حكم زيارة آثار الصالحين
كتبه
عبدالله بن عبدالرحمن السعد
قام بنسخه على برنامج الوورد ونشره على شبكة الانترنت
أبو معاذ السلفي (السني الحضرمي)
=====
بسم الله الرحمن الرحيم
كتبه
عبدالله بن عبدالرحمن السعد
قام بنسخه على برنامج الوورد ونشره على شبكة الانترنت
أبو معاذ السلفي (السني الحضرمي)
=====
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد :
فإن الشارع الحكيم سد جميع طرق الشرك، وحرّم وسائله، وأغلق أبوابه، تحقيقاً للتوحيد وحماية لجنابه، قال الله تعالى:}قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ{]سـبأ:22-23[ .
قال أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي تعليقاً على هذه الآية:(وقد قطع الله الأسباب التي يتعلق بها المشركون جميعها، قطعاً يعلم من تأمله وعرفه أن من اتخذ من دون الله ولياً فمثله كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً، وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت، فالمشرك إنما يتخذ معبوده لما يحصل له به من النفع، والنفع لا يكون إلا ممن يكون فيه خصلة من هذه الأربع: إما مالك لما يريد عابده منه، فإن لم يكن مالكاً كان شريكاً للمالك، فإن يكن شريكاً له، كان معيناً له وظهيراً، فإن لم يكن معيناً ولا ظهيراً كان شفيعاً عنده، فنفى سبحانه المراتب الأربع نفياً مرتباً متنقلاً من الأعلى إلى ما دونه، فنفى الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يطلبها المشرك، وأثبت شفاعة لا نصيب فيها لمشرك وهي الشفاعة بإذنه...) اهـ
ومن وسائل الشرك التي سدها الشارع تتبع (1) آثار الصالحين وتقديسها، بالصلاة فيها، والدعاء عندها، والتمسح بها.
فقد حذر الرسول الكريم r من هذا الفعل غاية التحذير، وأنكر على من فعل هذا أشد الإنكار.
فقد أخرج البخاري (427) ومسلم (528) كلاهما من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرتا للنبي r، فقال: «أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات، بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك الصور، فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة» .
وأخرج البخاري (437) ومسلم (530) كلاهما من طريق ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله r قال: « قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » .
واتخاذها مساجد يكون بالصلاة عندها، أو بناء المساجد عليها، فهذا فيمن فعل هذا بقبور الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يكون من شرار الخلق، ويكون ممن لعنه الله ــ والعياذ بالله ــ فكيف فيمن فعل هذا مع غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟! فلا شك أن الأمر سيكون أعظم وأشد.
وأخرج مسلم (532) من طريق عمرو بن مرة عن عبدالله بن الحارث النجراني ثني جندب قال: سمعت النبي r قبل أن يموت بخمس وهو يقول: « إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، ولو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك ».
في هذا الحديث حذر عليه الصلاة والسلام من هذا الفعل قبل موته بخمسة أيام، بل وحذر منه عليه الصلاة والسلام وهو في سياق الموت، كما أخرج البخاري (435) و(436) ومسلم (531) كلاهما من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبدالله بن عتبة أن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: لما نزل برسول الله r طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه، فقال وهو كذلك: « لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » يحذر ما صنعوا.
وقد سار على هذا المنهج القويم والمسلك المستقيم خلفاؤه من بعده y فقد أخرج ابن وضاح في «البدع» (ص41) من حديث الأعمش عن المعرور بن سويد قال: خرجنا حجاجاً مع عمر بن الخطاب فعرض لنا في بعض الطريق مسجد فابتدره الناس يصلون فيه، فقال عمر: ما شأنهم؟ فقالوا: هذا مسجد صلى فيه رسول الله r، فقال عمر: أيها الناس إنما هلك من كان قبلكم باتباعهم مثل هذا حتى أحدثوها بيعاً، فمن عرضت له فيه صلاة فليصل، ومن لم تعرض له فيه صلاة فليمض(2).
وفي رواية أخرى أخرجها ابن وضاح (ص41): أنه t عندما صلى الغداة رأى الناس يذهبون مذهباً، فقال: أين يذهب هؤلاء؟ قيل: يا أمير المؤمنين مسجد صلى فيه رسول الله r هم يأتون يصلون فيه. فقال: إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، يتبعون آثار أنبيائهم فيتخذونها كنائس وبيعاً، من أدركته الصلاة في هذه المساجد فليصل، ومن لا فليمض ولا يتعمدها.
فقد أنكر أمير المؤمنين عمرt هذا الفعل وهو التبرك بالأماكن التي صلى فيها رسول الله r وبين أن بهذا الفعل هلكت الأمم السابقة.
وقد أمر عمر t بقطع(3) الشجرة التي زُعم أن الرسول r بايع تحتها الناس، مع أن الله تعالى أنسى صحابة رسول الله r مكان هذه الشجرة التي بايعوا عندها رسول الله r رحمة بهم وبمن أتى من بعدهم.
فقد أخرج البخاري (2958) في «صحيحه» من حديث نافع عن ابن عمر قال: رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها كانت رحمة من الله.
وأخرج البخاري (4163) ومسلم (1859) من حديث سعيد بن المسيب قال: قال: ثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله r تحت الشجرة. قال: فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها . فقال سعيد: إن أصحاب محمد r لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم أعلم.
قال أبو الفضل ابن حجر في «الفتح» (6/118) تعليقاً على هذا الحديث: وبيان الحكمة في ذلك وهو أن لا يحصل بها افتتان لما وقع تحتها من الخير فلو بقيت لما أُمن تعظيم بعض الجهال لها حتى ربما أفضى بهم إلى اعتقاد أن لها قوة نفع أو ضر كما نراه الآن مشاهداً فيما هو دونها وإلى ذلك أشار ابن عمر بقوله: «كانت رحمة من الله» أي كان خفاؤها عليهم بعد ذلك رحمة الله تعالى. اهـ.
قلت:
ومع ما تقدم من كون الصحابة أنسوا مكانها ولم يعرفوه حتى جاء من بعدهم من زعم أنه يعرف مكانها كما وقع ذلك في عهد عمر t فعند إذن أمر عمر t بقطع هذه الشجرة التي يزعم أنها بويع تحتها رسول الله r، ثم بعد عهد عمر جاء من يزعم معرفته بهذه الشجرة، فقد أخرج البخاري (4163) في «صحيحه» من حديث طارق بن عبدالرحمن قال: انطلقت حاجاً فمررت بقوم يصلون، قلت: ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله r بيعة الرضوان.
قلت:
وهذا بعد عهد عمر لأن طارق بن عبدالرحمن من صغار التابعين ومن كان مثله لم يدرك عهد عمر t ، وإنما ولدوا بعد عهد عمر t .
وقد سار السلف الصالح على هذا النهج، فقد كانوا لا يأتون إلى مثل هذه الأماكن، بل وينكرون على من فعلها.
قال أبو عبدالله بن وضاح القرطبي في كتابه «البدع» (ص43): وكان مالك بن أنس وغيره من علماء المدينة يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار للنبي r ما عدا قبا وأحداً.
قال ابن وضاح: وسمعتهم يذكرون أن سفيان الثوري دخل مسجد بيت المقدس فصلى فيه، ولم يتبع تلك الآثار ولا الصلاة فيها، وكذلك فعل غيره أيضاً ممن يقتدى به، وقدم وكيع أيضاً مسجد بيت المقدس فلم يعد فعل سفيان.
قال ابن وضاح: فعليكم بالاتباع لأئمة الهدى المعروفين، فقد قال بعض من مضى: كم من أمر هو اليوم معروف عند كثير من الناس كان منكراً عند من مضى، ومتحبب إليه بما يبغضه عليه، ومتقرب إليه بما يبعده منه، وكل بدعة عليها زينة وبهجة. اهـ.
وهذا الذي ذكره ابن وضاح أمر معلوم وظاهر، ولذلك قال أبو العباس أحمد بن عبدالحليم: وهذا مما علم بالتواتر والضرورة من دين الرسول r، فإنه أمر بعمارة المساجد والصلاة فيها، ولم يأمر ببناء مشهد لا على قبر نبي ولا غير قبر نبي، ولا على مقام نبي، ولم يكن على عهد الصحابة والتابعين وتابعيهم في بلاد الإسلام ــ لا الحجاز ولا الشام ولا اليمن ولا العراق ولا خرسان ولا مصر ولا المغرب ــ مسجد مبني على قبر، ولا مشهد يقصد للزيارة أصلاً، ولم يكن أحد من السلف يأتي إلى قبر نبي أو غير نبي لأجل الدعاء عنده ، ولا كان الصحابة يقصدون الدعاء عند قبر النبي r ولا عند قبر غيره من الأنبياء، وإنما كانوا يصلون ويسلمون على النبي r وعلى صاحبيه. اهـ «اقتضاء الصراط» (ص753).
فتبين مما تقدم أن تتبع آثار الأولياء والصالحين المكانية من البدع الشيطانية، ومن طريقة اليهود والنصارى وغيرهم من أهل الجاهلية.
عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 06.10.08 20:19 عدل 1 مرات