شبهة: قال الحافظ ابن حجر في " الدرر
الكامنة " ( 1/60 )
[أنه وقع بين ابن كثير وبرهان الدين ابن الإمام ابن القيم منازعة في
التدريس ، فقال له ابن كثير : أنت تكرهني ، لأنني أشعري ، فقال له : لو كان من
رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك الناس في قولك : إنك أشعري ، وشيخك ابن تيمية رحمه الله]
والجواب أن يقال:
أولاً: يقال اثبت العرش ثم انقش وهذا الكلام لا يثبت فقول ابن حجر ((من نوادره ))إلخ بلاغ
غير متصل فلا يثبت عنه
ثانياً: هب أننا سلمنا بصحة العبارة فهي لا تنفعهم، فالخصوم -بل عامة العقلاء- على التسليم
بأنه لو قال شخص -على سبيل المثال-أنا "سني" ورددها مراراً وكتبها في
كتبه ونشرها بين الناس وهو مع ذلك يكفر الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم ويقول بنفي
الصفات كلها وينفي الرؤية والعلو ونحو هذا ، لم يفده هذا الزعم شيئا ، لماذا؟ لأن
مذهب أهل السنة له قواعد وأصول معروفة ومسائل مشهورة فليس الأمر مجرد لفظة تقال ! ولو
قالها مبتدع لفظاً ونقضها قولاً وعملا لم يفده هذا الزعم الكاذب شيئا!
الآن إن فهمنا هذا فللنظر في مسألتنا ولنجب على هذه الأسئلة بإنصاف:
هل قرر ابن كثير رحمه الله قط في كتبه ما يقرره الأشاعرة في عقائدهم المطولة
والمختصرة من أن الله ليس فوق العرش ولا تحته ولا فوق السموات ولا داخل العالم ولا
خارجه لا متصل ولا منفصل ، لا يقرب منه شيء ولا ترفع إليه الأيدي ولا تتوجه له
القلوب بالعلو كما فطرها الله عز وجل ، وأن القرآن العربي مخلوق -عند التعليم فقط!-
ولا يكلم ولا يتكلم ولا نادى ولا ينادي بل ولا يقوم به فعل البتة بل ما يضاف إليه
جل وعلا من ذلك فإنما يعود معناه إلى أمر مخلوق منفصل عنه !! ، وأن صفاته سبعة أو
ثمانية والبقية تتأول أو تفوض نصوصها !! ، وأن الله قد يفعل لا لحكمة ، وأنه يجوز
أن يفعل كل مقدور لا ينزهونه عن شيء منه ، فلو قدر رجلان "أحدهما مؤمن عالم
عادل وصالح مصلح ، والآخر مشرك كافر وجاهل ظالم وكاذب مفسد ، ثم قدر أن ذلك المؤمن
عوقب في الدنيا والآخرة ، فأذل في الدنيا وقهر وأهلك ثم جعل في الآخرة في قعر جهنم
خالداً مخلداً أبد الآبدين معذباً في النار وذلك الكافر الظالم أكرم في الدنيا
والآخرة وجعل في الفردوس الأعلى أبد الآبدين!!!" كان هذا غاية العدل والرحمة
عندهم!! ، وأن ذات العبد محل لفعل الله فحسب فليس العبد هو الفاعل حقيقة ولا
لقدرته تأثير في فعله بل هو مجرد محل !! ، وان الإيمان مجرد تصديق القلب ومعرفته!!
الخ الخ وهذا كله من اعتقاداتهم المعروفة التي عليها جمهورهم والتي هي أمور مشهورة
في المذهب فليست هي هفوة من أحدهم كهفوة الجويني في علم الله !! أو هفوة الغزالي
في قدرة الله !! أو هفوة الرازي في إرادة الله !!ونحو هذا ، ، والقاصمة بدعة
الرازي أن الأدلة اللفظية--الكتاب والسنة-- لا تفيد اليقين إلا بشروط يستحيل
تحققها!!! والتي تابعها عليه الكثير منهم ، الخ الخ من هذه العقائد المخالفة صريح
الكتاب والسنة وتنبذها الفطر السليمة بالمرة .
فهل
قال ابن كثير قط بهذه الأباطيل؟؟؟
وهل رأيته يوماً في تفسيره أو غيره من المصنفات قد احتج بالجوهر والعرض والجسم
والإمكان والعلة والخلاء إلخ خرابيط المتكلمين التي يسمونها قواطع عقلية وهي هلاوس
بدعية لا أكثر ولا أقل؟
وهل قرأت له يوماً أن العقل يقدم على النقل عند التعارض وأن ظواهر نصوص الصفات ضلال
وكفر تنفيها القواطع العقلية-يقصدون الهلاوس-؟
هل رأيته في مصنفاته أعرض عن توحيد الألوهية والعبادة وأنفق الصفحات في نقل الإشكالات
الكثيرة والإيرادات الطويلة في إثبات وجود خالق واحد للعالم والذي يعلمه عامة
الناس بضرورة الفطرة ؟؟
وقد ذكر في كتبه كثيراً من كتب السنة والعقيدة السلفية ، فهل قال أنها كتب وثنية
وتجسيم؟ أم أثنى عليها وعلى عقيدة مصنفيها؟
وقد وقع في عصره أعظم المنازعات بين أهل السنة والأشعرية فما كان موقفه آنذاك؟ ومع من
كان مع الأشعرية أم أهل السنة.؟
هذه الأسئلة إن أجبنا عليها بإنصاف عرفنا أن دعوى أشعرية ابن كثير دعوى باطلة وغير
صحيحة ألبته.
فهذا الحافظ الأثري من أبعد الناس عن كلامياتهم وخبطهم وخرابيطهم وله حرص كبير على
تقرير توحيد الألوهية وفي تفسيره لا يكاد يترك فرصة إلا ويذكر بتوحيد الألوهية
فتراه يقول في تفسير فوله تعالى:
{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} .
((يقول تعالى مقررا أنه لا إله إلا هو؛ لأن المشركين -الذين يعبدون معه غيره -معترفون أنه
المستقل بخلق السموات والأرض والشمس والقمر، وتسخير الليل والنهار، وأنه الخالق
الرازق لعباده، ومقدر آجالهم..، فذكر أنه المستبدُّ بخلق الأشياء المتفرد
بتدبيرها، فإذا كان الأمر كذلك فلم يُعبد غيره؟ ولم يتوكل على غيره؟ فكما أنه
الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته، وكثيرًا ما يقرر تعالى مقام الإلهية
بالاعتراف بتوحيد الربوبية. وقد كان المشركون يعترفون بذلك، كما كانوا يقولون في
تلبيتهم: "لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك".))
وقال في تفسير قوله: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ }:
((هذا المقام في إثبات الربوبية وتوحيد الألوهية، فقال تعالى: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ
غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ } أي: أوجدوا من غير موجد؟ أم هم أوجدوا
أنفسهم؟ أي: لا هذا ولا هذا، بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئا
مذكورا.))إلخ وقال في موضع آخر: ((يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته
وربوبيته على وحدانية الإلهية)).
ويقول: ((يقرر تعالى وحدانيته، واستقلاله بالخلق والتصرف والملك، ليرشد إلى أنه الذي لا
إله إلا هو، ولا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له؛ ولهذا قال لرسوله محمد صلى
الله عليه وسلم أن يقول للمشركين العابدين معه غيره، المعترفين له بالربوبية، وأنه
لا شريك له فيها، ومع هذا فقد أشركوا معه في الإلهية، فعبدوا غيره معه، مع
اعترافهم أن الذين عبدوهم لا يخلقون شيئًا، ولا يملكون شيئًا، ولا يستبدّون بشيء،
بل اعتقدوا أنهم يقربونهم إليه زلفى: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا
إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [الزمر: 3]))
وليس الأمر مقتصراً على تفسيره بل تجده حتى في تأريخه يذكر هذا الأمر العظيم الذي هو
أصل الأصول وغاية المأمول قال في البداية والنهاية-عن طريق الشاملة- : ((وتقدم في
الحديث: " نحن معشر الانبياء أولاد علات ديننا واحد وأمهاتنا شتى " والمعنى
أن شرائعهم وإن اختلفت في الفروع، ونسخ بعضها بعضا حتى انتهى الجميع إلى ما شرع
الله لمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين إلا أن كل نبي بعثه الله فإنما دينه
الاسلام، وهو التوحيد أن يعبد الله وحده لا شريك له كما قال الله تعالى: (وما
أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [ الانبياء: 25
] وقال تعالى: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة
يعبدون) [ الزخرف: 45 ] وقال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله
واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة) الآية [ النحل: 36
]...والمقصود أن الشرائع وإن تنوعت في أوقاتها إلا أن الجميع آمرة بعبادة الله
وحده، لا شريك له وهو دين الاسلام الذي شرعه الله لجميع الانبياء، ..فدين الاسلام
هو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو الإخلاص له وحده دون ما سواه))إلخ
وكيف لا يكون كذلك وهو رحمه الله صاحب تلخيص كتاب الاستغاثة لشيخه ابن تيميه ينظر مقدمة
الاستغاثة ص85-90 ، فالحاصل أنك لا تجد في تفسيره أو غيره أنه قد احتج بالجوهر
والعرض والجسم والإمكان والعلة والخلاء إلخ خرابيط المتكلمين ولا قال بأن العقل
يقدم على النقل عند التعارض وأن ظواهر نصوص الصفات ضلال وكفر ولا أنفق الصفحات في
نقل الإشكالات الكثيرة والإيرادات الطويلة في إثبات وجود خالق واحد للعالم وأهمل
الألوهية بل على النقيض كما نقلنا ، ولم نجده قد قال بأباطيلهم المشهورة التي
ذكرناها آنفاً كقولهم لا داخل ولا خارج والكلام نفسي والقرآن العربي مخلوق إلخ.
أما موقفه من كتب السنة والسلف فتبين سلفيته بوضوح :وتأمل-على سبيل المثال- قوله في
ترجمة ابن أبي عاصم حين قال: ((أبو بكر بن أبي عاصم صاحب السنة والمصنفات وهو: أحمد
بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك ابن النبيل، له مصنفات في الحديث كثيرة، منها كتاب
السنة في أحاديث الصفات على طريق السلف))
كتاب السنة هذا الذي هو عند الأشاعرة كتاب حشو وتجسيم ووثنية والذي أثبت فيه هذا الإمام
السلفي العلو والصفات بما يصنفه الأشعري المبتدع في خانة"التجسيم!"
وقال فيه على سبيل المثال ((باب ما ذكر أن الله تعالى في سمائه دون أرضه)) ج1/342 وقال
في1/352: ((وأخبار النزول دالة على أنه في السماء دون الأرض))
وقال ج1/358 : ((باب ذكر الكلام والصوت والشخص وغير ذلك))
وتأمل حمده لله رب العالمين على أن وقع له سماع مصنفي الإمام حافظ المشرق عدو الجهمية
والمعطلة المريسية عثمان بن سعيد الدارمي –النقض والرد-كما ذكر ذلك في ترجمته في
طبقات الشافعية حين ذكر قول شيخه الذهبي: ((وللدارمي كتاب في الرد على الجهمية
سمعناه وكتاب في الرد على بشر المريسي سمعناه ، قلت-القائل ابن كثير-: ووقع لي
سماعهما أيضاً ولله الحمد والمنة)) فتأمل لو وقع لأشعري سماعهما هل سيقول ما قاله ابن
كثير أم سيقع مصعوقاً من طحن الدارمي لمذهبه ؟؟
وتأمل قوله في بدء ترجمة الإمام أنه ((محدث هراة أحد الحفاظ والأعلام ..)) ونقل الكثير
في الثناء عليه وعلى موقفه من المبتدعة هذا مع وقوفه على الكتابين وما فيهما مما
يسمونه المعطلة تجسيم وحلول حوادث إلخ.
وهو -كشيخه الذهبي- كثيراً ما ينتهز الفرصة في تراجمه للأئمة فيُذكر بعقيدة المترجم له
السلفية أو ينقل كلامه أو يبين توبة الأشعري أو حيرته ينظر ذلك على سبيل المثال في
ترجمة شيخ الإسلام الصابوني الشافعي طبقاته ج1/352 وترجمة شيخ الشافعية في العراق
محمد بن أحمد الترمذي ج 1/176وترجمة مجدد القرن الثالث أحد عظماء الشافعية الإمام
ابن سريج ج1/185 ، وترجمة الحافظ ابن العطار الهمذاني -في البداية والنهاية- صاحب "فتيا
وجوابها في ذكر الاعتقاد" -وفيها إثبات العلو وذم الكلام- وقال عنه أنه (صحيح
الاعتقاد) وينظر ترجمة الكرجي الحافظ حيث قال: ((وله مصنفات كثيرة منها الفصول في
أعتقاد الائمة الفحول، يذكر فيه مذاهب السلف في باب الاعتقاد، ويحكي فيه أشياء
غريبة حسنة)) وغير هؤلاء كثير ، وفي الجهة الأخرى ينظر ترجمة الجويني ج2/49-50
والرازي ج2/258-260 والغزالي في ج2/99 من الطبقات وقال فيها: ((ولما كان الغزالي
رحمه الله قد أوغل في علم الكلام –وفي نسخة علوم كثيرة-وصنف في كثير منها واشتهرت
، فصار من نظر في شيء منها يعتقد أنه كان يقول بذلك ، وإنما قاله –والله أعلم- أثراً
لا معتقداً ، وقد رجع عن ذلك كله في آخر عمره إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم
والاشتغال بصحيح البخاري..وقد كثر القيل والقال في مصنفاته والاستدراك عليها..ثم
نقل من رد عليه))إلخ
الكامنة " ( 1/60 )
[أنه وقع بين ابن كثير وبرهان الدين ابن الإمام ابن القيم منازعة في
التدريس ، فقال له ابن كثير : أنت تكرهني ، لأنني أشعري ، فقال له : لو كان من
رأسك إلى قدمك شعر ما صدقك الناس في قولك : إنك أشعري ، وشيخك ابن تيمية رحمه الله]
والجواب أن يقال:
أولاً: يقال اثبت العرش ثم انقش وهذا الكلام لا يثبت فقول ابن حجر ((من نوادره ))إلخ بلاغ
غير متصل فلا يثبت عنه
ثانياً: هب أننا سلمنا بصحة العبارة فهي لا تنفعهم، فالخصوم -بل عامة العقلاء- على التسليم
بأنه لو قال شخص -على سبيل المثال-أنا "سني" ورددها مراراً وكتبها في
كتبه ونشرها بين الناس وهو مع ذلك يكفر الخلفاء الثلاثة رضي الله عنهم ويقول بنفي
الصفات كلها وينفي الرؤية والعلو ونحو هذا ، لم يفده هذا الزعم شيئا ، لماذا؟ لأن
مذهب أهل السنة له قواعد وأصول معروفة ومسائل مشهورة فليس الأمر مجرد لفظة تقال ! ولو
قالها مبتدع لفظاً ونقضها قولاً وعملا لم يفده هذا الزعم الكاذب شيئا!
الآن إن فهمنا هذا فللنظر في مسألتنا ولنجب على هذه الأسئلة بإنصاف:
هل قرر ابن كثير رحمه الله قط في كتبه ما يقرره الأشاعرة في عقائدهم المطولة
والمختصرة من أن الله ليس فوق العرش ولا تحته ولا فوق السموات ولا داخل العالم ولا
خارجه لا متصل ولا منفصل ، لا يقرب منه شيء ولا ترفع إليه الأيدي ولا تتوجه له
القلوب بالعلو كما فطرها الله عز وجل ، وأن القرآن العربي مخلوق -عند التعليم فقط!-
ولا يكلم ولا يتكلم ولا نادى ولا ينادي بل ولا يقوم به فعل البتة بل ما يضاف إليه
جل وعلا من ذلك فإنما يعود معناه إلى أمر مخلوق منفصل عنه !! ، وأن صفاته سبعة أو
ثمانية والبقية تتأول أو تفوض نصوصها !! ، وأن الله قد يفعل لا لحكمة ، وأنه يجوز
أن يفعل كل مقدور لا ينزهونه عن شيء منه ، فلو قدر رجلان "أحدهما مؤمن عالم
عادل وصالح مصلح ، والآخر مشرك كافر وجاهل ظالم وكاذب مفسد ، ثم قدر أن ذلك المؤمن
عوقب في الدنيا والآخرة ، فأذل في الدنيا وقهر وأهلك ثم جعل في الآخرة في قعر جهنم
خالداً مخلداً أبد الآبدين معذباً في النار وذلك الكافر الظالم أكرم في الدنيا
والآخرة وجعل في الفردوس الأعلى أبد الآبدين!!!" كان هذا غاية العدل والرحمة
عندهم!! ، وأن ذات العبد محل لفعل الله فحسب فليس العبد هو الفاعل حقيقة ولا
لقدرته تأثير في فعله بل هو مجرد محل !! ، وان الإيمان مجرد تصديق القلب ومعرفته!!
الخ الخ وهذا كله من اعتقاداتهم المعروفة التي عليها جمهورهم والتي هي أمور مشهورة
في المذهب فليست هي هفوة من أحدهم كهفوة الجويني في علم الله !! أو هفوة الغزالي
في قدرة الله !! أو هفوة الرازي في إرادة الله !!ونحو هذا ، ، والقاصمة بدعة
الرازي أن الأدلة اللفظية--الكتاب والسنة-- لا تفيد اليقين إلا بشروط يستحيل
تحققها!!! والتي تابعها عليه الكثير منهم ، الخ الخ من هذه العقائد المخالفة صريح
الكتاب والسنة وتنبذها الفطر السليمة بالمرة .
فهل
قال ابن كثير قط بهذه الأباطيل؟؟؟
وهل رأيته يوماً في تفسيره أو غيره من المصنفات قد احتج بالجوهر والعرض والجسم
والإمكان والعلة والخلاء إلخ خرابيط المتكلمين التي يسمونها قواطع عقلية وهي هلاوس
بدعية لا أكثر ولا أقل؟
وهل قرأت له يوماً أن العقل يقدم على النقل عند التعارض وأن ظواهر نصوص الصفات ضلال
وكفر تنفيها القواطع العقلية-يقصدون الهلاوس-؟
هل رأيته في مصنفاته أعرض عن توحيد الألوهية والعبادة وأنفق الصفحات في نقل الإشكالات
الكثيرة والإيرادات الطويلة في إثبات وجود خالق واحد للعالم والذي يعلمه عامة
الناس بضرورة الفطرة ؟؟
وقد ذكر في كتبه كثيراً من كتب السنة والعقيدة السلفية ، فهل قال أنها كتب وثنية
وتجسيم؟ أم أثنى عليها وعلى عقيدة مصنفيها؟
وقد وقع في عصره أعظم المنازعات بين أهل السنة والأشعرية فما كان موقفه آنذاك؟ ومع من
كان مع الأشعرية أم أهل السنة.؟
هذه الأسئلة إن أجبنا عليها بإنصاف عرفنا أن دعوى أشعرية ابن كثير دعوى باطلة وغير
صحيحة ألبته.
فهذا الحافظ الأثري من أبعد الناس عن كلامياتهم وخبطهم وخرابيطهم وله حرص كبير على
تقرير توحيد الألوهية وفي تفسيره لا يكاد يترك فرصة إلا ويذكر بتوحيد الألوهية
فتراه يقول في تفسير فوله تعالى:
{ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ
لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} .
((يقول تعالى مقررا أنه لا إله إلا هو؛ لأن المشركين -الذين يعبدون معه غيره -معترفون أنه
المستقل بخلق السموات والأرض والشمس والقمر، وتسخير الليل والنهار، وأنه الخالق
الرازق لعباده، ومقدر آجالهم..، فذكر أنه المستبدُّ بخلق الأشياء المتفرد
بتدبيرها، فإذا كان الأمر كذلك فلم يُعبد غيره؟ ولم يتوكل على غيره؟ فكما أنه
الواحد في ملكه فليكن الواحد في عبادته، وكثيرًا ما يقرر تعالى مقام الإلهية
بالاعتراف بتوحيد الربوبية. وقد كان المشركون يعترفون بذلك، كما كانوا يقولون في
تلبيتهم: "لبيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك".))
وقال في تفسير قوله: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ }:
((هذا المقام في إثبات الربوبية وتوحيد الألوهية، فقال تعالى: { أَمْ خُلِقُوا مِنْ
غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ } أي: أوجدوا من غير موجد؟ أم هم أوجدوا
أنفسهم؟ أي: لا هذا ولا هذا، بل الله هو الذي خلقهم وأنشأهم بعد أن لم يكونوا شيئا
مذكورا.))إلخ وقال في موضع آخر: ((يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته
وربوبيته على وحدانية الإلهية)).
ويقول: ((يقرر تعالى وحدانيته، واستقلاله بالخلق والتصرف والملك، ليرشد إلى أنه الذي لا
إله إلا هو، ولا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له؛ ولهذا قال لرسوله محمد صلى
الله عليه وسلم أن يقول للمشركين العابدين معه غيره، المعترفين له بالربوبية، وأنه
لا شريك له فيها، ومع هذا فقد أشركوا معه في الإلهية، فعبدوا غيره معه، مع
اعترافهم أن الذين عبدوهم لا يخلقون شيئًا، ولا يملكون شيئًا، ولا يستبدّون بشيء،
بل اعتقدوا أنهم يقربونهم إليه زلفى: { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا
إِلَى اللَّهِ زُلْفَى } [الزمر: 3]))
وليس الأمر مقتصراً على تفسيره بل تجده حتى في تأريخه يذكر هذا الأمر العظيم الذي هو
أصل الأصول وغاية المأمول قال في البداية والنهاية-عن طريق الشاملة- : ((وتقدم في
الحديث: " نحن معشر الانبياء أولاد علات ديننا واحد وأمهاتنا شتى " والمعنى
أن شرائعهم وإن اختلفت في الفروع، ونسخ بعضها بعضا حتى انتهى الجميع إلى ما شرع
الله لمحمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين إلا أن كل نبي بعثه الله فإنما دينه
الاسلام، وهو التوحيد أن يعبد الله وحده لا شريك له كما قال الله تعالى: (وما
أرسلنا من قبلك من رسول إلا يوحى إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) [ الانبياء: 25
] وقال تعالى: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة
يعبدون) [ الزخرف: 45 ] وقال تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله
واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة) الآية [ النحل: 36
]...والمقصود أن الشرائع وإن تنوعت في أوقاتها إلا أن الجميع آمرة بعبادة الله
وحده، لا شريك له وهو دين الاسلام الذي شرعه الله لجميع الانبياء، ..فدين الاسلام
هو عبادة الله وحده لا شريك له، وهو الإخلاص له وحده دون ما سواه))إلخ
وكيف لا يكون كذلك وهو رحمه الله صاحب تلخيص كتاب الاستغاثة لشيخه ابن تيميه ينظر مقدمة
الاستغاثة ص85-90 ، فالحاصل أنك لا تجد في تفسيره أو غيره أنه قد احتج بالجوهر
والعرض والجسم والإمكان والعلة والخلاء إلخ خرابيط المتكلمين ولا قال بأن العقل
يقدم على النقل عند التعارض وأن ظواهر نصوص الصفات ضلال وكفر ولا أنفق الصفحات في
نقل الإشكالات الكثيرة والإيرادات الطويلة في إثبات وجود خالق واحد للعالم وأهمل
الألوهية بل على النقيض كما نقلنا ، ولم نجده قد قال بأباطيلهم المشهورة التي
ذكرناها آنفاً كقولهم لا داخل ولا خارج والكلام نفسي والقرآن العربي مخلوق إلخ.
أما موقفه من كتب السنة والسلف فتبين سلفيته بوضوح :وتأمل-على سبيل المثال- قوله في
ترجمة ابن أبي عاصم حين قال: ((أبو بكر بن أبي عاصم صاحب السنة والمصنفات وهو: أحمد
بن عمرو بن أبي عاصم الضحاك ابن النبيل، له مصنفات في الحديث كثيرة، منها كتاب
السنة في أحاديث الصفات على طريق السلف))
كتاب السنة هذا الذي هو عند الأشاعرة كتاب حشو وتجسيم ووثنية والذي أثبت فيه هذا الإمام
السلفي العلو والصفات بما يصنفه الأشعري المبتدع في خانة"التجسيم!"
وقال فيه على سبيل المثال ((باب ما ذكر أن الله تعالى في سمائه دون أرضه)) ج1/342 وقال
في1/352: ((وأخبار النزول دالة على أنه في السماء دون الأرض))
وقال ج1/358 : ((باب ذكر الكلام والصوت والشخص وغير ذلك))
وتأمل حمده لله رب العالمين على أن وقع له سماع مصنفي الإمام حافظ المشرق عدو الجهمية
والمعطلة المريسية عثمان بن سعيد الدارمي –النقض والرد-كما ذكر ذلك في ترجمته في
طبقات الشافعية حين ذكر قول شيخه الذهبي: ((وللدارمي كتاب في الرد على الجهمية
سمعناه وكتاب في الرد على بشر المريسي سمعناه ، قلت-القائل ابن كثير-: ووقع لي
سماعهما أيضاً ولله الحمد والمنة)) فتأمل لو وقع لأشعري سماعهما هل سيقول ما قاله ابن
كثير أم سيقع مصعوقاً من طحن الدارمي لمذهبه ؟؟
وتأمل قوله في بدء ترجمة الإمام أنه ((محدث هراة أحد الحفاظ والأعلام ..)) ونقل الكثير
في الثناء عليه وعلى موقفه من المبتدعة هذا مع وقوفه على الكتابين وما فيهما مما
يسمونه المعطلة تجسيم وحلول حوادث إلخ.
وهو -كشيخه الذهبي- كثيراً ما ينتهز الفرصة في تراجمه للأئمة فيُذكر بعقيدة المترجم له
السلفية أو ينقل كلامه أو يبين توبة الأشعري أو حيرته ينظر ذلك على سبيل المثال في
ترجمة شيخ الإسلام الصابوني الشافعي طبقاته ج1/352 وترجمة شيخ الشافعية في العراق
محمد بن أحمد الترمذي ج 1/176وترجمة مجدد القرن الثالث أحد عظماء الشافعية الإمام
ابن سريج ج1/185 ، وترجمة الحافظ ابن العطار الهمذاني -في البداية والنهاية- صاحب "فتيا
وجوابها في ذكر الاعتقاد" -وفيها إثبات العلو وذم الكلام- وقال عنه أنه (صحيح
الاعتقاد) وينظر ترجمة الكرجي الحافظ حيث قال: ((وله مصنفات كثيرة منها الفصول في
أعتقاد الائمة الفحول، يذكر فيه مذاهب السلف في باب الاعتقاد، ويحكي فيه أشياء
غريبة حسنة)) وغير هؤلاء كثير ، وفي الجهة الأخرى ينظر ترجمة الجويني ج2/49-50
والرازي ج2/258-260 والغزالي في ج2/99 من الطبقات وقال فيها: ((ولما كان الغزالي
رحمه الله قد أوغل في علم الكلام –وفي نسخة علوم كثيرة-وصنف في كثير منها واشتهرت
، فصار من نظر في شيء منها يعتقد أنه كان يقول بذلك ، وإنما قاله –والله أعلم- أثراً
لا معتقداً ، وقد رجع عن ذلك كله في آخر عمره إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم
والاشتغال بصحيح البخاري..وقد كثر القيل والقال في مصنفاته والاستدراك عليها..ثم
نقل من رد عليه))إلخ
عدل سابقا من قبل أبو عبد الله أحمد بن نبيل في 23.10.08 20:14 عدل 1 مرات