قول الإمام أحمد ثلاثة لا أصل لها .. للشيخ خالد الحايك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد.
أما بعد:
قول الإمام أحمد: ((ثلاثة لا أصل لها: التفسير والمغازي والملاحم)).
بقلم: أبي صهيب خالد الحايك
الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على نبينا محمد.
أما بعد:
قول الإمام أحمد: ((ثلاثة لا أصل لها: التفسير والمغازي والملاحم)).
بقلم: أبي صهيب خالد الحايك
اشتهر عند العلماء قول الإمام أحمد هذا، فتناقلوه في كتبهم، واحتجوا به، إلا أن بعضهم لم ينقله بصورته الصحيحة، وإنما نقلوه من ذاكرتهم، فنقله الإمام ابن تيميّة في ((مقدمة أصول التفسير)) (ص28)، فقال: "ومعلوم أن المنقول في التفسير أكثرُهُ كالمنقول في المغازي والملاحم؛ ولهذا قال الإمام أحمد: ثلاثةُ أمورٍ ليس لها إسناد: التفسيرُ، والملاحمُ، والمغازي، ويروى: ليس له أصلٌ، أي: إسنادٌ؛ لأن الغالبَ عليها المراسيل، مثل ما يذكره عروة بن الزبير، والشعبي، والزهري، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق، ومَنْ بعدهم، كيحيى بن سعيد الأموي، والوليد بن مسلم، والواقدي ونحوهم في المغازي."
ونقلها الشيخ محمد الذهبي في كتابه ((التفسير والمفسرون))، فقال: "وقد نقل عن الإمام أحمد أنه قال: ثلاثة ليس لها أصل: التفسير والملاحم والمغازي." ثمّ بيّن مراد الإمام أحمد من ذلك، فقال: "ومراده من قوله هذا ـ كما نقل المحققين من أتباعه ـ أن الغالب أنه ليس لها أسانيد صحاح متصلة لا كما استظهره الأستاذ أحمد أمين حيث يقول: "وظاهر هذه الجملة أن الأحاديث التي وردت في التفسير لا أصل لها وليست بصحيحة، والظاهر ـ كما قال بعضهم ـ أنه يريد الأحاديث المرفوعة إلى النبيّ e في التفسير. أما الأحاديث المنقولة عن الصحابة والتابعين فلا وجه لإنكارها، وقد اعترف هو نفسه ببعضها." وحيث يقول: "إنّ بعض العلماء أنكر هذا الباب بتاتاً، أعني أنه أنكر صحة ورود ما يروونه من هذا الباب، فقد روي عن الإمام أحمد أنه قال: ثلاثة ليس لها أصل: التفسير والملاحم والمغازي." (ضحى الإسلام: 2/141، فجر الإسلام: ص245).
وقد ردّ عليه الشيخ الذهبي (1/47)، فقال: "نعم، ليس الأمر كما استظهره صاحب ضحى الإسلام وفجر الإسلام؛ لأنه مما لا شك فيه أن النبيّ e صحت عنه أحاديث في التفسير، والإمام أحمد نفسه معترف بها، فكيف يعقل أن الإمام أحمد يريد من عبارته السابقة نفي الصحة عن جميع الأحاديث المرفوعة على النبيّ e في التفسير؟ وظني أن الأستاذ أراد بالبعض المذكور المحققين من أصحاب الإمام أحمد، غاية الأمر أنه حمل كلامهم على غير ما أرادوا فوقع في هذا الخطأ، والعجب أنه نقل عن الإتقان في هامش فجر الإسلام (ص245) ما استظهرناه من كلام المحققين من اتباع الإمام أحمد."
قلت: لو أن الشيخ الذهبي والإمام ابن تيمية وغيرهما نقلوا كلام الإمام أحمد على صورته الصحيحة لما احتجنا أن ندافع عن قوله، ولما احتج أعداء الإسلام ومن لف لفهم من المنتسبين للإسلام كأحمد أمين وغيره بهذه المقولة للإمام أحمد.
والمقولة الصحيحة للإمام أحمد رواها الإمام الخطيب في ((الجامع)) (2/162)، قال: أخبرنا أبو سعد الماليني، قال: أخبرنا عبد الله بن عدي الحافظ، قال: سمعت محمد بن سعيد الحرّاني، يقول: سمعت عبد الملك الميموني، يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ((ثلاثة كُتب ليس لها أصول: المغازي، والملاحم، والتفسير)).
وهذا إسنادٌ صحيحٌ رواته أئمة ثقات.
وقد فسّر الإمام الخطيب مقصود الإمام أحمد من ذلك، فقال: "وهذا الكلام محمولٌ على وجه، وهو أنّ المراد به كُتُبٌ مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها، ولا موثوق بصحتها، لسوء أحوال مُصنّفيها، وعدم عدالة ناقليها، وزيادات القصّاص فيها. فأما كتب الملاحم، فجميعها بهذه الصفة، وليس يصح في ذكر الملاحم المرتقبة، والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة اتصلت أسانيدها إلى الرسول e من وجوه مَرضية، وطرق واضحة جلية. وأما الكتب المصنفة في تفسير القرآن، فمن أشهرها كتابا: الكلبي ومقاتل ابن سليمان."
ثمّ نقل بإسناده إلى عبد الصمد بن الفضل، قال: سئل أحمد بن حنبل عن تفسير الكلبي؟ فقال أحمد: "مِن أوله إلى آخره كذب." فقيل له: فَيحلُّ النظرُ فيه؟ قال: "لا."
وروى الخطيب بإسناده إلى أبي إسماعيل الترمذي، عن الأويسي، عن مالك أنه بلغه أن مقاتل بن سليمان جاءه إنسان، فقال له: إنّ إنساناً سألني: ما لون كلب أصحاب الكهف؟ فلم أدر ما أقول له، قال: فقال له مقاتل: ألا قلت: هو أبْقعُ، فلو قلتَ لم تجد أحداً يردُّ عليك.
قال أبو إسماعيل: "وسمعت نُعيم بن حماد يقول: أول ما ظهر من مقاتل الكذب هذا، قال للرجل: أما لو قلت أصفر، أو كذا، أو كذا، مَنْ كان يردّ عليك!"
قال الخطيب: "ولا أعلم في التفسير كتاباً مصنفاً سلم من علة فيه، أو عريَ من مطعن عليه."
ثم تابع الخطيب قوله: "وأما المغازي فمن المشتهرين بتصنيفها وصرف العناية إليها: محمد بن إسحاق المطَّلبي، ومحمد بن عمر الواقدي. فأما ابن إسحاق فقد تقدمت منّا الحكاية عنه، أنه كان يأخذ عن أهل الكتاب أخبارهم ويُضمنها كتبه، وروي عنه أيضاً أنه كان يدفع على شعراء وقته أخبار المغازي ويسألهم أن يقولوا فيها الأشعار ليُلْحِقها بها."
وساق بسنده إلى ابن أبي عمرو الشيباني، قال: سمعت أبي يقول: "رأيت محمد بن إسحاق يعطي الشعراء الأحاديث يقولون عليها الشِعر."
قال الخطيب: "وأما الواقدي فسوء ثناء المحدثين عليه مستفيض، وكلام أئمتهم فيه طويل عريض." ونقل عن الشافعي قوله: "كتب الواقدي كذب."
عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 14.10.08 7:37 عدل 1 مرات