قواعد وتنبيهات من أصول فهم المصطلحات وشرحها ووضعها
بسم الله والحمد لله.
هذا بحث فيه جملة من القواعد والتنبيهات في باب فهم وشرح مصطلحات المحدثين؛ أسأل الله أن ينفع بها كاتبها وقارئها؛ وسأقوم إن شاء الله بوضعها على ملف (وورد) بعد نشر بقيتها قريباً، وبعد أن أقرأ – إن شاء الله – ما لعله أن يكون من تعليقات واستدراكات عليها لبعض الأفاضل رجاء انتفاعي بها.
ودونك القواعد والتنبيهات:
*******
1- بيان معنى المصطلح:
الاصطلاح اتفاق القوم قلوا أو كثروا على استعمال لفظ في معنى معين عندهم غير المعنى الذي وضع له في أصل اللغة، وذلك كلفظ الواجب فإنه في أصل اللغة بمعنى الثابت واللازم، وقد اصطلح الفقهاء على وضعه للأمر الذي وعد الشارع فاعله الثوابَ عليه، وأوعد تاركه العقوبة على تركه.
وعرّف الشريف الجرجاني في (التعريفات) (ص16) الاصطلاح بقوله: (إخراج اللفظ من معنى لغوي إلى آخر لمناسبة بينهما. وقيل: الاصطلاح: اتّفاق طائفة على وضع اللفظ بأزاء معنى---).
2- بيان معنى مصطلحات المحدثين:
مصطلحات الحديث هي جميع الكلمات التي استعملها كثير أو قليل من المحدثين بمعنى يخالف معناها عند أهل اللغة مخالفة يسيرة أو كثيرة، قريبة أو بعيدة. ولكن الذي يشرح مصطلحات المحدثين يتطرق أيضاً إلى شرح المصطلحات الموافقة في معناها الاصطلاحي لمعناها اللغوي، لأن الواقف على هذه المصطلحات لا يدري ابتداء هل هي موافقة للغة أو لا؟
وتنقسم مصطلحات المحدثين إلى ثلاثة أقسام:
الأول: مصطلحات الرواية أو مصطلحات الرواة؛ وهي كل ما يرد على ألسنة الرواة من ألفاظ لها معاني مصطلح عليها عند المحدثين؛ وما يلتحق بها.
ومثال مصطلحات الرواة: صيغ الأداء التي يتلفظ بها الراوي عند التحديث؛ وقول الراوي (ثبتني فيه فلان).
الثاني: مصطلحات نقد الرجال، وبيان تواريخهم، وما يلتحق بها.
ومثال هذا القسم قول الناقد (هو ثقة)؛ وقوله (زوَّر أسمعة).
الثالث: مصطلحات التخريج؛ وما يلتحق بها.
ومثال هذا القسم قول المخرج: (هذا حديث شاذ).
وإنما أضفت إلى كل نوع ما يلتحق به، لأنه يحسن بمن أراد أن يجمع هذه الأقسام الثلاثة أن يضيف إليها ما يقاربها ويلتحق بها من المصطلحات والرموز؛ فإنها مما تشتد الحاجة إليها في هذا الفن في كثير من الأوقات.
فيحسن بمن أراد أن يجمع هذه الأقسام الثلاثة أن يضم إليها ما يقاربها ويلتحق بها من المصطلحات والرموز.
أما القسم الأول فيلتحق به كل ما قد يتعلق به من مصطلحات ورموز النساخ والمؤلفين والمحققين والطابعين والوراقين ونحوهم؛ كالجزء والكراس والطاقة والمجلد والطبعة والتحقيق والتعليق والهامش والحاشية واللحق والدارة والتحويق والتصحيح والتضبيب وونحو ذلك، فإنها – أي مصطلحات النسخ والتقييد قديماً، ومصطلحات الطبع والتحقيق والتعليق حديثاً – يظهر عند التأمل أنها أقرب في جنسها إلى مصطلحات الرواة.
وأما القسم الثاني فيلتحق به كل ما قد يتعلق به – أو يدخل فيه – من مصطلحات المؤرخين والنسابين ونحوهم؛ فهي – أي مصطلحات التاريخ والوفَيات والأنساب ونحوها – أقرب في جنسها، عند التأمل، إلى مصطلحات علم الرجال.
وأما القسم الثالث فيلتحق به أسماء أنواع كتب المحدثين كالصحيح والسنن والمصنف والمستدرك والمستخرج والمسلسلات والعوالي والجزء والفوائد والغرائب والأربعين والمشيخة والمعجم ومعجم الشيوخ، وكذلك كل ما قد يتعلق بالتخريج أو يتكرر وروده في كتب التخريج من مصطلحات الأصوليين والفقهاء ونحوهم، كالناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والعام والخاص وغير ذلك.
فائدة: إن ما ذكرته هنا من طريقة التقسيم في حق مصطلحات المحدثين، فهو كذلك في حق قواعدهم؛ وعليه تكون الأقسام ستة، ثلاثة للمصطلحات وقد ذكرتها، ومثلها للقواعد، ومجموع هذه الأقسام الستة هو المراد بعلم المصطلح.
وما أحسن أن يؤلف كتاب في علم المصطلح مرتباً على هذه الفصول الستة فإنها تأتي بمجموعها إن شاء الله على أهم ما في علم المصطلح. بل ويحسن لولا كثرة الخلاف وتشعبه وصعوبة ضبطه أن يجعل كل قسم بابين الباب الأول لما اتفقوا عليه أو اتفق عليه جمهورهم، والثاني لما شذ فيه بعضهم.
3- بيان منزلة مصطلحات المحدثين من علم الحديث:
علم مصطلح الحديث ـ كسائر العلوم ـ ينبني في أصله على مجموعة من القواعد ويُستعمل فيه جملة كبيرة من المصطلحات.
وقواعد كل علم هي لبه وحقيقته وجوهره، وهي المعنى المطلوب لذاته والأصل الأول الذي تنشأ منه كل فروع ذلك العلم وثمراته.
وأما مصطلحاته فإنما وضعت تيسيراً للتعبير، وتحرياً للدقة، واختصاراً للقول؛ وهي – كما هو واضح أصلاً أو مما تقدم – لا تُطلبُ معرفة معانيها لذاتها، وإنما يضطر طالب علم الحديث إلى معرفة معانيها، لأنها دخلت في لغة القوم فدارت على ألسنتهم وتكرر استعمالها في مؤلفاتهم، يدخلونها في تعبيرهم عن قواعدهم الكلية والجزئية وأحكامهم الفرعية ونحو ذلك؛ فمن لم يعرفها لن يعرف قواعدهم بل لن يتمكن من مشاركتهم في علمهم أصلاً؛ وكذلك من عرفها ولكنه لم يتقنها ولم يتمكن منها فإنه يظل فهمه لهذا العلم قاصراً مختلاً ونصيبه من التحقيق فيه ناقصاً معتلاً.
فكما لا يمكن لأحد من الناس فهم مرادات المحدثين في هذه الكتب التي صنفوها بدون معرفة لغتهم الكبرى ـ أعني العربية ـ فكذلك يتعذر على العربي – ولو كان عارفاً باللغة – الفهم – أو الفهم الصحيح – لكثير من مراداتهم ما لم يكن عالماً بمعاني مصطلحاتهم؛ وهي جزء مهم، بل ركن ركين، من لغتهم.
والحاصل أن من أراد أن يطلب علم أصول الحديث لن يستغني – سواء كان يروم التبحر والتخصص أم يريد مجرد الاطلاع وأصل المشاركة – عن معرفة معاني مصطلحات أهل هذا الفن وما تعارفوا عليه من ألفاظهم وعباراتهم.
4- بيان سبب وضع المصطلحات الحديثية:
إن الذي دعا المحدثين إلى وضع المصطلحات الحديثية هو حاجتهم إلى تسهيل بيانهم وتقريب مقاصدهم واختصار تعابيرهم كما فعل غيرهم من أرباب العلوم والفنون الدينية والدنيوية.
5- بيان تاريخ نشأة المصطلحات الحديثية:
بدأت المصطلحات بداية ظاهرة واضحة في عهد التابعين. وكانت في أول أمرها قليلة في عددها ثم لم تزل تلك المصطلحات في تكاثر وازدياد إلى عصر ابن الصلاح، ثم كأنها بعدئذ توقفت بتصنيفه لكتابه المشهور بمقدمة ابن الصلاح. ثم ظهرت منذ بدء عصر الطباعة والنشر والتحقيق مصطلحات جديدة تتعلق بنشر كتب الحديث وتصحيحها والتعليق عليها وخدمتها.
6- بيان كيفية وضع المصطلحات الحديثية:
إن المتقدمين من علماء الحديث عندما وضعوا أي مصطلح من مصطلحاتهم لم يجتمعوا كلهم أو الأئمة منهم في وقت وضع ذلك المصطلح ليتفقوا على معنى واحد محدد له؛ بل كان الامام منهم يضع لنفسه مصطلحاً فيشرحه في كتابه أو في كلامه أو يكرره بطريقة تجعله معلوم المعنى من قرائن السياق وشواهد المقام.
ثم إنهم لم يكونوا في وضع المصطلحات يحرصون على مراعاة طريقة المناطقة - ومن تأثر بهم من المتأخرين - من شدة الالتزام بتقسيم المعاني تقسيماً لا لبس فيه ولا اشتراك ولا تداخل، ثم وضع اسمٍ اصطلاحيٍ خاص بكل قسم ويكون معبراً تعبيراً دقيقاً عن معنى ذلك القسم؛ بل اصطلاحات المتقدمين كانت جارية على السليقة موافقة للفطرة متناسبة مع الواقع، قريبة في معانيها الاصطلاحية من المعاني اللغوية؛ وانظر التنبيه التالي.
7- بيان الفرق في وضع أو شرح الاصطلاحات بين طريقة المناطقة ومن تأثر بهم وبين طريقة أهل الحديث:
أما المناطقة - ومن أثرت طريقته فيهم - فيحرصون في وضع المصطلحات، على أمور مهمة عندهم؛ ولقد تسرب أثر هذا الحرص إلى شرحهم لمصطلحات غيرهم؛ وأولى تلك الأمور بالذكر ما يلي:
الأول: كمال تخصيص أو تقسيم المصطلحات؛ فيحرصون على أن يجعلوا لكل معنى في الفن الذي يتكلمون فيه اسماً يخصه، وأن يجعلوا لكل اسم معنى يخصه، بحيث تكون الألفاظ مفصلة على المعاني وموزعة عليها ومستوعبة لجميعها، بلا تداخل ولا اشتراك ولا إجمال ولا عموم؛ وهذا مطلب لا يوجد إلا في خيال المناطقة وتصوراتهم التي ليس لها في الواقع نظير ولا مثال.
الثاني: توحيد معاني الاصطلاحات؛ أي هم يقولون بتساوي معاني اللفظة الاصطلاحية الواحدة عند جميع أهل ذلك الفن.
الثالث: حمل كثير من الكلمات اللغوية على معاني اصطلاحية.
الرابع: المبالغة في تكثير المصطلحات بلا حاجة، والحرص على تقسيمها تقسيماً منطقياً، ولو بتكلف، وتحديدها، كذلك.
هذه طريقة المناطقة أو هذه غايتهم؛ ولكن مصطلحات المحدثين لم توضع وضعاً منطقياً، أعني لم توضع على طريقة المناطقة، وإنما وضع أكثرها – ولا سيما المصطلحات القديمة منها – وضعاً عفوياً فطرياً؛ استعملوا الألفاظ والتراكيب استعمالاً لغوياً أو استعمالاً قريباً جداً من المعنى اللغوي بحيث يفهم السامع الفطن من أهل ذلك الفن المقصود من ذلك التعبير إما بمجرد سماعه، أو بتكرر استعماله أو بقرائن تحفه؛ وهكذا نشأت مصطلحات المحدثين.
إن تعابير القدماء الاصطلاحية كان فيها من السعة والمرونة ما يجب عند إرادة فهمها أو بيان معانيها: التنبه له وعدم إغفاله، وكان فيها - بسبب ذلك أو غيره - من التداخل الجزئي والاشتراك النسبي ما لا يستقيم إهماله.
نعم، لقد وضعوا اصطلاحات هذا الفن وكان فيها من البساطة والوضوح والسعة وقلة التكلف والقرب من المعنى اللغوي ما لا يخفى؛ ولذلك وقع بين بعضها من التداخل والتقارب أحياناً أو التباين والتباعد أحياناً أخرى ما هو جار بمقتضى السجية وطبيعة اللغة وعرف التخاطب، والسياقات والقرائن تبين المراد وتحدده؛ ولم يكن في ذلك من إشكال قادح في فنهم أو مانع من فهم مقاصدهم لمن سار وراءهم واقتفى آثارهم.
ولكن لما جاء المتأخرون وكان أكبر همهم استعمال اصطلاحات محددة تحديداً كاملاً غير متداخلة فيما بينها لا في قليل منها ولا في كثير غيروا معاني كثير من المصطلحات عند شرحهم إياها وبيانهم لها ووضعوا فيها من الزيادات والنقصان ما يحقق لهم تلك الغاية، وربما وجدوا من ظواهر كلمات بعض القدماء ما تشبثوا به وجعلوه مستنداً لبعض تلك التصرفات الضارة المردودة.
وهؤلاء غفلوا أو تغافلوا عن مسألة خطيرة، وهي أنه ليس من الصحيح أن نحاكم صنيع القدماء واصطلاحاتهم إلى قواعد وضوابط المنطقيين، أو نحملها على حدود وتعريفات المتأخرين، إذا خالفت هذه تلك؛ ثم نقول إنهم – أي المتقدمين – تجوزا أو لم يراعوا الاصطلاح أو نحو ذلك؛ أو نقول: ليكن هذا المصطلح خاصاً بكذا وهذا المصطلح الآخر خاصاً بكذا لتتميز الأنواع وتنضبط القسمة.
بل كان على المتأخرين فهم اصطلاحات أسلافهم والسير وراءهم فيها.
ولكن لما لم يرتض كثير من المتأخرين ذلك أو لم يوفقوا إليه، وصارت لهم في بعض أبواب هذا الفن اصطلاحات تختلف قليلاً أو كثيراً عن اصطلاحات أهل الاصطلاح، أعني المتقدمين من المحدثين، فهنا يقول القائل: لا نشاحكم أيها المتأخرون فيما اصطلحتم عليه ولكن بينوا اصطلاحكم البيان الكامل الوافي وانسبوه لأنفسكم وحدكم لا للقدماء ولا لعامة المحدثين وصرحوا بتلك النسبة ليزول الإيهام الحاصل بإغفالها، وافهموا مصطلحات القدماء واعلموا ما بينها وبين مصطلحاتكم من فرق وتفاوت، وبينوا ذلك لطالبيه؛ وإن كان ذلك لا يكفي أيضاً لأن فيه توعيراً لطريق العلم وتعقيداً لمشكلات الطلب.
وفي الجملة يجب الحذر من انحرافات المتأخرين في فهم اصطلاحات المتقدمين، فإن كثيراً من المتأخرين غلب عليهم التقليد والجمود والتأثر بالنظرة المنطقية الرياضية إلى اصطلاحات العلماء وعباراتهم، ومحاكمة المتقدمين إلى المتأخرين وقياس ألفاظ الأوائل على ألفاظ الأواخر، وتوحيد معاني المصطلحات، فوقع بسبب ذلك من الأوهام والتخليطات فوق ما يظنه غير المتبحر في هذا العلم العظيم. فإنه وإن كانت صناعة التعريفات المنطقية بذاتها ليست جرماً لا يقترب، إلا أن التنطع والتكلف الذي بنيت عليه لا يناسب كثيراً لغة ومقاصد مؤسسي علم النقد الحديثي الذي منَّ الله عليهم بعدم معرفة المنطق وعدم الاقتراب - فضلاً عن الخوض - في الفلسفة.
إذن لا يلزم من تكلم على مصطلحات المحدثين أو ألف فيها أن يتكلف في كلامه وتعريفاته الدقة المعقدة والتعمق البعيد؛ ولا يقبل منه في شرحها كثرة الإيرادات والتدقيقات والمناقشات والمجادلات في الحدود والتعريفات والألفاظ والعبارات، فإن ذلك كان ولم يزل من أضر المسائل على أهل العلم وأقوى الأمور التي وعرت طريق المعرفة على الناس وكان الاشتغال الزائد بذلك كله سبباً في التقصير في تحقيق القواعد وفي استقراء ما يكون سبباً في التوصل إلى العلم النافع الصحيح.
إذن فليس من الصحيح أن تفسر تلك المصطلحات بحسب طريقة المناطقة، ولا حتى بطريقة تراعي منهج المحدثين من جهة ومنهج المناطقة من جهة أخرى؛ كما هو صنيع كثير من المتأخرين.
بل تفسر بحسب ما يظهر أنه يبين مقاصد أهلها؛ أهل المنطق يحرصون على أن تكون اصطلاحاتهم خالية من التداخل والاشتراك وأن يكون لها معنى واحد مستقر ولهم شروط أخرى غير هذه؛ كما تقدم؛ وليس كذلك شأن مصطلحات المحدثين.
قال الدكتور حاتم العوني في (المنهج المقترح) (ص165): (وإذا كانت صناعة المعرِّفات المنطقية أجنبية عن مصطلح الحديث وتباينه في نَسبها (العربي) وسَحْنَتِها (اليسر والبعد عن التكلف) فلن يكون في تسليط معاييرها عليه – في الغالب – إلا جورٌ عليها: بتحجير واسعها، أو توسيع ضيقها. وفي أقل الأحوال: أن تطوِّل الطريق إلى معرفة الصواب، بما أشار إليه شيخ الاسلام من كثرة الاعتراضات على المعرِّفات وتسويد الصفحة والصفحات في ذلك؛ مع أنهم يزعمون أنهم يسعون للتعريف المختصر المحرَّر بالجمع والمنع، وينتقدون التعريف المطول بالشرح والمثل. فلو أنهم كتبوا تعريفاً في نصف صفحة، يقوم بالمقصود، ألم يكن خيراً من تلك الصفحة أو الصفحات من الاعتراضات، التي لا تخرج معها بطائل؟!!
وهذا كله أمر خطير خاصة ما يقع خطأ دون قصد من بعض المصنفين في بعض العلوم كعلم الحديث، بسبب تأثرهم بصناعة المعرِّفات المنطقية: من تضييق الواسع من مدلولات المصطلحات، أو توسيع الضيق منها، كما قلناه آنفاً، لأن ذلك سوف ينعكس بتشويش ذلك العلم الذي يتكون من تلك المصطلحات، تشويشاً قد يؤدي إلى استغلاق فهْمه، أو فهْمه على غير فُهومه، أو ظهور تناقض فيه، أو بانقلاب قواعده وضوابطه، إلى غير ذلك، مما قد يصْعب حله وتجاوزه إلا بإعادة النظر في معاني تلك المصطلحات؛ لكن الأخطر من ذلك كله، والكارثة التي قد تدمر ذلك العلم: فيما لو أصبح ذلك الخطأ في تفسير المصطلحات عَمْداً، وفيما لو صار المصنفون في ذلك العلم يسْعَون إلى تغيير مدلولاتها قصداً، ثم إلى اختراع أسماء جديدة (تضاهي المصطلحات) لمدلولات كانوا قد أخرجوها - هم – من مصطلحات العلم الأصلية! ليُظن بعد ذلك أن تلك الأسماء من مصطلحات ذلك العلم، ولتبعد الشقة – بعدها – أكثر عن فهم تلك المصطلحات على وجهها، وليكون – أخيراً – ذلك العلم المركب من تلك المصطلحات لُغْزاً مستغلِقاً، دون حله خنادق وحصون!!
وهذا ما قد بدأ بالوقوع فعلاً في مصطلحات الحديث!!! وقد بدأ من قرون لكنه لم يزل – بحمد الله – في البداية !!! وهذا هو ما سميته – اصطلاحاً مني – بـ(فكرة تطوير المصطلحات) 000 فأنا أعني بفكرة تطوير المصطلحات: (تغيير معاني المصطلحات عما كانت تعنيه عند أهل الاصطلاح عمداً، لأي عرض يظنه ذاك المغير حسناً).