب النخعي والثوري : إلى أنه يستتاب محبوساً أبداً " فعقوبة السجن على الأقل موجودة عندهما، ولذا فإن التعبير بأن الإمامين " أنكرا حد الردة " لم يوافق ما وقفنا عليه على الأقل
    أضف إلى ذلك أن النخعي يرى — مع آخرين — وقْفَ مال المرتد ومنعه من التصرف فيه،

    يقول الإمام السبكي في تكملة المجموع : "وقال ابن جريج الناس فريقان، منهم من يقول ميراث المرتد للمسلمين، لأنه ساعةَ يكفر يوقف فلا يقدر منه على شيء حتى ينظر أيسلم أم يكفر، منهم النخعي والشعبي والحكم بن عتيبة، وفريق يقول لأهل دينه"([2])،
    فأين كل هذا من قول من قال : " ولكن لا يؤذيه أحد في الدنيا بأمر السلطان "، و" من ارتد عن دينه فلا إكراه في الدين، ولا استتابة أو عقوبة بالسلطان " ؟


    ولذا فإن المطلوب هنا هو إيجادُ تفسير لهذا القول الشاذ وليس ردَّ الأحاديث الصحيحة به، وقد تنبه إلى ذلك بعض من نقلوا القول، فصاحب "عون المعبود" يفسر ما نقل عن النخعي بأنه يعني به تكرر الاستتابة كلما تكررت الردة خلافا لمن يجعل للاستتابة حدا لا تزيد عليه، يقول : "

    وعن النَّخَعِي يستتاب أبدا .
    كذا نُقل عنه مطلَقا، والتحقيق أنّه فيمن تكررت منه الرّدّة "([21]) ولعل هذا التفسير يصلح لهما معا فالثوري إنما اتبع النخعي كما تدل الرواية التي رواها عبد الرزاق "عن الثوري عن عمرو بن قيس عن إبراهيم قال في المرتد : يستتاب أبدا.
    قال سفيان : هذا الذي نأخذ به"([])، فالأليق والأوْلى أن نؤول قول الشيخين ليتواءم مع نصوص السنة الصحيحة وليس العكس.

    رابعا : رأي الأحناف في المرتدة

    قال بعض أئمة الحنفية بأن المرتدة لا تقتل وهو المشهور في مذهبهم، ولكن ما ذا بعدُ ؟ هل تُكافَؤ على ردتها ؟ إليك كلام أئمة الحنفية

    يقول الإمام السرخسي في المبسوط : " ولا تقتل المرتدّة، ولكنّها تحبس، وتجبر على الإسلام عندنا"([23])، وكيف يكون ذلك الإجبار ؟

    إليك كلام الإمام ابن الهمام : " ويُروى عن أبي حنيفة أنها تضرب في كل أيام، وقدرها بعضهم بثلاثة، وعن الحسن تضرب كل يوم تسعة وثلاثين سوطا إلى أَن تموت أو تُسلم ولم يخصّه بحرّة ولا أمَة، وهذا قتلٌ معنى ؛ لأن مُوالاة الضرب تفضِي إليه " ([24])
    ويقول قبل ذلك : " ولو قتلها قاتل لا شيء عليه لأَحد، حرةً كانت أو أَمةً "، فأين كل هذا من قول من قال أن الردة الفكرية " لا عقوبة عليها في القانون الجنائي الإسلامي" ؟ لا أراني بعد هذا بحاجة إلى مناقشة الخلاف بين الحنفية وغيرهم.

    لا ننكر أن الاجتهاد والتجديد فريضةٌ وضرورةٌ، ولكن لا بد له من منهج منضبط بقواعد وقوانين، أما هذا المنهج الجديد في استحصال قول لم يسبق إليه عن طريق تركيب آراء موزعة هنا وهناك لهو منهجٌ ينبغي التراجع عنه قبل فوات الأوان، وإن العلماء وإن اختلفوا في التلفيق بين المذاهب فقد أجمعوا على منع ما يؤدي إلى قول لا يقول به أحد من من جمعت أقوالهم، وإن ذلك لمنطبق في حالتنا بكل تأكيد.

    هذا وغالبُ الظن عندي أن مرد القضية برمتها عند الإخوة المخالفين هو أنهم يرون في قتل المرتد نوعا من الإكراه يخالف المنطق العقلي ويضر بمصداقية الإسلام "وهو دين العلم والبرهان" على حد تعبير الأستاذ الشنقيطي .

    حسناً، إن الإسلام دين العلم والبرهان والعلم والبرهان يقتضيان أن من دخل الإسلام وتبين له الحق ورأى النور بعيني بصيرته ثم يرتد بعد ذلك فليس لتصرفه من تفسير سوى أنه عنادٌ وخروجٌ مقصود عن القانون الإلهي يستحق صاحبه العقوبة التي أوجبها الله له


    وقد أحسن الإمام السرخسي حين قال : " وبهذا تبين أنّ الجناية بالرّدّة أغلظ من الجناية بالكفر الأصلي، فإن الإنكار بعد الإقرار أغلظ من الإصرار في الابتداء على الإنكار كما في سائر الحقوق " ([25])، ثم لا يغب عن أذهان الإخوة أن رأي عمر رضي الله عنه بسجن المرتد نوعٌ من الإكراه أيضا، فالسجن ليس بالبشيء الهين

    وقد قال صلى الله عليه وسلم :" ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي)([26])
    ورأيُ النخعي والثوري بالاستتابة نوعٌ من الإكراه، وأما الأحناف فالإكراه عندهم أشد، ولذلك فإن تحكيم العقل إلى هذه الدرجة قد يجر أصحابه إلى أن يطرحوا سؤالا أكبر من ذلك، وهو : لماذا يعاقب الله تعالى الكافر في الآخرة على ما أداه إليه عقله واجتهاده ؟ ومن وصل إلى هذه المرحلة فقد جاوز القنطرة.

    وفي الختام .. لم يعد خافيا أن التشويش على "النظرة الفقهية السائدة" يحتاج ممن يحاوله إلى أن يتسلح بقدر كيير من التمحيص والتدقيق، كما اتضح أيضا من هذه الورقة أن العلماء لم يختلفوا في إهدار دم المرتد إن كان رجلا، وإنما اختلفوا هل يستتاب أم لا، كما أنهم أجمعوا على أن المرتد إذا لم يعاقب بالقتل فإنه يجبر بالإكراه على التوبة فيسجن ويستتاب حتى يتوب أو يموت، فلا سبيل إذن إلى إنكار الإكراه .

    وليقس على هذه المسألة غيرها من شذوذات الدكتور الترابي.

    هذا وأرجو أن يكون هذا البحث قد ارتقى إلى مستوى الحوار العلمي المحمود، ويعلم الله أن قصدي بيان الحق وابتغاء وجه الله، وهو حسبي ونعم الوكيل.

    ------------------------ الحاشية ------------------------

    --------------------
    ------
    ----
    -
    ([1])- الترابي: السياسة والحكم ص 166
    ([2])- سورة الكهف، الآية 29
    ([3])— تمام الآية السابقة
    ([4])— برقم: 69
    ([5])— البخاري 6878، ومسلم 1676 من حديث ابن مسعود
    ([6])- سورة البقرة، الآية 256
    ([7])- الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ( ج 5 / ص682 ) ، ولا أريد الاحتجاج بقول ابن حزم لأنه لا يستقر على رأي ، وإنما أوردت قوله هذا في مقابل قول مناقض أورده له الأستاذ الشنقيطي

    ([8])- ابن حجر : فتح الباري ( ج19 ص 317 )
    ([9])- النووي : شرح صحيح مسلم ( ج 6 / ص 87 ).
    ([1])— انظر فتح الباري : الصفحة السابقة.
    ([11])— ابن المنذر : كتاب الإجماع ، ص : 13 ، ونعلم أن إجماعات ابن المنذر قد تُعُقّب بعضها ، ولكن هذا ليس منه حسب اطلاعنا.
    ([12])- سورة يونس، الآية 99
    ([13])— ابن عطية : المحرر الوجيز ( ج 1 / ص 39 ).
    ([14])— الطبري : جامع البيان ( ج 5 / ص 414 )
    ([15])— القرطبي : الجامع لأحكام القرآن ( ج 8 / ص 385 ).
    ([16])— ابن عاشور : التحرير والتنوير ( ج 7 / ص 73 ).
    ([17])— رواه عبد الرزاق في المصنف (ج 1 / ص 165) برقم (18696) والبيهقي في السنن الكبرى (ج 8 / ص 27 ).
    ([18])— عزاه إليهما أبو حيان في البحر المحيط ( ج 2 / ص 34 ) ، وابن عطية في المحرر الوجيز ( ج 1 / ص 241 ) والنووي في المجموع : (19 / 23 ) ، وعبد الرزاق الصنعاني في المصنف (ج 1 / ص 165) ، وعزاه إلى النخعي وحده البيهقيُّ في السنن الكبرى : ( 8 / 24 ).
    ([19])— النووي :المجموع شرح المهذب ( ج 9 / ص 6 ).
    ([2])— النووي : تكملة المجموع ( ج 19 / 237 )
    ([21])— الآبادي : عون المعبود بشرح سنن أبي داود ( ج 9 / ص 39 )
    ([22])- عبد الرزاق الصنعاني : المصنف (ج 1 / ص 165) برقم :( 18697 ).
    ([23])— السرخسي : المبسوط (ج 12 / ص 241)
    ([24])— ابن الهمام : فتح القدير (ج 13 / ص 6)
    ([25])— السرخسي : المبسوط (ج 12 / ص 241)
    ([26])— متفق عليه ، رواه البخاري برقم : 3121 ومسلم برقم : 216

    والنقل هنا وقبله من هنا
    لطفــــــاً .. من هنـــــــــــــا

      الوقت/التاريخ الآن هو 14.11.24 19:05