[size=28](من يزعم أن التصوف من مذاهب أهل السنة والجماعة فقد ظلم نفسه ظلما عظيما)
(بسم الله الرحمن الرحيم)
تحت عنوان :
(من يزعم أن التصوف من مذاهب أهل السنة والجماعة فقد ظلم نفسه ظلما عظيما)
في جريدة المدينة
قال الشيخ/أحمد بن يحى النجمي -حفظه الله تعالى-:
(فقد قرأت المقال الذي كتبه عبدالعزيز قاري في ملحق المدينة ص5 من يوم الجمعة 19/4/1426هـ وهو قوله: (إن الصوفية مذهب من مذاهب أهل السنة والجماعة) وسمعت أن الشيخ ربيع رد على هذا القول وقال: إن الصوفية ليست من مذاهب أهل السنة والجماعة ولكن كلمة القاري وجدت من يبررها، وينصرها حيث رد بعض المشايخ على الشيخ ربيع وزعموا أن هذا غلو منه، وبعد عن الحقيقة، وذكروا أقوالا عن بعض أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، واحتجوا على تبرير ما قاله عبدالعزيز القاري.
وأقول: إن من يزعم أن التصوف من مذاهب أهل السنة والجماعة فقد ظلم نفسه ظلما عظيما، وعليه أن يستغفر الله، ويتوب إليه، وليعلم الجميع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرد على أصحاب الغلو غلوهم.
وإن أصل التصوف مبالغة في التعبد، وزهد في الدنيا، وكان ذلك في أوله فيه شيء من القرب إلى السنة والاعتدال كما كان في الصوفية القدامى كأمثال الداراني، وابن أبي الحواري، والجنيد وبشر الحافي وإبراهيم بن أدهم، وأمثال هؤلاء إلا أنه قد تطور التصوف من سيئ إلى أسوأ وبعد عن السنة بعدا عظيما فنشأ عن ذلك ما يسمى بالفناء، وما يسمى أيضا بالمحو، والسكر والغيبة، والطي، والحضور بالحق، والجلوة والإحسان حتى قال قائلهم:
يارب جوهر علم لو أبوح به
لقيل لي أنت ممن يعبد الوثنا
ولا استحل رجال مسلمون دمي
يرون أقبح ما يأتونه حسنا
وأقول: ليست صوفية أهل القرن الثاني كصوفية المتأخرين، الذين بدأت صوفيتهم بالزهد والاجتهاد في العبادة فيها، التي قد تخرج عن الحد المعقول، الذي قرره الله عز وجل على لسان نبي الهدى، ورسول الرحمة صلى الله عليه وسلم حيث قال: (والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، واصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني). وجاء في الصحيحين، واللفظ للبخاري من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت عندي امرأة من بني أسد، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذه؟ قلت فلانة لا تنام بالليل، تذكر من صلاتها، فقال: مه عليكم ما تطيقون من الأعمال، فإن الله لا يمل حتى تملوا).
إن الصوفية بعد القرن الثاني قد تطورت، وتحولت من سيئ إلى أسوأ، فطرأ عليها الفناء ويسمى كما سبق بالمحو والسكر، والغيبة، والطي، أنظر كتاب الكشف عن الصوفية لأول مرة ص27 وفي ص29 نقل عن القشيري قوله: (وهذه الطائفة يستعملون ألفاظا فيما بينهم قصدوا بها الكشف عن معانيهم لأنفسهم، والإجمال، والسكر على من باينهم في طريقتهم لتكون معاني ألفاظهم مستبهمة على الأجانب، غيرة منهم أن يشيع استعمالها في غير أهلها) اهـ قلت ليس الأمر كما قال المؤلف، بل أبهموا على غيرهم أو جاءوا بألفاظ محتملة حتى لا يحكم عليهم بالردة فيقتلوا، ولهذا حكى صاحب الكشف ص50 عن أبي مدين أنه قال:
وفي السر أسرار دقاق لطيفة
تراق دمانا جهرة لو بها بحنا
معنى هذا البيت أنهم يبطنون كلماتهم بمعان هي تعتبر عند اهل الشريعة كفرا وزندقة، لو أظهروها لأبيحت دماؤهم وقتلوا بسببها.
أقول: يجب على من يقول إن الصوفية من مذاهب أهل السنة والجماعة أن يستغفر الله كثيرا لعل الله أن يتوب عليه في هذا القول السيئ، فإن الصوفية في هذا الزمن هي الصوفية التي تجعل العبد ربّاً والعكس، لتمزج بين الخالق والمخلوق، ولهذا يقول شاعرهم:
الرب عبد والعبد رب
فليت شعري من المكلف
وهذا ابن هود يقول في الأبيات السابقة، واصفا لنفسه بأنه قد جمع بين المتناقضات، فهو عبد ورب في آن واحد، وهو دنيا وآخر في آن واحد، وهو بعض وكل في آن واحد، هذا كلام لا يصدقه عقل،ولم يأت به شرع، بل أي عاقل يحكم على قائله بالجنون والهوس، وقال الشيخ عبدالرحمن الوكيل في كتابه هذه هي الصوفية تحت عنوان ضحية للصوفية ص15: هذا رجل شاب مسلم أغوى صباه الغرير سحر الصوفية، فجرعته زعافها يحسبه خمرة الجنة تدهق، كؤوسها الملائكة، وغسلينها يخاله رحيقا ترويه به الحور النواعم، ثم أشرقت على روحه المظلم أشعة الهدى من كتاب الله، فنظر فماذا رأى؟ رأى ماضيه الصوفي شيطان كفر مارد يغتال إيمانه وشرك يعصف بالرمق الشاحب من توحيده، فيا حر قلباه!! كان الفتى اليتيم يأمل أن يمشي على الماء، وأن يحلق بجناحيه فوق قبة النجوم، وأن يتحد بالروح الإلهي الأعظم وأن يهتك- كالشهاب الثاقب- حجب، السوية والغيرية، ليشهد حقيقة الوحدة الكبرى، وحدة الوجود ويسعدها بها، وقد تحققت في ذاته، كان يأمل ذلك كله، فبكل هذه الأساطير المجوسية وعدته الصوفية، ولكن وآه مما بعدها من ادمع وجراح..) إلى أن قال: (وهنا في القلب جراح نازحة (أي نازفة) تنوح بين يديك بمأساتي الدامية!! أملت الاتحاد بالروح الإلهي، فلم أجد غير الشيطان ينفث في دمي فتونه، ويتلظى في غرائزي غيا يتعشق كل ساجية!!.. (إلى أن قال: (وعدتني بالربوبية (يعني الصوفية) تتجلى فيّ بصورة بشرية، فأصرف الوجود بقدري القاهر وقضائي الذي لا مرد له، واسخر السماء، والأرض، والعواصف، والجن، والملائكة، والحور أسخرهم لصبوات شبابي، ونزوات هواي، ألم يبح كاهن الصوفية التلمساني في دينه الأم والأخت، ويرمي من يحرمهما على الابن والأخ بأنه محجوب؟! ألم يؤكد طاغوت الصوفية الأكبر ابن عربي أن الرب الأعظم غانية هلوك تحترق الشفاه على ثغرها قبلا دنسة ملتهبة! وأن هذا الرب لا يبلغ كمال تجليه الأعظم إلا حين يتجسد في صورة أنثى تجتاح أنوثتها خطيئة كل عربيد في غيابة الليل!!) اهـ اللهم أنزل غضبك، ونقمتك، وبأسك الذي لا يرد بمن قال هذا القول المتناهي في الخبث، ومن ردده مقرا له، ومعجبا به.
فهل يقول أحد أن الصوفية من مذاهب أهل السنة والجماعة إلا جاهل لا يدري ما هي الصوفية المعاصرة أو مفتون بها يحسب أن الصوفية من مسالك أهل التقى، فعلىهذا أن يقرأ عن الصوفية الكتب الآتية، ليعرف عنها المزيد.
1- هذه هي الصوفية للشيخ عبدالرحمن الوكيل أحد أعضاء جماعة أنصار السنة المحمدية بمصر.
2- الكشف عن الصوفية لأول مرة لمؤلفه محمود عبدالرؤوف القاسم.
3- مصرع التصوف أو تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي للعلامة برهان الدين البقاعي.
4- الأنوار الرحمانية لهداية الفرقة التيجانية للشيخ عبدالرحمن الإفريقي.
وأقول الله سبحانه وتعالى أخبرنا بأنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، وأنه في حال استوائه يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، وأن جميع الكون مخلوق وهو الخالق، ومربوب وهو الرب، فمن زعم أن ما في هذا الكون من مخلوفات هي عين الخالق أو أنه اتحد بها أو حل بها، فهو دجال، كذاب، مفتر، كافر بالله كفر أشد من كفر فرعون، وهامان، وأبي جهل، وأبي لهب، وأبي بن خلف، واعظم كفرا من كفر جميع الكفرة، الذين حاربوا الرسل، فيا أسفاه على مسلم يعتقد هذا الاعتقاد، ويعجب بهؤلاء الكفرة، وبالتالي فإني أنصح طلاب العلم، والمشايخ المتصدرين للدعوة أن يتقوا الله عز وجل، وأن يخشوا الوقوف بين يديه، ويبتعدوا عن تبرير عقيدة الصوفية المارقة الموجودة في هذا العصر إذا أن الصوفية إذ ذكرت في هذا الزمن لا يتبادر منها إلا هذا.
وقد رأيت في كلام أحد المشائخ الذين ردوا على الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، وهو المدعو الهادي محمد المختار، ولقد عجبت من قوله: (وبعد يا فضيلة الدكتور ربيع المدخلي هذه أقوال المتصوفة التي حددوا فيها منهجهم، وأساس عملهم، وهذه أقوال المنصفين من أئمة المذهب السلفي في المتصوفة، أفلا يصلح أي شيء من هذا، ليشفع للمتصوفة حتى لا تبقيهم، سامحنا الله وإياك في خانة الزيغ والضلال و.. فمن يكون أهل السنة والجماعة إذا لم يكن المتصوفة منهم؟ ألا يشفع للمتصوفة جهاد الحاج عمر الفوتي سلطان الدولة التجانية في غرب إفريقيا الذي جاهد ضد الفرنسيين، وضد الوثنيين في مناطق شاسعة من منطقة غرب إفريقيا، وثبت أركان الإسلام فيها، وكان يحفظ صحيح البخاري ومسلم؟ ... الخ) اهـ.
وأقول: يا قوم إن الأعمال لا تقبل عند الله حتى تكون خالصة لوجهه، صوابا على ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس كل من جاهد وهو على عقيدة سيئة يكون عمله مبرورا وقد ورد عند الإمام أحمد في مسنده عن إبراهيم بن عبيد بن رفاعة أن أبا محمد أخبره، وكان من أصحاب بن مسعود حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر عنده الشهداء فقال: (إن أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش، ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته) وإذا كان الحاج عمر الفوتي سلطان الدولة التجانية في غرب إفريقيا مشبعا بالصوفية المارقة، صوفية شيخه احمد التجاني فكيف يقال بأن جهاده يكون مبرورا ومقبولا عند الله، والله سبحانه وتعالى يقول: ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا) وقد قالت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في بحثها المختصر عن الطائفة التجانية ص25: (وقد غلا عمر بن سعيد الفوتي في تعظيم شيخه احمد بن محمد التجاني، فزعم أنه خاتم الأولياء، وسيد العارفين وأنه لا يتلقن واحد من الأولياء فيضا من نبي الله إلا عن طريقه من حيث لا يشعر به ذلك الولي قال: (الفصل السادس والثلاثون في ذكر فضل شيخنا رضي الله عنه وأرضاه وعنا به، وبيان أنه هو خاتم الأولياء، وسيد العارفين، وإمام الصديقين ومدد الأقطاب والأغواث، وأنه هو القطب المكتوم، والبرزخ المختوم، الذي هو الواسطة بين الأنبياء والأولياء بحيث لا يتلقن واحد من الأولياء من كبر شأنه ومن صغر فيضا من حضرة نبي إلا بواسطته رضي الله تعالى عنه من حيث لا يشعر به ذلك الولي..) انظر الرماح ج2/4 قالت اللجنة: إن هذه الكلمات ناطقة بالشرك الصريح والكذب المكشوف، والغلو الممقوت، فقد جعل شيخه أعلى مرتبة من الصحابة، وسائر القرون الثلاثة من شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم خير القرون بله من سواهم من الصالحين، ثم ذكر ما نصه في الرماح ج2/5: (أن بعض من لم يكن له في العلم، ولا في نفحات أهل الله من خلاق قد يورد علينا إيرادين:
أولهما: أنه يقول: إن الشيخ رضي الله عنه وأرضاه مدح نفسه وزكاها، وذلك مذموم.
ثانيهما: أنه يقول: (إن الشيخ رضي الله تعالى عنه وأرضاه وعنا به: إن الفيوض التي تفيض من ذات سيد الوجود تتلقاه ذوات الأنبياء، وكل ما فاض وبرز من ذوات الأنبياء تتلقاه ذاتي ومني يتفرق على جميع الخلائق من نشأة العالم إلى النفخ في الصور) ويدخل فيه جميع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فيكون أفضل من جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وذلك باطل.
و(كذا قوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: ولا يشرب ولي ولا يسقى إلا من بحرنا، من نشأة العالم إلى النفخ في الصور، وكذلك قوله رضي الله عنه وأرضاه وعنا به: إذا جمع الله تعالى خلقه في الموقف ينادي مناد بأعلى صوته يسمعه كل من بالموقف: يا أهل المحشر هذا إمامكم، الذي كان مددكم منه.. الخ) اهـ وأقول ما نقلته عنه اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء من هذه الهراءات، والإدعاءات العريضة يدل على أنه يفضل نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا كذب، ودجل، وتضليل عامله الله بما يستحق.
وأقول من أين لأحمد التيجاني هذه الفيوضات التي تفيض من ذات الرسول إلى ذوات الأنبياء ومن ذوات الأنبياء إلى ذاته، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يدعي هذا، بل إن التيجاني قد جعل نفسه أعظم من الرسول صلى الله عليه وسلم حين يقول عمر الفوتي في شيخه أحمد التيجاني: (إذا جمع الله تعالى خلقه في الموقف ينادي مناد بأعلى صوته يسمعه كل من بالموقف: يا أهل المحشر هذا إمامكم، الذي كان مددكم منه) وعمر الفوتي قد أقر شيخه على هذا الباطل، فيا عباد الله: إن من جاهد وهو غارق في هذه الأفكار الخاطئة، لا ينفعه جهاده ما دام معتقدا للفيوضات، وأنها تأتي من ذات الرسول أليس هذا من الشرك؟ أليست هذه الإدعاءات إدعاءات باطلة، كاذبة؟! عليكم أن ترجعوا إلى البحث المختصر عن الطائفة التيجانية الذي اعدته اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
وهكذا يقال: إن كل من جاهد من الصوفية فجهاده ممزوج بالشرك، والبدع، ولا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصا، صوابا.
عليكم أن تعودوا إلى المنبع الأصيل كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما كان عليه السلف الصالح، ألم تسمعوا إلى قول الله تعالى: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) وفي سنن ابن ماجة وغيره عن عائشة قالت قلت: يا رسول الله: (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) أهو الذي يزني، ويسرق، ويشرب الخمر، قال: لا يا بنت أبي بكر أو يا بنت الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويتصدق، ويصلي، وهو يخاف أن لا يتقبل منه).
أحمد بن يحيى النجمي )ا.هـ
المصدر :
جريدة المدينة - الجمعة 24 جماد الأول 1426 - ( العدد 15409) - ملحق الرسالة .
والنقل
لطفــــــــاً .. من هنـــــــــــــــا
[/size]