أبو محمد عبدالحميد الأثري- المدير العام .. وفقه الله تعالى
- عدد الرسائل : 3581
البلد : مصر السنية
العمل : طالب علم
شكر : 7
تاريخ التسجيل : 25/04/2008
من طرف أبو محمد عبدالحميد الأثري 24.05.08 8:45
مقدمة
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله ، ورضي الله عن صحابته الكرام ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم بفضلك اللهم .
وبعـــد :
فقد ثبت في الخبر الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين ، على الحق ، لا يضرهم من خذلهم ، حتى يأتي وعد الله وهم كذلك وبين أنهم يقاتل آخرهم الدجال وينزل فيهم عيسى ابن مريم - عليه السلام - عند قيام الساعة .
وعُلم يقينًا أن هذه الطائفة هم من كان على منهاج النبوة ، فعمل بالسنة ولزم الجماعة وسار على نهج السلف الصالح ، وأن هذه الطائفة ( أهل السنة والجماعة ) لا يحصرهم زمان ولا مكان ، لكنهم قد يكثرون في زمان ويقلون في آخر ، وقد يكثرون في مكان ويقلون في آخر كذلك .
والمتأمل لحال المسلمين في القرون الأخيرة يجد أن أبرز أنموذج لهذه المسيرة الخيِّرة هي تلكم الدعوة الإصلاحية المباركة ، ودعوة التوحيد والسنة ، التي قام بها الإمام المجدد ( محمد بن عبد الوهاب ت 1206هـ ) ، وأيدها الأمير الصالح ( محمد بن سعود ت 1179هـ ) ( رحمهما الله ) التي ظهرت في منتصف القرن الثاني عشر الهجري في قلب نجد ، ثم سائر جزيرة العرب ، ثم امتدت آثارها الطيبة إلى كل أقطار العالم الإسلامي ، بل إلى كل أرجاء المعمورة . ولا تزال بحمد الله كذلك .
وقد لوحظ ، لا سيما مع الأحداث الأخيرة ، حروب الخليج ، وسقوط الاتحاد السوفييتي وأحداث ( 11 سبتمبر ) بأمريكا وما أعقبه من تداعيات ، لوحظ بصورة ملفتة ومريبة انبعاث كثير من المفتريات والأوهام والأساطير حول ما يسمونه : ( الوهابية ) .
وشاعت هذه المفتريات وهذه الأكاذيب حول الدعوة وأتباعها وعلمائها ودولتها ( الدولة السعودية ) ، وأسهم في ترويجها الحاسدون والمناوئون والكائدون وربما صدقها الجاهلون بحقائق الأمور .
وإن الباحث في حقيقة هذه الدعوة ومفتريات خصومها ، وتحفظات بعض ناقديها ، والكم الهائل مما قيل في ذلك وكتب ، وما حشي في أذهان الناس تجاهها من تنفير وتضليل ؛ سيصاب بالذهول والحيرة - لأول وهلة .
لكن ما إن يلج المنصف في عمق القضية فسيجد الأمر أيسر وأبين مما يتصوره ، وحين يتجرد من الهوى والعصبية ستنكشف لـه الحقيقة ، وهي : أن هذه الدعوة الإصلاحية الكبرى ، إنما تمثل الإسلام الحق ، ومنهاج النبوة ، وسبيل المؤمنين والسلف الصالح في الجملة .
كما سيظهر لـه جليًا أن ما يثار حولها وضدها من الشبهات ، إنما هو من قبيل الشائعات والمفتريات ، والأوهام والخيالات ، والبهتان . ومن الزبد الذي يذهب جفاء عند التحاكم إلى القرآن والسنة ، والأصول العلمية المعتبرة ، والنظر العقلي السليم .
وما أظن حركة من الحركات الإصلاحية واجهت من التحديات ، والظلم والبهتان ، كما واجهت هذه الدعوة ، ومع ذلك علت وانتصرت وآتت ثمارها الطيبة ( ولا تزال بحمد الله ) في كل مكان .
وما ذلك إلا لأنها قامت على ثوابت الدين الحق ( الإسلام ) لكن هذه الحقيقة خفيت على كثير من الناس ، فكان لا بد من تجليتها .
لذا فقد لزم الإسهام - في هذا المؤلف - في تجلية الحقيقة ، ورفع الظلم ، ودفع الباطل ورد المفتريات والمزاعم ، بالحجة والبرهان ، واستجلاء الحقيقة من خلال الواقع وشهادة المنصفين .
فإنه من الحقائق الثابتة الجليَّة أن هذه الدعوة الإصلاحية إنما هي امتداد للمنهج الذي كان عليه السلف الصالح أهل السنة والجماعة على امتداد التاريخ الإسلامي ، وهو منهج الإسلام الحق الذي كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام والتابعون وأئمة الدين من الأئمة الأربعة ونحوهم من أهل الحديث والفقه وغيرهم .
إذن فهذه الحركة المباركة لم تكن إلا معبرة عن الإسلام نفسه ، مستهدفة إحياء ما اعترى تطبيقه من قبل كثير من المسلمين من غشاوة وجهل وإعراض وبدع .
وحيث قد اشتهرت عند غير أهلها ، وعند الجاهلين بحقيقتها باسم ( الوهابية ) فإن هذا الوصف انطلق أولًا من الخصوم ، وكانوا يطلقونه على سبيل التنفير واللمز والتعيير ، ويزعمون أنه مذهب مبتدع في الإسلام ، أو مذهب خامس . وهذا ظلم .
فهي ليست سوى الإسلام والسنة كما جاء بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وسار عليها السلف الصالح .
ولم يكن استعمال هذا الوصف مرضيًا ولا شائعًا عند أتباعها ، ومع ذلك صار لقب ( الوهابية ) وتسمية الدعوة الإصلاحية السلفية الحديثة به هو السائد لدى الكثيرين من الخصوم وبعض الأتباع والمؤيدين والمحايدين ( تنزلًا ) .
بل تعدى الأمر إلى التوسع في إطلاق ( الوهابية ) على أشخاص وحركات منحرفة عن المنهج السليم ، وتخالف ما عليه السلف الصالح وما قامت عليه هذه الدعوة المباركة ، وهذا بسبب تراكمات الأكاذيب والأساطير التي نسجت حول الدعوة وأهلها بالباطل والبهتان .
إن أتباع هذه الحركة لا يرون صواب هذه التسمية ( الوهابية ) ولا ما انطوت عليه من مغالطات وأوهام ، لاعتبارات مقنعة كثيرة شرعية وعلمية ومنهجية وموضوعية وواقعية ، تتلخص فيما أشرت إليه من أنها تمثل تمامًا الإسلام الحق الذي جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - ومنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن سلك سبيل الهدى ، وإذن فحصره تحت مسمى غير الإسلام والسنة خطأ فادح وبدعة محدثة ومردودة .
كما ذكرت أن هذه الدعوة وأتباعها ودولتها ( الدولة السعودية في مراحلها الثلاث ) قد واجهت ، ولا تزال تواجه ، تحديات كبرى كلها ترتكز على المفتريات والاتهامات ، والشائعات والأكاذيب والأساطير التي لا تصمد أمام البحث الشرعي العلمي الأصيل والمتجرد .
وإن كان الناقدون قد يجدون في تجاوزات بعض المنتسبين للدعوة ما يتذرعون به في نقدها ، لكن عند التحقيق تزول هذه التهم .
إذ إن الناظر في المفردات الجزئية لكل دعوة أو مبدأ ، قد يجد فيها الكثير من الأخطاء والتجاوزات والتصرفات الشاذة والأقوال النادة والأحكام الخاطئة ، أو الأمور المشكلة والمشتبهة التي تحتاج إلى تثبت أو تفسير أو تدقيق أو استقراء للوصول إلى حكم علمي تطمئن إليه النفس .
لكن أهل العلم وعقلاء الناس لديهم موازين علمية وعقليَّة وقواعد شرعية يزنون بها الأمور .