حرمة دماء المسلمين
أخي المسلم الكريم : إياك إياك الوقوع في دماء المسلمين فإنَّ مما عُلِمَ من الدين بالضرورة وتواترتْ به الأدلة من الكتاب والسنة حُرمة دم المسلم ؛ فإنَّ المسلم معصوم الدم والمال ، لا تُرفعُ عنه هذه العصمة إلاّ بإحدى ثلاث ؛ إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( لا يَحلُّ دمُ امرىءٍ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث : كَفَرَ بعدَ إسلامهِ ، أو زَنَى بعد إحصانهِ ، أو قَتَلَ نفساً بغير نفس ))(1)، وما عدا ذلك ، فحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة ، بل من الدنيا أجمع . وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا ))(2) وهذا الحديث وحده يكفي لبيان عظيم حرمة دم المسلم ، ثم تبصّر ماذا سيكون موقفك عند الله يوم القيامة إنْ أنت وقعت في دم حرام ، نسأل الله السلامة .
قال ابن كثير عند تفسير قوله تعالى : (( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )) [ النساء : 93 ] : ( يقول الله تعالى : ليس لمؤمنٍ أنْ يقتل أخاه بوجه من الوجوه ، وكما ثبت في الصحيحين (3) عن ابن مسعود : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( لا يحلُ دم امرىء مسلم يشهد أنْ لا إله إلا الله وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث : النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والتارك لدينه المفارق للجماعة )) ، ثم إذا وقع في شيء من هذه الثلاث فليس لأحد من آحاد الرعية أنْ يقتله ، وإنَّما ذلك إلى الإمام أو نائبه )(4) . وقال ابن كثير في تفسير نفس الآية : ( وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم الذي هو مقرون بالشرك بالله في غير ما آية في كتاب الله ، حيث يقول الله سبحانه في سورة [ الفرقان : 68 ]
(( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقّ )) الآية ، وقال تعالى : (( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ))
إلى أنْ قال : (( وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )) [ الأنعام : 151 ] ، والأحاديث في تحريم القتل كثيرة جداً )) (5) : (( وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من جحد آية من القرآن ، فقد حل ضرب عنقه ، ومن قال : لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ، فلا سبيل لأحد إلاّ أنْ يصيب حداً فيقام عليه )) (6).
وفي رواية عن أنس رضي الله عنه : (( فإذا شهدوا أنْ لا إله إلاّ الله وأنَّ محمداً رسول الله واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا فقد حُرّمتْ علينا دماؤهم وأموالهم إلاّ بحقها ، لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم )) (7).
وعلى المسلم أنْ يقف كثيراً عند قوله تعالى : (( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ )) [ محمد : 22 ] .
فانظر أخي المسلم إلى عظمة كلمة لا إله إلاّ الله محمد رسول الله ، والحصن والأمان الذي تضفيه على صاحبها إلاّ باستثناءات ذُكرتْ آنفاً .
ومما لا بد من علمه أخي المسلم أن الله عز وجل لم يجعلْ عقوبةً بعد عقوبةِ الشرك بالله أشدَّ من عقوبة قتل المؤمن عمداً حيث يقول : (( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )) [ النساء : 93 ] ،
وقد اختلف السلف في هذه الآية فذهب بعض الصحابة إلى أنَّ هذه الآية محكمةٌ وأنها آخر ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وممن ذهب إلى ذلك الإمام الحبر الصحابي الجليل وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فعن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس أنَّ رجلاً أتاه فقال : أرأيتَ رجلاً قتل رجلاً متعمداً ؟ قال : جزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً ، قال : أُنزِلتْ في آخر ما نزل ، ما نسخها شيءٌ حتى قُبضَ رسولُ الله ، قال : أرأيتَ إنْ تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ؟ قال : وأنى له التوبة ، وقد سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( ثكلتْهُ أُمُه رجلٌ قتلَ رجلاً متعمداً يجيء يومَ القيامة آخذاً قاتله بيمينه أو بيساره وآخذاً رأسه بيمينه أو شماله تشخبُ أوداجه دماً في قبل العرش يقول : يا رب سَلْ عبدك فيم قتلني ؟ ))(8) ، وفي الحديث الصحيح الذي يرويه النسائي في المجتبى (9)
عن معاوية رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : سمعته يخطب - يقول : (( كلُّ ذنبٍ عسى اللهُ أنْ يغفره إلاّ الرجلُ يقتلُ المؤمنَ متعمداً أو الرجل يموتُ كافراً )) فأيُّ خطر هذا ، وأي مهلكة يقدم عليها المرء ويجازف بها ، حياةٌ لا ممات فيها وخلودٌ في مستقر لا تَقَرُّ به عينٌ ولا تُرفعُ به عقيرةٌ فخراً وزهواً ، وغَضَبٌ من الله وعذابٌ عظيم وخزي في الدنيا والآخرة مع مكث ولبث طويلين لا يعلم أمدهما إلاّ الله جل في علاه نسأل الله السلامة لنا ولمن اتعظ واتّبع . ثم تبصّرْ أخي المسلم الكريم الحديث جيداً لتنظر كيف أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد قرن بين قتل المؤمن والشرك بالله تعالى ، وجعلهما مشتركين في استبعاد الغفران .
واعلم أخي المسلم أنَّ أول ما يُقضَى يوم القيامة بين العباد في الدماء ففي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( أولُ ما يُحاسَبُ به العبدُ الصلاةُ ، وأولُ ما يُقضَى بينَ الناسِ الدماءُ )) (10) وما ذلك إلا لعظم خطرها يوم القيامة فاستعد للموقف العظيم ، والسؤال الصعب الذي ما بعده إلا جنة أو نار .
وكل الذنوب يُرجَى معها العفو والصفح إلاّ الشرك ، ومظالم العباد . ولا رَيبَ أنَّ سَفْكَ دماء المسلمين وهَتْكَ حرماتهم لَمِنْ أعظم المظالم في حق العباد ، فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ليس من عبد يلقَى اللهَ لا يشرك به شيئاً ، ولم يتند بدم حرام إلاّ دخل من أي أبواب الجنة
شاء )) (11) قوله : ولم يتند : أي لم يصب منه شيئاً أو لم ينل منه شيئاً ويقول الرسول الأعظم في حديث رواه البخاري في صحيحه (12) : (( أبغض الناس إلى الله ثلاث : مُلْحِدٌ في الحَرَم ، ومُبتغٍ في الإسلام سنة الجاهلية ، ومطلب دم امرىء بغير حق ليهريق دمه )) .
وعن جندب رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (( من سَمّعَ سَمّعَ اللهُ به يوم القيامة ، قال : ومن يشاقق يشقق الله عليه يوم القيامة ، فقالوا : أوصنا . فقال : إنَّ أول ما ينتن من الإنسان بطنه فمن استطاعَ أنْ لا يأكل إلاّ طيباً فليفعل ، ومن استطاع أنْ لا يحال بينه وبين الجنة ملء كف منْ دم أهراقه فليفعل )) رواه البخاري (13).
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (( من قتل مؤمناً فاغتبط(14) بقتله لم يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً )) (15).
وإياك إياك أخي المسلم أنْ تُضيع على نفسك فرصة النجاة فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : (( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يُصِبْ دماً حراماً )) (16)
أخي المسلم الكريم ، هل أنت على استعداد أنْ تفوّت على نفسك فرصة النجاة العظيمة من النار ، وقد روى البخاري ومسلم(17) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )) .
ثم اجعل دائماً أخي المسلم نُصْبَ عينيك أنَّ دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض ، ولا تحل إلا بإذن الله ورسوله .
واعلم أخي المسلم : أنَّ ما أوردناه غيض من فيض وقليل من كثير فهو إشارات لكثير من العبارات التي وردت في الكتاب والسنة ، تحث المسلمين على الورع والكف عن دماء إخوانهم ، ولما سبق ذكره كان الصحب الكرام والتابعون لهم بإحسان أشد ما يكونون من الورع والوجل من أنْ يغمس أحدهم يده بمظلمة في حق مسلم ، وكانوا كذلك رحمهم الله ورضي عنهم لشدة ما سمعوا ووعوا من كلام النبوة في التحذير من الانغماس في الفتن والشبهات والتزام النفس والبيت ، وعدم الولوج في حرمات المسلمين حتى بالكلام ، صوناً لهم عن التسبب في مظالم للمسلمين فضلاً عن الخوض فيها .
قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : (( إنَّ بعدكم فتناً القاعد خير من الساعي ، حتى ذكر الراكب ، فكونوا فيها أحلاس بيوتكم )) (18).
وعن جندب رضي الله عنه قال: (( ستكون فتن ، فعليكم بالأرض ، وليكن أحدكم حلس بيته ؛ فإنه لا ينبجس لها أحدٌ إلاّ أَرْدَتْهُ )) (19).
وحينما اعتزل سعد بن مالك وعبدُ الله بن عمر رضي الله عنهم الفتنةَ قال علي رضي الله عنه : (( للهِ دَرُّ منـزلٍ نَزلَه سعد بن مالك وعبد الله بن عمر ، واللهِ إنْ كان ذنباً إنه لصغير مغفور ، ولئن كان حسناً إنه لعظيم مشكور )) (20) .
تذكّر أخي المسلم ما في الصحيحين (21) من حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ، قلت : يا رسول الله ، هذا القاتل فما بال المقتول ، قال : إنه كان حريصاً على قتل صاحبه )) .
وفي الصحيحين (22) أيضاً من حديث الأحنف بن قيس قال : ذهبتُ لأنصر هذا الرجل – يعني : علي بن أبي طالب – فلقيني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أنصر هذا الرجل ، قال : ارجع فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار … )) ثم ذكر بقية الحديث .
وفي رواية أخرى للبخاري (23) عن الحسن قال : خرجتُ بسلاحي ليالي الفتنة فاستقبلني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أريد نصرة ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار )) ،
وفي رواية لمسلم (24) : (( إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح فهما على جرف جهنم ، فإذا قتل أحدهما صاحبه دخلا جميعاً )) وهذا كله إذا كان القتل غير مأذون به شرعاً ،
وقد قصّ الله علينا في كتابه العظيم خبر أول حادثة قتل وقعت في تاريخ البشرية حين قتل أحد ابني آدم أخاه قتله ظلماً وبغياً وحسداً فقال تعالى : (( وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )) [ المائدة : 27 ] ومع إن هذا القاتل قد هدّد أخاه بالقتل وأكد ذلك بقوله : (( لأَقْتُلَنَّكَ )) فقد تلطّف معه لعله أنْ يرجع عن عزمه ، وأخبره أيضاً أنه لن يمد يده ليقتله مهما هدده ، بل إنه حتى ولو باشر عملية القتل فسيكف يده أيضاً خوفاً من الله رب العالمين ، فقال له : (( لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ ))
[ المائدة : 28 ] ثم أخذ ينصح أخاه ويعظه لعله يرجع عما هَمَّ به ، ومع كل هذا التلطف والنصح فلم ينفع ذلك أخاه ، ولم يثنه عن عزمه على قتل أخيه . وكذلك الظلم والحقد والبغي والحسد كل ذلك يعمي القلب عن الحق ، ويصم الأذن عن سماع الحق ، فلا يزال القلب مُصِرّاً على المعصية والإثم والموبقة ، والشيطان يدفعه إلى تلك المعصية ، فالشيطان هو العدو الأول للإنسان فيدفعه إلى ذلك دفعاً ، ويهوِّن عليه الأمر حتى إذا وقع فيها تخلى عنه الشيطان وتبرأ منه ، ثم بعد ذلك تَظْلَمُّ عليه الدنيا وتضيق عليه الأرضُ بما رَحُبَتْ ، قال تعالى : (( فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ )) [ المائدة : 30 ]
ثم بعد ذلك ماذا حصل للقاتل ؟ ندم على ذلك الفعل الشنيع ، ولكن هل ينفع الندم على قتله ؟ لا ينفع الندم ؛ لأنَّ أخاه قد مات ، ولن يرجع إلى الحياة الفانية ، ثم ماذا يصنع هذا القاتل بعد جريمته تحيّر وبقي يحمله مدة طويلة . أولُ قتيل لا يدري ماذا يصنع به هل يحمله ويضعه في الماء أم هل يضعه فوق الجبال ، أشكل عليه الأمرُ ، فالأمر معضلة ومشكلة ، لأنَّه أول حادثة قتل تحدث على الأرض .
فأظهر القاتل ندمه على سوء فعلته وصنيعه فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يدفن أخاه حتى أراه الله كيف يدفن الغراب غراباً . وقد بيّن لنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنه ما من نفس تُقتل ظلماً منذ ذلك التاريخ وحتى آخر يوم من الدنيا إلا كان لهذا القاتل كفلٌ منها ؛ لأنه أول من سن القتل
وهذا شأن كل مَن سَنّ ضلالة أو دعا إلى ضلالة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، وقد بيّن الله سبحانه في كتابه بعد أنْ ذكر قصة ابني آدم أنَّ جريمة القتل عظيمة ، وأنَّ من قتل نفساً بغير نفس
أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً يقول الله تعالى : (( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً )) [ المائدة : 32 ]
وهذا الحكم وإنْ كان ظاهره خاصاً ببني إسرائيل إلا إنه عام فينا وفيهم فقد سأل سليمانُ بنُ علي الحسنَ عن هذه الآية فقال : (( قلت للحسن : هذه الآية لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل فقال : والذي لا إله غيره كما كانت لبني إسرائيل وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دماءنا )) (25).
أخي المسلم الكريم ، إنَّ الله تبارك وتعالى قد نهى عن قتل النفس بغير الحق في كتابه الكريم ، وأثنى عز وجل على الذين يجتنبون هذه الجريمة العظيمة ، وقد توعّد سبحانه من يفعلها باللعنة والغضب والعذاب العظيم والخلود في نار جهنم فقال تعالى : (( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )) [ النساء : 93 ] .
فاستحضر أخي المسلم هذا التهديد العظيم وهذا الوعيد الكبير فأيُّ تهديدٍ بعد هذا وأيُّ وعيد بعد هذا الوعيد كل ذلك ؛ لأنَّ المسلم له مكانة عند الله تعالى . ودم المسلم هو أغلى الدماء التي يجب أنْ تُصانَ ، وأن يُغضَب لإراقتها .
أخي المسلم الكريم قد بيّن الله سبحانه وتعالى حرمة المسلم ومكانته عند الله تعالى فقد صحّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله
من زوال الدنيا )) (26) وفي رواية أخرى : (( لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلمٍ )) (27).
وفي حديث آخر : (( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق ))(28) فهذه مكانة المسلم عند الله تعالى فتدبّر أيها القاتل ماذا تصنع بفعلتك ؟ !!
فلزوال الدنيا كلها أهون من قتل رجل مؤمن بغير حق ، زوال الدنيا بأموالها ومزارعها ومصارفها ومصانعها وتجاراتها وبناياتها ودولها وأحلافها ، وكل ما فيها أهون عند الله من قتل مؤمن بغير حق . بل المسلم له حرمة حتى بعد موته فقد نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن كسر عظم الميت ، وأخبر أنَّ عظم الميت إذا كُسر فكأنما كُسر وهو حيٌّ ، فقد صحّ عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إنَّ كسر عظم المؤمن ميتاً مثل كسره حياً )) (29).
أخي المسلم الكريم ، إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قد حذّر أمته أشد التحذير من هذه الجريمة فقال : (( سباب المسلم فسوقٌ وقتاله كفر ))(30) وقال : (( لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ))(31) وبيّن أنَّ هذه الجريمة من السبع الموبقات المهلكات فقد قال :