أولوية رفع اليدين في التكبيرات الزوائد في صلاة العيد
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد:
فمسألة رفع اليدين في التكبيرات الزوائد في صلاة العيد مما لا أعلم فيه سنةً خاصة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا نفياً ، ولا إثباتاً.
وقد ذكر العلماء أنه وردت في ذلك آثار عن السلف إضافة إلى عموم بعض الأحاديث.
فقد استدل الإمام أحمد وابن المنذر والبيهقي وغيرهم بحديث ابن عمر -رضي الله عنها- قال: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى إذا كانتا حذو منكبيه كبر ، ثم إذا أراد أن يركع رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه ، كبر وهما كذلك ، فركع ، ثم إذا أراد أن يرفع صلبه رفعهما حتى يكونا حذو منكبيه، ثم قال سمع الله لمن حمده ، ثم يسجد ، ولا يرفع يديه في السجود ، ويرفعهما في كل ركعة وتكبيرة كبرها قبل الركوع حتى تنقضي صلاته".
رواه الإمام أحمد في المسند(2/132-133) ، وأبو داود في سننه(1/192رقم722) ، وابن الجارود في المنتقى(1/170رقم178) ، وابن المنذر ، والدارقطني في سننه(1/288) ، والبيهقي في السنن الكبرى(2/83 ،3/292) وغيرهم من طريقين عن الزهري عن سالم عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- به.
وسنده صحيح.
فاستدلوا بعموم قوله : "ويرفعهما في كل ركعة وتكبيرة كبرها قبل الركوع حتى تنقضي صلاته" لأن التكبيرات الزوائد تكون قبل الركوع.
وكذلك استدلوا بحديث وائل بن حجر -رضي الله عنه-: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرفع يديه مع التكبير" وانظر تخريجه وتحسين الشيخ الألباني -رحمه الله- له بهذا اللفظ في الإرواء(3/113رقم641) .
وهو استدلال قوي ، ولكنه معترض منتقد.
### أما عن الصحابة فذكر عن عمر ، وابنه عبد الله ، وزيد بن ثابت.
*/ أما أثر عمر -رضي الله عنه- فرواه الأثرم –كما في المغني(2/119) ولم أقف على سنده- وابن المنذر في الأوسط(4/282رقم217) ، والبيهقي في السنن الكبرى(3/293) من طرق عن عبد الله بن لهيعة عن بكر بن سوادة [عن أبي زرعة اللخمي ] أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يرفع يديه في كل تكبيرة من الصلاة على الجنازة وفي الفطر والأضحى.
واللفظ لابن المنذر .
وقد رواه عن ابن لهيعة : أبو زكريا يحيى بن إسحاق السِّيلَحيني ، وإسحاق بن عيسى ، والوليد بن مسلم ، وقد اتفق الأخيران على ذكر أبي زرعة اللخمي بين بكر بن سوادة وعمر -رضي الله عنه- .
وأما أبو زكريا فأسقطه لذا قال البيهقي -رحمه الله- : وهذا منقطع.
وإسناده ضعيف ؛ فيه ابن لهيعة وليس هذا من رواية العبادلة ولا قتيبة بن سعيد عنه ، وإن كان البعض يقوي رواية إبي زكريا يحيى السيلحيني لأنه من قدماء أصحابه ، فإن كان كذلك فآفته الانقطاع بين بكر بن سوادة وعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- .
وكذلك أبو زرعة اللخمي لم أجد من ذكره سوى العجلي في معرفة الثقات(2/403) وقال: مصري تابعي ثقة ، وذكره ابن العديم في تاريخ حلب(10/4455) وقال: [كان مع مسلمة بن عبد الملك حين غزا القسطنطينية وكان من وجوه عسكر مسلمة]. فلو قيل بتوثيقه فيظهر أنه لم يدرك عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ولم يذكر سماعاً.
*/ وأما أثر ابن عمر -رضي الله عنهما- فلم أر من ذكره قبل شيخ الإسلام ابن القيم -رحمه الله- .
ففي زاد المعاد(1/443) وعنه الصنعاني في سبل السلام(2/69)-ولم يعزه لابن القيم- : [وكان ابن عمر مع تحريه للاتباع يرفع يديه مع كل تكبيرة].
ولم أقف له على إسناد ، ولم يحتج به أحد من السلف ممن وقفت على كلامه كابن أبي شيبة وعبد الرزاق الصنعاني والإمام أحمد وابن معين وابن المنذر والبيهقي وغيرهم .
ولا أظنه إلا وهماً من الإمام ابن القيم ، ويظهر أنه غلط ولعله أراد ما صح عن ابن عمر في رفع اليدين في تكبيرات صلاة الجنازة. والله أعلم.
*/ وأما أثر زيد بن ثابت -رضي الله عنه- فعزاه ابن القدامة في المغني(2/119) للأثرم ولم أقف على سنده ، وكذا قال الشيخ الألباني -رحمه الله- في الإرواء(3/112) .
ولزيد بن ثابت -رضي الله عنه- أثر مذكور في رفع اليدين في صلاة الجنازة فالله أعلم بحقيقة الحال.
### أما عن التابعين فصح عن عطاء -رحمه الله- ، وروي عن إبراهيم النخعي -رحمه الله- .
*/ وما روي عن عطاء هو أصح شيء في الباب .
فقد رواه عبد الرزاق في المصنف(3/297رقم5699) والبيهقي في السنن الكبرى(3/293) من طريق ابن جريج قال: قلت لعطاء : يرفع الإمام يديه كلما كبر هذه التكبيرة الزيادة في صلاة الفطر؟ قال: نعم ، ويرفع الناس أيضاً.
وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
ورواه ابن أبي شيبة في المصنف(2/491رقم11382) حدثنا عبد الله بن المبارك عن ابن جريج عن عطاء قال: يرفع يديه في كل تكبيرة ، ومن خلفهم يرفعون أيديهم.
وإسناده صحيح كسابقه.
*/ وأما أثر إبراهيم النخعي -رحمه الله-
فرواه محمد بن الحسن الشيباني في كتاب الحجة(1/299) قال: أخبرنا أبو حنيفة عن طلحة بن مصرف عن إبراهيم أنه قال: ترفع الأيدي في سبع مواطن فذكر في ذلك العيدين.
وأبو حنيفة ومحمد بن الحسن على إمامتهما في الفقة لا يحتج بروايتهما .
والله أعلم .