الحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ..
خرج علينا بعض من سموا أنفسهم علماء وفيهم المبتدع والطبيب والواعظ وأجازوا تهنئة الكفار بأعيادهم !
وأتوا بشبهاً ليسوغوا قولهم ، وليجعلوا له القبول عند العوام
ومن الشبه التي طرحها أحدهم في صحيفة سيارة :
" إن مسائل التهاني لغير المسلمين، اختلف فيها الناس، وهناك من يرى جوازها، وأيدها الشيخ ابن تيمية في رسائله، وهي للمصلحة، وعلى هذا الأساس تكون التهنئة للمسيحيين جائزة، وهي من المسائل المختلف حولها، التي ينبغي ألا تثير التباغض والتدابر بين الناس " .
وجاء اليوم دكتور ورئيس قسم للدراسات الإسلامية في جامعة معروفة فقال :
" هناك من العلماء من يرى حرمته مطلقاً ومنهم من يراه مكروهاً
وهناك علماء يرون جوازه لرواية الإمام أحمد بن حنبل التي اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية لتحقيق مصلحة أو دفع ضرر ما وكما يراها بعض العلماء المعاصرين " .
والعجيب
أن الدكتور لم يحل إلى رواية الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام لها ، وهو الأكاديمي الذي لو قدم له أحد طلابه مثل كلامه لم يقبله منه
فكيف وهو يحكي قولا في صحيفة سيارة يقرأها العامي ووغيره .
سؤالي :
أين أجد - على فرض صحتها - رواية الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام لها ؟!
الذي أعرفه أن تقريرات شيخ الإسلام في " الاقتضاء " تكذب ما نسبه إليه من ذكرتُ .
الذي أعرفه أخي عبدالله أن ذلك في التهنئة بشكل عام كقدوم غائب أو مولود أو زواج ونحو ذلك
قال العلامة ابن القيم- رحمه الله:
"واختلفت الرواية في ذلك عن أحمد فأباحها مرة ومنعها أخرى والكلام فيها كالكلام في التعزية والعيادة لافرق بينهما"
" أحكام أهل الذمة(1/205)
أي :
أنها تجوز للمصلحة الراجحة
وهذا ماقرره شيخ الإسلام كما في الاختيارات(ص319)
وقد قبد ابن القيم هذا الجواز بشرطين:
الأول:
أن لاتكون التهنئة بألفاظ محظورة تدل على الرضا بدينه
الثاني:
أن تكون هذه التهنئة خاصة بالأمور المشتركة"أما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم........."
أحكام أهل الذمة (1/206)
جزاكَ اللهُ خيرًا على إجابتك .
وكلام ابنُ القيم معروف مشهور ، لكن أصحاب الشبهة يتأكون على عبارة موهمة في كتب الحنابلة فهموا منها أن الإمام أحمد يجيز التهنئة ، وكلامهم باطل ولا شك من وجوه :
أولا : بعد الرجوع إلى بعض كتب الحنابلة وجدتُ ما يلي :
جاء في " المقنع " : " وَفِي تَهْنِئَتِهِمْ وَتَعْزِيَتِهِمْ وَعِيَادَتِهِمْ : رِوَايَتَانِ " .
قال العلامة المرداوي في " الإنصاف " : قَوْلُهُ ( وَفِي تَهْنِئَتِهِمْ وَتَعْزِيَتِهِمْ وَعِيَادَتِهِمْ : رِوَايَتَانِ ) وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْمُذْهَبِ ، وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ ، وَالْمُسْتَوْعِبِ ، وَالْخُلَاصَةِ ، وَالْكَافِي ، وَالْمُغْنِي ، وَالشَّرْحِ ، وَالْمُحَرَّرِ ، وَالنَّظْمِ ، وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا . إحْدَاهُمَا : يَحْرُمُ . وَهُوَ الْمَذْهَبُ . صَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ . وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ . وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ : لَا يَحْرُمُ . فَيُكْرَهُ . وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ، وَالْحَاوِيَيْنِ ، فِي بَابِ الْجَنَائِزِ . وَلَمْ يَذْكُرْ رِوَايَةَ التَّحْرِيمِ . وَذَكَرَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ ، وَالْحَاوِيَيْنِ رِوَايَةً بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ . فَيُبَاحُ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ . وَعَنْهُ : يَجُوزُ لِمَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ ، كَرَجَاءِ إسْلَامِهِ . اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ . وَمَعْنَاهُ : اخْتِيَارُ الْآجُرِّيِّ . وَأَنَّ قَوْلَ الْعُلَمَاءِ : يُعَادُ ، وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ . قُلْت : هَذَا هُوَ الصَّوَابُ .
فالسياق لا يدل على التهنئة بعيدهم الديني ، وإنما التهنئة بالأمور الدنيوية ، مثل : المولد الجديد ، أو البيت الجديد أو ما شابه ذلك .
قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية في " الفتاوى " : " وَيَجُوزُ عِيَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَتَهْنِئَتُهُمْ وَتَعْزِيَتُهُمْ وَدُخُولُهُمْ الْمَسْجِدَ لِلْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ كَرَجَاءِ الْإِسْلَامِ ، وَقَالَ الْعُلَمَاءُ يُعَادُ الذِّمِّيُّ وَيُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ وَلَيْسَ لَهُمْ إظْهَارُ شَيْءٍ مِنْ شِعَارِ دِينِهِمْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا وَقْتَ الِاسْتِسْقَاءِ وَلَا عِنْدَ لِقَاءِ الْمُلُوكِ " .
فشيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر التهنئة والتعزية لهم ، منع من إظهار شعائرهم ، فمن باب أولى منعه للتهنئة بعيدهم الديني ، لأن المنع من إظهار شعائرهم الدينية يقتضي المنع من التهنئة بها .
ثانيا : رجعت إلى " الشرح الممتع " للشيخ ابن عثيمين ( ط. آسام ) (8/84 - 85) وقد فرق بين التهنئة بأعيادهم ، وبين التهنئة بأمورهم الدنيوية ، فالأولى التحريم ، والثانية فرجح فيها المصلحة .
وفي رأي هذا هو الفهم الصحيح لكلام الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ، ولا يحمل إلا على هذا ، وليس كما فهمه من ذكرت في مقالي الأصلي ، فالرجوع إلى العارفين بالمذهب هو الصواب .
وأتمنى ممن يجد كلاما موضحا في كتب الحنابلة لمعنى التهنئة وذلك بالتفريق بين التهنئة بأعيادهم الدينية والدنيوية فلا يبخل علينا بطرحه هنا لأهمية المسألة في الرد على شبه القوم .