خزانة الربانيون

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    لم هذا الجدال في معاني الصفات

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية لم هذا الجدال في معاني الصفات

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.09.08 13:44

    [size=28]لم هذا الجدال في معاني الصفات

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله عدد خلقه و الصلاة و السلام على خاتم رسله وعلى آله وصحبه
    أما بعد


    فقد تألمت من أسلوب خوض بعض الأخوة الكاتبين في هذا المنتدى في صفات الباري تعالى على طريقة تقشعر منها الأبدان ويعلم من تأمل الكتاب و السنة و قرأ و فهم طريقة السلف من الأئمة أنها عن الصواب نائية و فيها ما قد كرهه الأئمة من الجدال وفيها ما ينزه الباري عنه من ضعيف المقال. فهذه نصيحة كتبتها على عجل و في قلبي مما قرأت هم و وجل . و الله يغفر لإخواننا و يوفقنا جميعا لمرضاته .

    إخواني لا يرتاب من أنصف وعرف كلام الأئمة أن مسائل الصفات لا ينفع فيها إلا التسليم والإيمان وأن التوسع فيها بذكر الشبه أوالتأويلات ليس من طريقة الأئمة . روى الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى عن مصعب بن عبد الله الزبيري من تلاميذ الإمام مالك رحمه الله تعالى قوله :

    ( كان مالك بن أنس يقول : الكلام في الدين أكرهه ولم يزل أهل بلدنا يكرهونه وينهون عنه نحو الكلام في رأي جهم والقدر ، وكل ما أشبه ذلك ولا أحب الكلام إلا فيما تحته عمل ، فأما الكلام في دين الله وفي الله عز وجل فالسكوت أحب إلي لأني رأيت أهل بلدنا ، ينهون عن الكلام في الدين إلا فيما تحته عمل ) اهـ . جامع بيان العلم 2/116 وسنده صحيح قال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله تعالى معقبا على ذلك :

    (( قد بين مالك رحمه الله تعالى أن الكلام فيما تحته عمل هو المباح عنده وعند أهل بلده يعني العلماء منهم رضي الله عنهم، وأخبر أن الكلام في الدين نحو القول في صفات الله وأسمائه ونحو قول جهم والقدر . والذي قاله مالك رحمه الله تعالى عليه جماعة الفقهاء والعلماء قديما وحديثا من أهل الحديث والفتوى ، وإنما خالف ذلك أهل البدع المعتزلة وسائر الفرق ، وأما الجماعة فعلى ما قال مالك رحمه الله تعالى إلا أن يضطر أحد فلا يسعه السكوت إذا طمع برد الباطل وصرف صاحبه عن مذهبه أو خشي ضلال عامة أو نحو هذا ) ) اهـ .

    فهذا مالك رحمه الله تعالى لا يرى الدخول في ذلك أصلا بل يرى الكلام في ذلك مما نهى عنه أهل المدينة، ومالك قد أدرك بعض البدع المشهورة ومع ذلك يقول مثل هذا. فالإمام مالك من أكثر الأئمة إن لم يكن أكثرهم تشددا في العلم والرواية ولما كان من أهل الانتقاء والتدقيق في الروايات اشتد حرص الأئمة المصنفين في الصحيح وعموم السنن على روايته وحديثه بحيث لم يُقدِّموا على حديثه حديث أحد من الأئمة المشهورين بالعلم من طبقته .

    وقال أبوعمر بن عبد البر رحمه الله تعالى : ( ليس في الاعتقاد كله في صفات الله تعالى وأسمائه إلا ماجاء منصوصا في كتاب الله أو صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أجمعت الأمة عليه ، وما جاء من أخبارالآحاد في ذلك كله يُسَلَّمُ له ولا يناظر فيه ) اهـ . التمهيد 2 / 117 -118

    وقال أيضا : ( تناظر القوم وتجادلوا في الفقه، ونهوا عن الجدال في الاعتقاد، لأنه يؤول إلى الانسلاخ من الدين ، ألا ترى مناظرة بشر في قوله جل وعز :  ما يكون من نجوى ثلاثة إلا وهو رابعهم  ، ( المجادلة - 7 ) ، حين قال بذاته في كل مكان فقال له خصمه، هو في قلنسوتك وفي حشك وفي جوف حمار ، تعالى الله عما يقولون . حكى ذلك وكيع رحمه الله تعالى وأنا والله أ كره أن أحكي كلامهم ) اهـ . ( ) وكاتبها العبد الفقير إلى الله تعالى ، يسأل الله تعالى المغفرة من نقلها ، فقد كتبتها والله وأنا أستغفر الله تعالى وأسأله سبحانه الستر والغفران لي ولجميع المسلمين .

    وفي كتاب السنة للخلال : (( واعلم أن ترك الخصومة والجدال هو طريق من مضى ، ولم يكونوا أصحاب خصومة ولا جدال )) اهـ . ( )

    وقال الإمام الخطابي : ( واعلم أن الأئمة الماضين والسلف المتقدمين لم يتركوا هذا النمط من الكلام ، وهذا النوع من النظر عجزا عنه ولا انقطاعا دونه، وقد كانوا ذوي عقول وافرة ، وأفهام ثاقبة وكان في زمانهم هذه الشبه والآراء وهذه النحل والأهواء وإنما تركوا هذه الطريقة ، وأضربوا عنها لما تخوفوه فتنتها وحذروه من سوء مغبتها ، وقد كانوا على بينة من أمرهم وعلى بصيرة من دينهم ) اهـ . ( )

    قلت : عن مهدي بن ميمون قال سمعت محمدا – هو ابن سيرين -وماراه رجل في شيء فقال له محمد : ( إني قد أعلم ما تريد ، وأنا أعلم بالمراء منك ، ولكن
    لا أماريك ) اهـ . ( )

    وممن نقل عنه هذا المنهج واشتهر عنه العمل به الإمام أحمد رحمه الله تعالى ومن ذلك أنه قال في رسالته المشهورة الصحيحة إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل حين كتب إليه بأمر أمير المؤمنين المتوكل يسأله عن القرآن لا مسألة امتحان بل مسألة معرفة وبصيرة ، فكتب إليه الإمام أحمد رسالة منها : ( لستُ بصاحب كلام ، ولا أرى الكلام في شئ من هذا إلا ما كان في كتاب الله ، أو في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أو عن أصحابه أو عن التابعين . فأما غير ذلك ، فإن الكلام فيه غير محمود ) اهـ . ( ) وروى الخلال عن شيخه أبي بكر المروذي تلميذ الإمام أحمد قال : ( أنكر أبو عبد الله على من رد بشيء من جنس الكلام إذا لم يكن له فيها إما مُقدَّم ) . ( )
    وروى الإمام أبو بكر الخلال في السنة قال أخبرنا أبو بكر المروذي - من خواص أصحاب الإمام أحمد وتلاميذه - فذكر قصة تلخيصها :
    أن رجلا قال : إن الله لم يجبر العباد على المعاصي فرد عليه آخر أن الله جبر العباد على المعاصي أراد بذلك إثبات القدر لما نفاه الآخر وألف في هذا كتابا فأدخله المروذي على الإمام أحمد قال المروذي : ( فأخبرته بالقصة فقال ويضع كتابا ؟ وأنكر عليهما جميعا وأمر بهجران الذي وضع الكتاب ) اهـ . ( )
    قال الخلال وأخبرنا أبوبكر المروذي قال : قال : أبو عبدالله يعني الإمام أحمد : ( كلما ابتدع رجل بدعة اتسعوا في جوابها ) اهـ . ( )

    ومذهب الإمام أحمد في هذا هو مذهب أئمة شيوخه من علماء الأمة المقدَّمين فمنهم شيخه الإمام الحافظ عبد الرحمن بن مهدي فقد قيل له : إن فلانا قد صنف كتابا في السنة ردا على فلان . فقال عبد الرحمن : رد بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم قيل : بكلام ، قال : رد باطلا بباطل ) اهـ .( )

    ومن كلامه الثابت عنه في ذلك ( ولم يزل الناس يكرهون كل محدث من وضع كتاب وجلوس مع مبتدع ليورد عليه بعض ما يلبس في دينه ) اهـ . تاريخ الإسلام ص85
    حكى القيرواني في رياض النفوس :عن سحنون قال : قال بعض أصحاب البهلول بن راشد :
    كنت يوما جالسا عنده ومعه رجل عليه لباس حسن وهيئة فقال له البهلول :
    ( أحبُّ أن تذكر لي ما تحتج به القدرية ، فسكت الرجل حتى تفرق الناس ثم قال له : ياأبا عمرو إنك سألتني عما تحتج به القدرية ، وهو كلام تصحبه الشياطين ، لأنه سلاح من سلاحهم فتزينه في قلوب العامة وفي مجلسك من لا يفهم ما أتكلم به من ذلك ، فلا آمن أن يحلو بقلبه منه شئ فيقول : سمعت هذا الكلام في مجلس البهلول فقال له : والله لأقبِّلنَّ رأسك أحييتني أحياك الله ) اهـ . ( )

    و من الحكايات عن السلف في هذا أيضا ، ما ذكره الإمام أبو عبد الله الذهبي رحمه الله في سير أعلام النبلاء في ترجمة أبي شريح عبد الرحمن بن شُريح المعافري الإسكندراني الذي وصفه الذهبي بقوله : ( الإمام ، القدوة الرباني ،العابد وقال : كان من العلماء العاملين ( )) اهـ . - وهو ثقة روى له الجماعة وقال فيه يحيى بن معين :ثقة وقال أبو حاتم : ( لا بأس به ) . و توفي : سنة 167هـ .
    أقول ذكر في ترجته : قال : قال هانئ بن المتوكل : حدثني محمد بن عبادة المعافري قال: كنا عند أبي شريح – رحمه الله – فكثرت المسائل ، فقال : قد درنت قلوبكم ، فقوموا إلى خالد بن حميد المهري استقلوا قلوبكم ، وتعلموا هذه الرغائب، وتعلموا هذه الرغائب و الرقائق ، فإنها تجدد العبادة ، وتورث الزهادة ، وتجر الصداقة ، و أقلوا المسائل فإنها في غير ما نزل تقسي القلب ، وتورث العداوة .
    قال الذهبي معلقا : ( قلت : صدق و الله ، فما الظن إذا كانت مسائل الأصول و لوازم الكلام في معارضة النص، فكيف إذا كانت من تشكيكات المنطق ، وقواعد الحكمة و دين الأوائل ؟! الخ . )اهـ .

    والخوف على قلوب الناس من تعلق الشبه هي أحد الدواعي المانعة للسلف من التوغل مع المبتدعة، وهناك مانعان آخران يضافان إلى هذا :

    الأول :
    الاتباع لمن سلف وسيـأتي إن شاء الله تعالى مزيد تدليل على أن ذلك هو مذهبهم ومن مذهبهم التسليم لظواهر الشرع إذ لا تثبت قَدَمُ الإسلام إلا على التسليم .

    والمانع الثاني :
    هو الخوف من الوقوع في بِدَعٍ يسوق إليها الجدالُ والكلام وهي غير متناهية ... كما روى الإمام اللالكائي ، ( ت : 418هـ ) والإمام اسماعيل التيمي الأصبهاني ( ت : 535 ) عن الخليل بن أحمد قال : ( ما كان جدل قط إلا أتى بعده جدل يبطله ) اهـ ( )
    ولذا قال الإمام ابن خزيمة في مقدمة كتابه التوحيد :
    ( قد أتى علينا برهةٌ من الدهر وأنا كاره الاشتغال بتصنيف ما يشوبه شئ من جنس الكلام من الكتب ، وكان أكثرُ شُغلنا بتصنيف كتب الفقه ، التي هي خلو من الكلام في الأقدار الماضية ، التي كفر بها كثير من منتحلي الإسلام ، وفي صفات الله - عز وجل - التي نفاها ولم يؤمِن بها المعطِّلون ) اهـ . ( ) فتأمل عبارات هذا الإمام رحمه الله.
    ثم ذكر أن الحامل له على ذلك ، تخوفه من أن يميل بعض من كان يحضر مجلسه من طلاب العلم والحديث إلى قول المعطلة والقدرية المعتزلة ( ) .

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: لم هذا الجدال في معاني الصفات

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.09.08 13:46

    وروى الخلال رسالة للإمام أحمد فيها ...( أتاني كتابك تذكر فيه احتجاج من احتج من المرجئة ، واعلم رحمك الله أن الخصومة في الدين ليست من طريق أهل السنة ... ) اهـ . ( )

    وفي هذه الرسالة ( فإمَّا من تأول القرآن على ظاهره بلا دلالة من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من أصحابه فهذا تأويل أهل البدع …. الخ ) اهـ . ( )
    وقال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد : ( الكلام في صفات الباري كلام يستبشعه أهل السنة ، وقد سكت عنه الأئمة فما أشكل علينا أمرَرْناه كما جاء وآمنا به ، كما نصنع بمتشابه القرآن ، ولم نناظر عليه ، لأن المناظرة إنما تسوغ وتجوز فيما تحته عمل ، ويصحبه قياس ،والقياس غير جائز في صفات الباري تعالى لأنه ليس
    كمثله شئ ) اهـ . التمهيد 19 / 232

    قال الإمام أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي الشافعي ، ( ت : 516هـ ) :
    ( اتفق علماء السلف من أهل السنة على النهي عن الجدال والخصومات في الصفات ، وعلى الزجر عن الخوض في علم الكلام وتعلمه ) اهـ . شرح السنة 1 / 188
    وقال الإمام الكبير شيخ الشافعي وأحمد وغيرهما ، سفيان بن عيينة رحمه الله :
    ( كل ماوصف الله تعالى به نفسه في كتابه ، فتفسيره قراءته ، والسكوت عليه ، ليس لأحد أن يفسره إلا الله عز وجل ورسله ) اهـ . رواه الدارقطني في الصفات رقم 61 صـ 51 والبيهقي في الاعتقاد ( ) ، وأبو اسماعيل الصابوني ( ) وذكره البغوي محتجا به ( ) وصححه الحافظ ابن حجر وعزاه للبيهقي ( ) وذكره السفاريني قائلا : وقال سفيان بن عيينة ونا هيك به ( ).
    وقال تلميذه الإمام الحميدي ، ( ت :219 هـ ) نحو ذلك فإنه قال :
    ( لا يزيد فيه ولا يفسره يقف على ما وقف عليه القرآن والسنة ) اهـ . ( )

    ولهذا لما سئل أبوزرعة عن تفسير قوله تعالى:{ الرحمن على العرش استوى } غضب وقال : تفسيره كما تقرأ هو على عرشه وعلمه في كل مكان ) اهـ . ( ) ولما سئل الإمام أحمد عن { السميع البصير } قال : ( هكذا قال الله تعالى ) . ( )
    وذلك مع كون الإمام أحمد يثبت الصفات ويؤمن بكلام الله تعالى ولا يكيف ولا يعطل ، لكن لما رأى الآية واضحة بلغة العرب المعروفة كره أن يقول من عنده ، ومعنى السكوت ترك المخاصمة والمناظرة المذمومة في ذلك ، ولا يقال إن ذلك معناه التعطيل للظواهر أو أن ذلك تفويض مذموم لأننا نؤمن بالصفات المقدسة ، فلا نعطل ، ولكننا نمر كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأئمة أهل السنة و لا ندقق ولانتوهم و لا نمثل ولانشبه ولا نكيف صفات الذي خلق كل شئ أبدا كما لا نعطل ، قال الإمام الذهبي : ( والمراد بظاهرها ، أي لا باطن لألفاظ الكتاب والسنة غير ما وضعت له ، كما قال مالك وغيره : الاستواء معلوم
    وكذلك القول في السمع والبصر والكلام والإرادة والوجه ونحو ذلك هذه الأشياء معلومة ، فلا تحتاج إلى بيان وتفسير ، ولكنَّ الكيف في جميعها مجهول عندنا ) اهـ . العلو للعلي الغفار ص 186 . وكلام الأئمة في الإمرار مع الإقرار مشهور ثابت لا أطيل بذكره ولم أقصد إليه هنا .

    وقال ابن أبي يعلى : شيخ الحنابلة في عصره وابن شيخهم عند ذكره لاعتقاد والده والسلف قبله : ( والإيمان والتصديق بما وصف الله به نفسه ، أو وصفه به رسوله ، مع ترك البحث والتنقير والتسليم لذلك ، من غير تعطيل ولا تشبيه ولا تفسير ولا تأويل
    000 إلى أن يقول فاعتقد الوالد السعيد وسلفه – قدس الله أرواحهم ، في جميع ما وصف الله تعالى به نفسه ، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم : أن جميع ذلك صفات الله عز وجل تمر كما جاءت ، من غير زيادة ولا نقصان
    وأقروا بالعجز عن إدراك معرفة حقيقة هذا الشأن ، اعتقد الوالد السعيد ومن قبله ممن سبقه من الأئمة أن إثبات صفات الباري سبحانه : إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد ، لها حقيقة في علمه لم يطلع الباري سبحانه على كنه معرفتها أحدا من إنس ولا جان الخ ) اهـ . طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 2 / 208
    وقد ذكر بعد ذلك كلاما مفيدا .
    وذكر الإمام ابن قدامة أن من السنة ترك الجدال والخصومات في الدين ، وترك النظر في كتب المبتدعة ( ) .وقال ابن بطة الحنبلي ، ( ت : 387هـ ) رحمه الله تعالى - بعد أن ذكر بعض الأحاديث في الصفات الخبرية - :
    ( فكل هذه الأحاديث وما شاكلها تمر كما جاءت ، لا تعارض ولا تضرب لها الأمثال ولا يواضع فيها القول فقد رواه العلماء وتلقاها الأكابر منهم بالقبول وتركوا المسألة عن تفسيرها ورأوا أن العلم بها ترك الكلام في معانيها ) اهـ . الشرح والإبانة ص 227 - 229
    فالأئمة كانوا يحتجون بفعل من قبلهم من السلف في رد المحدثات وترك الخوض فيما لم يخض فيه من قبلهم مما أحدث من القول في القدر والصفات الإلهية ونحو ذلك مما لا يمكن الوصول إلى معرفته إلا بخبر عن الشارع وتوقيف منه ، وهذا كثير عنهم لو أراد أحد جمعه لطال.

    ومن الأمثلة على ذلك - وهي كثيرة - قول الإمام أبي عبيد القاسم بن سلام ، ( ت :224 هـ) وذكر الباب الذي يروى في رؤية الله في الآخرة والكرسي موضع القدمين وضحك ربنا ، فقال : ( هذه أحاديث صحاح حملها أصحاب الحديث والفقهاء بعضهم عن بعض وهي عندنا حق لا نشك فيه ، ولكن إذا قيل : كيف يضحك ؟ وكيف يضع قدمه ؟ قلنا : لا نفسر هذا ، ولا سمعنا أحدا يفسره ) اهـ .ذكرها شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية قائلا : ( وروى البيهقي وغيره بإسناد صحيح ) اهـ . الفتوى الحموية ص 30
    وقد رواها الإمام الدارقطني فقال : (( حدثنا محمد بن مخلد ، حدثنا العباس بن محمد الدوري قال سمعت أباعبيد القاسم بن سلام وذكر الباب الذي فيه الرؤية ، والكرسي موضع القدمين وضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره ، وأين كان ربنا قبل أن يخلق السماء ، وأن جهنم لا تمتلئ حتى يضع ربك – عز وجل – قدمه فيها ، فتقول : قط قط ، وأشباه هذه الأحاديث ؟ . ( فذكر ما تقدم ..)) الصفات للدارقطني – تحـ – الشيخ عبد الله الغنيمان - رقم 57 صـ 48 – 49.
    وقد رواها الإمام الذهبي بالسند الصحيح من طريق الدارقطني . ( ) ثم عقب عليها بقوله : ( قلت قد فسر علماء السلف المهم من الألفاظ وغير المهم ، وما أبقوا ممكنا ، وآيات الصفات وأحاديثها لم يتعرضوا لتأويلها أصلا ، وهي أهم الدين ، فلو كان تأويلها سائغا أوحتما ، لبادروا إليه ، فعلم قطعا أن قراءتها و إمرارها على ما جاءت هو الحق ، لا تفسير لها غير ذلك فنؤمن بذلك ونسكت اقتداء بالسلف ، معتقدين أنها صفات لله تعالى استأثر الله بعلم حقائقها ، وأنها لا تشبه صفات المخلوقين كما أن ذاته المقدسة لا تماثل ذوات المخلوقين ، فالكتاب والسنة نطق بها والرسول صلى الله عليه وسلم بلَّغ ، وما تعرض لتأويل مع كون الباري قال : { لتبين للناس ما نُزِّل إليهم } ، (النحل - 16 )
    فعلينا الإيمان والتسليم للنصوص ، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ) اهـ .

    فهذه بعض القواعد المهمة من كلام الأئمة وكلامهم في هذا كثير طيب
    و قد كنت كتبت رسالة طويلة في ذكر ذم الأئمة لهذا النوع من الجدال و التوسع في الشبه، و أرجو أن ييسر الله طبعها ثم نشرها في هذا الملتقى قريبا.
    و القرآن العظيم قد دل على ثلاثة أسس تبيِّن المنهج الصحيح في الصفات، وقد كان الشيخ محمد الأمين ( صاحب أضواء البيان )رحمه الله.
    يذكرها في كتبه ويكررها في دروسه في الحرم وقد سمعتها في بعض الأشرطة المسجلة له. .
    الأساس الأول أو القاعدة الأولى :
    التنزيه التام للباري تعالى عن مشابهة المخلوقين. ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) و قال: ( فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم و أنتم لا تعلمون ) . وقال:( هل تعلم له سميا ) و ( ولم يكن له كفوا أحد ).
    ( لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ). ( الأنعام : 103 ).
    الثاني :
    الإثبات إثباتا مبنيا على هذا التنزيه، ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). فهو سميع بصير ليس كمثله شيء، تعالى وجل عن الأشباه و الأنداد.

    الثالث :
    قطع النظرو اليأس بالكلية من إدراك الكيفية. ( فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم و أنتم لا تعلمون ) .( ولم يكن له كفوا أحد ). ( هل تعلم له سميا ).
    و جميع المؤمنين يؤمنون بأن الذي قال : ( لما خلقتُ بيديَّ ) . هو الذي قال : ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) . فبناء الإثبات على التنزيه التام عن مشابهة المخلوقين مستنبط من القرآن العظيم وكذلك اليأس بالكلية من إدراك الكيفية مؤخوذ من الكتاب العزيز. فهذه ثلاث قواعد و أسس يبنى عليها الكلام في الصفات، كلها مسستنبطة من القرآن من أدلة بينة واضحة.


    وعذرا على بعض الهوامش التي لم تظهر لأنني نقلتها من رسالة عندي ولم أنقل كل الهوامش. استعجالا

    و لست أقصد ذم أحد من الإخوان بعينه ولكن لتبرأ الذمة و تعاونا على البر و التقوى كتبت ذلك بهذا العنوان



    =========


    ومما يتعلق بهذا للفائدة


    ===
    من أراد معرفة طريقة السلف صافية ،فليكثر من النظر في كتب السنة و ليفتش عن كلام الأئمة في كتب السنة ككتاب السنة للخلال والشريعة للآجري والسنة لِلَّلالكائي و ذم الكلام للهروي وغيرها ، وليعتن بالنظر في تراجم كبار الأئمة وبخاصة في الكتب المفردة لتراجمهم و في تراجمهم المطوَّلة، وليقف متأمِّلاِ في كلام الإمام مالك والشافعي وأحمد وأضرابهم ، بعد تدبره لحال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .


    ومن الأدلة على أن من الموانع للسلف الخوف من تأثير الشبه قول شيخ الإسلام سفيان الثوري رحمه الله تعالى ، ( ت :161 هـ ) :
    ( من سمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه ، لا يُلْقها في قلوبهم ) .ذكره الإمام البغوي ( )
    شرح السنة 1 / 194و الذهبي وعقب عليه الأخير : ( قلت أكثر أئمة السلف على هذا التحذير ، يرون أن القلوب ضعيفة والشبه خطافة ) اهـ . ( )


    ومن ذلك ما ثبت عن التابعي الجليل محمد بن سيرين : ( أنه دخل عليه رجلان من أصحاب الأهواء فقالا يا أبا بكر نحدثك بحديث ؟ قال : لا ، قالا فنقرأ عليك آية من كتاب الله ؟ قال لا ، لتقومان عني أو لأقومن : قال فخرجا ، فقال بعض القوم يا أبا بكر ما كان عليك أن يقرآ عليك آية من كتاب الله تعالى قال أني خشيت أن يقرآ علي آية فيحرفانها فيَقِرَّ ذلك في قلبي ) اهـ . ( )
    سنن الدارمي 1 /91 ( 403 ) وسندها صحيح


    ومثله صنيع تلميذه أيوب السَّختياني الإمام الجليل الذي لقبه الحسن البصري بسيد فتيان أهل البصرة إمام زمانه علما وورعا واتباعا ،فعن سَلاّم بن أبي مُطيع - من الثقات المشاهير - قال رجل من أصحاب الأهواء لأيوب -السختياني - أسألك عن كلمة فولَّى أيوب وهو يقول : ( ولا نصف كلمة ) اهـ . ( )

    ومما يتعلق بهذا من الحكايات عن السلف وهي كثيرة ، ما رواه الآجري بالسند الصحيح عن معن بن عيسى قال : انصرف مالك بن أنس يوما من المسجد، وهو متكئ على يدي فلحقه رجل ، يقال له : أبو الجيرية كان يتهم بالإرجاء فقال يا عبد الله اسمع مني شيئا أكلمك به وأحاجك وأخبرك برأيي قال : فإن غلبتني ، قال إن غلبتك اتبعتني قال : فإن جاء رجل آخر فكلمنا ، فغلبنا ، قال نتبعه ، قال : مالك ، يا عبد الله بعث الله محمدا بدين واحد ، وأراك تنتقل من دين إلى دين ، ثم ذكر قول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى : (( من جعل دينه غرضا للخصومات أكثر التنقل ) اهـ . ( )


    وهو ثابت عن الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز ( ) وقال ابن الحنفية : ( لا تنقضي الدنيا حتى تكون خصوماتهم في ربهم ) اهـ .


    وقد ذكر الأئمة أن السلف ذموا هذا الجدال ، قال اسماعيل التيمي :
    ( وقد ذم السلف الجدال في الدين ورووا في ذلك أحاديث وهم لا يذمون ما هو الصواب ) اهـ . ( ) وروى الخلال : (( أن معاذ بن معاذ تكلم بكلام ، أراد به ضد القدرية فبلغ يحيى بن سعيد القطان فأرسل بابنه محمد ، أدركت ابن عون ويونس ، هل سمعت أحدا منهم تكلم بمثل هذا ؟ ))



    والنقل
    لطفــــــــــــاً .. من هنــــــــــــا
    [/b]
    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: لم هذا الجدال في معاني الصفات

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.09.08 14:03

    قال شيخ الإسلام أبو محمد ابن قدامة : بعد بيانه خطأ التأويل في الصفات الإلهية لرب البرية:

    ( وإذا انسد باب التأويل من هذه الطرق كلها مع أن في واحد منها كفاية لم يبق إلا الطريق الواضح والقول السديد وسلوك سبيل الله تعالى التي دلت على استقامتها الآثار وسلكها الصحابة الأبرار والأئمة الأخيار ومضى عليها الصالحون واقتفاها المتقون وأوصى بلزمها الأئمة الناصحون الصادقون وهي الإيمان بالألفاظ والآيات والأخبار بالمعنى الذي أراده الله تعالى والسكوت عما لا نعلمه من معناها وترك البحث عما لم يكلفنا الله البحث عنه من تأويلها ولم يطلعنا على علمه واتباع طريق الراسخين الذين أثنى الله عليهم في كتابه المبين حين قالوا : ( آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)(آل عمران: من الآية7) فهذا الطريق السليم الذي لا خطر على سالكه ولا وحشة على صاحبه ولا مخافة على مقتفيه ولا ضرر على السائر فيه من سلكه سلم ومن فارقه عطب وندم وهو سبيل المؤمنين الذي دلت عليه السنة وسلكه صالح الأمة) اهـ . ( )

    قال الطحاوي رحمه الله :
    ( وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال الله تعالى في كتابه: (لا يسأل عما يفعل وهم يسألون) . فمن سأل: لِمَ فعل ؟ فقد ردَّ حكم الكتاب، ومن ردَّ حكم الكتاب كان من الكافرين ) . اهـ . ( )


    وقال أيضا :( ولا نخوض في الله، ولا نماري في دين الله، ولا نجادل في القرآن ، ونشهد أنه كلام رب العالمين، نزل به الروح الأمين، فعلمه سيد المرسلين، محمدا صلى الله عليه وسلم، وهو كلام الله تعالى لا يساويه شيء من كلام المخلوقين، ولا نقول بخلقه، ولا نخالف جماعة المسلمين )

    العقيدة الطحاوية : صـ 40قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( روى أبو بكر الأثرم عن الفضيل بن عياض قال ليس لنا أن نتوهم في الله كيف وكيف لأن الله وصف فأبلغ فقال: ( قل هو الله أحمد الله الصمد ) فلا صفة أبلغ مما وصف به نفسه )
    شرح الأصفهانية : صـ 33.

    __________________
    د/ عبد الله الميموني - جامعة طيبة - المدينة المنورة



    ====================


    الإمام الحافظ أبا عبد الله الذهبي قال :
    ( و في كتابه بحوث عجيبة مع المريسي يبالغ فيها في الإثبات ، والسكوت عنها أشبه بمنهج السلف في القديم والحديث ) اهـ .
    قال ذلك في كتاب الدارمي عثمان بن سعيد في النقض على بشر المَرِيسي
    ولعثمان الدارمي هذا رحمه الله تعالى قصة تتعلق بهذا مفيدة ، وفيها عبرة وقعت له مع شيخه الإمام المشهور المتفق على جلالته يحى بن يحيى التميمي ، ( ت :226 هـ )
    قال رحمه الله تعالى : ( ذهبتُ يوما أحكي ليحيى بن يحيى بعض كلام الجهمية لأستخرج منه نقضا عليهم ، وفي مجلسه يومئذ حسين بن عيسى البسطامي وأحمد بن الحريش القاضي ومحمد بن رافع ، وأبو قدامة السرخسي فيما أحسب وغيرهم من المشايخ ، فزبرني يحيى بغضب ، وقال : اسكت ، وأنكر على أولئك استعظاما أن أحكي كلامهم، وإنكارا )
    سير النبلاء 10 / 518 :
    و عندي في هذا من كلام السلف و من الجواب على بعض ما يظن أنه شبهة تتعلق بذلك كلام طويل أودعته كتابي
    ذم الأئمة التوسع في ذكر الشبه في الصفات الإلهية و القدر و كراهتهم الخصومات فيها
    لكنه لم يطبع و قد وافقت بعض الدور المشهورة على طبعه و لكن لم يتم الاتفاق و لازلت مترددا في أي دار أطبعه رجاء كثرة نفعه و الله المستعان
    __________________
    د/ عبد الله الميموني - جامعة طيبة - المدينة المنورة


    ========= تعليق =========


    بارك الله فيك أخي أبا محمد على طرح هذا الموضوع الذي أشاطرك فيه الرأي وأسأل الله أن يزيدك ورعا ، إذ أورع الورع فيما أحسب أن يتورع الإنسان – ممن عرف حقيقة نفسه بالأخص عندما يتحدث عن خالقه – أن يتورع عن التوسع في الكلام في صفات الله العزيز المتعال ذي الجلال والإكرام ، التي لو أراد الله منا أكثر من الإيمان بها وتفويض كثير من حيثياتها لعالم الغيب والشهادة لفصلها لنا تفصيلا في كتابه ، إذ ليس تفصيل بعض الأحكام العملية والسلوكيات الإجتماعية التي جاءت في القرآن الكريم بأهم من تفصيل تلك الصفات الإلهية لو كان تفصيلها مرادا أو معرفة تفصيلاتها مطلوبا منا .

    وأود أن أذكر اخوتي بحديث للنبي لم هذا الجدال في معاني الصفات Sallah هو عندي من أعظم الأحاديث – وكل أحاديث النبي لم هذا الجدال في معاني الصفات Sallah عظيمة – ومن المصابيح التي رزقنا إياها الله عز وجل عن طريق نبينا لم هذا الجدال في معاني الصفات Sallah فتنير لنا الطريق ، إذ أن الله تعالى عندما خلق هذه النفس خلقها على فطرة سوية ، وهداها النجدين ، وألهمها فجورها وتقواها ، بحيث تكون في عدد ليس بالقليل من الأمور والمسائل قادرة ولو بنسبة معينة من استشعار الخير والشر أو الصواب والخطأ بالذات إذا سلمت من الآفات والمؤثرات الخارجية .

    وهو حديث يدور في فلك المعاني السابقة ، وهو ما رواه مسلم في صحيحه :
    عَنْ نَوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ قَالَ : أَقَمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةً مَا يَمْنَعُنِي مِنْ الْهِجْرَةِ إِلَّا الْمَسْأَلَةُ كَانَ أَحَدُنَا إِذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ قَالَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    " الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ ، مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ".

    فالبر وهي لفظة تدل على مجامع الخير يكون بحسن الخلق ، وأول من يجب على الإنسان أن يحسن خلقه معه هو خالقه عز وجل ، بحيث يتصف بالخشية والرهبة من الله ، ويحاول استشعارها ، وأن يكون حييا ومنكسرا بل ذليلا لله الواحد القهار ، فإذا تحقق للإنسان ذلك واستشعره حق الاستشعار فوالله لن يكون جريئا في السؤال عن تفصيلات صفات الله عز وجل فضلا عن أن يكون جريئا في الخوض فيها أو الإجابة عنها .
    ومن باب المقارنة بين حال الصحابة مع النبي لم هذا الجدال في معاني الصفات Sallah - الذين هم قدوتنا بعد النبي لم هذا الجدال في معاني الصفات Sallah – الذين ما كانوا ليجرؤا على الإكثار من سؤاله لم هذا الجدال في معاني الصفات Sallah ، وبين حال بعض من يجرؤ على الخوض في تفصيلات صفات خالقه ، مع الفارق الكبير بين منزلة الاستحياء من الخالق ومنزلة الاستحياء من المخلوق مهما علت منزلته .

    أما الإثم فإن من أبرز علاماته أن النفس البشرية لا تطمئن له حتى لو وقع الإنسان فيه ، فإنه داخليا منكرا له مستوحشا منه ، أو على أقل تقدير ليس مرتاحا له كارتياحه للبر .

    ومن علاماته أيضا أن فاعله لا يحب أن يطلع عليه أحد ، ويميل إلى إخفائه عن الناس بالذات عن من يخالفه ، وعلى أقل تقدير جرأته في إبدائه وإظهاره أقل من جرأته في إظهار البر .

    وإني هنا أتحدث عن نفسي ، فكم من مرة ناقشت من يخالفني في موضوع الأسماء والصفات وبعد انتهاء المناقشة والمجادلة اشعر بأني قد جرأت على الله عز وجل ، وأني أتيت ببعض كلام في نفسي منه شيء ، ووددت لو أني أخفيته ولم أطلع عليه أحدا .
    فضلا عن ما يحدث لي من ضيق صدر ووحشة تستدعيني للنطق بكلمة التوحيد والاستغفار وترديد قوله تعالى : ( وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) .
    فأسأل الله عز وجل أن نكون وقافين عند ما أوقفنا ربنا ، غير طامعين في معرفة ما خفي أو أشكل على من هو أعلم منا – أقصد بعض العلماء الربانيين - ، وأن يجعلنا متبعين لا مبتدعين ، مقتنعين لا مقلدين مطلقا ، إلا لمن أوجب الله علينا تقليده .


    ===============


    من رسالة الإمام أحمد الثابتة المشهورة ذكرها ابنه صالح و عبد الله عن أبيهما الإمام أحمد ورواها الأئمة . وقال الذهبي إن سندها كالشمس
    مما جاء فيها قوله في آخرها : (وقد روى عن السلف أنهم كانوا يقولون: (القرآن كلامُ الله غيرُ مخلوق) وهو الذي أذهب اليه، لستُ بصاحب كلام، ولا أرى الكلام في شيء من هذا الا ما كان عن كتاب الله أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه أو عن التابعين. فأما غير ذلك، فإن الكلام فيه غير محمود ) اهـ.
    فهذا كلام الإمام أحمد في أشد أوقات الفتنة في الوقت الذي يضيق فيه على أهل العلم والسنة وتثار فيه شبه المبتدعة يختار الكف عن القول إلا ما كان عن كتاب الله أو حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه أو عن التابعين. فأما غير ذلك، فإن الكلام فيه غير محمود عنده، وذلك طلبا للسلامة واتباعا لمن قبله.
    وقد قلت قبل إن الرد على المبتدعة يحتاج إليه كما هو معلوم لئلا يفتن الناس ويبتلى المتبعون للسنن و قد تقدم قول الإمام ابن عبد البر في تقييد كلام مالك المتقدم - في كراهتِهِ و كراهة أهل بلده الكلام فيما ليس تحته عمل و في كراهتهم الكلام في رأي جهم ونحوه - بأن ذلك مذهب أهل السنة إلا أن يخشوا ضلال العامة أو يطمعوا برد صاحب بدعة عن بدعته.
    و من البيان الذي يجب على أهل العلم بيان مذهب أهل السنة و السلف و كشف تلبيس المبتدعة وبيان ضلالهم فكل ذلك مما تدعو إليه الحاجة الملحة أحيانا، ولكن لا بد أن يكون من يبين و يرد الشبهات التي يخشى على الخلق منها ممن رسخت في علوم الشرع قدمه، و إلا فالسلامة أولى، فأنه يسع العالم سلوك طريقة الإمام مالك و سفيان الثوري وسفيان بن عيينة و عبد الرحمن بن مهدي ويحيى القطان و ابن المبارك و يحيى بن يحيى التميمي و الشافعي وأحمد بن حنبل وإبراهيم الحربي وغيرهم، ممن آثروا الكف لا عجزا ولكن تورّعا واتباعا وخوفا من تكثير الشبه وتطويل الكلام فيسعه ذلك لما قدمت من الأدلة والأخبار عن الصحابة كقصة عمر مع صَبِيغ بن عِسْل ولما ذكرت من الأخبار الصحيحات عن جماعة من أتباع التابعين ومن بعدهم ممن أدرك القول بالإرجاء والقدر والتجهم ثم من أدرك بدعة الاعتزال وغيرها.
    وما تدعو إليه الضرورة أو الحاجة الملحة يقدَّر بقدره ثم لكل مقام مقال هو به أليق و الاتباع للسنن منجاة عند الاختلاف.

    وأوصي الإخوان بتأمل القواعد الثلاث المستنبطة من القرآن العظيم التي ذكرها خاتمة المحققين الشيخ العلامة محمد الأمين صاحب أضواء البيان وقد ذكرتها سابقا ومن أراد السنة وسأل الله تعالى بصدق وإلحاح وبكاء بين يديه أن يرزقه فهمها والعمل بها في هذا الموضع فقمن أن يوفق ويهدى ومن كان همه ماذا قال فلان وفلان فسيشق عليه عند تبحره في العلم ما يراه من اختلاف ودقائق يحار فيها لبه و يلزمه العلم والإنصاف أن يجمع عبارات الأئمة ويفهم موارد اتفاقهم ودقائق اختلافهم ثم ينتهي به الأمر إلى طأطأة رأسه للسنة وطريقة الأئمة من أهل القرن الأول و الثاني.
    وقد يأمن الخائف ولو زل لأنه مجتهد و يخاف الجريء ولو أصاب لأنه لم يخف ولم يراقب الله تعالى .__________________
    د/ عبد الله الميموني
    جامعة طيبة- المدينة المنورة


    ================


    ملاحظتان :

    1/ تجد بعض الإخوة إذا سمع قوله تعالى : لم هذا الجدال في معاني الصفات Startوجاء ربك والملكلم هذا الجدال في معاني الصفات End يقول : ما معنى المجيء ؟ وكذلك في اليد، والوجه، والضحك .. ما معناها ؟ فيسأل عن معان كلمات هي بمعيار اللغة أصغر الوحدات ؛ لو أردت تبسيطها لعقّدتها، كقولنا الخير والشر والفضيلة والصدق .. معان معلومة بالضرورة .. إذا سألت عن معانيها دونما ضرورة فهذا تنطع مذموم

    2/ إذا ذكرت آية اشتملت على صفات الباري عز وجل - كآية المجيء السابقة - رأيت مريض العقل وملوث الذهن يسرع لتفهم معنى المجيء فالكيفية ويتطلع للتناظر، مع غلو ظاهر .. أما العامي ذو الفطرة السليمة فبمجرد سماع الآية يتجلله خشوع مع خضوع .. وأظنه هو المراد من ذكر آيات الصفات في معظم الآيات ؛ والله أعلم



    ========= تعليق =======



    أما بخصوص الموضوع ، فأرى والله أعلم ، أن الأصل هو الإمرار وعدم التعمق في مثل هذه المسائل ، وهذا كان أيام الإمام مالك حيث كانت السُنة ظاهرة ، لكن لما كثر المبتدعة وشبهاتهم الكلامية ، فيجوز التعمق في ذلك لضرورة الرد على الخصم ، وللظرورة أحكام كما لا يخفى

    لكن ، قد يكون التعمق والتناظر ، متعينا في بعض الأحيان ، وكتب شيخ الإسلام ابن تيمية طافحة بلذلك...
    ولا يأتي من يتشدق ويقول بأن شيخ الإسلام ، غير معصوم ، أقول ، نعم غير معصوم ، لكن ما فعله مع المبتدعة ومحاججتهم بنفس منهجهم، وتبيين وجوه بطلان أقوالهم ، والتعمق في ذلك ، وبمناظرتهم نفس عقليتهم ، له من المزايا التي جعلت كثير منهم يتوب من منهجه في كل زمان ومكان ،

    وسأضرب مثالا.. ،، لا يخفى عليكم ما يقوله القوم-هداهم الله- من أن الله ليس في السماء ، لأن الأرض كروية ، فإن كان في العلو لمنطقة معينة ، فيلزم أن يكون في السفل لجهة أخرى...

    ولا يخفى عليكم هذا الإسلوب الماكر ، والتعمق الزائد في ذات الله عز وجل ، الذي لا يبلغ كنه صفته الواصفون..!!

    فهنا يجب على من لديه حجة عقلية بأن يحاجج بها هذا المبتدع ، وإلا لظهر كالمسكين العاجز عن الجواب أمامه!!

    لكن ، أكرر ، في أن الأصل هو عدم التنطع في مثل هذه المسائل ، بل تقابل بالإمرار والتسليم لظاهرها ، والسكوت


    المصدر السابق

    avatar
    الشيخ إبراهيم حسونة
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته
    كان الله تعالى له وجعل ما يفعله في ميزان حسناته


    ذكر عدد الرسائل : 9251
    شكر : 7
    تاريخ التسجيل : 08/05/2008

    الملفات الصوتية رد: لم هذا الجدال في معاني الصفات

    مُساهمة من طرف الشيخ إبراهيم حسونة 24.09.08 14:14

    قاعدة تغافل عنها الكثير / ذكرها الشيخ بكر أبو زيد - حفظه الله السلام عليكم

    ((قال الشيخ بكر أبو زيد في "الأجزاء الحديثيثة" (ص228-229):


    (قاعدة ثالثة: تغافل عنها كثير من الخلق؛ لشدة ضراوتهم على السلف في الإعتقاد ليس كالتقييد للنقص على أهل الفرق كالأشاعرة، وذوي الإعتزال مثل الأباضية، فإنهم معتزلة في الأسماء والصفات، ولا كلام .. وبيان هذا:

    إن السلف إذا كتبوا الإعتقاد على سبيل التقرير والبيان، قصروا ذلك على موارد النصوص الثابتة، ومنها: "عقيدة الطحاوي"، وأبي الخطاب الكلوذاني، وابن تيمية في "العقيدة الواسطية" وغيرها.

    وأما إذا كتبوا للرد والنقض مثل كتاب "نقض الدارمي عثمان بن سعيد على بشر المريسي العنيد" فإن مقام النقض يفرض الإبطال لكلام الخلفي.

    ولهذا فلا يهولنك ما يهرج به الخلف على السلف من أنهم أطلقوا على الله كذا وكذا، كما هوش بذلك الكوثري في مقالاته على أهل السنة بعبارات نقلها عن الدارمي في نقضه، وقد قف شعري وحصل في النفس حسيكة على الإمام الدارمي من خلال نقول الكوثري عنه نص العبارة وبرقم الصفحة، فلما رجعت إلى مقولات المريسي وصاحبه ابن الثلجي وجدت أن الدارمي رحمه الله تعالى أمام عبارات فجة، وإطلاقات خلفية لا تصدر من متماسك في دينه وعقله. فالدارمي لم يبدأ بتلك العبادات، وإنما هو في مجال النقض، لا في مجال التقرير، والله أعلم". انتهى.))



    والنقل
    لطفــــــــاً .. من هنـــــــــــــــا

      الوقت/التاريخ الآن هو 15.11.24 2:25