أهمية توحيد العبادة
تأليف
فضيلة الشيخ
عبد المحسن بن حمد العبّاد البدر
تأليف
فضيلة الشيخ
عبد المحسن بن حمد العبّاد البدر
الطبعة الأولى 1429هـ
===
بسم الله الرحمن الرحيم
===
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي قال في كتابه المبين: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[ [الذاريات: 56]، وقال: ]الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ[ [الأنعام: 1]، وأشهد أن لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إيّاه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد،
فإن أوجب الواجبات وأهم المهمات إخلاص العبادة لرب الأرض والسماوات، وعدم صرف شيء منها لأحد من المخلوقات؛ لأنه للتكليف بتوحيد العبادة خُلق الجن والإنس، ولبيانه والدعوة إليه أنزلت الكتب وأُرسلت الرسل، وبسبب قبوله ورده حصل الانقسام إلى مؤمنين وكافرين وسعداء وأشقياء
ولا شك أن حاجة كل إنسان إلى معرفة هذا التوحيد والتعبد به فوق كل حاجة، وضرورته إليه فوق كل ضرورة؛ لأن في ذلك سعادة الدنيا والآخرة، وهذا التوحيد هو مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله المشتملة على ركنين:
نفي عام وهو نفي العبادة عن كل من سوى الله
و
إثبات خاص وهو إثباتها لله وحده
وإخلاص العمل لله أحد شرطي قبول العمل المتقرب به إلى الله
والشرط الثاني المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو مقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، والعمل المقبول عند الله هو ما كان خالصاً لله ومطابقاً لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا فُقد شرط الإخلاص رُد العمل؛ لقول الله عز وجل: ]وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا[ [الفرقان: 23]
وقوله تعالى في الحديث القدسي: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه» رواه مسلم (7475) عن أبي هريرة رضي الله عنه
وإذا فُقد شرط المتابعة رُدَّ العمل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» رواه البخاري (2697) ومسلم (4492) من حديث عائشة رضي الله عنها، وفي لفظ لمسلم (4493): «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد»، والرواية الثانية أعم من الأولى؛ لأنها تشمل من أحدث ومن تابع من أحدث.
ولأهمية توحيد العبادة وأنه ينبغي العناية به من العلماء والدعاة إلى الله عز وجل رأيت كتابة هذه الكلمات، وأسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين للفقه في الدين والثبات على الحق وإخلاص العمل لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، إنه سميع مجيب
خلق الجن والإنس لتكليفهم بالعبادة
خلق الله الجن والإنس لعبادته، وأمرهم بتوحيده وطاعته، وقد انقسموا إلى قسمين سعيد وشقي، وعاص ومطيع، فمن أطاعه دخل الجنّة ومن عصاه دخل النار، قال الله عز وجل:]وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ[ [السجدة: 13]، وكلهم مأمورون منهيون، وهم مع هذا الأمر والنهي موفَّقون ومخذولون، ومعنى خَلْقهم للعبادة أي لتكليفهم وابتلائهم بها، وقيل: المراد بقوله: ]إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[ مَن آمن منهم
قال القرطبي في تفسيره: «قيل: إن هذا خاص فيمن سبق في علم الله أنه يعبده، فجاء بلفظ العموم ومعناه الخصوص، والمعنى: وما خلقت أهل السعادة من الجن والإنس إلاّ ليوحدون»، وقال ابن كثير في تفسيره: «أي: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي لا لاحتياجي إليهم»
وقال شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في (أضواء البيان: 7/ 714 ـ 715): «والتحقيق ـ إن شاء الله ـ في معنى هذه الآية الكريمة ]إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[ أي: إلاّ لآمرهم بعبادتي وأبتليهم، أي: أختبرهم بالتكاليف ثم أجازيهم على أعمالهم، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، وإنما قلنا: إن هذا هو التحقيق في معنى الآية؛ لأنه تدل عليه آيات محكمات من كتاب الله، فقد صرّح تعالى في آيات من كتابه أنه خلقهم ليبتليهم أيهم أحسن عملاً، وأنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم، قال تعالى في أول سورة هود: ]وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ[، ثم بيَّن الحكمة في ذلك فقال: ] لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ[، وقال تعالى في أول سورة الملك: ] الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ[، وقال تعالى في أول الكهف: ]إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً[ الآية، فتصريحه ـ جلّ وعلا ـ في هذه الآيات المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملاً يفسر قوله: ]إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[، وخير ما يفسر به القرآن القرآن».
توحيد العبادة هو حق الله على عباده
روى البخاري (5967) ومسلم (143) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: «بينا أنا رديف النبي صلى الله عليه وسلم ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل، فقال: يا معاذ! قلت: لبيك رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ! قلت: لبيك رسول الله وسعديك، ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ! قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: هل تدري ما حق الله على عباده؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم سار ساعة ثم قال: يا معاذ بن جبل! قلت: لبيك رسول الله وسعديك، قال: هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوه؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: حق العباد على الله أن لا يعذبهم».
فقد اشتمل هذا الحديث على بيان حق الله على عباده، وهو إفراده بالعبادة وترك الإشراك به
واشتمل على اهتمامه صلى الله عليه وسلم وعنايته ببيان هذا التوحيد، وذلك بندائه معاذاً رضي الله عنه ثلاث مرات متفرقات، ثم قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: «هل تدري ما حق الله على عباده؟»، والمراد من هذا التمهيد بهذا النداء والسؤال أن يتهيّأ معاذ رضي الله عنه لمعرفة واستيعاب ما يقوله له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك دال على كمال بيانه صلى الله عليه وسلم وكمال نصحه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه
وقد أورد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هذا الحديث في مطلع كتابه «كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد» وأخذ تسميته منه.
دعوة الرسل إلى توحيد العبادة
بعث الله في كل أمة رسولاً بلسانها يدعوها إلى التوحيد ويحذِّرها من الشرك ويدلّها على خير ما يعلمه لها ويحذّرها من شرّ ما يعلمه لها، قال الله عز وجل: ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ[ [إبراهيم: 4]
وقال: ]وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ[ [النحل: 36]
وقال: ]يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ[ [النحل: 2]
وقال: ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ[ [الأنبياء: 25]
وفي صحيح مسلم (4776) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهماأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه لم يكن نبي قبلي إلاّ كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم»،
وقال صلى الله عليه وسلم: «تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك» حديث صحيح رواه ابن أبي عاصم في السّنّة (48) من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، ورواه أيضاً (47) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
ففي هذه الآيات الدلالة إجمالاً على أن كل رسول دعا أمته إلى التوحيد وحذّرها من الشرك
وقد جاءت الآيات إجمالاً في بيان كفر أقوامهم بهم وبقائهم على ملّة آبائهم، قال الله عز وجل: ]أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَـمًّى قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ[ [إبراهيم: 9ـ 10]
وقال: ]وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُون[ [سبأ: 34]
وقال: ]وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُون[ [الزخرف: 23]
وقال: ] كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ[ [الذاريات: 52].
وهذا الإجمال في دعوة الرسل إلى التوحيد وردِّ أممهم عليهم جاء مفصلاً في قصص الأنبياء في القرآن الكريم، قال الله عز وجل عن نوح في سورة الأعراف: ] لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ[[الأعراف: 59]
وقال في سورة هود: ]وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِين أَن لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ[ [هود: 25ـ 26]
وقال في سورة المؤمنون: ]وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ[ [المؤمنون: 23]
وقال في سورة الشعراء: ]كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلاَ تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُون[ [الشعراء: 105ـ 110]
وقال في سورة نوح: ]إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ[[نوح: 1ـ 3].
وقال عن ردّ قومه عليه في سورة المؤمنون: ]فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ[[المؤمنون: 24]
وقال في سورة نوح: ]وَقَالُوا لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدًّا وَلاَ سُوَاعًا وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا[ [نوح: 23]
وقد أوردت في التقديم لكتابَيْ تطهير الاعتقاد وشرح الصدور للصنعاني والشوكاني آيات مفصلة لدعوة عدد من الرسل من بعد نوح ورد بعض قومهم عليهم، وهم هود وصالح وإبراهيم ولوط وشعيب ويعقوب وموسى وعيسى وسليمان وإلياس ويونس ويوسف ومحمد عليهم الصلاة والسلام.
عدل سابقا من قبل الشيخ إبراهيم حسونة في 29.09.08 12:03 عدل 2 مرات