خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    من يعيننا على فهم مسألة التسلسل، فقد عجزت عن فهمها ؟

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية من يعيننا على فهم مسألة التسلسل، فقد عجزت عن فهمها ؟

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 04.01.09 16:14

    من يعيننا على فهم مسألة التسلسل، فقد عجزت عن فهمها ؟

    فاصل
    تحية


    الإخوة الكرام، سمعت في شرح الشيخ صالح آل الشيخ على الطحاوية مسألة التسلسل، وخرجت منها بدون فهم .

    وقد ذكر الشيخ أن المسألة صعبة.

    فهل نجد من إخواننا من يعيننا على فهم هذه المسألة، ويذكر مراد قول شيخ الإسلام فيها لأني سمعت بأنه لم يُفهَم مراده؟


    فاصل

    أخي الفاضل بارك الله فيك

    المسألة فعلا فيها شيء من الصعوبة، لكونها تحتاج إلى ضبط مجموعة من المقدمات، ومعرفة أقوال الناس فيها، ثم التدقيق في كلام شيخ الإسلام فإنه في غاية الدقة والمتانة.

    ولذلك، فإن كنت مبتدئا في علوم العقيدة فمن الأفضل أن تترك المسألة رأسا إلى حين.

    وإن كنت مصرا على فهمها فابدأ أولا بكتاب الأخت كاملة الكواري (إعلام الناشئة المؤلفة) بتقديم الشيخ سفر الحوالي (وهو موجود على الشبكة)، وهو كتاب مفيد.

    وهذا الكتاب سوف يفتح لك إن شاء الله أبواب فهم المسألة.
    والله أعلم.


    فاصل



    http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=113

    المطلب الثالث : التسلسل(1) :

    التسلسل : مصطلح كلامي يراد به ( ترتيب أمور غير متناهية ) وإنما سمى تسلسلاً أخذاً من السلسلة وهي قابلة لزيادة الحلقات إلى ما لا نهاية له فالمناسبة بينهما عدم التناهي بين طرفيها ففي السلسة مبتدؤها ومنتهاها وأما في التسلسل فطرفاه هما الزمن الماضي والمستقبل .

    والتسلسل أنواع :

    1- التسلسل في المؤثرين : بأن يؤثر الشيء في الشيء إلى ما لا نهاية أو أن يكون للحادث فاعل ، وللفاعل فاعل وهكذا وهما بنفس المعنى .

    وهذا التسلسل ممتنع وباطل بصريح العقل واتفاق العقلاء وهذا التسلسل الذي أمر النبي من يعيننا على فهم مسألة التسلسل، فقد عجزت عن فهمها ؟ Sallah أن يُستعاذ بالله منه ، وأمر بالانتهاء عنه ، وأن يقول القائل "آمنت بالله ورسله" كما في الصحيحين عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله من يعيننا على فهم مسألة التسلسل، فقد عجزت عن فهمها ؟ Sallah "يأتي الشيطان أحدكم ، فيقول :من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول له : من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته "وفي رواية" لا يزال الناس يتساءلون ، حتى يقولوا : هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ قال : فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الأعراب ، فقالوا : يا أبا هريرة هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ قال : فأخذ حصى بكفه فرماهم به، ثم قال قوموا ، قوموا ، صدق خليلي " وفي الصحيح أيضاً عن أنس بـن مالك عـن رسول الله من يعيننا على فهم مسألة التسلسل، فقد عجزت عن فهمها ؟ Sallah : " قال الله : إن أمتك لا يزالون يسألون : ما كذا ؟ ما كذا ؟ حتى يقولوا : هذا
    __________________________________________________ __
    (1) القواعد الكلية للبريكان ص208 ، الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات د0 عبدالقادر صوفي (2/329) .



    فاصل

    الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ رواهما البخاري ومسلم " .

    2- التسلسل في العلل الفاعلة :

    وأما التسلسل في العلل الفاعلة : فهو أن يقال : للخلق خلق ، ولهذا الخلق خلق ، ولذلك الخلق خلق ، وهكذا أو لا يكون فعل أصلاً حتى يكون قبله فعل ما .
    ( وهذا ممتنع لذاته ؛ فإنه يستلزم وجود الشيء قبل وجوده . ووجوده قبل وجوده يقتضي أن يكون موجوداً معدوماً ، وهذا جمع بين النقيضين .
    ولهذا استدل غير واحد من أئمة المسلمين على أن كلام الله غير مخلوق بقوله تعالى : إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون فإن النص دل على أنه
    لا يخلق شيئاً حتى يقول له : " كن " فيكون ، فلو كان " كن " مخلوقاً ، لزم أن يخلقه بكن ، وكذلك هذا يجب أن يكون مخلوقاً بكلمة أخرى وهذا يستلزم التسلسل في أصل الخلق …)
    فلو كانت " كن " مخلوقة ، لزم أن لا يخلق شيئاً أصلاً ، فإنه لا يخلق شيئاً حتى يقول " كن "، ولا يقول " كن " حتى يخلقها ؛ فلا يخلق شيئاً.
    وهذا التسلسل ممتنع لذاته –كما مر –" فإنه إذا لم يخلق شيئاً أصلاً حتى يخلق قبل ذلك شيئاً آخر ،كان هذا ممتنعاً لذاته ،فكان وجود مخلوق قبل أن يوجد مخلوق أصلاً فيه جمع بين النقيضين بخلاف ما إذا قيل : إنه لا يخلق مخلوقاً معيناً حتى يخلق مخلوقاً معيناً ؛ فإن هذا ليس بممتنع ؛كما أنه لا يخلق المولود من غيره حتى يخلق الولد ) .فهذا هو التسلسل في العلل الفاعلة وهو ممتنع كما تقدم .

    3- التسلسل في الأفعال ويكون :

    بأن يرتب الفاعل فعله الأول على فعله الآخر إلى ما لا نهاية وأما الفعل فلا تأثير
    له بذاته في ذات غيره من الأفعال والمراد به هنا ما دل عليه العقل والشرع من
    دوام أفعال الرب تعالى في الأبد والأزل بأنه ما زال ولا يزال موصوفاً بالفعل فلم تحدث له أفعال بعد أن لم يكن فاعلاً بل هو فاعل أبداً وأزلاً وهذا النوع من التسلسل واجب (1) ، والشرع والعقل قد دلا على إثباته وصحته ووقوعه وسيأتي ذلك في مبحث خاص إن شاء الله .

    4- التسلسل في الآثار :

    وهذا هو موضوع البحث وسيأتي في المبحث الثاني .

    والخلاصة أن التسلسل ثلاثة أقسام :
    1- تسلسل ممتنع كما سبق .
    2- تسلسل واجب وهو التسلسل في أفعال الله .
    3- تسلسل جائز أو ممكن وهو التسلسل في الأعيان والمخلوقات فهذا جائز أو ممكن وهذا هو الذي يقوله شيخ الإسلام ،فلا يقطع ولا يجزم بتسلسل المخلوقات لأننا لا نعلم إلا ما أخبرنا الله به من السماوات والأرض والقلم والعرش وغيرها ، أما ما لم يخبرنا به فلا علم لنا ولهذا لا نجزم بتسلسل المخلوقات بل نقول أنه ممكن وجائز ،أما تسلسل أفعال الرب فلا شك أنه واجب لا يتصور عدمه ولم يأت يوم وكان معطلاً سبحانه وتعالى .

    وإذا أطلق التسلسل انصرف للتسلسل في المؤثرين كما في قولهم: والتسلسل باطل .
    __________________________________________________ __________
    (1) الواجب هو : ما لا يتصور في العقل عدمه ، والجائر أو الممكن : وهو ما يصلح في نظر العقل وجوده وعدمه على السواء ، انظر حاشية الدرة المضية لابن قاسم ص15.

    فاصل


    وفي ختام هذا المبحث أنقل ما قاله الإمام ابن القيم في كتابه شفاء العليل (2/446) حيث بين في هذا النص عدة مسائل منها : مسألة التكوين الذي قال به الحنفية وسيأتي أيضاً في المبحث الأخير من هذا الكتاب ،

    ومنها التسلسل الواجب والممكن وهو المهم هنا فقال رحمه الله :

    قال القدري : فالآن حمي الوطيس ، فأنت والمسلمون وسائر الخلق تسمونه تعالى خالقاً ورازقاً ومميتاً، والخلق والرزق والموت قائم بالمخلوق والمرزوق والميت، إذ لو قام ذلك بالرب سبحانه فالخلق إما قديم وإما حادث ، فإن كان قديماً لزم قدم المخلوق ، لأنه نسبة بين الخالق والمخلوق ، ويلزم من كونها قديمة قدم المصحح لها ، وإن كان حادثاً لزم قيام الحوادث به وافتقر ذلك الخلق إلى خلق آخر ولزم التسلسل ، فثبت أن الخلق غير قائم به سبحانه ، وقد اشتق له منه اسم .

    قال السني : أي لازم من هذه اللوازم التزمه المرء كان خيراً من أن ينفي صفة الخالقية عن الرب سبحانه ، فإن حقيقة هذا القول أنه غير خالق ، فإن إثبات خالق بلا خلق ؛ إثبات اسم لا معنى له ، وهو كإثبات سميع لا سمع له ، وبصير لا بصر له ، ومتكلم وقادر لا كلام له ولا قدرة ، فتعطيل الرب سبحانه عن فعله القائم به كتعطيله عن صفاته القائمة به ،

    والتعطيل أنواع :


    تعطيل المصنوع عن الصانع ، وهو تعطيل الدهرية والزنادقة .

    وتعطيل الصانع عن صفات كماله ونعوت جلاله ، وهو تعطيل الجهمية نفاة الصفات .


    وتعطيله عن أفعاله وهو أيضاً تعطيل الجهمية وهم أساسه ودب فيمن عداهم من الطوائف فقالوا : لا يقوم بذاته فعل ، لأن الفعل حادث ، وليس محلا للحوادث ، كما قال إخوانهم : لا تقوم بذاته صفة ، لأن الصفة عرض ، وليس محلاً للأعراض ، فلو التزم الملتزم أي قول التزمه كان خيراً من تعطيل صفات الرب وأفعاله ، فالمشبهة ضلالهم وبدعتهم خير من المعطلة ، ومعطلة الصفات خير من معطلة الذات ، وإن كان التعطيلان متلازمين لاستحالة وجود ذات قائمة بنفسها لا توصف بصفة .

    فوجود هذه محال في الذهن وفي الخارج ، ومعطلة الأفعال خير من معطلة الصفات ، فإن هؤلاء نفوا صفة الفعل ، وإخوانهم نفوا صفات الذات .

    وأهل السمع والعقل حزب الرسول والفرقة الناجية برأاء من تعطيل هؤلاء كلهم ، فإنهم أثبتوا الذات والصفات والأفعال ، وحقائق الأسماء الحسنى ، إذ جعلها المعطلة مجازاً لا حقيقة له ، فشر هذه الفرق لخيرها الفداء ،


    .. يتبع ..
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: من يعيننا على فهم مسألة التسلسل، فقد عجزت عن فهمها ؟

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 04.01.09 16:15

    والمقصود أنه أي قول التزمه الملتزم كان خيرا من نفي الخلق ، وتعطيل هذه الصفة عن الله ، وإذا عرض على العقل السليم مفعول لا فاعل له ، أو مفعول لا فعل لفاعله لم يجد بين الأمرين فرقاً في الإحالة ، فمفعول بلا فعل كمفعول بلا فاعل ، لا فرق بينهما البتة ، فليعرض العاقل على نفسه القول بتسلسل الحوادث ، والقول بقيام الأفعال بذات الرب سبحانه ، والقول بوجود مخلوق حادث عن خلق قديم قائم بذات الرب سبحانه والقول بوجود مفعول بلا فعل ، ولينظر أي هذه الأقوال أبعد عن العقل والسمع ، وأيها اقرب إليهما ، ونحن نذكر أجوبة الطوائف عن هذا السؤال .

    فقالت طائفة : نختار من هذا التقسيم والترديد كون الخلق والتكوين قديماً قائماً بذات الرب سبحانه ، ولا يلزمنا قدم المخلوق المكون كما نقول نحن وأنتم : إن الإرادة قديمة ، ولا يلزم من قدمها قدم المراد ، وكل ما أجبتم به فهو في صورة الإلزام فهو جوابنا بعينه في مسألة التكوين ، وهذا جواب سديد ، وهو جواب جمهور الحنفية والصوفية وأتباع الأئمة .

    فإن قلتم : إنما لم يلزم من قدم الإرادة قدم المراد ، لأنها تتعلق بوجود المراد في وقته ، فهو يريد كون الشيء في ذلك الوقت ، وأما تكوينه وخلقه قبل وجوده فمحال .

    قيل لكم : لسنا نقول أنه كونه قبل وقت كونه ، بل التكوين القديم اقتضى كونه في وقته ، كما اقتضت الإرادة القديمة كونه في وقته .

    فإن قلتم : كيف يعقل تكوين ولا مكون ؟
    قيل : كما عقلتم إرادة ولا مراد .

    فإن قلتم : المريد قد يريد الشيء قبل كونه ، ولا يكونه قبل كونه .

    قيل : كلامنا في الإرادة المستلزمة لوجوده ، لا في الإرادة التي لا تستلزم المراد ،
    وإرادة الرب سبحانه ومشيئته تستلزم وجود مراده ، وكذلك التكوين، يوضحه : أن التكوين هو اجتماع القدرة والإرادة وكلمة التكوين ، وذلك كله قديم ولم يلزم منه قدم المكون ، قالوا : وإذا عرضنا هذا على العقول السليمة ، وعرضنا عليها مفعولاً بلا فعل ، بادرت إلى قبول ذاك وإنكار هذا ، فهذا جواب هؤلاء.

    وقالت الكرامية : بل نختار من هذا الترديد كون التكوين حادثاً ، وقولكم : يلزم من ذلك قيام الحوادث بذات الرب سبحانه ، فالتكوين هو فعله ، وهو قائم به ، فكأنكم قلتم : [ يلزم ] من قيام فعله به قيامه به ، وسميتم أفعاله حوادث ، وتوسلتم بهذه التسمية إلى تعطيلها ، كما سمى إخوانكم صفاته أعراضاً ، وتوسلوا بهذه التسمية إلى نفيها عنه ، وكما سموا علوه على مخلوقاته واستواءه على عرشه تحيزاً ، وتوسلوا بهذه التسمية إلى نفيه ، وكما سموا وجهه الأعلى ويديه جوارح ، وتوسلوا بذلك إلى نفيها ،


    قالوا : ونحن لا ننكر أفعال خالق السماوات والأرض وما بينهما ، وكلامه وتكليمه ، ونزوله إلى السماء ، واستواءه على عرشه ، ومجيئه يوم القيامة لفصل القضاء بين عباده ، ونداءه لأنبيائه ورسله وملائكته ، وفعله ما شاء ، بتسميتكم لهذا كله حوادث ، ومن أنكر ذلك فقد أنكر كونه رب العالمين ، فإنه لا يتقرر في العقول والفطر كونه رباً للعالمين إلا بأن يثبت له الأفعال الاختيارية، وذات لا تفعل ليست مستحقة للربوبية ولا للإلهية ، فالإجلال من هذا الإجلال واجب ، والتنزيه عن هذا التنزيه متعين ، فتنزيه الرب سبحانه عن قيام الأفعال به تنزيه له عن الربوبية وملكه ، قالوا : ولنا على صحة هذه المسألة أكثر من ألف دليل من القرآن والسنة والمعقول .
    وقد اعترف أفضل متأخريكم بفساد شبهكم كلها على إنكار هذه المسألة ، وذكرها شبهة شبهة وأفسدها ، وألزم بها جميع الطوائف .

    حتى الفلاسفة الذين هم أبعد الطوائف من إثبات الصفات والأفعال قالوا : ولا يمكن إثبات حدوث العالم وكون الرب خالقاً ومتكلماً وسامعاً ومبصراً ومجيباً للدعوات ، ومدبراً للمخلوقات وقادراً ومريداً ، إلا بالقول بأنه فعال وأن أفعاله قائمة به ، فإذا بطل أن يكون له فعل ، وأن تقوم بذاته الأمور المتجددة بطل هذا كله .


    (فصل )

    وقد أجاب عن هذا عبدالعزيز بن يحيى الكناني في حيدته فقال في سؤاله للمريسي :بأي شيء حدثت الأشياء؟ فقال له : أحدثها الله بقدرته التي لم تزل فقلت له :أحدثها بقدرته كما ذكرت ، أفليس تقول : إنه لم يزل قادراً؟ قال : بلى ، قلت : فتقول إنه لم يزل يفعل؟ قال :لا أقول هذا ، قلت : فلابد أن نلزمك أن تقول : إنه خلق بالفعل الذي كان بالقدرة لأن القدرة صفة ، ثم قال عبدالعزيز :لم أقل لم يزل الخالق يخلق ، ولم يزل الفاعل يفعل وإنما الفعل صفة والله يقدر عليه ، ولا يمنعه منه مانع فأثبت عبدالعزيز فعلاً مقدوراً لله هو صفة له ليس من المخلوقات ، وأنه به خلق المخلوقات وهذا صريح في أن مذهبه كمذهب السلف وأهل الحديث ، أن الخلق غير المخلوق ، والفعل غير المفعول كما حكاه البغوى إجماعاً لأهل السنة ،

    وقد صرح عبدالعزيز أن فعله سبحانه القائم به مقدور له وأنه خلق به المخلوقات كما صرح به البخاري في آخر صحيحه وفي كتاب خلق الأفعال فقال في صحيحه : "باب ما جاء في تخليق السماوات والأرض وغيرها من الخلائق ، وهو فعل الرب تبارك وتعالى وأمره [وكلامه] فالرب سبحانه بصفاته وفعله وأمره وكلامه هو الخالق المكون غير مخلوق وما كان فعله وأمره وتخليقه وتكوينه فهو مفعول مخلوق مكون "فصرح إمام السنة ان صفة التخليق هي فعل الرب وأمره ، وأنه خالق بفعله وكلامه .

    وجميع جند الرسول وحزبه مع محمد بن اسماعيل في هذا، والقرآن مملوء من الدلالة عليه كما دل عليه العقل والفطرة ، قال تعالى :  أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم [ يس :81] ثم أجاب نفسه بقوله :  بلى وهو الخلاق العليم  [ يس :81] فأخبر أنه قادر على نفس فعله ، وهو أن يخلق ، فنفس أن يخلق فعل له ، وهو قادر عليه .

    ومن يقول لا فعل له ، وأن الفعل هو عين المفعول ، يقول : لا يقدر على فعل يقوم به البته بل لا يقدر إلا على المفعول المباين له الحادث بغير فعل منه سبحانه وهذا أبلغ في الإحالة من حدوثه بغير قدرة ، بل هو في الإحالة كحدوثه بغير فاعل ، فإن المفعول يدل على قدرة الفاعل باللزوم العقلي ؛ ويدل على فعله الذي وجد به بالتضمن ، فإذا سلبت دلالته التضمنية ، كان سلب دلالته اللزومية أسهل ، ودلالة المفعول على فاعله وفعله دلالة واحدة وهي أظهر بكثير من دلالته على قدرته وإرادته .

    وذكر قدرة الرب سبحانه على أفعاله وتكوينه في القرآن كثير كقوله  قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم [الأنعام :65] "فأن يبعث "هو نفس فعله ، والعذاب هو مفعوله المباين له وكذلك قوله  أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى[القيامة : 65] فإحياء الموتى نفس فعله ، وحياتهم مفعوله المباين له وكلاهما مقدور له ، وقال تعالى بلى قادرين على أن نسوي بنانه  [القيامة :4] فتسوية البنان فعله ، واستواؤها مفعوله .

    ومنكرو الأفعال يقولون :إن الرب سبحانه يقدر على المفعولات المباينة له ولا يقدر على فعل يقوم بنفسه لا لازم ولا متعد وأهل السنة يقولون: الرب سبحانه يقدر على هذا وعلى هذا وهو سبحانه له الخلق والأمر ، فالجهمية أنكرت خلقه وأمره وقالوا :خلقه نفس مخلوقه وأمره مخلوق من مخلوقاته فلا خلق ولا أمر ومن أثبت له الكلام القائم بذاته ونفى أن يكون به فعل ، فقد أثبت الأمر دون الخلق ولم يقل أحد بقيام أفعاله به ونفي صفة الكلام عنه فيثبت الأمر دون الخلق .
    وأهل السنة يثبتون له تعالى ما أثبته لنفسه من الخلق والأمر ، فالخلق فعله ، والأمر قوله وهو سبحانه يقول ويفعل .

    وأجابت طائفة أخرى من أهل السنة والحديث عن هذا بالتزام التسلسل ، وقالوا : ليس في العقل ولا في الشرع ما ينفي دام فاعلية الرب سبحانه ؛ وتعاقب أفعاله شيئاً قبل شيء إلى غير غاية ، كما تتعاقب شيئاً بعد شيء إلى غير غاية ، فلم يزل فعالاً .

    قالوا : والفعل صفة كمال ومن يفعل أكمل ممن لا يفعل .

    قالوا : ولا يقتضي صريح العقل إلا هذا ، ومن زعم أن الفعل كان ممتنعاً عليه سبحانه في مدد [ غير مقدرة ] لا نهاية لها ، ولا يقدر أن يفعل ، ثم انقلب الفعل من الاستحالة الذاتية إلى الإمكان الذاتي ، من غير حدوث سبب ولا تغير في الفاعل ، فقد نادى على عقله بين الأنام .


    قالوا : وإذا كان هذا في العقول ، جاز أن ينقلب العالم من العدم إلى الوجود من غير فاعل ، وإن امتنع هذا في بداية العقول ، فكذلك تجدد إمكان الفعل وانقلابه من الامتناع الذاتي إلى الإمكان الذاتي بلا سبب ، وأما أن يكون هذا ممكناً ، وذاك ممتنعاً ، فليس في العقول ما يقتضي بذلك .


    قالوا :والتسلسل لفظ مجمل لم يرد بنفيه ولا إثباته كتاب ناطق ، ولا سنة متبعة فيجب مراعاة لفظه، وهو ينقسم إلى واجب وممتنع وممكن ،فالتسلسل في المؤثرين محال ممتنع لذاته ، وهو أن يكون بين مؤثرين كل واحد منهما استفاد تأثيره ممن قبله لا إلى غاية .

    والتسلسل الواجب ما دل عليه العقل والشرع من دوام أفعال الرب تعالى في الأبد وأنه كلما انقضى لأهل الجنة نعيم أحدث لهم نعيماً آخر لا نفاد له ، وكذلك التسلسل في أفعاله سبحانه من طرف الأزل وأن كل فعل مسبوق بفعل آخر فهذا واجب في كلامه ، لأنه لم يزل متكلماً إذا شاء ، ولم تحدث له صفة الكلام في وقت ، وهكذا أفعاله التي هي من لوازم حياته ، فإن كل حي فعال ، والفرق بين الحي والميت بالفعل ، ولهذا قال غير واحد من السلف : الحي الفعال وقال عثمان بن سعيد :كل حي فعال ، ولم يكن ربنا تبارك وتعالى قط في وقت من الأوقات المحققة او المقدرة معطلاً عن كماله من الكلام [ والإرادة والفعل ].

    وأما التسلسل الممكن فالتسلسل في مفعولاته من هذا الطرف ، كما يتسلسل في طرف الأبد ، فإنه إذا لم يزل حياً قادراً مريداً متكلماً ، وذلك من لوازم ذاته ، فالفعل ممكن له بوجوب هذه الصفات له ، وأن يفعل أكمل من أن لا يفعل ، ولا يلزم من هذا أنه لم يزل الخلق معه ، فإنه سبحانه متقدم على كل فرد فرد من مخلوقاته تقدماً لا أول له ، فلكل مخلوق أول ، والخالق سبحانه لا أول له ، فهو وحده الخالق ، وكل ما سواه مخلوق كائن بعد أن لم يكن .


    قالوا : وكل قول سوى هذا فصريح العقل يرده ، ويقضي ببطلانه ، وكل من اعترف بأن الرب سبحانه لم يزل قادراً على الفعل لزمه أحد أمرين لابد له منهما ، إما بأن يقول بأن الفعل لم يزل ممكناً ، وإما ان يقول لم يزل واقعاً ، وإلا تناقض تناقضاً بيناً ، حيث زعم أن الرب سبحانه لم يزل قادراً على الفعل ،والفعل محال ممتنع لذاته لو أراده لم يمكن وجوده ، بل فرض إرادته عنده محال ،
    وهو مقدور له ، وهذا قول يناقض بعضه بعضا .

    وأجابت طائفة أخرى بالجواب المركب على جميع التقادير فقالوا : تسلسل الآثار إما أن يكون ممكناً أو ممتنعاً ، فإن كان ممكناً فلا محذور في التزامه ، وإن كان ممتنعاً لم يلزم من بطلانه بطلان الفعل الذي لا يكون المخلوق إلا به ، فإنا نعلم أن المفعول المنفصل لا يكون إلا بفعل ، والمخلوق لا يكون إلا بخلق قبل العلم بجواز التسلسل وبطلانه .

    ولهذا كثير من الطوائف يقولون : الخلق غير المخلوق ، والفعل غير المفعول ، مع قولهم ببطلان التسلسل ، مثل كثير من أتباع الأئمة الأربعة ، وكثير من أهل الحديث والصوفية والمتكلمين ، ثم من هؤلاء من يقول : الخلق – الذي هو التكوين – صفة قديمة كالإرادة ، ومنهم من يقول : بل هي حادثة بعد أن لم تكن كالكلام والإرادة وهي قائمة بذاته سبحانه ، وهم الكرامية ومن وافقهم ، أثبتوا حدوثها وقيامها بذاته ، وأبطلوا دوامها فراراً من القول بحوادث لا أول لها ، وكلا الفريقين لا يقول ان ذلك التكوين والخلق مخلوق ، بل يقول أن المخلوق وجد به كما وجد بالقدرة .

    قالوا : فإذا كان القول بالتسلسل لازماً لكل من قال : إن الرب تعالى لم يزل قادراً على الخلق ، يمكنه أن يفعل بلا ممانع فهو لازم لك ، كما الزمته لخصومك ، فلا ينفردون بجوابه دونك ، وأما ما ألزموك به من وجود مفعول بلا فعل ، ومخلوق بلا خلق ، فهو لازم لك وحدك .

    قالوا : ونحن إنما قلنا : الفعل صفة قائمة به سبحانه ، وهو قادر عليه لا يمنعه منه مانع ، والفعل القائم به ليس هو المخلوق المنفصل عنه ، فلا يلزم أن يكون معه مخلوق في الأزل ، إلا إذا ثبت أن الفعل اللازم يستلزم الفعل المتعدي ، وأن المتعدي يستلزم دوام نوع المفعولات ، ودوام نوعها يستلزم أن يكون معه سبحانه في الأزل شيء منها ، وهذه الأمور لا سبيل لك ولا لغيرك إلى الاستدلال على ثبوتها كلها ، وحينئذ فنقول : أي لازم لزم من إثبات فعله سبحانه كان القول به خيراً من نفي الفعل وتعطيله عنه .

    فإن ثبت قيام فعله به من غير قيام الحوادث به ، كما يقوله كثير من الناس ، بطل قولكم ، وإن لزم من إثبات فعله قيام الأمور الاختيارية به ، والقول بانها مفتتحة ولها أول ، فهو خير من قولكم ، كما تقول الكرامية وإن لزم تسلسلها وعدم أوليتها في الأفعال اللازمة ، فهو خير من قولكم ، وإن لزم تسلسل الآثار وكونه سبحانه لم يزل خالقاً كما دل عليه النص والعقل فهو خير من قولكم ، ولو قدر انه يلزم أن الخلق لم يزل مع الله قديماً بقدمه كان خيراً من قولكم ، مع أن هذا لا يلزم ، ولم يقل به أحد من أهل الإسلام ، بل ولا أهل الملل ، فكلهم متفقون على أن الله سبحانه وحده الخالق وكل ما سواه مخلوق موجود بعد عدمه ، وليس معه غيره من المخلوقات يكون وجوده مساوياً لوجوده .


    فما لزم بعد هذا من إثبات خلقه وامره وصفات كماله ونعوت جلاله، وكونه رب العالمين ، وأن كماله المقدس من لوازم ذاته فإنا به قائلون ، وله ملتزمون ، كما أنا ملتزمون لكل ما لزم من كونه حيا عليما قديراً سميعاً بصيراً متكلماً آمراً ناهياً ، فوق عرشه ، بائن من خلقه ، يراه المؤمنون بأبصارهم عياناً في الجنة ، وفي عرصات القيامة ، ويكلمهم ويكلمونه ، فإن هذا حق ، ولازم الحق مثله ، وما لم يلزم من إثبات ذلك من الباطل الذي تتخيله خفافيش العقول فنحن له منكرون ، وعن القول به عادلون ، وبالله التوفيق .

    __________________

    الحمد لله على نعمة الإسلام
    مصطفى الفاسي


    .. يتبع ..
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: من يعيننا على فهم مسألة التسلسل، فقد عجزت عن فهمها ؟

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 04.01.09 16:19

    لعل في جواب الشيخ عبد الرحمن البراك شيء من السهولة :
    فاصل
    الحمد لله، وصلى الله وبارك على عبده ورسوله، وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:

    فالقول بقدم العالم، أي: بقدم هذا العالم المشهود الذي منه السماوات، فقول باطل ، فإن هذا العالم مخلوق في ستة أيام ، كما أخبر الله ، بل إن السماوات والأرض كان خلقها بعد تقدير مقادير الخلائق بخمسين ألف سنة، فهو محدث وليس بقديم

    والقول بقدم هذا العالم الموجود هو قول ملاحدة الفلاسفة الذين يسمون الخالق سبحانه وتعالى- العلةَ الأولى، ومبدأَ الوجود ، ويقولون: إنه علة تامة للموجودات، والعلة التامة تستلزم معلولها، فهذا العالم قديم بقدم علته ، ومعناه أن وجوده لم يُسبق بعدم

    وكأن السائل يُعرض بالإمام ابن تيمية حيث يقول بقدم جنس العالم ، أو جنس المخلوقات، أو بتسلسل الحوادث، أو بدوام الحوادث بالأزل، وهذه عبارات مؤداها واحد ، ومعنى هذا:

    أن الله لم يزل يخلق ، ويفعل ما يشاء ، فما من مخلوق إلا وقبله مخلوق إلى ما لا نهاية ؛ لأن الله لم يزل موجودًا ، ولم يزل على كل شيء قدير، ولم يزل فعَّالاً لما يريد ، فيقتضي ذلك أن المخلوقات لم تزل ، أو أقل ما يقال: إنه يمكن ذلك ، فإنه لا يلزم تسلسل الحوادث ؛ لأنه لا يستلزم أن يكون شيء من الموجودات مشاركًا لله في قدمه ؛ لأن كل مخلوق حادث بعد أن لم يكن، فهو مسبوق بعدم نفسه، والله تعالى- لم يسبق وجوده عدم

    بل هو- سبحانه وتعالى- قديم أزلي ، فلا بداية لوجوده، ولا نهاية ، ومن أسمائه الأول والآخر، فهو الأول فليس قبله شيء ، والآخر الذي ليس بعده شيء ، والذين ينكرون على ابن تيمية هذا القول- وهو ليس قول ابن تيمية وحده ، بل قول كل من يؤمن بأن الله لم يزل على كل شيء قديرًا ، ولم يزل فعَّالاً لما يريد-

    فالذين ينكرون هذا القول لم يفهموا حقيقته ، ولو فهموا حقيقته لما أنكروه ، فالذين ينكرون تسلسل الحوادث في الماضي ، أو دوامها في الماضي ، وأن ذلك ممتنع يلزمهم أن الله كان غير قادر، ثم صار قادرًا ، وغير فاعل ثم صار فاعلاً ، وهذا يقول به كثير ممن يقول بامتناع حوادث لا أول لها ، ومن قال بامتناع دوام الحوادث في الماضي ، وقال مع ذلك بأن الله لم يزل قادرًا ، وفاعلاً كان متناقضًا ، ويلزمه الجمع بين النقيضين.

    وبسبب اعتقاد أن دوام الحوادث في الماضي ، أو المستقبل ينافي أوليته- سبحانه- وآخريته ، قيل بامتناع الحوادث في الماضي ، وفي المستقبل = فنتج عن ذلك القول بفناء الجنة والنار، وهذا ما ذهب إليه جهم بن صفوان ، ومن تبعه ، وهذا ضرب من الكفر بما أخبر الله به ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والله تعالى قديم بلا ابتداء ، دائم بلا انتهاء ، كما في عبارة الإمام الطحاوي ، أما ما سِوى الله فكلٌّ مسبوق بعدم نفسه ، ومن شاء – سبحانه وتعالى- بقاءه على الدوام ، وأنه لا يفنى فهو باقٍ بإبقاء الله وبمشيئته– سبحانه وتعالى- فلا يكون شيء من المخلوقات مشابهًا لله في خصائصه؛ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)[الشورى:11].



    فاصل


    وما الجواب عن حديث ( كان الله ولم يكن شئ غيره ) ؟، فالظاهر منه ، أن الله كان ولم يكن معه غيره

    فاصل


    في تعليق الشيخ البراك على الفتح فائدة

    128 – (13/410) قال الحافظ: "قوله: ( كان الله ولم يكن شيء قبله) تقدم في بدء الخلق بلفظ: "ولم يكن شيء غيره" وفي رواية أبي معاوية: "كان الله قبل كل شيء" وهو بمعنى: "كان الله ولا شيء معه"، وهي أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أول لها من رواية الباب، وهي من مستشنع المسائل المنسوبة لابن تيمية، ووقفت على كلام له على هذا الحديث يرجح الرواية التي في هذا الباب على غيرها...".
    وذلك في كلامه على حديث رقم 7418 ، كتاب التوحيد ، باب 22.


    قال الشيخ البراك: قوله: "وفي رواية أبي معاوية: ( كان الله قبل كل شيء) وهو بمعنى: ( كان الله ولا شيء معه)... إلخ": يرجح الحافظ هاتين الروايتين على رواية الباب: (كان الله ولم يكن شيء قبله)؛ وذلك من جهة المعنى الذي يرى أنهما تدلان عليه؛ وهو أن الله تعالى كان منفردًا لم يخلق شيئًا في الأزل ثم ابتدأ الخلق، وعليه فجنس المخلوقات له بداية لم يكن قبلها شيء من المخلوقات. وهذا قول من يقول بامتناع حوادث لا أول لها، وهم أكثر المتكلمين، وهو الذي يختاره المؤلف،


    ولهذا رجح الروايتين المشار إليهما آنفًا بناء على أنهما تدلان على مطلوبه،

    ولهذا قال: "وفي رواية أبي معاوية... وهي أصرح في الرد على من أثبت حوادث لا أول لها" واستشنع من ابن تيمية القول بذلك، ولهذا ضعف ترجيح ابن تيمية لرواية: "كان الله ولم يكن شيء قبله"، وزعم أن الجمع بين هذه الروايات مقدم على الترجيح.

    وهذا ممنوع في الحديث الواحد الذي قصته واحدة كما في هذا الحديث؛ فإنه جاء بأربع روايات، ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل إلا أحد هذه الألفاظ، والأخريات رويت بالمعنى، فتعيَّن الترجيح. وكل هذه الروايات لا تدل على مطلوب المتكلمين وهو امتناع حوادث لا أول لها.

    ولكن بعض هذه الروايات فيه شبهة لهم مثل رواية: "ولم يكن شيء معه"، ولهذا رجحها الحافظ على رواية الباب، ورواية الباب أرجح منها؛ لأن لها شاهدًا عند مسلم، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : "أنت الأول فليس قبلك شيء" كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى مع وجوه أخرى من الترجيح.

    ومسألة تسلسل الحوادث - أي المخلوقات في الماضي وهو معنى حوادث لا أول لها - فيها للناس قولان:

    أحدهما: أن دوام الحوادث ممتنع؛ وهو قول أكثر المتكلمين. وشبهه هذا القول هي اعتقاد أن ذلك يستلزم قدم العالم الذي تقول به الفلاسفة، وهو باطل عقلاً وشرعًا. وهذا الاعتقاد خطأ؛ فإن معنى تسلسل الحوادث في الماضي أنه ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق إلى ما لا نهاية، ومعنى ذلك أن كل مخلوق فهو محدث بعد أن لم يكن، فهو مسبوق بعدم نفسه ، والله تعالى مقدم على كل مخلوق تقدم لا أول له، وليس هذا بقول الفلاسفة؛ فإن حقيقة قولهم أن هذا العالم قديم بقدم علته الأولى لأنه صادر عنها صدور المعلول عن علته التامة، لا صدور المفعول عن فاعله؛ فإن المفعول لا بد أن يتأخر عن الفاعل.

    القول الثاني: أن تسلسل الحوادث في الماضي ممكن، وهو موجب دوام قدرة الرب تعالى وفاعليته؛ فكل من يثبت أن الله لم يزل فعالاً لما يريد وهو على كل شيء قدير، لا بد أن يقول بأن الخلق لم يزل ممكنًا. وهذا الحد لا يمكن النزول عنه؛ فإن من قال بامتناع حوادث لا أول لها منهم من يقول: إن الله لم يكن قادرًا ثم صار قادرًا، ومن قال منهم: إن الله لم يزل قادرًا كان متناقضًا؛ فإن المقدور لا يكون ممتنعًا لذاته.

    أما كون تسلسل المخلوقات واقعًا أو غير واقع فهذا يُبنى على الدليل؛ فمن قام عنده الدليل على أحدها فعليه القول بموجبه. فالقول المنكر الذي لا شك في بطلانه هو القول بامتناع حوادث لا أول لها؛ لما يستلزمه من تعجيز الرب سبحانه في الأزل تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.

    وقد حرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه المسألة فأجاد وأفاد، فأتى بالفرقان بين الحق والباطل في هذا المقام، وقد رماه خصومه والغالطون عليه بأنه يقول بقول الفلاسفة، وهو الذي يفند قول الفلاسفة بما لم يستطعه المنازعون له. ومن رد قول الفلاسفة بالقول بامتناع حوادث لا أول لها فقد رد باطلاً بباطل، والحق في خلافهما، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

    انظر: مجموع الفتاوى 18/210- 244 ، ودرء تعارض العقل والنقل 1/121-127، 303-305، 2/344-399.

    والنقل
    لطفـــاً .. من هنـــــــــــا

      الوقت/التاريخ الآن هو 14.11.24 23:44