إثبات أن المحسن اسم من أسماء الله الحسنى
د. عبدالرزاق بن عبدالمحسن العباد البدر
د. عبدالرزاق بن عبدالمحسن العباد البدر
الحمد لله عظيم الإحسان واسع الجود والإمتنان، الذي أحسن كل شيء خلقه، وبدأ من طين خلق الإنسان، وأصلي وأسلم على رسوله القائل أحسنوا فإن الله محسن يحب الإحسان .
وبعد...
فهذه فوائد متنوعة ولطائف متفرقة جمعت شتاتها من أماكن عديدة حول إثبات أن المحسن اسم من أسماء الله الحسنى، وذكر الأدلة على ذلك من السنة بنقل الأحاديث الدالة على ذلك، وحكم أهل العلم عليها، وبيان جواز التعبيد لله به كغيره من أسماء الله الحسنى لثبوته اسماً لله، ونقل أقوال أهل العلم ممن صرح بذلك، وذكر عدد ممن سمي بـ((عبدالمحسن)) إلى نهاية القرن التاسع، مع فوائد أخرى، سائلاً الله الكريم التوفيق والسداد.
والداعي لجمع هذا الموضوع ولمّ شتاته هو وقوع التردد عند بعض الأفاضل من أهل العلم في صحة إطلاق هذا الاسم على الله جلّ وعلا، ولقد جمعت – بحمد الله وتوفيقه – من الأدلة والنقول عن أهل العلم في صحة تسمية الله بذلك ما فيه كفاية ومقنعٍ وأسأله سبحانه أن يجعل عملي هذا لوجهه خالصاً، ولسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم
موافقاً، ولعباده نافعاً، إنه جواد كريم، وهذا أوان الشروع في المقصود، وقد رتبته حسب النقاط التالية:
(أ) لقد صح تسمية الله بالمحسن في ثلاثة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم
أحدها: عن أنس بن مالك رضي الله عنه، وثانيها: عن شداد بن أوس رضي الله عنه، وثالثها: عن سمرة بن جندب رضي الله عنه، وبيانها كما يلي:
أولاً: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: "إذا حكمتم فاعدلوا، وإذا قتلتم فأحسنوا فإن الله محسن يحب المحسنين".
أخرجه ابن أبي عاصم في الديات (ص: 49) وابن عدي في الكامل (6/ 2145) وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 113) والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد للهيثمي (5/ 197) من طرق عن محمد بن بلال ثنا عمران القطان عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
: فذكره.
قال الهيثمي ورجاله ثقات، وكذا قال المناوي في التيسير (1/ 90) وقال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 761).
وهذا إسناد جيد رجاله ثقات معروفون غير محمد بن بلال وهو البصري الكندي. قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وقال الحافظ: (صدوق يغرب) أ هـ وقال في صحيح الجامع (1/ 194): ((حسن)).
قلت: وقد رمز السيوطي في الجامع الصغير (1/ 24) لضعفه فلم يصب.
ثانياً: حديث شداد بن أوس رضي الله عنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم
اثنتين قال: "إن الله محسن يحب الإحسان إلى كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته".
رواه عبدالرزاق في المصنف (4/ 492) ومن طريقه الطبراني في الكبير (7/ 332) عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس رضي الله عنه. فذكره.
ورجال إسناده كلهم ثقات، فمعمر بن راشد البصري ثقة ثبت فاضل من كبار السابعة وأيوب هو السختياني ثقة ثبت حجة من الخامسة وأبو قلابة البصري هو عبدالله بن زيد الجرمي ثقة فاضل كثير الإرسال من الثالثة وأبو الأشعث الصنعاني هو شراحيل بن آده ثقة من الثانية .
فإسناد الحديث صحيح لولا عنعنة أبي قلابة، وهو مدلس، قال الذهبي في ترجمته في الميزان:
"إمام شهير من علماء التابعين، ثقة في نفسه إلاّ أنه مدلس عمن لم يلحقهم، وكان له صحف يحدث منها ويدلس" .
وأورده الحافظ بن حجر في كتابه طبقات المدلسين في الطبقة الأولى .
لكن الحديث صحيح ثابت بما قبله، ولذا صححه الألباني حفظه الله، انظر صحيح الجامع (1/ 129) والإرواء (7/ 293).
وللحديث طريق أخرى فيها عنعنة أبي قلابة أيضاً، فقد رواه البيهقي في سننه (9/ 280) من طريق عبدالوهاب بن عبدالمجيد ثنا خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي الأشعث الصنعاني عن شداد بن أوس رضي الله عنه فذكره، لكن لفظه: ((إن لله محسان كتب الإحسان على كل شيء)).