[b]علاقة الصوفية بالديانة الهندوكية!
هذا موضوع مستل من رسالة دكتوارة كُتبة عن الديانة الهندوسية!
التصوف يستمد أصوله من الفكر الهندوسي والأدلة على ذلك
اختلف الكتاب والمؤلفون في تحديد مصادر التصوف على أقوال:
1) فمن قائل: إن مصادر التصوف كلها إسلامية.
2) ويقال: إن التصوف لا علاقة لها بالإسلام إطلاقاً.
3) ويقال: إن التصوف وليد الأفكار المختلطة من الإسلام واليهودية والنصرانية والمانوية والمجوسية والمزدكية والهندوسية والبوذية، وقبل ذلك من الفلسفة اليونانية وآراء الأفلاطونية الحديثة.
4) ويقال: إن التصوف اسم للزهد المتطور بعد القرون المشهود لها بالخير كرد فعل للانغماس في ترف الدنيا ونعيمها، ثم تطورت ودخلت أفكار أجنبية وفلسفات غير إسلامية، وذهب إلى هذا الرأي كثيرون منهم شيخ الإسلام ابن تيمية : وغيره.
هذه معظم الأقوال في مصادر التصوف، وإن أفضل طريق للحكم على طائفة معينة وفئة خاصة من الناس هو الحكم المبني على آرائها وأفكارها التي نقلوها في كتبهم المعتمدة والرسائل الموثوق بها لديهم بذكر النصوص والعبارات التي يبني عليها الحكم، ويؤسس عليها الرأي ولا يعتمد على أقوال الآخرين ونقول الناقلين، اللهم إلا للاستشهاد على صحة استنباط الحكم واستنتاج النتيجة.
وهذه الطريقة مع صعوبتها هي الطريقة الصحيحة المستقيمة التي يقتضيها العدل والإنصاف، وعلى ذلك نقول:
إننا إذا نظرنا إلى تعاليم الصوفية الأوائل والأواخر، وأقاويلهم المنقولة منهم، والمأثورة في كتب الصوفية، القديمة والحديثة نفسها، نرى بوناً شاسعاً بينها وبين تعاليم القرآن والسنة
وكذلك لا نجد جذورها وبذورها في سيرة محمد ص ، وأصحابه الكرام
بل بعكس ذلك نراها مأخوذة مقتبسة من الرهبنة البرهمية الهندوسية، والنصرانية، وتنسك اليهودية، وزهد البوذية، والفكر الشعوبي الإيراني المجوسي عند الأوائل، والغنوصية اليونانية والأفلاطونية الحديثة لدى الذين جاءوا من بعدهم.
فالتصوف استمد أصوله من كل نحلة ودين، فلو فتّش فيه يجد الباحث فيه البرهمية والبوذية والزرادشتية، ومانوية وتجد فيه أفلاطونية وغنوصية، وتجد فيه يهودية، ونصرانية، ووثنية جاهلية.
وعلى هذا نستطيع أن نقول:
إن التصوف استمد أصوله من أفكار مختلطة من أصحاب الأديان والفلسفة
تصل إلى عشرة مصادر، هي:
الإسلام
و
اليهودية
و
النصرانية
و
المانوية
و
المجوسية
و
المزدكية
و
الهندوسية
و
البوذية
و
الفلسفة اليونانية
و
الفلسفة الأفلاطونية.
والذي يظهر لي أن التصوف تأثر بالهندوسية أكثر من المصادر الأخرى، وذلك لما يأتي:
أولاً:
تنصيص العلماء على ذلك قديماً وحديثاً:
نص كثير من العلماء على كون الديانة الهندوسية من مصادر التصوف، فمن العلماء المسلمين الذين نصوا على ذلك:
1) أبو الريحان البيروني:
إن أبا الريحان البيروني أول من عقد مقارنات في المذاهب وكشف عن هذا التشابه بين مذاهب الهنود كالڤيدانت، وبين مذاهب الصوفية، وكذلك بين يوغا باتنجل، وبين أقوال أبي يزيد البسطامي، والحلاج والشبلي فمن أقواله:
• عن التناسخ:
وإلى هذا المعنى (التناسخ) ذهب من الصوفية من قال: إن الدنيا نفس نائمة، والآخرة نفس يقظانة، وهم يجيزون حلول الحق في الأمكنة كالسماء والجماد، ويُعبّر عن ذلك بالظهور الكلي، وإذا أجازوا ذلك فيه لم يكُ لحلول الأرواح بالتردد عندهم خطر.
• ويقول عن الفناء:
وإلى مثل هذا إشارات الصوفية في العارف إذا وصل إلى مقام المعرفة فإنهم يزعمون أنه يحصل له روحان، قديمة لا يجري عليها تغيرٌ واختلاف بها يعلم الغيب، ويفعل المعجز، وأخرى بشرية للتغير والتكوين.
• وعندما ذكر الاتحاد قال: ولهذا قالت الصوفية في تحديد العشق: إنه الاشتغال بالخلق عن الحق
• وعندما ذكر حال من وصل إلى حالة نر ڤانا الهندوسية، وأنه يكون قادراً على الانتقال إلى حيث أحبّ، فقال: وإلى قريب من هذا يذهب الصوفية فقد حكى في كتبهم عن بعضهم: إنه وردت علينا طائفة من الصوفية، وجلسوا بالبعد عنا وقام أحدهم يصلي، فلما فرغ التفت، وقال لي: يا شيخ تعرف ها هنا موضعاً يصلح لأن نموت فيه؟ فظننت أنه يريد النوم، فأومأتُ إلى موضع وذهب وطرح نفسه على قفاه وسكن، فقمت إليه وحركته، وإذا أنه قد برد، وقالوا: في قول الله تعالى: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾ (الكهف:84) إنه إن شاء طُويت له وإن شاء مشى على الماء والهواء يقاومانه فيه ولا تقاومه الجبال في القصد.
• وعندما تحدث عن وحدة الوجود قال: وإلى طريق پاتنجل ذهبت الصوفية في الاشتغال بالحق، فقالوا: ما دُمتَ تشير فلستَ بموحدٍ حتى يستولي الحق على إشارتك بإفنائها عنك فلا يبقى مشير ولا إشارة
ويوجد في كلامهم ما يدل على القول بالاتحاد كجواب أحدهم عن الحق : وكيف لا أتحقق من هو أنابالإنية، ولا أنا بالأينية، إن عدت فبالعودة فُرقتُ، وإن أهملتُ فبالإهمال خففتُ وبالاتحاد ألفتُ، وكقول أبي بكر الشبلي: اخلع الكل تصل إلينا بالكلية فتكون ولا تكون إخبارك عنا وفعلك فعلنا، وكجواب أبي يزيد البسطامي وقد سئل بم نلتَ ما نلت؟
إني انسلخت من نفسي كما تنسلخ الحية من جلدها، ثم نظرتُ إلى ذاتي فإذا أنا هو، وقالوا في قول الله تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا﴾ (البقرة73): إن الأمر بقتل الميت لإحياء الميت إخبارٌ أن القلب لا يحيى بأنوار المعرفة إلا بإماتة البدن بالاجتهاد حتى يبقى رَسماً لا حقيقة له وقلبكَ حقيقة ليس عليه أثر من المرسومات، وقالوا: إن بين العبد وبين الله ألفُ مقام من النور والظلمة، وإنما اجتهاد القوم في قطع الظلمة إلى النور، فلما وصلوا إلى مقامات النور لم يكن لهم رجوع.
ويمكن إجمال أوجه الشبه التي ذكرها البيروني بين العقائد الهندية والعقائد الصوفية في الأمور الآتية:
مسألة الروح، وطريق الخلاص، وإلغاء التمايز ومحو الإشارة، والتناسخ، والمجاهدة.
فالبيروني يؤكد أن قول المتصوفة في كثير من معتقداتهم شبيه بقول الهندوس، وأنهم قد تأثروا بهم، وأخذوا هذه المعتقدات الباطلة من الهندوس ومن سار على نهجهم وقلدهم وتأثر بهم، يتضح هذا الحكم من كلامه الذي نقلته هنا، وفي مواضع أخرى من كتابه، حيث إنه نقل عقائد الهندوس في بعض الأشياء ثم أعقبه بذكر كلام الصوفية الذي يشابه كلام الهندوس مما يدل على أنهم تأثروا بها.
2) إحسان إلهي ظهير:
ذكر الشيخ إحسان إلهٰي ظهير : عن مصادر التصوف ومآخذه فقال:
وأما كون التصوف وتعاليمه وفلسفته، أوراده وأذكاره، وطرق الوصول إلى المعرفة, والمؤدية إلى الفناء مأخوذة مستقاة من المذاهب الهندية والمانوية والزرادشتية أيضاً فلا ينكرها منكر، ولا يردها أحد، ولا يشك فيها شاك، بل إن كبار الكتّاب عن التصوف والباحثين فيه من المستشرقين والمسلمين، وحتى الصوفية أقروا بذلك حيث لم يسعهم إلا الاعتراف بهذه الحقيقة الظاهرة الجلية التي لا يمكن تجاهلها ولا إغفالها البتة….
3) ويقول الأستاذ عبد الرحمن دمشقية:
وعلى هذا نرى أن التصوف ... قد تأثر بالاتجاه الهندي عموماً والبرهمي خصوصاً... إذن فالقول بالفناء الذي يدين به الصوفية هندي بحت، وحتى الطريقة الممهدة لحصول هذا الفناء ـ وهي طريقة الرياضة، ومخالفة الشهوة وتعذيب الجسد ـ هي طريقة هندية أخذها الصوفية عنهم.. وهذا ليس بسرّ، فالصوفية يصرحون بذلك ويشيرون إلى عبادة الهنود، ورياضاتهم ويتمثلون بها مما يؤكد أخذهم عن هذا المصدر.
ويقول: فالطريقة الرفاعية إنما أخذت تقديس الحيوانات، والإحجام عن قتلها من مبدأ أهمسا، الهندي، بل كان الرفاعي إذا مرّ أمامه خنـزير يقول له: أنعم صباحاً، وقال: لقد تأثر الرفاعي بعقيدة أهمسا الهندية، وهي الإحجام عن قتل المخلوقات أو إيذائها ولو كانت من القمل أو الجرا.
4) ويقول الأستاذ أنور الجندي:
وقد تأثر التصور الصوفي بمفاهيم الغنوصية والفلسفات اليونانية والهندية والمسيحية عليه، وكلها خارجة عن مفهوم التوحيد الخالص وبعيدة عن التصور الإسلامي وقيم الإسلام الأصيلة،... يقوم الدين الهندي والفلسفة الهندوكية على وحدة الوجود على التناسخ، وقد ذهبت الهندوكية والبوذية إلى ما يسمّى بالنرفانا .. وقد أسماه بعض الصوفية (الفناء)... ومن العناصر... الهندوكية استمدت هذه المذاهب: تعذيب النفس،.. والواقع أن أفكار الإشراق ووحدة الوجود والاتحاد والحلول مستمدة كلها من فلسفات الهند ومصر واليونان، فوحدة الوجود مذهب هندي برهمي، والأدلة على وجوده ماثلة في كتب الهنود الدينية وفي أفكارهم الفلسفية... ولا ريب أن وحدة الوجود والتناسخ مستمدة أساساً من الفكر البرهمي ... قد حمله إلى الإسلام... عددٌ من أتباع الفلسفات من أمثال محي الدين ابن عربي والحلاج والسهروردي.
ومن المستشرقين الذين نصوا على أن الديانة الهندوسية من مصادر التصوف كثيرون، منهم:
1) وليم جونز:
فقد قارن بين مذهب وحدة الوجود في التصوف ... وبين مذهب ڤيدانت، كما قارن بين قصائد جلال الدين الرومي وحافظ الشيرازي وبين گيت گوبندا.
ثم تلا من المستشرقين عدة أشخاص منهم:
ألفرد كريمر، ثم روزن، وجولدتسيهر، ثم مورينو، إلا أن من أهمهم: ريتشارد هورتمان وماركس هورتين، كما ذكر لنا الأستاذ أبو العلا عفيفي حيث كتب بحثه عن المشتغلين من المستشرقين في دراسة التصوف فقال: أما ريتشارد هارتمان، وماركس هورتين فنـزعتهما واحدة، وهي أن التصوف يستمد أصوله من الفكر الهندي.
2) آراء هورتن:
إن هورتن قد بذل من المجهود في إثبات هذه النظرية ما لم يبذله أي كاتب آخر، فقد كتب في سنتي 1927م، و1928م، مقالتين حاول أن يثبت في إحداهما بعد تحليل تصوف الحلاج والبسطامي والجنيد، أن التصوف... في القرن الثالث الهجري كان مشبعاً بالأفكار الهندية، وأن الأثر الهندي أظهر ما يكون في حالة الحلاج، وفي المقالة الثانية يؤيد النظرية نفسها عن طريق بحث المصطلحات الصوفية الفارسية بحثاً فيلولوجياً، وينتهي إلى أن التصوف... هو بعينه مذهب الڤيدانت الهندية.
3) آراء هورتمان:
يستند هورتمان في إثبات نفس الدعوى إلى النظر في الصوفية أنفسهم وفي مراكز الثقافة القديمة التي كانت منتشرة في بلادهم، لا إلى المصطلحات الصوفية كما فعل هورتن، وقد نشر في مسألة أصل التصوف مقالاً مهماً سنة 1916 في مجلة Dear Islam
هذا موضوع مستل من رسالة دكتوارة كُتبة عن الديانة الهندوسية!
التصوف يستمد أصوله من الفكر الهندوسي والأدلة على ذلك
اختلف الكتاب والمؤلفون في تحديد مصادر التصوف على أقوال:
1) فمن قائل: إن مصادر التصوف كلها إسلامية.
2) ويقال: إن التصوف لا علاقة لها بالإسلام إطلاقاً.
3) ويقال: إن التصوف وليد الأفكار المختلطة من الإسلام واليهودية والنصرانية والمانوية والمجوسية والمزدكية والهندوسية والبوذية، وقبل ذلك من الفلسفة اليونانية وآراء الأفلاطونية الحديثة.
4) ويقال: إن التصوف اسم للزهد المتطور بعد القرون المشهود لها بالخير كرد فعل للانغماس في ترف الدنيا ونعيمها، ثم تطورت ودخلت أفكار أجنبية وفلسفات غير إسلامية، وذهب إلى هذا الرأي كثيرون منهم شيخ الإسلام ابن تيمية : وغيره.
هذه معظم الأقوال في مصادر التصوف، وإن أفضل طريق للحكم على طائفة معينة وفئة خاصة من الناس هو الحكم المبني على آرائها وأفكارها التي نقلوها في كتبهم المعتمدة والرسائل الموثوق بها لديهم بذكر النصوص والعبارات التي يبني عليها الحكم، ويؤسس عليها الرأي ولا يعتمد على أقوال الآخرين ونقول الناقلين، اللهم إلا للاستشهاد على صحة استنباط الحكم واستنتاج النتيجة.
وهذه الطريقة مع صعوبتها هي الطريقة الصحيحة المستقيمة التي يقتضيها العدل والإنصاف، وعلى ذلك نقول:
إننا إذا نظرنا إلى تعاليم الصوفية الأوائل والأواخر، وأقاويلهم المنقولة منهم، والمأثورة في كتب الصوفية، القديمة والحديثة نفسها، نرى بوناً شاسعاً بينها وبين تعاليم القرآن والسنة
وكذلك لا نجد جذورها وبذورها في سيرة محمد ص ، وأصحابه الكرام
بل بعكس ذلك نراها مأخوذة مقتبسة من الرهبنة البرهمية الهندوسية، والنصرانية، وتنسك اليهودية، وزهد البوذية، والفكر الشعوبي الإيراني المجوسي عند الأوائل، والغنوصية اليونانية والأفلاطونية الحديثة لدى الذين جاءوا من بعدهم.
فالتصوف استمد أصوله من كل نحلة ودين، فلو فتّش فيه يجد الباحث فيه البرهمية والبوذية والزرادشتية، ومانوية وتجد فيه أفلاطونية وغنوصية، وتجد فيه يهودية، ونصرانية، ووثنية جاهلية.
وعلى هذا نستطيع أن نقول:
إن التصوف استمد أصوله من أفكار مختلطة من أصحاب الأديان والفلسفة
تصل إلى عشرة مصادر، هي:
الإسلام
و
اليهودية
و
النصرانية
و
المانوية
و
المجوسية
و
المزدكية
و
الهندوسية
و
البوذية
و
الفلسفة اليونانية
و
الفلسفة الأفلاطونية.
والذي يظهر لي أن التصوف تأثر بالهندوسية أكثر من المصادر الأخرى، وذلك لما يأتي:
أولاً:
تنصيص العلماء على ذلك قديماً وحديثاً:
نص كثير من العلماء على كون الديانة الهندوسية من مصادر التصوف، فمن العلماء المسلمين الذين نصوا على ذلك:
1) أبو الريحان البيروني:
إن أبا الريحان البيروني أول من عقد مقارنات في المذاهب وكشف عن هذا التشابه بين مذاهب الهنود كالڤيدانت، وبين مذاهب الصوفية، وكذلك بين يوغا باتنجل، وبين أقوال أبي يزيد البسطامي، والحلاج والشبلي فمن أقواله:
• عن التناسخ:
وإلى هذا المعنى (التناسخ) ذهب من الصوفية من قال: إن الدنيا نفس نائمة، والآخرة نفس يقظانة، وهم يجيزون حلول الحق في الأمكنة كالسماء والجماد، ويُعبّر عن ذلك بالظهور الكلي، وإذا أجازوا ذلك فيه لم يكُ لحلول الأرواح بالتردد عندهم خطر.
• ويقول عن الفناء:
وإلى مثل هذا إشارات الصوفية في العارف إذا وصل إلى مقام المعرفة فإنهم يزعمون أنه يحصل له روحان، قديمة لا يجري عليها تغيرٌ واختلاف بها يعلم الغيب، ويفعل المعجز، وأخرى بشرية للتغير والتكوين.
• وعندما ذكر الاتحاد قال: ولهذا قالت الصوفية في تحديد العشق: إنه الاشتغال بالخلق عن الحق
• وعندما ذكر حال من وصل إلى حالة نر ڤانا الهندوسية، وأنه يكون قادراً على الانتقال إلى حيث أحبّ، فقال: وإلى قريب من هذا يذهب الصوفية فقد حكى في كتبهم عن بعضهم: إنه وردت علينا طائفة من الصوفية، وجلسوا بالبعد عنا وقام أحدهم يصلي، فلما فرغ التفت، وقال لي: يا شيخ تعرف ها هنا موضعاً يصلح لأن نموت فيه؟ فظننت أنه يريد النوم، فأومأتُ إلى موضع وذهب وطرح نفسه على قفاه وسكن، فقمت إليه وحركته، وإذا أنه قد برد، وقالوا: في قول الله تعالى: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ﴾ (الكهف:84) إنه إن شاء طُويت له وإن شاء مشى على الماء والهواء يقاومانه فيه ولا تقاومه الجبال في القصد.
• وعندما تحدث عن وحدة الوجود قال: وإلى طريق پاتنجل ذهبت الصوفية في الاشتغال بالحق، فقالوا: ما دُمتَ تشير فلستَ بموحدٍ حتى يستولي الحق على إشارتك بإفنائها عنك فلا يبقى مشير ولا إشارة
ويوجد في كلامهم ما يدل على القول بالاتحاد كجواب أحدهم عن الحق : وكيف لا أتحقق من هو أنابالإنية، ولا أنا بالأينية، إن عدت فبالعودة فُرقتُ، وإن أهملتُ فبالإهمال خففتُ وبالاتحاد ألفتُ، وكقول أبي بكر الشبلي: اخلع الكل تصل إلينا بالكلية فتكون ولا تكون إخبارك عنا وفعلك فعلنا، وكجواب أبي يزيد البسطامي وقد سئل بم نلتَ ما نلت؟
إني انسلخت من نفسي كما تنسلخ الحية من جلدها، ثم نظرتُ إلى ذاتي فإذا أنا هو، وقالوا في قول الله تعالى: ﴿فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا﴾ (البقرة73): إن الأمر بقتل الميت لإحياء الميت إخبارٌ أن القلب لا يحيى بأنوار المعرفة إلا بإماتة البدن بالاجتهاد حتى يبقى رَسماً لا حقيقة له وقلبكَ حقيقة ليس عليه أثر من المرسومات، وقالوا: إن بين العبد وبين الله ألفُ مقام من النور والظلمة، وإنما اجتهاد القوم في قطع الظلمة إلى النور، فلما وصلوا إلى مقامات النور لم يكن لهم رجوع.
ويمكن إجمال أوجه الشبه التي ذكرها البيروني بين العقائد الهندية والعقائد الصوفية في الأمور الآتية:
مسألة الروح، وطريق الخلاص، وإلغاء التمايز ومحو الإشارة، والتناسخ، والمجاهدة.
فالبيروني يؤكد أن قول المتصوفة في كثير من معتقداتهم شبيه بقول الهندوس، وأنهم قد تأثروا بهم، وأخذوا هذه المعتقدات الباطلة من الهندوس ومن سار على نهجهم وقلدهم وتأثر بهم، يتضح هذا الحكم من كلامه الذي نقلته هنا، وفي مواضع أخرى من كتابه، حيث إنه نقل عقائد الهندوس في بعض الأشياء ثم أعقبه بذكر كلام الصوفية الذي يشابه كلام الهندوس مما يدل على أنهم تأثروا بها.
2) إحسان إلهي ظهير:
ذكر الشيخ إحسان إلهٰي ظهير : عن مصادر التصوف ومآخذه فقال:
وأما كون التصوف وتعاليمه وفلسفته، أوراده وأذكاره، وطرق الوصول إلى المعرفة, والمؤدية إلى الفناء مأخوذة مستقاة من المذاهب الهندية والمانوية والزرادشتية أيضاً فلا ينكرها منكر، ولا يردها أحد، ولا يشك فيها شاك، بل إن كبار الكتّاب عن التصوف والباحثين فيه من المستشرقين والمسلمين، وحتى الصوفية أقروا بذلك حيث لم يسعهم إلا الاعتراف بهذه الحقيقة الظاهرة الجلية التي لا يمكن تجاهلها ولا إغفالها البتة….
3) ويقول الأستاذ عبد الرحمن دمشقية:
وعلى هذا نرى أن التصوف ... قد تأثر بالاتجاه الهندي عموماً والبرهمي خصوصاً... إذن فالقول بالفناء الذي يدين به الصوفية هندي بحت، وحتى الطريقة الممهدة لحصول هذا الفناء ـ وهي طريقة الرياضة، ومخالفة الشهوة وتعذيب الجسد ـ هي طريقة هندية أخذها الصوفية عنهم.. وهذا ليس بسرّ، فالصوفية يصرحون بذلك ويشيرون إلى عبادة الهنود، ورياضاتهم ويتمثلون بها مما يؤكد أخذهم عن هذا المصدر.
ويقول: فالطريقة الرفاعية إنما أخذت تقديس الحيوانات، والإحجام عن قتلها من مبدأ أهمسا، الهندي، بل كان الرفاعي إذا مرّ أمامه خنـزير يقول له: أنعم صباحاً، وقال: لقد تأثر الرفاعي بعقيدة أهمسا الهندية، وهي الإحجام عن قتل المخلوقات أو إيذائها ولو كانت من القمل أو الجرا.
4) ويقول الأستاذ أنور الجندي:
وقد تأثر التصور الصوفي بمفاهيم الغنوصية والفلسفات اليونانية والهندية والمسيحية عليه، وكلها خارجة عن مفهوم التوحيد الخالص وبعيدة عن التصور الإسلامي وقيم الإسلام الأصيلة،... يقوم الدين الهندي والفلسفة الهندوكية على وحدة الوجود على التناسخ، وقد ذهبت الهندوكية والبوذية إلى ما يسمّى بالنرفانا .. وقد أسماه بعض الصوفية (الفناء)... ومن العناصر... الهندوكية استمدت هذه المذاهب: تعذيب النفس،.. والواقع أن أفكار الإشراق ووحدة الوجود والاتحاد والحلول مستمدة كلها من فلسفات الهند ومصر واليونان، فوحدة الوجود مذهب هندي برهمي، والأدلة على وجوده ماثلة في كتب الهنود الدينية وفي أفكارهم الفلسفية... ولا ريب أن وحدة الوجود والتناسخ مستمدة أساساً من الفكر البرهمي ... قد حمله إلى الإسلام... عددٌ من أتباع الفلسفات من أمثال محي الدين ابن عربي والحلاج والسهروردي.
ومن المستشرقين الذين نصوا على أن الديانة الهندوسية من مصادر التصوف كثيرون، منهم:
1) وليم جونز:
فقد قارن بين مذهب وحدة الوجود في التصوف ... وبين مذهب ڤيدانت، كما قارن بين قصائد جلال الدين الرومي وحافظ الشيرازي وبين گيت گوبندا.
ثم تلا من المستشرقين عدة أشخاص منهم:
ألفرد كريمر، ثم روزن، وجولدتسيهر، ثم مورينو، إلا أن من أهمهم: ريتشارد هورتمان وماركس هورتين، كما ذكر لنا الأستاذ أبو العلا عفيفي حيث كتب بحثه عن المشتغلين من المستشرقين في دراسة التصوف فقال: أما ريتشارد هارتمان، وماركس هورتين فنـزعتهما واحدة، وهي أن التصوف يستمد أصوله من الفكر الهندي.
2) آراء هورتن:
إن هورتن قد بذل من المجهود في إثبات هذه النظرية ما لم يبذله أي كاتب آخر، فقد كتب في سنتي 1927م، و1928م، مقالتين حاول أن يثبت في إحداهما بعد تحليل تصوف الحلاج والبسطامي والجنيد، أن التصوف... في القرن الثالث الهجري كان مشبعاً بالأفكار الهندية، وأن الأثر الهندي أظهر ما يكون في حالة الحلاج، وفي المقالة الثانية يؤيد النظرية نفسها عن طريق بحث المصطلحات الصوفية الفارسية بحثاً فيلولوجياً، وينتهي إلى أن التصوف... هو بعينه مذهب الڤيدانت الهندية.
3) آراء هورتمان:
يستند هورتمان في إثبات نفس الدعوى إلى النظر في الصوفية أنفسهم وفي مراكز الثقافة القديمة التي كانت منتشرة في بلادهم، لا إلى المصطلحات الصوفية كما فعل هورتن، وقد نشر في مسألة أصل التصوف مقالاً مهماً سنة 1916 في مجلة Dear Islam