[لقرضاوي والرافضة: لات ساعة مندم
[الشيخ عبد الحق بن ملا حقي التركماني]
نقلاً عن موقع القادسية
[]الدكتور يوسف القرضاوي شديد الإعجاب بأبي حامد الغزالي (ت:505هـ)، وقد أفرده بأحد كتبه، وكتب عنه مرارًا، وذكره بالثناء الجميل في مناسبات عدة، وله به شبه قويٌّ في ميوله العقلية، وسعة اطلاعه، وتنوع معارفه، وكثرة إنتاجه، وبعده عن علوم السنة ومذهب السلف الصالح، فهذه أمور جامعة بين الرجلين... وقد ذكروا في ترجمة الغزَّالي أنه رجع في أخريات أيامه إلى مذهب السلف، وندم على ما ضيَّع من عمره في متاهات الفلسفة والكلام والتصوف والتجوال على الفرق والنحل، ويقال: إنَّه مات وصحيح البخاريِّ على صدره! [1] فكأني بالقرضاوي سينتهي أمره إلى ما انتهى إليه أمر الغزَّالي، فيتوب عن قليلٍ أو كثيرٍ من أفكاره، ويموت وعلى صدره (صحيح البخاري]
[وإذا كان الله تعالى قد قبل توبة الغزالي، وهو يقبل توبة العبد ما لم يغرغر؛ فقد نفعت الغزالي في نفسه أيما نفع، ولكنها لم تنفع أمة الإسلام شيئًا، فقد ترك وراءه تراثًا ضخمًا فيه من مواد الفلاسفة وغلاة الصوفية والأحاديث الضعيفة والموضوعة وغير ذلك مما كان ضرره على الأمة عظيمًا. وكذلك القرضاوي؛ لو تاب اليوم لنفعته توبته إن شاء الله تعالى؛ ولكن يا ترى هل ستنفع الأمة بعد أن اجتهد القرضاوي في بثِّ أفكاره المنحرفة في الأمة نحو نصف قرن من الزمان، سُخِّرت له خلاله وسائل الإعلام المختلفة؟
فها هو القرضاوي قد شاء الله تعالى أن لا يقبضه حتَّى يريه رأي العين بعض ثمار دعوته الفاسدة، ومنها: توسع الخطر الشيعي على العالم الإسلامي، وظاهرة الارتداد إلى مذهب الرافضة في صفوف أهل السنة، حتى صار أعداد المتشيعين في مصر بالآلاف، وصاروا بمثابة قنبلة موقوتة، ستنفجر على أهل مصر، حين يختار دهاقنة العجم في طهران وقم تفجيرها، لإشعال الفتن في قلب الأمة الإسلامية، واستباحة الدماء والأعراض والأموال؛ كما فعلوا ويفعلون في العراق وغيرها
هنا استيقظ القرضاوي، وصحا ضميره، وتحركت غيرته، وأدرك أن الأمر جدٌّ لا هزل؛ فحذَّر في لقاء له مع صحيفة (المصري اليوم) نشر في 9/رمضان/1429 من الخطر الشيعي القائم والقادم، وقال بالحرف الواحد: (أما الشيعة فهم مسلمون، ولكنهم مبتدعون وخطرهم يكمن في محاولتهم غزو المجتمع السني وهم مهيئون لذلك بما لديهم من ثروات بالمليارات وكوادر مدربة علي التبشير بالمنهج الشيعي في البلاد السنية خصوصًا أن المجتمع السني ليست لديه حصانة ثقافية ضد الغزو الشيعي فنحن العلماء لم نحصِّن السنة ضد الغزو المذهبي الشيعي لأننا دائمًا نعمل القول «ابعد عن الفتنة لنوحد المسلمين» وتركنا علماء السنة خاوين. للأسف: وجدت مؤخراً مصريين شيعة، فقد حاول الشيعة قبل ذلك عشرات السنوات أن يكسبوا مصريًّا واحدًا ولم ينجحوا، من عهد صلاح الدين الأيوبي حتَّى ٢٠ عامًا مضت ما كان يوجد شيعي واحد في مصر، الآن موجودون في الصحف وعلي الشاشات ويجهرون بتشيعهم وبأفكارهم. الشيعة يعملون مبدأ التقية وإظهار غير ما بطن وهو ما يجب أن نحذر منه، وما يجب أن نقف ضده في هذه الفترة أن نحمي المجتمعات السنية من الغزو الشيعي، وأدعو علماء السنة للتكاتف ومواجهة هذا الغزو، لأني وجدت أن كل البلاد العربية هزمت [كذا، ولعل مراده: هُوجِمَتْ] من الشيعة: مصر، السودان، المغرب، الجزائر وغيرها فضلاً عن ماليزيا وأندونسيا ونيجيريا.) انتهى.
وقد أغضب تصريح القرضاوي هذا أصدقائه وإخوانه من الرافضة، وعلى رأسهم آيتهم اللبناني محمد حسين فضل الله، وآيتهم الفارسي محمد علي تسخيري، كما شنَّت وكالة أنباء (مهر) الإيرانية شبه الرسمية في 13/9/1429 هجومًا عنيفا على القرضاوي (تجاوزت فيه كلَّ حدٍّ، وأسفَّت إسفافًا بالغًا لا يليق بها) على حدِّ تعبير القرضاوي في بيانه الذي نشره في 17/9 ليردَّ الاتهامات عن نفسه، ويدافع عمَّا قال، ويؤكِّد ثباته على رأيه الذي صرَّح به لتلك الصحيفة، وليقول مجدَّدًا ما نصُّه: (وليس لدى السنة أيَّ حصانة ثقافية ضدَّ هذا الغزو. فنحن علماء السنة لم نسلِّحهم بأيِّ ثقافة واقية، لأننا نهرب عادة من الكلام في هذه القضايا، مع وعينا بها، خوفًا من إثارة الفتنة، وسعيًا إلى وحدة الأمة.) انتهى
إذن هذا هو القرضاوي يعترف بأن أهل السنة يفتقرون إلى (الحصانة الثقافية ضدَّ الغزو الشيعي) والسبب في ذلك يرجع ـ باعترافه ـ إلى أنَّ: (علماء السنة لم يسلحوا السنَّةَ بأي ثقافة واقية.). ولنا مع اعترافه الخطير هذا وقفات
- إن هناك كلمة قديمة تنسب إلى المسيح عليه الصلاة والسلام تقول: (من ثمارهم تعرفونهم)، فهذه ثمار دعوة القرضاوي وأمثاله من الإسلاميين الحركيين على مدى ثمانين عامًا؛ لم تجرَّ على الأمة إلا المفاسد والفتن، ومنها هذه الثمرة الخبيثة، وهي تجريد أهل السنة من (الحصانة العقائدية الإيمانية ضد الرافضة أعداء الأمة
ليس من حقِّ القرضاوي أن يزعم بأنَّ (علماء السنة لم يسلحوا أهل السنة)، بل قد سلَّحوهم، وقاموا بما أوجب الله عليهم من نصرة الدين ونصح الأمة؛ منذ أول يوم استشعروا فيه خطر المد الرافضي، فعندما بدأ نشاط الرافضة في مصر قبل نحو ثمانين سنة، قام علماء أهل السنة بالتصدي لها، وفضح أهدافها، وبيان خطرها، وكان منهم العلامة المجاهد أستاذ الجيل محب الدين الخطيب رحمه الله؛ حيث نشر فصل تحقيق مواقف الصحابة من كتاب (العواصم والقواصم) لابن العربي المالكي، وأجاد في دراسته والتعليق عليه، حتى صار مرجعًا لأهل السنة في العالم كله، وألف كتابًا صغيرًا نزل على الرافضة كالصاعقة سماه: (الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثني عشرية)، ونشر كتاب (مختصر التحفة الاثني العشرية للألوسي) وكتب عشرات المقالات، وبذل جهودًا مشهودة، كان لها أثرها العظيم في مواجهة المدِّ الرافضي الفارسي في بدايات القرن العشرين، وقد استفاد أهل السنة من جهوده عند قيام الثورة الخمينية أيما استفادة، فرجعوا إلى ما كتب، وأعادوا طباعته ونشره...
لكن الذي أفسد على علماء الأمة ودعاتها المخلصين تسليحهم وتحصينهم لأهل السنة؛ هو القرضاوي ومن سبقه ولحقه من الحركيين، فيوم كان العلامة محب الدين الخطيب رضي الله عنه يواجه الخطر الرافضي بعقيدته وإيمانه ووعيه الحضاري وفقهه في حركة التاريخ والدعوات؛ كان شيخ القرضاوي الأول في التصوف والسياسة، مؤسس الإسلام الحركي: حسن البنا ـ تجاوز الله عنا وعنه ـ؛ يسارع إلى كسب ودِّ الرافضة، ويسوِّق لمشروعهم في مصر، فقد كان أحد المؤسسين لدار التقريب بين المذاهب الإسلامية، التي أسستها الأيدي الإيرانية لنشر التشيع في مصر، وكانت له صلات أكيدة وتعاون وثيق مع كبار علماء الرافضة في إيران، وكان يسعى في كل سبيل من أجل تحطيم وإلغاء كل (حصانة ثقافية عند أهل السنة ضد التشيع)، من ذلك أنه بادر إلى نشر (مناسك الحج على المذاهب الخمسة) في مجلته؛ ليوهم بسطاء أهل السنة أن دين الرافضة هو مذهب فقهي مقبول كباقي المذاهب الفقهية المعروفة عند أهل الإسلام والسنة. وسار الإسلاميون الحركيون على نهج حسن البنا، كما سار أهل السنة على نهج العلامة محب الدين الخطيب رحمه الله- أما أهل السنة فقد استمروا في مواجهتهم للخطر الرافضي، وفي فضحهم لحقائق معتقدات وأهداف الرافضة، وألفوا عشرات الكتب في ذلك، من أشهرها مؤلفات العلامة المجاهد إحسان إلهي ظهير رحمه الله
أما الحركيون فقد استمروا في جهودهم في (إلغاء حصانة أهل السنة ضد الغزو الرافضي)؛ وتتابع تلامذة حسن البنا وأتباعه؛ على التصريح في كل مناسبة أن لا خلاف بينهم وبين الشيعة، وأنهم إخوانهم، وأن الخلاف بينهم مثل الخلاف بين الحنفية والشافعية، وبلغوا في التسويق لدين الرافضة الغاية بعد قيام الثورة الخمينية، فقد سارعوا إلى تأييدها، وسارع التنظيم العالمي للإخوان المسلمون إلى إرسال وفد رفيع المستوى إلى طهران لمبايعة إمامهم الخميني، وصار الإخوان في مصر والسودان والجزائر وتونس وغيرها من البلاد؛ أبواق دعاية للثورة البائسة، فتشيع الآلاف من الشباب المسلم، ولولا أن هيَّأ الله تعالى للأمة سببًا قدريًّا محضًا (أعني: حرب إيران ضد العراق، وهزيمتها شرَّ هزيمة)، وعلماء ودعاة من أهل السنة والجماعة؛ سلفيين مخلصين، لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يُخضعون دينهم للاعتبارات السياسية والنفعية؛ لكان التشيع في عموم البلاد الإسلامية أمرًا واقعًا، ولرأى العالم فرق الموت والقتل الطائفي في مصر والسودان وتونس وغيرها؛ كما يرونها اليوم في العراق، لكن الله تعالى سلَّم.
إذن يجب علينا أن نثمِّن ونقدِّر للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي اعترافه المنصف العادل في أنَّه هو ـ ومن كان على شاكلته ـ لم يسلحوا ولم يحصنوا أهل السنة ضدَّ الغزو الشيعي، وهذا من شجاعته الأدبية التي يتميز بها، ونسأل الله تعالى أن يكفر بموقفه هذا ما كان منه في سابق الأيام من تسويق للدعاية الرافضية في العالم الإسلامي.
أما ما برَّر به موقفه السابق فهو تبرير غير مقبول، فإن قول الحق والجهر به، وتحذير المسلمين من الشركيات والبدع والضلالات لا: (يثير فتنة، ولا يشقُّ صفًّا) بخلاف ما يظنه الحركيون، بل الفتنة ـ كل الفتنة ـ في كتم الحق، والسكوت على الباطل، وفسح المجال للمفسدين في الأرض في تضليل المسلمين والتشويش عليهم وتشكيكهم في أصول دينهم. ولو أن القرضاوي ومن على شاكلته من الإسلاميين الحركيين ساروا على منهج الأنبياء والرسل في الدعوة إلى توحيد الله تعالى وتصحيح عقائد الناس وعباداتهم؛ لضعفت الفتن، ولكان المسلمون أقرب إلى الوحدة: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء: 66]. أما أن يظنَّ المرء أن الدعوة إلى ما جاء به القرآن الكريم، والجهر به؛ يثير الفتنة ويفرِّق الصفَّ؛ فهو ضلال بعيدٌ، فاللهم سلِّم!
[الشيخ عبد الحق بن ملا حقي التركماني]
نقلاً عن موقع القادسية
[]الدكتور يوسف القرضاوي شديد الإعجاب بأبي حامد الغزالي (ت:505هـ)، وقد أفرده بأحد كتبه، وكتب عنه مرارًا، وذكره بالثناء الجميل في مناسبات عدة، وله به شبه قويٌّ في ميوله العقلية، وسعة اطلاعه، وتنوع معارفه، وكثرة إنتاجه، وبعده عن علوم السنة ومذهب السلف الصالح، فهذه أمور جامعة بين الرجلين... وقد ذكروا في ترجمة الغزَّالي أنه رجع في أخريات أيامه إلى مذهب السلف، وندم على ما ضيَّع من عمره في متاهات الفلسفة والكلام والتصوف والتجوال على الفرق والنحل، ويقال: إنَّه مات وصحيح البخاريِّ على صدره! [1] فكأني بالقرضاوي سينتهي أمره إلى ما انتهى إليه أمر الغزَّالي، فيتوب عن قليلٍ أو كثيرٍ من أفكاره، ويموت وعلى صدره (صحيح البخاري]
[وإذا كان الله تعالى قد قبل توبة الغزالي، وهو يقبل توبة العبد ما لم يغرغر؛ فقد نفعت الغزالي في نفسه أيما نفع، ولكنها لم تنفع أمة الإسلام شيئًا، فقد ترك وراءه تراثًا ضخمًا فيه من مواد الفلاسفة وغلاة الصوفية والأحاديث الضعيفة والموضوعة وغير ذلك مما كان ضرره على الأمة عظيمًا. وكذلك القرضاوي؛ لو تاب اليوم لنفعته توبته إن شاء الله تعالى؛ ولكن يا ترى هل ستنفع الأمة بعد أن اجتهد القرضاوي في بثِّ أفكاره المنحرفة في الأمة نحو نصف قرن من الزمان، سُخِّرت له خلاله وسائل الإعلام المختلفة؟
فها هو القرضاوي قد شاء الله تعالى أن لا يقبضه حتَّى يريه رأي العين بعض ثمار دعوته الفاسدة، ومنها: توسع الخطر الشيعي على العالم الإسلامي، وظاهرة الارتداد إلى مذهب الرافضة في صفوف أهل السنة، حتى صار أعداد المتشيعين في مصر بالآلاف، وصاروا بمثابة قنبلة موقوتة، ستنفجر على أهل مصر، حين يختار دهاقنة العجم في طهران وقم تفجيرها، لإشعال الفتن في قلب الأمة الإسلامية، واستباحة الدماء والأعراض والأموال؛ كما فعلوا ويفعلون في العراق وغيرها
هنا استيقظ القرضاوي، وصحا ضميره، وتحركت غيرته، وأدرك أن الأمر جدٌّ لا هزل؛ فحذَّر في لقاء له مع صحيفة (المصري اليوم) نشر في 9/رمضان/1429 من الخطر الشيعي القائم والقادم، وقال بالحرف الواحد: (أما الشيعة فهم مسلمون، ولكنهم مبتدعون وخطرهم يكمن في محاولتهم غزو المجتمع السني وهم مهيئون لذلك بما لديهم من ثروات بالمليارات وكوادر مدربة علي التبشير بالمنهج الشيعي في البلاد السنية خصوصًا أن المجتمع السني ليست لديه حصانة ثقافية ضد الغزو الشيعي فنحن العلماء لم نحصِّن السنة ضد الغزو المذهبي الشيعي لأننا دائمًا نعمل القول «ابعد عن الفتنة لنوحد المسلمين» وتركنا علماء السنة خاوين. للأسف: وجدت مؤخراً مصريين شيعة، فقد حاول الشيعة قبل ذلك عشرات السنوات أن يكسبوا مصريًّا واحدًا ولم ينجحوا، من عهد صلاح الدين الأيوبي حتَّى ٢٠ عامًا مضت ما كان يوجد شيعي واحد في مصر، الآن موجودون في الصحف وعلي الشاشات ويجهرون بتشيعهم وبأفكارهم. الشيعة يعملون مبدأ التقية وإظهار غير ما بطن وهو ما يجب أن نحذر منه، وما يجب أن نقف ضده في هذه الفترة أن نحمي المجتمعات السنية من الغزو الشيعي، وأدعو علماء السنة للتكاتف ومواجهة هذا الغزو، لأني وجدت أن كل البلاد العربية هزمت [كذا، ولعل مراده: هُوجِمَتْ] من الشيعة: مصر، السودان، المغرب، الجزائر وغيرها فضلاً عن ماليزيا وأندونسيا ونيجيريا.) انتهى.
وقد أغضب تصريح القرضاوي هذا أصدقائه وإخوانه من الرافضة، وعلى رأسهم آيتهم اللبناني محمد حسين فضل الله، وآيتهم الفارسي محمد علي تسخيري، كما شنَّت وكالة أنباء (مهر) الإيرانية شبه الرسمية في 13/9/1429 هجومًا عنيفا على القرضاوي (تجاوزت فيه كلَّ حدٍّ، وأسفَّت إسفافًا بالغًا لا يليق بها) على حدِّ تعبير القرضاوي في بيانه الذي نشره في 17/9 ليردَّ الاتهامات عن نفسه، ويدافع عمَّا قال، ويؤكِّد ثباته على رأيه الذي صرَّح به لتلك الصحيفة، وليقول مجدَّدًا ما نصُّه: (وليس لدى السنة أيَّ حصانة ثقافية ضدَّ هذا الغزو. فنحن علماء السنة لم نسلِّحهم بأيِّ ثقافة واقية، لأننا نهرب عادة من الكلام في هذه القضايا، مع وعينا بها، خوفًا من إثارة الفتنة، وسعيًا إلى وحدة الأمة.) انتهى
إذن هذا هو القرضاوي يعترف بأن أهل السنة يفتقرون إلى (الحصانة الثقافية ضدَّ الغزو الشيعي) والسبب في ذلك يرجع ـ باعترافه ـ إلى أنَّ: (علماء السنة لم يسلحوا السنَّةَ بأي ثقافة واقية.). ولنا مع اعترافه الخطير هذا وقفات
- إن هناك كلمة قديمة تنسب إلى المسيح عليه الصلاة والسلام تقول: (من ثمارهم تعرفونهم)، فهذه ثمار دعوة القرضاوي وأمثاله من الإسلاميين الحركيين على مدى ثمانين عامًا؛ لم تجرَّ على الأمة إلا المفاسد والفتن، ومنها هذه الثمرة الخبيثة، وهي تجريد أهل السنة من (الحصانة العقائدية الإيمانية ضد الرافضة أعداء الأمة
ليس من حقِّ القرضاوي أن يزعم بأنَّ (علماء السنة لم يسلحوا أهل السنة)، بل قد سلَّحوهم، وقاموا بما أوجب الله عليهم من نصرة الدين ونصح الأمة؛ منذ أول يوم استشعروا فيه خطر المد الرافضي، فعندما بدأ نشاط الرافضة في مصر قبل نحو ثمانين سنة، قام علماء أهل السنة بالتصدي لها، وفضح أهدافها، وبيان خطرها، وكان منهم العلامة المجاهد أستاذ الجيل محب الدين الخطيب رحمه الله؛ حيث نشر فصل تحقيق مواقف الصحابة من كتاب (العواصم والقواصم) لابن العربي المالكي، وأجاد في دراسته والتعليق عليه، حتى صار مرجعًا لأهل السنة في العالم كله، وألف كتابًا صغيرًا نزل على الرافضة كالصاعقة سماه: (الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثني عشرية)، ونشر كتاب (مختصر التحفة الاثني العشرية للألوسي) وكتب عشرات المقالات، وبذل جهودًا مشهودة، كان لها أثرها العظيم في مواجهة المدِّ الرافضي الفارسي في بدايات القرن العشرين، وقد استفاد أهل السنة من جهوده عند قيام الثورة الخمينية أيما استفادة، فرجعوا إلى ما كتب، وأعادوا طباعته ونشره...
لكن الذي أفسد على علماء الأمة ودعاتها المخلصين تسليحهم وتحصينهم لأهل السنة؛ هو القرضاوي ومن سبقه ولحقه من الحركيين، فيوم كان العلامة محب الدين الخطيب رضي الله عنه يواجه الخطر الرافضي بعقيدته وإيمانه ووعيه الحضاري وفقهه في حركة التاريخ والدعوات؛ كان شيخ القرضاوي الأول في التصوف والسياسة، مؤسس الإسلام الحركي: حسن البنا ـ تجاوز الله عنا وعنه ـ؛ يسارع إلى كسب ودِّ الرافضة، ويسوِّق لمشروعهم في مصر، فقد كان أحد المؤسسين لدار التقريب بين المذاهب الإسلامية، التي أسستها الأيدي الإيرانية لنشر التشيع في مصر، وكانت له صلات أكيدة وتعاون وثيق مع كبار علماء الرافضة في إيران، وكان يسعى في كل سبيل من أجل تحطيم وإلغاء كل (حصانة ثقافية عند أهل السنة ضد التشيع)، من ذلك أنه بادر إلى نشر (مناسك الحج على المذاهب الخمسة) في مجلته؛ ليوهم بسطاء أهل السنة أن دين الرافضة هو مذهب فقهي مقبول كباقي المذاهب الفقهية المعروفة عند أهل الإسلام والسنة. وسار الإسلاميون الحركيون على نهج حسن البنا، كما سار أهل السنة على نهج العلامة محب الدين الخطيب رحمه الله- أما أهل السنة فقد استمروا في مواجهتهم للخطر الرافضي، وفي فضحهم لحقائق معتقدات وأهداف الرافضة، وألفوا عشرات الكتب في ذلك، من أشهرها مؤلفات العلامة المجاهد إحسان إلهي ظهير رحمه الله
أما الحركيون فقد استمروا في جهودهم في (إلغاء حصانة أهل السنة ضد الغزو الرافضي)؛ وتتابع تلامذة حسن البنا وأتباعه؛ على التصريح في كل مناسبة أن لا خلاف بينهم وبين الشيعة، وأنهم إخوانهم، وأن الخلاف بينهم مثل الخلاف بين الحنفية والشافعية، وبلغوا في التسويق لدين الرافضة الغاية بعد قيام الثورة الخمينية، فقد سارعوا إلى تأييدها، وسارع التنظيم العالمي للإخوان المسلمون إلى إرسال وفد رفيع المستوى إلى طهران لمبايعة إمامهم الخميني، وصار الإخوان في مصر والسودان والجزائر وتونس وغيرها من البلاد؛ أبواق دعاية للثورة البائسة، فتشيع الآلاف من الشباب المسلم، ولولا أن هيَّأ الله تعالى للأمة سببًا قدريًّا محضًا (أعني: حرب إيران ضد العراق، وهزيمتها شرَّ هزيمة)، وعلماء ودعاة من أهل السنة والجماعة؛ سلفيين مخلصين، لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا يُخضعون دينهم للاعتبارات السياسية والنفعية؛ لكان التشيع في عموم البلاد الإسلامية أمرًا واقعًا، ولرأى العالم فرق الموت والقتل الطائفي في مصر والسودان وتونس وغيرها؛ كما يرونها اليوم في العراق، لكن الله تعالى سلَّم.
إذن يجب علينا أن نثمِّن ونقدِّر للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي اعترافه المنصف العادل في أنَّه هو ـ ومن كان على شاكلته ـ لم يسلحوا ولم يحصنوا أهل السنة ضدَّ الغزو الشيعي، وهذا من شجاعته الأدبية التي يتميز بها، ونسأل الله تعالى أن يكفر بموقفه هذا ما كان منه في سابق الأيام من تسويق للدعاية الرافضية في العالم الإسلامي.
أما ما برَّر به موقفه السابق فهو تبرير غير مقبول، فإن قول الحق والجهر به، وتحذير المسلمين من الشركيات والبدع والضلالات لا: (يثير فتنة، ولا يشقُّ صفًّا) بخلاف ما يظنه الحركيون، بل الفتنة ـ كل الفتنة ـ في كتم الحق، والسكوت على الباطل، وفسح المجال للمفسدين في الأرض في تضليل المسلمين والتشويش عليهم وتشكيكهم في أصول دينهم. ولو أن القرضاوي ومن على شاكلته من الإسلاميين الحركيين ساروا على منهج الأنبياء والرسل في الدعوة إلى توحيد الله تعالى وتصحيح عقائد الناس وعباداتهم؛ لضعفت الفتن، ولكان المسلمون أقرب إلى الوحدة: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء: 66]. أما أن يظنَّ المرء أن الدعوة إلى ما جاء به القرآن الكريم، والجهر به؛ يثير الفتنة ويفرِّق الصفَّ؛ فهو ضلال بعيدٌ، فاللهم سلِّم!