حكم إمامة المرأة للرجال في الصلاة
بحث شرعي مبسط
بقلم:
د. هاني السباعي
(مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية )
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد:
هذا بحث شرعي مبسط أقدمه لإخواننا طلبة العلم المبتدئين، ولكل من يهمه أمر المسلمين.
نسأل الله أن يستخدمنا لنصرة دينه. وقد سرت في هذا البحث المتواضع على النحو التالي:
أولاً: تقدمة.
ثانياً: هل صلاة الجمعة واجبة في الأصل على المرأة؟
ثالثاً: أدلة القائلين بإمامة المرأة للرجال في الصلاة.
رابعاً: أدلة القائلين بعدم جواز إمامة المرأة للرجال في الصلاة.
خامساً: نتف من أقوال علماء المذاهب الإسلامية.
صفوة القول.
تقدمة:
أستهل كلامي بحكاية ذكرها العلامة الونشريسي المتوفى سنة 914هـ في كتابه الماتع والموسوعي (المعيار المعرب) في الفرق بين علم القضاء وفقه القضاء وعلم الفتيا وفقه الفتيا:
"ومن هذا المعنى ما ذكره ابن الرقيق أن أمير إفريقية استفتى أسد بن الفرات في دخول الحمام مع جواريه دون ساتر له ولهن، فأفتاه بالجواز لأنهن ملكه، فأجاب ابن محرز بمنع ذلك وقال له: إن جاز نظرهن كذلك، ونظرهن إليك كذلك، لم يجز نظر بعضهن بعضاً، فأغفل أسد النظر في هذه الصورة الجزئية فلم يعتبر حالتهن فيما بينهن، واعتبره ابن محرز"[1]
أقول: الشاهد من هذه القصة أن هناك فرقاً بين كون الشخص عالماً بالشئ، وبين كونه فقيهاً فيه، وهو الفرق نفسه بين العلم بالفتيا والفقه بالفتيا؛
فقد يكون الشخص عالماً بالأحكام الكلية للفتيا أو القضاء، لكنه ليس فقيهاً في الفتيا أو القضاء إذ أن الفقه في الفتيا أو القضاء هو العلم بالأحكام مع تنزيلها على النوازل وواقعات الدعوى وهو ما أراد أن يؤكد عليه الونشريسي إذ يقول:
"إنما الغرابة في استعمال كليات الفقه وانطباقها على جزئيات الوقائع بين الناس، وهو عسير على كثير من الناس، فتجد الرجل يحفظ كثيراً من الفقه ويفهمه ويعلمه غيره، فإذا سئل عن واقعة لبعض العوام من مسائل الصلاة أو مسألة من الأعيان لا يحسن الجواب، بل ولا يفهم مراد السائل عنها إلا بعد عسر"[2]
لعل ما ذكره الونشريسي ينطبق على حالة الذين أفتوا تلكم المرأة (أمينة ودود) الأمريكية بجواز إمامتها للصلاة بسبب تمسكهم بشبهة تصيدوها من أحكام وأقوال مبثوثة في كتب الفقه فأفتوا لهذه المرأة أو هي أفتت لنفسها ولمن يحركها من أعداء الإسلام فصارت عالمة حسب مقاييسهم!
لكنهم عندما أنزلوا الحكم على الواقع (إمامة المرأة لصلاة الجمعة) ضلوا ولم يفهموا مراد الحديث النبوي ولم يأخذوا في الاعتبار مواضيع أخرى متصلة بالصلاة مثل قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم)[3]، وقوله تعالى (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن)[4]،
وقوله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه:
(« يَا عَلِىُّ لاَ تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فَإِنَّ لَكَ الأُولَى وَلَيْسَتْ لَكَ الآخِرَةُ"[5]
وحيث جرير بن عبد الله رضي الله عنه: "قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِى أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِى"[6]
وأحاديث أخرى كان ينبغي لمن أفتى بجواز إمامة المرأة للرجال في الصلاة أن يضمها إلى سائر الأدلة لكي يكون عالماً بفقه الفتوى التي أشار إليها صاحب المعيار المعرب.
ثانياً: هل صلاة الجمعة واجبة على المرأة:
قال ابن القيم في خصائص يوم الجمعة: "الخاصة الثالثة: صلاة الجمعة التي هي من آكد فروض الإسلام، ومن أعظم مجامع المسلمين، وهي أعظم من كل مجمع يجتمعون فيه وأفرضه سوى مجمع عرفة، ومن تركها تهاوناً بها، طبع الله على قلبه، وقُربُ أهل الجنة يوم القيامة، وسبقهم إلى الزيارة يوم المزيد قربهم من الإمام يوم الجمعة وتبكيرهم"[7]
أقول: أما من أداها استخفافاً واستهزاءً بهذه الشعيرة العظيمة كما فعلت وتفعل هذه المرأة الأمريكية (أمينة ودود) ومثيلاتها ومن يؤيدها ومن يكثر سوادها ويذب عنها فإنهم جميعاً على شفا هلكة ونحسب أن آية براءة قد شملتهم (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون. لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم)[8]
استدل القائلون بعدم وجوب الجمعة على المرأة:
بحديث قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِى جَمَاعَةٍ إِلاَّ أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوِ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِىٌّ أَوْ مَرِيضٌ". قَالَ أَبُو دَاوُدَ طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ قَدْ رَأَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا"[9]
وكما هو معلوم فإرسال الصحابي حجة عند جمهور العلماء وقد استشهد الزيلعي بقول النووي في الخلاصة: "وهذا غير قادح في صحته، فإنه يكون مرسل صحابي، وهو حجة ، والحديث على شرط الصحيحين"[10] وحكم الألباني عليه بالصحة في صحيح الجامع.[11]
قال الصنعاني: "والمرأة وهو مجمع على عدم وجوبها عليها"[12]
وقال الشوكاني في تعليقه على الحديث المذكور:
"فيه عدم وجوب الجمعة على النساء، أما غير العجائز (يقصد الشابة) فلا خلاف في ذلك، وأما العجائز فقال الشافعي: يستحب لهن حضورها"[13]
وقال في بداية المبتدي: "ولا تجب الجمعة على مسافر، ولا امرأة، ولا مريض، ولا عبد، ولا أعمى"[14]
وقال ابن العربي في شروط صلاة الجمعة: "العقل، والذكورية، والبلوغ، والقدرة، والإقامة، والقرية"[15]
قال الخرقي: "ولا جمعة على مسافر ولا عبد ولا امرأة"[16]
قالب الغزالي فيمن تلزمه الجمعة: "ولا تلزم إلا على مكلف، حر، ذكر، مقيم، صحيح؛ فالعاري من هذه الصفات لا يلزم فإن حضر لم يتم العدد به سوى المريض"[17]
قال ابن قدامة: "وأما المرأة فلا خلاف في أنها لا جمعة عليها قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن لا جمعة على النساء ولأن المرأة ليست من أهل الحضور في مجامع الرجال ولذلك لا تجب عليها جماعة"[18]
وقال ابن حزم في مراتب الإجماع: "واتفقوا أن المرأة لا تؤم الرجال. وهم يعلمون أنها امرأة فإن فعلوا فصلاتهم فاسدة بإجماع"[19]
وفي فتاوى مشيخة الأزهر سئل الشيخ عطية صقر: " تذهب بعض النساء لصلاة الجمعة فى المسجد ، فهل صلاتها واجبة عليها بحيث لو لم تصلها تعاقب عليها ؟
أجاب: "صلاة الجمعة غير واجبة على المرأة ، وذلك للحديث الذى رواه أبو داود والحاكم ، وصححه غير واحد " الجمعة حق واجب على كل مسلم فى جماعة ، إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبى أو مريض (ولحديث أم عطية الذي أخرجه ابن خزيمة: نهينا عن اتباع الجنائز، ولا جمعة علينا.) لكن مع ذلك لو صلت الجمعة صحت وأغنتها عن صلاة الظهر باتفاق الفقهاء ، وهل يستحب لها صلاتها ؟ قال الأحناف: الأفضل لها أن تصلى فى بيتها ظهرا، لمنعها عن الجمعة، سواء أكانت عجوزًا أم غيرها، وقال المالكية: إن كانت عجوزًا لا أرب للرجال فيها جاز حضورها الجمعة، وإن كان فيها أرب كره حضورها، أما الشابة فإن خيف من حضورها الفتنة حرم عليها الحضور، وإلا كره. وقال الحنابلة: يباح لها الحضور لصلاة الجمعة إن كانت غير حسناء، فإن كانت حسناء كره. وقال الشافعية: يكره للمرأة حضور الجماعة إن كانت مشتهاة ولو فى ثياب بالية، وكذا غير المشتهاة إن تزينت أو تطيبت. وكل ذلك إذا أذن لها وليها بالحضور، وإلا حرم عليها حضور الجماعة كما يحرم حضورها إذا خيفت الفتنة "[20]
وفي فقه الإمامية: قال الحلي فيمن يجب عليه صلاة الجمعة: "ويراعى فيه شروط سبعة: التكليف، والذكورة والحرية، والحضر، والسلامة من العمى والمرض والعرج..."[21]
قال الطوسي في النهاية تحت عنوان باب الجمعة وأحكامها: "وتسقط عن تسعة نفر: الشيخ الكبير، والطفل الصغير، والمرأة..."[22]
ثالثاً: أدلة من يرى إمامة المرأة للرجال في الصلاة:
استند القائلون بهذا الرأي بالأدلة التالية:
(1): الدليل الأول:
حديث أم ورقة الأنصارية رضي الله عنها:
"عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ بِنْتِ نَوْفَلٍ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا غَزَا بَدْرًا قَالَتْ قُلْتُ لَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِى فِى الْغَزْوِ مَعَكَ أُمَرِّضُ مَرْضَاكُمْ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَرْزُقَنِى شَهَادَةً. قَالَ (قِرِّى فِى بَيْتِكِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُكِ الشَّهَادَةَ).
قَالَ فَكَانَتْ تُسَمَّى الشَّهِيدَةَ. قَالَ وَكَانَتْ قَدْ قَرَأَتِ الْقُرْآنَ فَاسْتَأْذَنَتِ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ تَتَّخِذَ فِى دَارِهَا مُؤَذِّنًا فَأَذِنَ لَهَا قَالَ وَكَانَتْ دَبَّرَتْ غُلاَمًا لَهَا وَجَارِيَةً فَقَامَا إِلَيْهَا بِاللَّيْلِ فَغَمَّاهَا بِقَطِيفَةٍ لَهَا حَتَّى مَاتَتْ وَذَهَبَا فَأَصْبَحَ عُمَرُ فَقَامَ فِى النَّاسِ فَقَالَ مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِنْ هَذَيْنِ عِلْمٌ أَوْ مَنْ رَآهُمَا فَلْيَجِئْ بِهِمَا فَأَمَرَ بِهِمَا فَصُلِبَا فَكَانَا أَوَّلَ مَصْلُوبٍ بِالْمَدِينَةِ"[23]
أقول: الحديث حسن ورواه ابن خزيمة أيضاً بسند حسن. وفي رواية أخرى لأبي داود قال راوي الحديث: عبد الرحمن بن خلاد: "فَأَنَا رَأَيْتُ مُؤَذِّنَهَا شَيْخًا كَبِيرًا"[24]
وفي سنن الدراقطني: "حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ جُمَيْعٍ عَنْ أُمِّهِ عَنْ أُمِّ وَرَقَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَذِنَ لَهَا أَنْ يُؤَذَّنَ لَهَا وَيُقَامَ وَتَؤُمَّ نِسَاءَهَا"[25]
نلاحظ أن في هذه الرواية نصاً على (وتؤم نساءها) أي أنها فسرت لنا الرواية الأخرى التي في سنن أبي داود وغيره (وأمرها أن تؤم أهل دارها)[26]
إذن تعلقهم بإمامة هذا الشيخ الكبير الذي أذن لها بأنه صلى وراءها تعلق ضعيف! وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر لها بامرأة تؤذن
لها وهي تردد كلمات شرعية محضة فهل يجيز لها أن تؤم الرجال وهي تجهر بقراءة القرآن؟!. فهذا الحديث لا تنهض به حجة من يقول بإمامة المرأة للرجال لما فيه من الاحتمال طبقاً للقاعدة الأصولية التي اعتمدها متأخروا فقهاء المذاهب الإسلامية (ما تطرق به الاحتمال بطل به الاستدلال).
أما من فسر حديث أم ورقة بجواز إمامتها للرجل في النفل والتراويح دون الفرائض فلا وجه لتخصيصه لما ورد في رواية أخرى (تؤمهم في الفريضة) كما في سنن البيهقي: " وَأَمَرَ أَنْ يُؤَذَّنَ لَهَا وَيُقَامَ وَتَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا فِى الْفَرَائِضِ"[27]
وكما هو معلوم فالأذان لا يكون إلا للفرائض.
أقول: فهذا الحديث هو عمدة ما استند عليه من يقول بإمامة المرأة للنساء والرجال وسبب ذلك أنهم يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم عين لها رجلاً يؤذن لها وكانت تؤمه مع أهل دارها إذن يصح لها أن تؤم الرجال وتخطب الجمعة أيضاً كما ذكر من زينوا للمرأة الأمريكية التي تدعى (أمينة ودود) بجواز إمامتها للرجال في الصلاة وجواز أدائها خطبة الجمعة.
مناقشة هذا الرأي:
نلاحظ أن الحديث لم يذكر لنا أن الرجل كان من أهلها أم لا؟ إذن فلعله من غيرأهلها؟ أو أنه كان يؤذن لها ثم يذهب ليصلي مع الصحابة في المسجد لأنه كان يؤذن لإعلامها بأوقات الصلاة أو أنه كان شيخاً كبيراً مقعداً فكان يصلي وحده بعد أن تنتهي أو يصلي وراءها على رأي من قال إنه كان من أهلها، ولم يكن يحسن قراءة القرآن مثلها فكانت هي أولى بالإمامة لأنها اقرأ منه وهو من محارمها على قول من يرى صحة إمامة المرأة لأهل دارها.
وهو استثناء لا يجوز التوسع فيه لأن الأصل أن الإمامة في الصلاة للرجال للأدلة التي سنذكرها فيما بعد.