خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    مخمومُ القلب ..

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية مخمومُ القلب ..

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 30.11.08 9:47

    مخمومُ القلب


    الشيخ

    سعد بن عبدالله السعدان




    ====


    عن عبد الله بن عمرو ، قال : قِيلَ لرسولِ الله:
    أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟

    قَالَ:
    "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ ، صَدُوقِ اللِّسَانِ ".

    قالوا :
    صدوقُ اللسان ، نعرفُه . فما مخمومُ القلبِ ؟

    قال :
    " هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ . لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْيَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ".(1)

    إن سلامة الصدور من الأحقاد والبغضاء والغل والحسد وسوء الظن... ونحوها


    علامة من علامات الإيمان

    و

    خصلة من خصال البر والإحسان

    وهي

    من لوازم التقوى ،

    وهذا المقصد مما حرصت الشريعة على تأكيده وترسيخه في القلوب

    ذلك أن سلامة القلوب من الأمراض المعنوية مطلب ضروري ، يعود بالفائدة على الأمة

    فتقوى في عَدَدها وعُدَّتها

    و

    تجتمع كلمتها

    و

    يتوحد صفها

    و

    تكون مرهوبة الجانب

    يسودها التعاون المشترك على البر والتقوى

    و

    ينتشر فيها الحب الصافي

    و

    الود الشافي

    و

    التناصح البناء المثمر

    مع

    صفاء القلوب وتوادها .

    قال تعالى :

    ( إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
    [ الحجرات: 10]


    قال العلامة ابن سٍعْدٍي رحمه الله :

    (( هذا عَقدٌ عَقدَه الله بين المؤمنين ، أنه إذا وجد من أي شخص كان، في مشرق الأرض ومغربها، الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر
    فإنه أخٌ للمؤمنين، أخوة تُوجب أن يحب له المؤمنون، ما يحبون لأنفسهم، ويكرهوا له ما يكرهون لأنفسهم ........))

    إلى أن قال:

    (( ولقد أمر الله ورسوله بالقيام بحقوق المؤمنين بعضهم لبعض، ومما يحصل به التآلف، والتوادد، والتواصل بينهم، كل هذا تأييد لحقوق بعضهم على بعض

    فمن ذلك إذا وقع الاقتتال بينهم الموحب لتفرق القلوب وتباغضها وتدابرها

    فليصلح المؤمنون بين إخوانهم، وليسعوا فيما به يزول شنآنهم

    ثم

    أمر بالتقوى عموماً، ورتب على القيام بالتقوى، وبحقوق المؤمنين الرحمة

    فقال :
    " لَعلَّكُم تُرحمَوُن"

    وإذا حصلت الرحمة حصلَ خير الدنيا والآخرة

    ودل ذلك على أنَّ عدم القيام بحقوق المؤمنين من أعظم حواجب الرحمة)) (2) .




    وقال شيخ الإسلام رحمه الله :

    (( وتعلمون أنَّ من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين، تأليف القلوب، واجتماع الكلمة، وصلاح ذات البين

    فإن الله تعالى يقول :
    " َاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ"
    [ الأنفال : 1 ]

    ويقول :
    " وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا"
    [ آل عمران : 103 ]


    ويقول :
    "وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ "
    [ آل عمران : 105]

    وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف، وتنهى عن الفرقة والاختلاف


    وأهل هذا الأصل هم أهل الجماعة، كما أن الخارجين عنه هم أهل الفُرقة .

    وجماع السنة طاعة الرسول


    ولهذا قال النبي مخمومُ القلب .. Sallah في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبى هريرة مخمومُ القلب .. Radia :
    " إن الله يرضى لكم ثلاثاً، أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً، ولا تفرقوا ، وأن تناصحوا من ولاَّه الله أموركم " (3).




    الصحابة وسلامة القلوب :

    وقد كان الصحابة الكرام خير مثال في سلامة الصدور، كما وصفهم الله تعالى بذلك :

    "وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلاَ يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا
    وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ
    وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ "
    [ الحشر : 9 ]

    وقال تعالى:
    " مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً "
    [الفتح : 29] .

    وعلى الرغم مما حصل بينهم مما يقع فيه بني البشر، فإن الحبَّ في الله بينهم أعمق من أي شئ


    بل

    كان التفاضل بينهم لصاحب القلب السليم

    وفي ذلك

    يقول إياس بن معاوية رحمه الله :
    " كان أفضلهم عندهم ، يعني الماضين، أسلمهم صدراً وأقلهم غيبة". (4) رضي الله عنهم .





    فضائل سلامة الصدور:

    لسلامة الصدور فضائل كثيرة، منها :

    - أن سليم الصدر أفضل الناس


    لقوله مخمومُ القلب .. Sallah : "كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ، صَدُوقِ اللِّسَانِ " ومخموم القلب كما فسره مخمومُ القلب .. Sallah : " هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ. لاَ إِثْمَ فِيهِ وَلاَ بَغْيَ وَلاَ غِلَّ وَلاَ حَسَدَ" .

    - ومن الفضائل أن سلامة الصدر تبين حقيقة الإتباع


    والإقتداء بخير البشر مخمومُ القلب .. Sallah ، فهو أسلم الناس صدراً على الإطلاق .

    - ومنها أن سلامة الصدر من صفات أهل الجنة


    قال تعالى:
    " يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ"
    الشعراء 88-89 ] .

    - ومن الفضائل أن من سلمت قلوبهم في الدنيا


    فإن الله تعالى يجعلهم سالمين في الآخرة من العذاب، منعمين في الجنان

    "وَأُزْلِفَتِ الجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الخُلُودِ * لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ “
    [ ق : 31-35 ] .

    - هذا وإن سليم القلب يعيش في سعادة لا توصف


    فهو مرتاح البال، طاهر السريرة، منشرح الخاطر، يحبه الخلق، ويحبه رب الخلق، لأنه سلم له قلبه من أمراض القلوب .





    الوسائل المعينة على سلامة القلوب:



    وسائل سلامة القلوب متعددة، منها :

    - ضرورة تفقد القلب بين الحين والآخر، أشد من تفقد الأبدان


    قال مخمومُ القلب .. Sallah : " ألا وإِنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً : إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسدُ كلُّه، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجسَدُ كله، أَلا وهِيَ الْقَلْبُ " (5) .

    ولهذا كان من دعاء النبي مخمومُ القلب .. Sallah : " وأسْألُكَ لِسَاناً صَادِقاً وَقَلْباً سَلِيماً" (6)

    فيتفقد المرء نفسه ، ويدعو ربه بسلامة قلبه . و يقبل على ربه بعمل الطاعات والقربات .

    - كذلك كلما تذكر المرء الآخرة خاف من المصير ، وأقبل على إصلاح قلبه، فيتذكر ويتأثر:


    " إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ المُؤْمِنُونَ حَقاًّ لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ "
    [ الأنفال : 2-4 ]

    - ومن الوسائل الناجعة لإصلاح القلوب عدم إساءة الظن بالناس


    قال تعالى :
    " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ “
    [ الحجرات : 12 ]

    وينبغي للمسلم أن يبتعد عن الإساءة والظن السيئ بالناس، ليسلم له قلبه من الآفات

    وليكن همه حب الخير للغير، ونصحهم وإرشادهم، والشفقة عليهم، والإصلاح بينهم

    قال تعالى :
    " لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً"
    [ النساء : 114]

    وقال تعالى:
    " فاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ"
    [ الأنفال : 1 ]

    قال ابن سعدي رحمه الله تعالى :


    " فاتَّقُوا اللَّهَ" بامتثال أوامره واجتناب نواهيه " وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ"

    أي:
    أصلحوا ما بينكم من التشاحن، والتقاطع، والتدابر، بالتوادد، والتحاب، والتواصل، فبذلك تجتمع كلمتكم، ويزول ما يحصل ـ بسبب التقاطع ـ من التخاصم، والتشاجر، والتنازع.

    ويدخل في إصلاح ذات البين، تحسين الخلق لهم، والعفو عن المسيئين منهم ـ فإنه بذلك ـ يزول كثير مما يكون في القلوب من البغضاء والتدابر.

    والأمر الجامع لذلك كله :

    " وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" . (7) .

    ولذا


    وجب على المسلمين القيام بما يصلح قلوبهم ، ويهذب نفوسهم، وينقوا القلوب من أمراضها الفاتكة، وأدوائها المزمنة

    نسأل الله صدورًا سليمة، وقلوبًا طاهرة نقية .

    وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين.



    -----

    الهوامش:

    (1) ابن ماجه (4307) مسند الشاميين (1218) حلية الأولياء 1/183،6/69 تاريخ دمشق59/451 وصححه البوصيري4/240 والمنذري في الترغيب3/349
    (2) تيسير الكريم الرحمن 7/133ـ134
    (3) مجموع الفتاوى 28/51
    (4) ابن أبي شيبة(35185) حلية الأولياء(3/125
    (5) البخاري(52) مسلم (4048).
    (6) الترمذي (3539) والبيهقي في الدعوات الكبير(212 ) وصححه الحاكم( 1872).
    (7) تيسير الكريم الرحمن 3 /141ـ142


    والنقل
    لطفــــــــــاً .. من هنـــــــــــا

      الوقت/التاريخ الآن هو 15.11.24 2:38