هل يجوز الترحم على الكافر؟
أفيدونا أفادكم الله
أفيدونا أفادكم الله
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا
من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا .
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله , وخير الهدي هدي محمد , وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة , وكل بدعة ضلاله , وكل ضلالة في النار.
وبعد..
يقول الله تبارك وتعالى في سورة التوبة :
وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم
وقد نهى الله تبارك وتعالى نبيه محمد من الترحم لأمه ففي صحيح مسلم (976)
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي , واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي )
وذكر في الحديث الذي بعده السبب بأنه يذكر بالموت
وغيرها حديثه مع ابنة حاتم
فهل يجوز الترحم على النصارى واليهود والمجوس بما قدموا لدينهم وللإنسانية؟
أفيدونا جزاكم الله خيرا ...
أخي ...
قد أجبتَ عن سؤالك بإيرادك تلك الأدلة البيِّنة .
فلا يجوز الدعاء بالمغفرة ولا الترحم على الكفرة ( ممن علم كفره ) من يهود أونصارى أوغيرهم ، ولا الصلاة عليهم .
وأما ما قدَّموه من خدمات للإنسانية ! أو غير ذلك فهو لا ينفعهم ، وليس بمسوِّغٍ للترحُّم عليهم ، كما أخبر الله تعالى في كتابه عن مثل هذا
فقال :
(( وقدمنا إلى ما عملوا من عملٍ فجعلناه هباءً منثوراً ))
وقال تعالى :
(( الذين ضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً )) .
إلى غير ذلك من الأدلة .
ولا أرحم بعباد الله من الله تعالى ، فهل نعلِّم الله الرحمة ! وقد حجبها عمَّن لا يستحقُّها ؟!!
ادعى بعض المعاصرين - هداهم الله - أن الترحم غير الاستغفار ، وزعموا أننا نهينا عن الاستغفار للمشركين ولم ننه عن الترحم عليهم ، ومن شبهاتهم ما جاء في تفسير اسمه تعالى ( الرحمن ) حيث إنه فُسِّر بذي الرحمة العامة الشاملة لجميع الخلائق وللمؤمن والكافر ، تفريقا بينه وبين اسمه تعالى (الرحيم ) فقد فُسِّر بذي الرحمة الخاصة بالمؤمنين .
ويجاب عن هذه الشبهة بأجوبة
منها :
1)
الترحم على الميت يراد به رحمة مخصوصة وهي مغفرة الذنوب والنجاة من النار ، فهو بمعنى الاستغفار .
2)
قال تعالى عن الكافرين ( والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي ) العنكبوت 23 وهذا يفيد أن الترحم عليهم من التعدي في الدعاء .
3)
لعن الله تعالى الكافرين في غير موضع من كتابه ، منها قوله تعالى : ( فلعنة الله على الكافرين ) البقرة 89 ، واللعن هو الطرد والإبعاد من رحمته .
4)
بعد أن بيّن سبحانه أن رحمته وسعت كل شيء ، بيّن سبحانه أنه سيكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة إلى قوله سبحانه : ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي .. الآية ) الأعراف 156 ، 157
والآيات أفادت اختصاص الرحمة بمن معه مطلق التقوى ، وهم المسلمون
فسؤال الله تعالى أن يرحم الكافر تعد في الدعاء وسؤال ما أخبر الله أنه لا يكون .
5)
ما رواه البخاري وغيره أن اليهود كانوا يتعاطسون عند النبي رجاء أن يقول لهم ( يرحمكم الله ) فكان يشمتهم بقوله ( يهديكم الله ويصلح بالكم ) وكان لا يترحم عليهم .
ومن الأوجه التي تضاف إلى ما ذكره شيخنا أبوخالد:
1-
النهي عن الصلاة عليهم والقيام على قبورهم (ولا تصل على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره) والصلاة والقيام إنما نهي عنهما لما يتضمناه من دعاء، لا لأن زيارة قبر الكافر من أجل التذكر والاعتبار ممنوعة، يدل عليه إذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في زيارة قبر أمه.
2-
الله عزوجل رحمن الدنيا والآخرة، كما أنه خالق الخلق جميعاً، والمنعم المتفضل عليهم قاطبة، وكل ذلك لحكمة بالغة قضاها
ولا يسوغ ذلك دعاء الداعي له سبحانه بأن يخلق الكفار والفجار لأنه خالق، ولا أن يبقي إبليس لأنه أوجده وحكم بإنظاره إلى يوم يبعثون، ولا أن ينعم على الظالمين المعتدين ويشد أركانهم لأنه منعم متفضل
وكذلك لايسوغ أن يدعا بالرحمة للكافر لأن الله رحمن مع قولنا بجواز حصول رحمة خاصة ولكن لايلزم من الجواز الوقوع.
فالله ذو الرحمة الواسعة التي يهبها من يشاء كيف شاء ويمنعها من يريد كما أراد، ودعاؤه بأن يهبها من لايستحقها لا تعلق له باتصافه بها.
ثم إذا صح تسويغ الدعاء للكافر بالرحمة بحجة أن الله جل جلاله رحمن، صح الدعاء لإبليس بالرحمة لأنه من جملة الكفار.
3-
أين موقع الداعي بالرحمة للكافر من قول الله تعالى في آيتين من كتابه: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس مصيرا).
4-
نُقل الإجماع على النهي من الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة ونحوهما [انظر الترحم على الكافر في الموسوعة الفقهية الكويتية 11/188] وهذا متجه في غير أطفال المشركين فقد وقع الخلاف بناء على الخلاف في أصل المسألة.
وفي الموسوعة الفقهية أيضا: "اتفق الفقهاء على أن الاستغفار للكافر محظور، بل بالغ بعضهم فقال: يقتضي كفر من فعله"
ونقل الإجماع كذلك النفراوي في شرحه للرسالة، وهذا الذي عدوه مبالغة نص عليه الجصاص الحنفي، القرافي المالكي وأيده ابن أمير حاج الحنفي وغيرهما.