من يعيننا على فهم مسألة التسلسل، فقد عجزت عن فهمها ؟
الإخوة الكرام، سمعت في شرح الشيخ صالح آل الشيخ على الطحاوية مسألة التسلسل، وخرجت منها بدون فهم .
وقد ذكر الشيخ أن المسألة صعبة.
فهل نجد من إخواننا من يعيننا على فهم هذه المسألة، ويذكر مراد قول شيخ الإسلام فيها لأني سمعت بأنه لم يُفهَم مراده؟
أخي الفاضل بارك الله فيك
المسألة فعلا فيها شيء من الصعوبة، لكونها تحتاج إلى ضبط مجموعة من المقدمات، ومعرفة أقوال الناس فيها، ثم التدقيق في كلام شيخ الإسلام فإنه في غاية الدقة والمتانة.
ولذلك، فإن كنت مبتدئا في علوم العقيدة فمن الأفضل أن تترك المسألة رأسا إلى حين.
وإن كنت مصرا على فهمها فابدأ أولا بكتاب الأخت كاملة الكواري (إعلام الناشئة المؤلفة) بتقديم الشيخ سفر الحوالي (وهو موجود على الشبكة)، وهو كتاب مفيد.
وهذا الكتاب سوف يفتح لك إن شاء الله أبواب فهم المسألة.
والله أعلم.
http://saaid.net/book/open.php?cat=1&book=113
المطلب الثالث : التسلسل(1) :
التسلسل : مصطلح كلامي يراد به ( ترتيب أمور غير متناهية ) وإنما سمى تسلسلاً أخذاً من السلسلة وهي قابلة لزيادة الحلقات إلى ما لا نهاية له فالمناسبة بينهما عدم التناهي بين طرفيها ففي السلسة مبتدؤها ومنتهاها وأما في التسلسل فطرفاه هما الزمن الماضي والمستقبل .
والتسلسل أنواع :
1- التسلسل في المؤثرين : بأن يؤثر الشيء في الشيء إلى ما لا نهاية أو أن يكون للحادث فاعل ، وللفاعل فاعل وهكذا وهما بنفس المعنى .
وهذا التسلسل ممتنع وباطل بصريح العقل واتفاق العقلاء وهذا التسلسل الذي أمر النبي أن يُستعاذ بالله منه ، وأمر بالانتهاء عنه ، وأن يقول القائل "آمنت بالله ورسله" كما في الصحيحين عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله "يأتي الشيطان أحدكم ، فيقول :من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول له : من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته "وفي رواية" لا يزال الناس يتساءلون ، حتى يقولوا : هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ قال : فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الأعراب ، فقالوا : يا أبا هريرة هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله؟ قال : فأخذ حصى بكفه فرماهم به، ثم قال قوموا ، قوموا ، صدق خليلي " وفي الصحيح أيضاً عن أنس بـن مالك عـن رسول الله : " قال الله : إن أمتك لا يزالون يسألون : ما كذا ؟ ما كذا ؟ حتى يقولوا : هذا
__________________________________________________ __
(1) القواعد الكلية للبريكان ص208 ، الأصول التي بنى عليها المبتدعة مذهبهم في الصفات د0 عبدالقادر صوفي (2/329) .
الله خلق الخلق ، فمن خلق الله ؟ رواهما البخاري ومسلم " .
2- التسلسل في العلل الفاعلة :
وأما التسلسل في العلل الفاعلة : فهو أن يقال : للخلق خلق ، ولهذا الخلق خلق ، ولذلك الخلق خلق ، وهكذا أو لا يكون فعل أصلاً حتى يكون قبله فعل ما .
( وهذا ممتنع لذاته ؛ فإنه يستلزم وجود الشيء قبل وجوده . ووجوده قبل وجوده يقتضي أن يكون موجوداً معدوماً ، وهذا جمع بين النقيضين .
ولهذا استدل غير واحد من أئمة المسلمين على أن كلام الله غير مخلوق بقوله تعالى : إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون فإن النص دل على أنه
لا يخلق شيئاً حتى يقول له : " كن " فيكون ، فلو كان " كن " مخلوقاً ، لزم أن يخلقه بكن ، وكذلك هذا يجب أن يكون مخلوقاً بكلمة أخرى وهذا يستلزم التسلسل في أصل الخلق …)
فلو كانت " كن " مخلوقة ، لزم أن لا يخلق شيئاً أصلاً ، فإنه لا يخلق شيئاً حتى يقول " كن "، ولا يقول " كن " حتى يخلقها ؛ فلا يخلق شيئاً.
وهذا التسلسل ممتنع لذاته –كما مر –" فإنه إذا لم يخلق شيئاً أصلاً حتى يخلق قبل ذلك شيئاً آخر ،كان هذا ممتنعاً لذاته ،فكان وجود مخلوق قبل أن يوجد مخلوق أصلاً فيه جمع بين النقيضين بخلاف ما إذا قيل : إنه لا يخلق مخلوقاً معيناً حتى يخلق مخلوقاً معيناً ؛ فإن هذا ليس بممتنع ؛كما أنه لا يخلق المولود من غيره حتى يخلق الولد ) .فهذا هو التسلسل في العلل الفاعلة وهو ممتنع كما تقدم .
3- التسلسل في الأفعال ويكون :
بأن يرتب الفاعل فعله الأول على فعله الآخر إلى ما لا نهاية وأما الفعل فلا تأثير
له بذاته في ذات غيره من الأفعال والمراد به هنا ما دل عليه العقل والشرع من
دوام أفعال الرب تعالى في الأبد والأزل بأنه ما زال ولا يزال موصوفاً بالفعل فلم تحدث له أفعال بعد أن لم يكن فاعلاً بل هو فاعل أبداً وأزلاً وهذا النوع من التسلسل واجب (1) ، والشرع والعقل قد دلا على إثباته وصحته ووقوعه وسيأتي ذلك في مبحث خاص إن شاء الله .
4- التسلسل في الآثار :
وهذا هو موضوع البحث وسيأتي في المبحث الثاني .
والخلاصة أن التسلسل ثلاثة أقسام :
1- تسلسل ممتنع كما سبق .
2- تسلسل واجب وهو التسلسل في أفعال الله .
3- تسلسل جائز أو ممكن وهو التسلسل في الأعيان والمخلوقات فهذا جائز أو ممكن وهذا هو الذي يقوله شيخ الإسلام ،فلا يقطع ولا يجزم بتسلسل المخلوقات لأننا لا نعلم إلا ما أخبرنا الله به من السماوات والأرض والقلم والعرش وغيرها ، أما ما لم يخبرنا به فلا علم لنا ولهذا لا نجزم بتسلسل المخلوقات بل نقول أنه ممكن وجائز ،أما تسلسل أفعال الرب فلا شك أنه واجب لا يتصور عدمه ولم يأت يوم وكان معطلاً سبحانه وتعالى .
وإذا أطلق التسلسل انصرف للتسلسل في المؤثرين كما في قولهم: والتسلسل باطل .
__________________________________________________ __________
(1) الواجب هو : ما لا يتصور في العقل عدمه ، والجائر أو الممكن : وهو ما يصلح في نظر العقل وجوده وعدمه على السواء ، انظر حاشية الدرة المضية لابن قاسم ص15.
وفي ختام هذا المبحث أنقل ما قاله الإمام ابن القيم في كتابه شفاء العليل (2/446) حيث بين في هذا النص عدة مسائل منها : مسألة التكوين الذي قال به الحنفية وسيأتي أيضاً في المبحث الأخير من هذا الكتاب ،
ومنها التسلسل الواجب والممكن وهو المهم هنا فقال رحمه الله :
قال القدري : فالآن حمي الوطيس ، فأنت والمسلمون وسائر الخلق تسمونه تعالى خالقاً ورازقاً ومميتاً، والخلق والرزق والموت قائم بالمخلوق والمرزوق والميت، إذ لو قام ذلك بالرب سبحانه فالخلق إما قديم وإما حادث ، فإن كان قديماً لزم قدم المخلوق ، لأنه نسبة بين الخالق والمخلوق ، ويلزم من كونها قديمة قدم المصحح لها ، وإن كان حادثاً لزم قيام الحوادث به وافتقر ذلك الخلق إلى خلق آخر ولزم التسلسل ، فثبت أن الخلق غير قائم به سبحانه ، وقد اشتق له منه اسم .
قال السني : أي لازم من هذه اللوازم التزمه المرء كان خيراً من أن ينفي صفة الخالقية عن الرب سبحانه ، فإن حقيقة هذا القول أنه غير خالق ، فإن إثبات خالق بلا خلق ؛ إثبات اسم لا معنى له ، وهو كإثبات سميع لا سمع له ، وبصير لا بصر له ، ومتكلم وقادر لا كلام له ولا قدرة ، فتعطيل الرب سبحانه عن فعله القائم به كتعطيله عن صفاته القائمة به ،
والتعطيل أنواع :
تعطيل المصنوع عن الصانع ، وهو تعطيل الدهرية والزنادقة .
وتعطيل الصانع عن صفات كماله ونعوت جلاله ، وهو تعطيل الجهمية نفاة الصفات .
وتعطيله عن أفعاله وهو أيضاً تعطيل الجهمية وهم أساسه ودب فيمن عداهم من الطوائف فقالوا : لا يقوم بذاته فعل ، لأن الفعل حادث ، وليس محلا للحوادث ، كما قال إخوانهم : لا تقوم بذاته صفة ، لأن الصفة عرض ، وليس محلاً للأعراض ، فلو التزم الملتزم أي قول التزمه كان خيراً من تعطيل صفات الرب وأفعاله ، فالمشبهة ضلالهم وبدعتهم خير من المعطلة ، ومعطلة الصفات خير من معطلة الذات ، وإن كان التعطيلان متلازمين لاستحالة وجود ذات قائمة بنفسها لا توصف بصفة .
فوجود هذه محال في الذهن وفي الخارج ، ومعطلة الأفعال خير من معطلة الصفات ، فإن هؤلاء نفوا صفة الفعل ، وإخوانهم نفوا صفات الذات .
وأهل السمع والعقل حزب الرسول والفرقة الناجية برأاء من تعطيل هؤلاء كلهم ، فإنهم أثبتوا الذات والصفات والأفعال ، وحقائق الأسماء الحسنى ، إذ جعلها المعطلة مجازاً لا حقيقة له ، فشر هذه الفرق لخيرها الفداء ،
.. يتبع ..